وضع داكن
08-11-2024
Logo
ندوات مختلفة - السعودية : المحاضرة 01 - منتدى الإثنينية - أمسية 397 – مدينة جدَّة - حفل تكريم فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله؛ أصحاب المعالي، أصحاب السعادة، السيدات والسادة، أيها الحضور الكرام والحاضرات في قسم السيدات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نرحب بكم هذه الليلة باسم مؤسس منتدى الاثنينية الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه، حيث في هذه الليلة المباركة التي جاد فيها الغيث إذ همى واحترزنا منه إلى هذه القاعة المباركة.
ها هي بلاد الشام تجود علينا بعلم من أعلامها ومن علمائها الأفذاذ، لنحتفي به هذه الليلة، إنه فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي، فأهلاً و مرحباً به بيننا هذه الليلة.
وخير ما نبدأ به تلاوة مباركة من القرآن الكريم يتلوها المقرئ عبد العزيز عبد الغفور الأنصاري من الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمحافظة جدة..
بارك الله فيك، أيها الأخوة والأخوات؛ نتعرف وإياكم أكثر فأكثر على ضيفنا المحتفى به هذه الليلة من خلال قراءة في بعض سيرته الذاتية.

 

السيرة الذاتية للدكتور راتب النابلسي :

فضيلة الدكتور الشيخ محمد راتب النابلسي ولد في دمشق 1938 م، حصل على شهادة الدكتوراه في التربية من جامعة ( Trainity college ) في ١٩٩٩/٦/١٨ بناء على إنجازاته وخبراته ومؤلفاته في مجال التربية، عين أستاذاً محاضراً في كلية التربية بجامعة دمشق، بين عامي 1969م و 1999م.
عمل أستاذاً لمادة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين في جامعة الأزهر فرع الفتح الإسلامي في دمشق، ثم أستاذاً لمادة العقيدة الإسلامية بجامعة الأزهر في مجمع أبي النور، ثم أستاذاً لأصول التربية في جامعة طرابلس الإسلامية.
في عام 1974م عيّن وما زال خطيباً في جامع جدّه الشيخ عبد الغني النابلسي، ومدرّساً دينياً في مساجد دمشق، وفي جامع بني أمية الكبير في دمشق وغيرها.
عيِّن مديراً لمعهد تحفيظ القرآن في جامع النابلسي، وعضواً مُشرفاً على مجلة نهج الإسلام السورية.
مثّل سورية في عدة مؤتمرات إسلامية في كثير من الدول العربية والأوربية، له دروس، وخُطب، تبثّها إذاعة دمشق، وإذاعات عربية وغربية أخرى.
له دروس وندوات تلفزيونية في سورية، وأبو ظبي، والشارقة، وقنوات أخرى مثل الواحة، وله برنامج الأسماء الحسنى بقناة الرسالة، وله في قناة اقرأ برنامج تفسير سورة الأعراف.
أصدر عدة مؤلفات إسلامية، من أبرزها كتاب نظرات في الإسلام، و ترجم إلى الإنكليزية، وكتاب تأملات في الإسلام، وترجم أيضاً إلى الإنكليزية، وكتاب كلمات مضيئة ولقاءات مثمرة مع الشعراوي، وكتاب الإسراء والمعراج، و كتاب الهجر، وكتاب الله أكبر، وكتاب موسوعة الأسماء الحسنى، ثلاثة مجلدات، ترجم إلى الإنكليزية، كما أن له مشاركات كثيرة في بعض المجلات الرصينة، وهو عضو مؤسس في جمعية مكافحة التدخين والمواد الضارة، ورئيس جمعية حقوق الطفل في سورية.
مرة أخرى نرحب بفضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي فأهلاً به بيننا.
الكلمة الآن أيها السادة والسيدات لسعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه مؤسس منتدى الاثنينية، فليتفضل.

