- السيرة / ٠1السيرة النبوية
- /
- ٠2فقه السيرة النبوية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أيها الإخوة الكرام، مع درس جديد من دروس فقه السيرة النبوية، وموضوع اليوم كما ذكرت في درس سابق أننا وصلنا في تسلسل الأحداث إلى نهاية طريق الهجرة، ولكنني أردت أن أقف وقفات متأنية عند أحداث شهيرة حدثت قبل الهجرة، تحدثت عن انشقاق القمر، وسأتحدث اليوم عن موضوع حلف الفضول.
دلالات حلف الفضول:
الحقيقة هناك دلالات كبيرة جداً لهذا الحلف الذي حضره النبي r قبل البعثة، وباركه بعد البعثة، مع أن الذين أقاموا هذا الحلف ليسوا على ما ينبغي أن يكونوا عليه، ولكن الخير يجب أن ندعمه أينما كان، أما التقوقع، والقطيعة، وإلغاء الطرف الآخر، والانزواء على الذات فهذا ليس من منهج النبي عليه الصلاة والسلام.
تفاصيل حلف الفضول:
روى ابن إسحاق قال: تداعت قبائل من قريش هم بنو هاشم، وبنو المطلب وبنو عبد العزة، وبنو زهرة، وتيم، تداعوا إلى حلف.
الإنسان بين الفطرة والصبغة:
أيها الإخوة، قبل أن أتابع، في الأصل الإنسان فطره الله U فطرة سليمة في الأصل، هذا هو الأصل، لذلك قال تعالى:
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾
أي إنسان على وجه الأرض كائن من كان فُطر على حب الخير، على حب المعروف، على حب العدل، على حب الرحمة، الفطرة تعني أن تحب الكمال، ولا تعني أن تكون كاملاً، لكن الصبغة تعني أنه بعد اتصالك بالله، وبعد اشتقاق الكمالات منه أصبحت رحيماً
لذلك عندنا موضوعان: موضوع الفطرة، وموضوع الصبغة.
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾
، هذا موضوع الفطرة، فأيّ إنسان كائنًا من كان يحب أن يكون مؤمناً، يحب أن يكون مستقيماً، يحب أن يكون عفيفاً، يحب أن يكون صادقاً، يحب أن يكون محسناً، هذه حقيقة
لذلك لأن الإنسان مفطور فطرة كاملة تعذبه نفسه إذا أخطأ، وهذا تفسير الكآبة التي يقع بها من انحرف عن منهج الله عزوجل، ولولا هذه الفطرة السليمة التي فُطر الناس عليها لما شعر أحد الناس بألم حينما يخطئ، أي إنسان كائنًا من كان إذا خرج عن منهج الله، أو عن مبادئ فطرته يتألم أشد الألم.
ثمة فندق في ألمانيا كتب على السرير في الغرف: " إن قلقتَ في هذه الليلة فلم تنم فالسبب ليس في فرشنا، إنها وثيرة، ولكن في ذنوبك ".
مرة حدثني أخ كريم عن حادث سير وقع في لبنان، لإنسان كان يقود مركبته بسرعة، فدهس غلاماً صغيراً ذهب ليشتري حاجته لأبيه بعد الثانية ليلاً من بقالية تفتح طوال الليل، السائق تابع سيره، وكُتب الضبط ضد مجهول، وبقي السائق الذي ارتكب هذا الحادث عشرين يوماً لم يذق طعم النوم، مع أن أحداً لم يسأله، فذهب إلى طبيب نفسي فنصحه أن يؤدي دية القتل بشكل غير مباشر لأسرة الغلام من أجل أن ينام.