 

كلمة سعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه :

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي علّم بالقلم، وأصلي وأسلم على خير البشر، وعلى آله وصحبه أجمعين، الأستاذات والأساتذة الأكارم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ من نفحات غوطتها، وشاهق مآذنها، ترفدنا هذه الليلة الفيحاء، بفارس تضلع من نمير أفاضل علمائها، فعلا نجمه، وذاع صيته، وأضاء مشكاته علماً نافعاً بإذن الله، فمرحباً بفضيلة ضيفنا الكريم الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي، الذي أسعدنا بتلبية دعوة اثنينيتكم، قادماً خصيصاً من دمشق لنلتقي في ظلال المحبة وروابي العلم.
شأن كثير من علمائنا الكبار، أمضى فضيلة ضيفنا حياته متعلماً ومعلماً، فنحسبه إن شاء الله ممن بسطت لهم الملائكة أجنحتها في غدوهم ورواحهم، وصلّت عليهم كفاء تعليمهم الناس الخير، فأنعم به من حال ومآل، ومما لا شك فيه فإن هذه المسيرة القاصدة اكتنفها كثير من اللأواء، ولازمتها فيوض من الصبر على المكاره، فنيل العلم تباريح جثو على الركب، ومزاحمة المناكب في حلق المدارس، وصياغة آلام الغربة عقود ياسمين على جباه الأيام والليالي.
ورغم أنه طلب العلم الشرعي في بواكير حياته، إلا أنه لم يتوان عن صقل مواهب الاستزادة منه في أعرق الجامعات الفرنسية والبريطانية والمصرية، كما تمددت آثاره العلمية عبر شبكتي الاتصالات العنكبوتية والفضائية، معظم أنحاء الدول العربية والغربية، وخاطبت الكثير من الأقليات المسلمة في قريتنا الصغيرة.
لضيفنا الكريم الكثير من التأملات الكونية والحياتية، عصيّ رصدها في عجالة، لأنها تتأبى الإيجاز المخل، وفي تقدير كثير من العلماء أنه ساحة معرفية ممتدة الأرجاء غزيرة الأنداء، تنداح من إقليم الكتابة حتى شواطئ التأمل الفسيح، ومن يراع الفكر الدقيق، حتى رحيق الخطابة العصماء، في رحلة تعود بها الروح إلى يقظتها، والقلب إلى يقينه، والنفس إلى سكينة وهدوء، إذ لا حداء في هذه الرحلة سوى جرس عذب لمتبتل خاشع لآي القرآن الكريم، لا زاد فيه يتخم الجسد، ويوهن الفكر، ويزيد ران القلوب، بل محض نزهة للروح في طيوب المعاني وحدائق قرنفل البيان، فنحسبه من نباريس الهدى، ومنارات العلم، الذين يستفيدون من ناجز الحاضر، وإمكانات المستقبل تأكيداً عملياً بأن رسالة الإسلام صالحة لكل زمان ومكان.
استطاع ضيفنا الكبير أن يزاوج بين الأدب والفقه بحنكة ودراية، فمقالاته الأدبية مجنحة في سهوب اللغة، مزدانة الأسلوب، ريانة المعاني، واضحة الدلالات، ناصعة البيان، يدعمها ويطرزها بالآيات الكريمة والأحاديث الشريفة، مجادلاً ومنافحاً عن رؤاه بالتي هي أحسن، وما أشدّ حاجتنا لهذا المنهج في حوارنا مع الأديان جميعها، بوسطية لا تعرف غلواً ولا تطرفاً، إذ يعتبر صاحب مدرسة تأملية، تعمّق من الإيمان في عصر احتفى بالعلموية، وأعرض كشحاً عن القيم الروحية والحقائق الغيبية، لذا اجتذب بيانه حول العلم والدين العديد من المفكرين الذين أضاءت كتاباتهم عتمة الشك، وكشفت أن ليس ثمة تعارض بينهما، يتجلى ذلك في مؤلفه الموسوم مؤسسة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.
ما أسعدنا بهذا المنجز الحضاري الذي نتطلع إلى اكتماله مشروعاً تنويرياً، يمتد أفقياً ورأسياً، ليسهم بدور بارز في النهضة المباركة التي تعيشها أمتنا رغم ما يعتورها من منغصات، فالطريق شائك والدرب طويل، إلا أن إرادة ضيفنا الكبير مع دعواتنا له، ومؤازرتنا لسعيه، ستجعل الحزن سهلاً بإذن الله.
آملاً أن نلتقي الاثنينية القادمة للاحتفاء بالأستاذة الشاعرة روضة الحاج، قادمة خصيصاً من السودان الشقيق، لترسم لوحات من شعرها المجدول بالطبيعة والخصب والأرض والنماء، والتي أسهمت في إثراء الساحة الشعرية بدواوينها، عش للقصيد، وفي الساحل يعترف القلب، وللحلم جناح واحد، ومدن المنافي وغيرها.
فإلى لقاء يتجدد، طبتم وطابت لكم الحياة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
شكراً لسعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه، الذي تفضل بإلقاء كلمته الترحيبية بهذه المناسبة.
الكلمة الآن أيها السادة والسيدات لسعادة اللواء الدكتور السيد أنور ماجد عشقي.

 

كلمة اللواء الدكتور أنور ماجد عشقي :

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي أفاض علينا بنعمه، وامتن علينا بجوده وكرمه، جمعنا على الحق وهدانا إليه، وأرانا الباطل ونهانا عنه، وأصلي وأسلم على سيدنا ونبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كبيراً.
ما استمع أحد إلى المذياع أو شاهد في التلفاز شيخنا الدكتور محمد راتب النابلسي، إلا وأصاخ بسمعه وتابع بنظره ما يقوله، فهو يمتاز بجودة الأداء، وعمق التفكير، وحسن السياق، وضيفنا فريد في طرحه الديني، يسقط النص على الواقع، ويتكلم بروح العصر، فيذكرنا بالشيخ الشعراوي والطنطاوي والغزالي، رحمهم الله أجمعين، وضيفنا سليل النجباء، فجده الشيخ عبد الغني النابلسي، رجل ملأ العالم الإسلامي بفكره وعلمه، وزار مكة المكرمة، والمدينة المنورة، فحاور فيها العلماء، وساجل فيها الشعراء، فأكرمه الله ببناء مسجد له في الشام، واصطفى له من أحفاده ضيفنا الكريم الدكتور محمد راتب ليكون خطيباً ومدرّساً في الجامع.
نذر ضيفنا نفسه للإسلام فتكلم فيه، وكتب باعتدال وفهم، فاختار لنفسه موقعاً بعيداً عن التطرف، متخذاً من الوسطية منهجاً، ومن التوحيد عقيدة، ومن التصوف السليم مشرباً، فدرّس وحاضر وألّف وخطب، وتواصل مع المفكرين والمثقفين، وحضر المؤتمرات، فلن نجد من يخالفه من أهل الفكر، أو الفقه أو السياسة، حارب الجهل فنشر العلم، وقاوم الموبقات فشارك في تأسيس جمعية لمكافحة التدخين والمواد المضرة، ناصر العدالة فترأس جمعية حقوق الطفل، ساهم في النهضة العربية والعالمية فشارك في المؤتمرات الدولية والمحلية.
لفت الأنظار إلى الإسلام، فدرس مادة الإعجاز العلمي في القرآن في كليات التربية وأصول الدين، فمرحباً بشيخنا وأستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي، ونشكر الشيخ عبد المقصود خوجه على هذه اللفتة المباركة، وتكريم الفضلاء من العلماء والمبدعين، والله الموفق، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
شكراً لسعادة اللواء الدكتور السيد أنور ماجد عشقي على هذه الكلمة، والكلمة الآن لفضيلة الشيخ محمد الدحيم.