أنا أؤكد لكم: ما من واحد منا كائناً من كان، بأي مستوى ثقافي، بأي مستوى في الإيمان، يرتكب خطأ نهى عنه الرحمن، وأنكرته فطرة الإنسان إلا ويتألم، قال تعالى:
﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)﴾
أي ألهمها حينما تفجر أنها فجرت، وألهمها حينما تتقي أنها اتقت، هذه خصيصة بالإنسان ـ أيها الإخوة ـ هي سبب احتمال العودة إلى الله من شدة الألم الذي لا يحتمل، لذلك:
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾
يؤكد هذا المعنى أن النبي عليه الصلاة والسلام حينما يأتيه إنسان في الجاهلية يعلن إسلامه يقول له:
(( أسلمتَ على ما أسلفتَ مِن خير ))
أو يقول له:
(( خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا ))
وهذا تشير إليه الآية الكريمة:
﴿ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196)﴾
الصالح في علاقاته قبل أن يلتزم هذا الإنسان يتولاه الله بالرعاية والعناية، إذًا البشر من طبيعة واحدة.
﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾
من خصائص واحدة، من مشاعر واحدة، وما مِن إنسان إلا وفيه جانب خير، وهذا الجانب الخيّر يتولاه الله بالرعاية، لذلك إذا كنت مؤمناً ورأيت إنساناً يرتكب بعض المعاصي والآثام من أجل أن تعينه على نفسه، انظر إلى جوانبه الإنسانية، وحاول أن تنميها.
سيدنا عمر رضي الله عنه له صديق مدمن خمر في الشام، أرسل له رسالة يحثه فيها على التوبة، ذكر له الآية:
﴿ غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ﴾
وكانت رسالة رقيقة جداً، قرأها وبكى، حتى حمله بكاؤه على التوبة، فلما بلغ عمر رضي الله عنه أن هذا الصديق الذي سقط، وعصى، ثم تاب ورجع، قال: << هكذا اصنعوا مع أخيكم إذا ضل، كونوا له عوناً له على الشيطان، ولا تكونوا عوناً للشيطان عليه >>.
إذاً: إنّ كل إنسان ينطوي على فطرة سليمة، في علاقاتك كلها، وفي تربية من حولك، ومع أولادك، حتى ومع خصومك.
عودة إلى تفاصيل حلف الفضول:
قال ابن إسحاق: هذه القبائل تداعت إلى حلف، والإنسان قهره الله على أن يعيش مع أخيه الإنسان، لماذا ؟ أي واحد منا يتقن صنعة واحدة، وهو يحتاج إلى مئة ألف صنعة أخرى يحتاج إلى ثياب، والثياب تحتاج إلى قماش، يحتاج إلى من يخيط القماش، يحتاج إلى مئة آلة وآلة تستخدم في الخياطة، ولكل آلة مصنع، ولكل مصنع عمال، يحتاج إلى الطعام والشراب، رغيف الخبز الذي تأكله ساهم فيه آلاف الأشخاص، بدءاً من زراعة القمح، إلى سقي القمح، إلى تسميد القمح، إلى حصاد القمح، إلى دراسة القمح، إلى تنظيف القمح بالماء، إلى تجفيف القمح، إلى طحن القمح، إلى خبز القمح، إلى أن يكون رغيفاً، إلى أن من يوصله إلى بيتك، الإنسان قُهر إلى أن يكون في المجتمع، لذلك العبادات الجماعية في الإسلام كثيرة جداً، وإنّ أجر الذي يصلي في جماعة يعدل 27 ضعفاً عن من يصلي وحده، الصيام عبادة جماعية، الحج عبادة جماعية، الخطاب جماعي.
﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)﴾
﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26)﴾
﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾
أما الأدلة من السنة:
(( يدُ اللهِ مع الجماعة ))
(( ويد الله على الجماعة، ومن شذ شذ إلى النار ))
(( عَلَيْكُمْ بِالْجَماعَةِ، وَإِيّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ، فَإِنّ الشّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الاثْنَيْنِ أَبْعَدُ ))
من ملامح حلف الفضول:
الملمح الأول: الانفتاح على الناس وعدم التقوقع:
أنا رأيت في حلف الفضول ملمحاً خطيراً جداً المسلمون في أمسّ الحاجة إليه، هذا التقوقع، هذا الانكفاء على الذات، تكفير الآخرين، ازدراء الآخرين، إلغاء وجود الآخرين، الاعتداد أننا أمة مثلا.
﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ﴾
هذا صحيح وغير صحيح، صحيح إذا أمرنا بالمعروف، ونهينا عن المنكر، وآمنا بالله، وغير صحيح إذا تفلتنا من منهج الله، لأن الآية التي خُوطب بها أهل الكتاب تنطق علينا أشد الانطباق:
﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ﴾
الله عزوجل لكل المسلمين، على اختلاف شرائحهم، على اختلاف أطيافهم، ودائماً وأبداً، لما اُسأل عن زواج إنسان أقول إن صحت عقيدته، واستقامت سيرته، فهو مؤمن ورب الكعبة.
إذاً: نريد أن نستنبط من هذا الموضوع من ـ حلف الفضول ـ الانفتاح، الحوار مع الآخر، أن نقبل الآخر، ولو لم يكن كما نريد، أتريدون دليلاً قطعياً قرآنياً ؟ قال تعالى:
﴿ غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ﴾
من هم الروم ؟ أهل الكتاب.
﴿ بِنَصْرِ اللَّهِ﴾
﴿ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4)﴾
من هم المؤمنون الذين سوف يفرحون بنصر الله ؟ الصحابة الكرام، من الذين انتصروا ؟ أهل الكتاب، إذا هناك قواسم مشتركة، هذه دعت الصحابة الكرام إلى أن يفرحوا بانتصار أهل الكتاب، مع أن لهم عقائد نحن لا نوافقهم عليها إطلاقاً، انتصروا على الفُرس الذين هم عَبَدة النار، إذاً هناك نسبية، قال الله عزوجل:
﴿ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ﴾
هناك لون رمادي، ونقطة بين نقطتين، هناك نسبية، هناك أناس يرفضون النسبية إطلاقاً، يرفضون نقطة بين نقطتين، يرفضون لونًا رماديًا أبيض أو أسود، هذا الذي سبّب لنا أن يكون العالم كله معادياً لنا.
الملمح الثاني: التعايش مع الطرف الآخر:
وجدت في حلف الفضول ملمحاً رائعاً يحتاجه المسلمون اليوم كي يتعايشوا مع الطرف الآخر، ألم يسمح الله للمسلمين أن يقبلوا من أهل الكتاب الجزية، وأن يحموا دمائهم وأعراضهم، وأموالهم مقابل هذه الجزية، إذاً في تعايش، وقد قال الله عزوجل:
﴿ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ﴾
وقد قال الله عزوجل:
﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ﴾
هؤلاء القبائل الذين تداعوا إلى حلف، فاجتمعوا له في دار عبد الله بن جدعان لشرفه، ولسنه، فكان حلفهم عنده، فتعاقدوا وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلوماً من أهلها وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلا قاموا معه، وكانوا على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته، فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول.
إخواننا الكرام.
(( الظلم ظلمات يوم القيامة ))
الملمح الثالث: نصرة الضعيف والمظلوم:
واللهِ العظيم، لو أن أمة مسلمة ظلمت تنهزم، ويقوى عليها مجتمع كافر أقام العدل بين أفراد رعيته، هذا الكلام قال بعض علماء المسلمين: " إن الله ينصر الأمة الكافرة العادلة على الأمة المسلمة الظالمة ".
أنا أريد أن تتنبهوا إلى أن الموقف العنيف، الموقف الأحادي، اللون الأبيض فقط، إلغاء الطرف الآخر، تكفيره دائماً، هذا ليس من حكم النبي عليه الصلاة والسلام، هؤلاء الذين عقدوا الحلف كان النبي عليه الصلاة والسلام بينهم، وكانوا جميعاً يعبدون أوثاناً، هذا قبل البعثة، و قال بعد البعثة: لو دعيت إلى حلف آخر لحضرت، ماذا يعني ذلك ؟ أنه يلتقي مع الطرف الآخر، وأنه يمكن أن يقيم جسور، يمكن أن يتعاون، المؤمن منفتح، وليس منغلقاً.
إذاً: تعاهدوا على ألا يجدوا بمكة مظلوماً من أهلها وغيرهم، ممن دخلها، من سائر الناس إلا قاموا معه.