 

كلمة فضيلة الشيخ محمد الدحيم :

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد أيها الفضلاء؛ أيتها الفضليات؛ إننا نجد أنفسنا في هذا المساء المبارك مع ضيف كبير، وأنت لن تحتار وأنت تكتب أو تتحدث عن محمد راتب النابلسي، الشيخ الدكتور، والعلّامة الموسوعي، لن تحتار أبداً لأنك تكتب أو تتحدث عن أبعاد متعددة، ينتظمها الوعي والتوازن والتجدد، لكنك ستجد نفسك أمام مسؤولية الكلمة، ومسؤولية الإنسان مسؤولية عالمية، فقامة ضيفنا كبيرة، واهتماماته كثيرة، ووعيه ثاقب، ورؤيته عميقة، قرأت له، وقرأت عنه، ولست هنا لأترجم له، لكنني أجد فيه صورة العالم الفقيه، الفاعل المتحرك، تلك الصورة التي يريدها الإسلام بمقاصديته، لا بمجرد الشكل والصورة.
إن محمد راتب النابلسي عالم وفقيه وأديب، مدرك لروح العصر، وقد تقدم مدعوماً بفكره المستنير، وفقهه الكبير إلى الأخذ بروح العصر، فالأمر كما يقول فولتير: من لم تكن له روح العصر كانت له شروره. فكان له وكان منه الخير الكبير، إن العلّامة الفقيه والمربّي الكبير ضيفنا الليلة رجل أحبّ الناس فأحبوه، إن هذا الإنسان أحب الناس فأحبوه، لقد كان في تواجده وحراكه يمثل روح الإسلام وسماحته، حكمة وموعظة حسنة، لقد جاء الناس إليك أيها الشيخ الجليل، وحضر الناس في هذا المساء، حضروا إليك يستمعون، وحضروا يحبون، وحضروا يقدرون العلم، فاللهم لك الحمد على ما منحك، واللهم لك الحمد على ما أعطاك، وأسأل الله لي ولك وللحاضرين والحاضرات دوام التوفيق والسداد، أما أنتم فقد حضرتم معجبين ومحبّين لهذا العلم، فهذا هو وهذه صفاته وهذه أعماله إذا أعجبتك خصال امرئ فكنه يكن فيك ما يعجبك.
ضيفنا الكبير، إن هذه الاثنينية التي تجمعنا هذا المساء المبارك والتي كانت طوال عقودها الثلاثة منبر الرأي وملتقى الكلمة لا تخدم سوى الفكر، ولا تنتج إلا الثقافة، قامت على أسس، وبنيت على قيم، فانبعثت رسالتها وتحققت رؤيتها، ومن هنا أستسمحكم أن نوجه الشكر والتقدير لمؤسس الاثنينية سعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه، لقد كرر الرجل على مسامعنا أن الاثنينية منكم ولكم وبكم، لكن تأبى عقولنا إلا أن تتوجه بالشكر والتقدير له، فهو الذي غرس فينا حبه، وهو الذي غرس فينا حبّ هذا المجلس المبارك، فله التحية، وله التقدير، وله الامتنان، ولكل الحاضرين والحاضرات، ولكل أصحاب الكلمة، وأصحاب الأسئلة، وأصحاب المداخلات، ولكل من ينقل من هذا المجلس الكلمة كما سمعها ويرويها كما رآها، لكل منكم التحية والتقدير على ما تجده منكم ميادين الفكر وأروقة المعرفة من هذا التواجد والتفاعل، بمثل هذا اللقاء، وبمثل هذا الحوار، وبمثل هذه الكلمات، وبمثل هذا الاحتفاء والتقدير والاحترام للعلماء العاملين، لمثل هذا كله سوف ترتقي الأمة، وتصعد ثقافاتنا، فنحن نؤمن بشيء أو بنظرية كبرى هي صعود الثقافات، وليس صدام الحضارات، وليس أيضاً تحطيم الثقافات، إنها ثقافات صاعدة ستصعد بأهلها بإذن الله تعالى، قال تعالى:

﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾

[سورة فاطر: 10]

أسأل الله لي ولكم إحساناً وتوفيقاً والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
شكراً لفضيلة الشيخ محمد الدحيم على هذه الكلمة، أيها الأخوة والأخوات قبل أن ننصت إلى حديث ضيفنا المحتفى به هذه الليلة فضيلة الدكتور الشيخ محمد راتب النابلسي، نود أن نذكركم أنه بعد أن نستمع إلى كلمته حفظه الله سوف يفسح المجال للأسئلة سيكون هناك تقديم طلبات الأسئلة، والأسئلة تلقى من السائل مباشرة، الواقع سؤال واحد لكل ضيف، وكذلك من قسم السيدات أيضاً بالمثل ستكون الأسئلة بالتناوب بين قسم الرجال وقسم السيدات، أما الآن أيها السيدات والسادة مع ضيفنا فضيلة الدكتور الشيخ محمد راتب النابلسي ليحدثنا عن حياته العلمية والعملية، وأهم المحطات في مسيرته الحياتيه، فأهلاً به ومرحباً ولتيفضل.

 

كلمة فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي :

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألوِيَتِه، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين.
أيها الأخوة الكرام؛ بادئ ذي بدء أشكر لكم من أعماق نفسي هذه الدعوة الكريمة التي إن دلت على شيء فعلى تعلقكم بالعلم والعلماء، وهذا وسام شرف لكم، وأسأل الله أن أكون عند حسن ظنكم.
أيها الأخوة الكرام؛ العبد الفقير نشأ يتيماً، وأحياناً يقال: ربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك، وإذا كشف لك الحكمة في المنع كان المنع عين العطاء.
أيها الأخوة؛ نشأت صغيراً، وتعلقت بأستاذ لي دعا إلى الله في التعليم الثانوي، وما شيء لفت نظري في الحياة إلا الدعوة إلى الله، أنا أعتقد أن قوله تعالى:

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[ سورة فصلت: 33 ]

بحسب نص هذه الآية، وهذا كلام الله، هذا كلام خالق السموات والأرض، هذا كلام الذي لا يأتيه الباطل، هذا كلام القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه، قال تعالى:

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[ سورة فصلت: 33 ]

أنواع الدعوة إلى الله :

الدعوة إلى الله أيها الأخوة؛ بشكل موجز دعوتان، دعوة إلى الذات مغلفة بدعوة إلى الله، ودعوة إلى الله خالصة، خصائص الدعوة إلى الله الخالصة الاتباع، بينما خصائص الدعوة إلى الذات أحياناً الابتداع، خصائص الدعوة إلى الله التعاون مع بقية الدعاة، وخصائص الدعوة إلى الذات التنافس، خصائص الدعوة إلى الله الخالصة من خصائصها قبول الآخر، بينما خصائص الدعوة إلى الذات إلغاء الآخر.
فحينما يكون الإنسان مخلصاً في دعوته، أولاً: يتعاون مع بقية الدعاة، الدعاة نخبة الأمة، إذا تعاونوا تألقوا، وإذا تألقوا رضي الله عنهم، ورضي عنهم الناس، ولذلك أنا أرفع لواء التعاون بين العلماء منذ خمسة وثلاثين عاماً، والفضل لله عز وجل هناك إنجاز كبير في تقريب وجهات النظر بين الدعاة إلى الله عز وجل، لكن لا يليق بهم أن يتخاصموا، لا يليق بهم أن يتراشقوا التهم، هم نخبة الأمة، فلذلك في دعوتي إلى الله حرصت حرصاً لا حدود له على اللقاء مع معظم علماء دمشق، والاتصال بهم، و تبادل الخبرات، هذا مما يرفع قيمة العلم والعلماء.