إخواننا الكرام، يقول عليه الصلاة والسلام ودققوا في هذا الحديث، ولعل في هذا الحديث حلاً لمشكلات المسلمين:
(( إنما تنصرون بضعفائكم ))
كيف
(( إنما تنصرون ـ بالصاد ـ بضعفائكم ))
لأن هذا ضعيف، بإمكاني أن أهمله، بإمكاني أن أسكته، بإمكاني أن أسحقه، بإمكاني أن أدمره، ضعيف لا يستطيع أن يتكلم، لا يملك قوة، ولا مالاً ، ولا قنوات سالكة مع الأقوياء، حينما أطعمه إن كان جائعاً، وأكسوه إن كان عارياً، وأعلمه إن كان جاهلاً، وأؤويه إن كان مشرداً وأنصفه إن كان مظلوماً، ما الذي يحصل ؟ الله عزوجل شكور، هو ضعيف أمامي، بإمكاني ألا أساعده، ولا يستطيع أن يقول كلمة، يكافئني الله عزوجل على هذا العمل بمكافئة من جنس عملي، فينصرني على من هو أقوى مني، إن أردنا أن ننتصر على قوة عاتية باغية طاغية، متعجرفة، قوية جداً، تملك أسلحة فتاكة جداً، إن أردنا أن ننتصر عليها فلننصر ضعفاءنا، هذا الملمح توحيدي.
لكن هناك ملمح تكتيكي، الأمة حينما تنصر ضعفائها يتماسك المجتمع، ويصبح صفاً واحداً، كالبنيان المرصوص، ولا يستطيع عدو خارجي أن يخترقه، ولا شيء يقوي الأمة كتماسكها، ولا شيء يعين على تماسكها كأن تنصر ضعفاءها.
إذاً: هؤلاء القبائل تعاقدوا، وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلوماً من أهلها وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلا قاموا معه، وكانوا على من ظلمه، حتى ترد عليه مظلمته، فسمت قريش ذلك الحلف حلفَ الفضول.
قال ابن إسحاق: فحدثني محمد بن يزيد أنه سمع طلحة بن عبد الله يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً ما أحب أن لي به حمر النعم: ولو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت ))
هكذا كان عليه الصلاة والسلام، حينما أكرم النجاشي أصحاب رسول الله إكراماً شديداً، وأمنهم وحمامهم، وأحسنتم وفادتهم واستقبالهم، لما توفي النجاشي ماذا فعل النبي عليه الصلاة والسلام ؟ صلى عليه صلاة الغائب، هل أقام النجاشي الإسلام في مملكته ؟ لا، حمى أصحاب النبي، هل أقام الإسلام في كل أرجاء مملكته ؟ لا، ومع ذلك يعده بعض أصحاب السيرة من أصحاب النبي، أو من التابعين الذين لم يروا النبي، وصلى عليه، أرأيت إلى هذا الاعتدال ؟ أرأيت إلى هذه المرونة ؟ أرأيت إلى هذه العلاقات الإنسانية ؟ هكذا ينبغي أن يكون المسلمون، العرب في جاهليتهم، قال الله عزوجل:
﴿ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾
الملمح الرابع: مكارم الأخلاق عند عرب الجاهلية الأولى:
فكانت هذه الآية الأولى إشارة إلى هناك جاهلية ثانية أدهى وأمر، في الجاهلية الأولى يقول عنترة:
أغض طرفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها
قبل الإسلام، قبل قوله تعالى:
﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾
يقول عنترة:
أغض طرفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها
في الصحراء قيم الشجاعة، قيم الكرم، حاتم طي ذبح فرسه الوحيدة إكراماً لضيفه، قيم رائعة، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
(( إنما بعثت معلما ))
(( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ))
معنى ذلك أن هناك مكارم أخلاق، وجاء النبي عليه الصلاة والسلام ليتممها ، فالعرب في جاهليتهم، وقبل دخولهم في الإسلام كانوا أهل نخوة، وشهامة، وعزة، وكرامة لا يصلون على الضيم، ولا يقيمون على الظلم، يعظمون الحرمات، ويحافظون على المقدسات، ويجتمعون لرد المظالم على أصحابها، زعمائهم عقلاء، ولا مكان بينهم للسفهاء كما قال الله عزوجل:
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي﴾
وعدهم بالاستخلاف، وبالتمكين، بالتطمين، وهم ليسوا مستخلفين، ولا ممكنين ولا آمنين، لماذا ؟ لأنه:
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً (59)﴾
أحياناً أمة النبي عليه الصلاة والسلام في حالات ضعفها وذوبانها بالحضارة الغربية، وانبهارها بها، وتفلتها من منهج الله، وباختراقها من قبل أعدائها، أصبحوا إذا اجتمع الناس فيما بينهم يجتمعون كالقطعان على الطعام والشراب، ويتحاورون كالطرشان، ويخطبون بألسنة الغربيين، يمشي أحدهم كالسكران، ويجلس كالوسنان، ويتكلم كالشيطان، هذه الجاهلية الثانية:
﴿ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾
الثانية أدهى وأمر.