 

الإنسان هو المخلوق الأول رتبة :

أيها الأخوة والأخوات في الحقيقة أن بعض الحقائق الأساسية التي انطلقت منها في دعوتي أن الإنسان هو المخلوق الأول رتبة، الأول والدليل:

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ﴾

[ سورة الأحزاب : 72 ]

فلأن الإنسان قبِل حمل الأمانة كان المخلوق الأول، أيها الأخ الكريم؛ لأنك من بني البشر أنت عند الله المخلوق الأول، من عرف نفسه عرف ربه، أنت المخلوق الأول، لذلك ورد عن سيدنا علي رضي الله عنه أن ركب الملك من عقل بلا شهوة، وركب الحيوان من شهوة بلا عقل، وركب الإنسان من كليهما، فإذا سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، والدليل:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾

[ سورة البينة : 7 ]

وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان، قال تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ﴾

[ سورة البينة : 6 ]

فالإنسان بين أن يكون فوق الملائكة إذا عرف الله، واستقام على أمره، وأحسن إلى خلقه، وتحرك فيما خُلق له، وبين أن يكون شر البرية، إذا عاش الدنيا ونسي الآخرة، واتبع شهوته، وبنى مجده على أنقاض الآخرين، وبنى حياته على موتهم، وبنى عزه على ذلهم، وبنى أمنه على خوفهم.
لذلك أيها الأخوة؛ الإنسان بين أن يكون أرقى المخلوقات وبين أن يكون أسوأ المخلوقات هذه حقيقة دقيقة جداً.

 

الدعوة إلى الله فرض عين :

فيا أيها الأخوة الكرام؛ هذا الذي يدعو إلى الله، هذا لو يعلم كل أخ كريم أن الدعوة إلى الله - وأنا أعني ما أقول- فرض عين على كل مسلم، أنت لماذا تصلي؟ الجواب البديهي لأن الصلاة فرض، هل أثبت لك أن الدعوة إلى الله فرض عين؟ لكن هذه الدعوة في حدود ما يعلم ومع من يعرف، دليلها:

(( بلغوا عني ولو آية ))

[البخاري والترمذي عن ابن عمرو ]

دليلها، قوله تعالى:

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[ سورة فصلت : 33 ]

فلذلك:

﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾

[ سورة يوسف: 108]

فالذي لا يدعو على بصيرة ليس متبعاً لرسول الله، أي يجب أن تعتقد أنك تصلي، لأن الصلاة فرض، وينبغي أن تدعو إلى الله، الدعوة كفرض في حدود ما تعلم ومع من تعرف.

(( بلغوا عني ولو آية ))

[البخاري والترمذي عن ابن عمرو ]

الدعوة إلى الله تنهض بالأمة و تنير العقول :

لذلك أيها الأخوة، أنا انطلقت من هذا المنطلق فوجدت أن الدعوة إلى الله تنهض بالأمة، الدعوة إلى الله تنير العقول، تحمل النفوس على طاعة الله عز وجل:

((.. فَو َاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ))

[البخاري عن سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ]

(( خير له مما طلعت عليه الشمس ))

[الطبراني عن أبي رافع ]

(( خير لك من الدنيا وما فيها ))

[أحاديث الإحياء للعراقي ]

أيها الأخوة الكرام؛ أريد أن أبين ماذا ينبغي أن يكون واقع الحديث عندنا، يقول سيدنا سعد بن أبي وقاص: "ثلاثة أنا فيهن رجل- وكلمة رجل في القرآن لا تعني أنه ذكر، تعني أنه بطل- وفيما سوى ذلك أنا واحد من الناس، ما صليت صلاةً فشغلت نفسي حتى أقضيها، ولا سرت في جنازة فحدثت نفسي بغير ما تقول حتى أنصرف منها- الشاهد في الثالثة- وما سمعت حديثاً من رسول صلى الله عليه وسلم إلا علمت أنه حق من الله تعالى".
أنت عندما تقرأ في الجريدة خبراً أن هناك تخفيضاً لرسوم السيارة خمسون بالمئة، تعلم أن هذا الخبر يسهم في تخفيض أسعار السيارات بدقائق، فكيف نقرأ القرآن كل يوم وفيه آيات وبشارات وتحذيرات ووعيد ونذير و لا نتفاعل معه؟ فهذا الذي يقرأ القرآن ولا يتفاعل معه عنده مشكلة كبيرة ينبغي أن ينتبه إليها.
لذلك قالوا: الكون قرآن صامت، والقرآن كون ناطق، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي، كان خلقه القرآن.