أيها الإخوة، قضية حلف الفضول قال عنه ابن هشام رحمه الله تعالى: " حلف عقدته قريش بينها على نصرة مظلوم بمكة، قال: ويسمى حلف الفضول ولم يذكر سبب تسميته، قال عليه الصلاة والسلام مرة ثانية:
(( لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً لو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت ))
الملمح الخامس: المبادرة إلى الأعمال النافعة مهما كان صغيرة:
قال الله عزوجل:
﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾
التعاون على البر والتقوى تنفيذ لأمر إلهي، قالوا: البر صلاح الدنيا، والتقوى صلاح الآخرة.
أنا كنت قبل قليل أحضر محاضرة في جمعية مكافحة التدخين والمواد الضارة قال وأنا أحد مؤسسي هذه الجمعية، عرض علينا طبيب متخصص بأورام الحنجرة صوراً لأورام خبيثة في اللثة، وفي سقف الحلق، وفي مقدمة الفم، وفي نيرة الأسنان، صور مخيفة، وانتهت إلى استئصال الفك بأكمله، صدقوا أيها الإخوة، لا تستطيع أن تتابع هذه الصور، قال الله عزوجل:
﴿ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾
فإذا كنت إنساناً ناشطاً في عمل خيري، وقد يكون محدوداً، مكافحة التدخين هذه جمعية، جمعية الإعفاف لتزويج الشباب، صندوق العافية لمعالجة المرضى، الفضل لله عزوجل، فُتحت أبواب لتأسيس جمعيات تقدم خدمات للأمة، فأنت إذا كنت إيجابياً، ولم تكن سلبياً إذا كنت معطاء، ولم تكن مقتاراً، إذا كنت اجتماعياً، ولم تكن متقوقعاً، هل هذا يخالف منهج الله عزوجل ؟ أبداً، كن منفتحاً.
الملمح السادس: القوة والنخبة مطلوبة في الإسلام:
إخواننا الكرام، الطرف الآخر كيف يتعامل مع الإسلام ؟ الطرف الآخر ـ لن لتأبيد النفي ـ لم يقرأ كتاباً عن الإسلام، لماذا ؟ لأن المسلمين حجبوا عن الطرف الآخر دينهم، كيف ؟ أنت إذا رأيت إنسانا قذرا، يتسول، قميئا، منحرفا، له دين معين، دين غير سماوي، هل يخطر في بالك مرة واحدة أن تشتري كتاباً يتحدث عن دينه ؟ أبداً، لأن هذا المنظر، وهذا التخلف، وتلك القذارة، وهذا الانحراف حجبك عن أن تقرأ دينه، أما حينما ترى إنسانا نظيفا، منضبطا، معطاء، خير، أخلاقي، دون أن تشعر تسأل في أي جامع يحضر ؟ من علمه هذا ؟ من أمده بهذه الأخلاق.
أنا أذكر مرة أن طالباً عندنا في الجامع التحق بالمسجد في معهد التحفيظ، وكان في شهادة عامة، أعتقد في المتوسطة، وكان أبوه ينهاه عن الانضمام للمسجد نهياً لا حدود له، كان يعنفه، وكان يزجره، وأحياناً يضربه، فإذا بهذا الشاب نجح بتفوق على دمشق بأكملها، فأمره أبوه أن يأخذ معه أخاه إلى المسجد.
والله أقول لكم كلمة الآن، وأرجوكم ألا تطالبوني بالدليل، هذه قناعتي من دون دليل: لن يحترم ديننا إلا إذا تفوقنا في دنيانا، النبي عليه الصلاة والسلام طلب النخبة، قال:
(( اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين ))
فلما أسلم حمزة، وهو من وجهاء قريش، توقف إيذاء قريش للمسلمين، ولما أسلم عمر صلى المسلمون في الكعبة، لذلك أنا أحب النخبة، أما الضعاف فعلى العين والرأس، لعلنا نرزق بهم، لكن الذين يحدثون انعطافات كبيرة جداً في المجتمع هم النخبة، فكما أننا بحاجة إلى عدد كبير من المؤمنين الصادقين الطاهرين فنحن بحاجة أمس إلى نخبة متميزة تتمتع بكفاءات عالية، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
(( المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأحَبُّ إلى اللَّهِ تَعالى مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وفي كُلٍّ خَيْرٌ ))
قد تكون قوياً في علمك، وقد تكون قوياً في مالك، وقد تكون قوياً في منصبك، وكنت أقول دائماً: يجب أن تكون قوياً، لأن النبي عليه الصلاة والسلام أثنى على المؤمن القوي، لماذا ؟ لأن الخيارات المتاحة للأعمال الصالحة للقوي ليست متاحة لغيره، فالقوي يمكن أن يؤسس ميتما يأوي به الأيتام، يمكن أن يؤسس معهدا، يمكن أن يؤسس مستشفى، يمكن أن يزوج الشباب، النبي عليه الصلاة والسلام قال:
((لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه اللَّه القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه اللَّه مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار ))
هذه قوة المال، قوة المنصب، القوي في منصبه يحق حقاً ويبطل باطلاً، يقر معروفاً، ويزيل منكراً، أليس كذلك ؟ توقيع واحد، ممنوع الإعلان عن التدخين في كل بلادنا، توقيع ثانٍ، ممنوع تعاطي الدخان في كل وسائل المواصلات، البرية والبحرية والجوية، بتوقيع واحد يمكن أن تقر معروفاً، وأن تنكر منكراً، لذلك القوة مطلوبة، والعلم مطلوب، والمال مطلوب، لأن الأقوياء متاح لهم من الأعمال الصالحة ما لم يتح لغيرهم.
سؤال: ما دام النبي قد أثنى على الأقوياء إذاً أنت ينبغي أن تكون قوياً، ولكن لا بد من تفصيل:
إذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله فيجب أن تكون قوياً، أما إذا كان سالكاً على حساب دينك فضعفك وسام شرف لك، وإذا كان طريق الغنى سالكاً وفق منهج الله فينبغي أن تكون غنياً، أما إذا كان على حساب دينك، بضاعة محرمة، وكذب، وربا، وغش واحتيال، فلا، كن فقيراً فالفقر وسام شرف لك.
الملمح السابع: لا بد من شباب طموح:
أنا أعطيكم أيها الإخوة الخيارات، أنا أتألم أشد الألم من شاب في مقتبل حياته ليس طموحاً ؟ لمَ لا تكون عظيماً ؟ لمَ لا تكون شيئاً مذكوراً ؟
مرةً سألت طلاباً لي في التعليم الرسمي، من يذكر اسم غني كبير عاش في دمشق عام 1893 ؟ وانتظرت، دقيقة، دقيقتين، ثلاث دقائق، أربع دقائق، خمس دقائق، أنا صامت ما أحد ذكر، فقلت لهم: وأنا مثلكم لا أعرف، لكن من منا ينسى صلاح الدين الأيوبي الذي رد الفرنجة ؟ من منا ينسى عمر بن الخطاب ؟ ابن الوليد ؟ الصديق ؟ هؤلاء الأعلام، لذلك قال سيدنا علي:
"يا بني، العلم خير من المال، لأن العلم يحرسك، وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الإنفاق، يا بني مات خزان المال وهم أحياء ـ هو حي ميت ـ والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة ".
كم مرة يُذكر أبو حنيفة ؟ يمكن مليون مرة باليوم، الشافعي، ابن حنبل، مالك، هؤلاء الأعلام لأنهم قدموا شيئاً، أنا أتكلم مع الشباب الآن، لمَ لا تفكر أن تقدم شيئاً ؟ قدم شيئاً لأمتك، والله أنا أعمل في التدريس الجامعي، والله يأتي إلى سمعي طموحات من شباب أكبرهم، وأتمنى أن يكون هذا معمماً على كل الشباب، لمَ لا تكن عالماً كبيراً ؟ عالم ذرة كبير ؟ قال تعالى:
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾
ملمح بالآية دقيق جداً، السلاح القوي قد لا تستخدمه، لكنه يجعلك مرغوب الجانب، لا يفكر أحد أن يتطاول عليك، ولا أن يدنسك مصحفك، ولا أن يتهجم على نبيك، أليس كذلك ؟ لذلك ادرسوا، تعلموا، نالوا شهادات عالية، فكروا بتقديم شيء لأمتكم، حلوا مشكلات أمتكم، مشكلات البطالة، والسكن، والتعليم، عندنا مشكلات لا تعد ولا تحصى، شأن أكثر الدول النامية
لذلك الأمة بشبابها، الكبار في السن هؤلاء يمثلون الماضي، نحترمهم ونجلهم، ولكنهم خُلقوا في زمن غير زمننا، وحديثهم عن أمجادهم السابقة، والذين يمثلون الحاضر، ليس بيدهم شيء، يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، نحن عبيد إحسان، لا عبيد امتحان، الله يدبرنا أحسن تدبير، ما لنا إلا الله، كله شغل سيدك، أما الشباب فيمثلون المستقبل، ولم يبقَ في أيدي الأمة من ورقة رابحة إلا الشباب، عليهم المعول، أما حينما توازن بين شاب في عهد النبي سلمه النبي قيادة الجيش، عمره 18 عاماً، ركب الناقة والصديق يمشي في ركابه، شيخ الإسلام، قال: يا خليفة رسول الله، لتركبن أو لأنزلن، قال له: والله لا ركبت ولا نزلت، وما علي أن تغبر قدمايا ساعة في سبيل الله.
سيدنا الصديق أراد أن يبقي عمر إلى جانبه، عمر جندي في هذا الجيش، وله قائد، أسامة 18 عاماً، قال له: يا أسامة، أتأذن لي بعمر ؟ أرأيت إلى النظام والتسلسل ؟ هذه الحضارة من أين جاؤوا بها ؟.
أيها الإخوة، أجري استبيان لدى الشباب، النتيجة مؤسفة جداً، أن 3 % من هؤلاء الشباب يعرفون أهدافهم، والباقون بلا أهداف.
الآن سندويشة، وببسي وعلى الملعب، أول حفنة طحين، أو تمرات، والسيف وعلى الجهاد.
الإسلام أيها الإخوة إذا أضفنا عليه تقاتلنا وتناحرنا، وكان بأسنا بيننا، وإذا حذفنا منه ضعفنا، لا تنسوا هذه القاعدة، تضيف عليه نتناحر، نصبح فرقاً ومذاهب وشيعا وأحزابا، وطوائف، وكلٌ يكفر الآخر، وبأسنا بيننا.
﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾
أيها الإخوة، إذاً ينبغي أن يكون الإنسان ذا شأن، يكفي أن يكون ذا اختصاص
أن يقدم لأمته شيئاً ثميناً.
(( لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً، لو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت ))
تحالفوا على أن ترد الفضول إلى أهلها، وألا يعزى ظالم مظلوماً، فقد بين في هذا الحديث الشريف لمَ سمي حلف الفضول، وكان حلف الفضول بعد حرب الفجار، الحروب تأكل الأخضر واليابس، ولا تبقي على شيء، وذلك أن حرب الفجار كانت في شعبان، وكان حلف الفضول في ذي القعدة، قبل المبعث بعشرين سنة كان عليه الصلاة والسلام في سن العشرين شابًا، وكان حلف الفضول أكرم حلف، وأشرف حلف كان في العرب، جاء بعد حرب طاحنة، والعرب في الجاهلية يدخلون في حروب طاحنة تستمر عشر سنوات لأسباب تافهة جداً، مد أحدهم رجله، وقال: من كان أشرف مني فليقطعها، فقطعها أحدهم ، فنشبت حرب عشر سنوات.
سبب حلف الفضول:
وكان أول من تكلم بهذا الحلف ودعا إليه الزبير بن عبد المطلب، وكان سببه أن رجلاً من زبيد قدم مكة ببضاعة فاشترها منه العاصي بن وائل، وكان ذا قدر بمكة وشرف، فحبس عنه حقه، فاستعدى عليه الزبيدي الأحلاف، عبد الدار، ومخزوم، وجمح وعدي بن كعب، فأبوا أن يعينوه على العاصي بن وائل، بل انتهروه، فلما رأى الزبيدي الشر أوفى على جبل أبي قبيس عند طلوع الشمس، وقريش في أنديتهم حول الكعبة، فصاح بأعلى صوته: يا آل فهر،
لمظلوم بضاعته ببطن مكة ناء الدار والنفر ومحرم أشعث لم يقضِ عمرته
يا الرجال وبين الحِجر و الحَجـــــر إن الــحرام لمن تمت كرامته
ولا حرام بثوب الفاجر الغدرِ.
وكانت هذه بداية حلف الفضول، فاجتمعت هذه القبائل، وقال الزبير بن عبد المطلب: مالي هذا مترك، يعني هذا ظلم، إنسان يبيع بضاعته، ولا يأخذ ثمنها، كم من إنسان أُكل ماله في المجتمعات الإسلامية، فصنع لهم ابن جدعان طعاماً، وتحالفوا في ذي القعدة في شهر حرام قياماً، فتعاقدوا وتعاهدوا بالله ليكونوا يداً واحدة مع المظلوم على الظالم حتى يؤدي إليه حقه، وعلى التأسي في المعاش، فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول، وقالوا: لو دخل هؤلاء في فضل من الأمر، ثم مشوا إلى العاصي بن وائل، فانتزعوا منه سلعة الزبيدي فدفعوها إليه، وعندئذٍ سمي هذا الحلف حلف الفضول.
كن إنسانا مؤمنا، إيجابيا، اسعَ إلى حل مشكلات مجتمعك، لا تكن متقوقعاً، لا تكن متشدداً، لا تبتعد عمن حولك، ما من إنسان إلا وعنده شيء من الخير.
المغزى من سرد تفاصيل حلف الفضول:
أردت من هذا الحلف أن يكون منهجاً لنا، وقد حضره النبي في سن العشرين وإذا ظننت أنه يرفضه حينما أتته الرسالة، قال بعكس ذلك:
((لو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت ))
إذاً لا تكن متقوقعاً، كن منفتحاً، وساهم في حل مشكلات أمتك، وأرِ الطرف الآخر أن المسلم إيجابي، وخير، ويحب حل مشكلات أمته، ويحب أن يقدم لها شيئاً، لا تكن في برجا عاجيا، وتقل: هؤلاء ليس فيهم خير، وأنا لست منهم، لا.
لما ضُرب النبي في الطائف قال:
(( اللهم اهدِ قومي ))
ما تبرأ منهم، قال:
(( اللهم اهدِ قومي ))
وما قال اللهم اهد هؤلاء.
أحيانا يسلك الإنسان طريق الإيمان قليلاً فينسحب من المجتمع، ويحتقر المجتمع ، ويستعلي عليه، أهذه أخلاق الأنبياء ؟ هل الأنبياء عاشوا في برج عاجي أخلاقي أم يعيشوا في برج عاجي فكري، وُصِفوا في القرآن:
﴿ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ﴾
كانوا مع الناس، هذا الحلف فيه ملامح كثيرة المسلمون اليوم في أمسّ الحاجة إليه، فالطرف الآخر كي يتعرف إلى الإسلام لا بد من أن يراك إيجابياً.