 

الإنسان هو المخلوق المكرم و المكلف :

فيا أيها الأخوة؛ أنا اعتقدت أن الإنسان هو المخلوق الأول رتبة، والدليل قوي في القرآن الكريم والسنة، قال تعالى:

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ﴾

[ سورة الأحزاب : 72 ]

لمجرد أنك من بني البشر أنت المخلوق الأول، والإنسان هو المخلوق المكرم، قال تعالى:

﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾

[ سورة الإسراء : 70 ]

الشاهد الثالث: والإنسان هو المخلوق المكلف، أنت مكلف أن تعبد الله، كيف إذا ذهب طالب إلى باريس لينال الدكتوراه، نقول: هذه المدينة العملاقة الكبيرة المترامية الأطراف، فيها المعامل، فيها المدارس، فيها الجامعات، فيها المؤسسات، فيها الملاهي، فيها كل شيء، هذا الطالب نقول: علة وجوده في هذه المدينة شيء واحد أن ينال الدكتوراه، ويجب أن نعلم جميعاً أن علة وجودنا في الدنيا بحسب الآية:

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

[ سورة الذاريات: 56]

علة وجودنا عبادة الله.

 

العبادة علة وجود الإنسان على سطح الأرض :

أما العبادة التي هي علة وجودنا فهي طاعة طوعية، لأن الله لم يقبل أن تكون علاقتنا به علاقة إكراه، أراد أن تكون علاقة حب، قال تعالى:

﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾

[ سورة المائدة : 54 ]

قال تعالى:

﴿ وَالَّذينَ آمَنوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾

[سورة البقرة: ١٦٥]

قال تعالى:

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾

[ سورة البقرة : 256 ]

هو خالقنا، مصيرنا بيده، حياتنا بيده، ورزقنا بيده، مع ذلك قال:

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾

[ سورة البقرة : 256 ]

أراد أن نأتيه طائعين، أراد أن نأتيه بدافع الحب، أراد أن نأتيه بمبادرة شخصية، لذلك إذا أقبلنا عليه سعدنا بقربه، بعض العارفين يقول:

فـلو شاهدت عيناك من حسننـــا الذي رأوه لما وليت عنــــــــــا لغـيرنـا
ولو سمعت أذناك حسن خطابنا خلعت عنك ثياب العجب وجئتنــــــــا
ولو ذقت مـن طعم المحبـــة ذرة عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنــــــــــا
ولو نسمت من قربنا لك نسمـة لمــــت غريباً واشتيـــــــــاقاً لقربنـــــــــــا
ولو لاح مـن أنوارنا لك لائــــــح تـــــــــــركت جميع الكائنات لأجلنــــــــــا
فما حبنا سهل وكل من ادعــى سهولته قلنا له قــــــــــــد جهلتنـــــــــــــا
فأيسر مافي الحب للصب قتـله وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنــــا
أطع أمرنا نرفع لأجلك حجبنــــــــــا فإنا منحنا بالرضا من أحبنـــــــــــــــــــا
ولذ بحمانا واحتمِ بجنــابنـــــــــــــــــــا لنحميك مما فيه أشرار خلقنــــــــــــــــا
وعن ذكرنا لا يشغلنك شاغـــــــــــل وأخلص لنا تلقى المسرة والهنـــــــــا
وسلم إلينا الأمر في كل ما يكــن فما القرب والإبعاد إلا بأمـــــــــــــرنــــا

لذلك في نهاية القصيدة يقول:

فيا خجلي منه إذا هـو قال لـــــــي أيا عبدنــــــــا ما قــــــــــــــــرأت كتابنـــا
أما تستحي منا ويكفيك ما جــرى أما تختشي من عتبنا يوم جمعنــــا
أما آن أن تقلع عن الذنب راجعاً وتنظــــــــــــر مـا به جـــــــــــاء وعدنــــا
فأحبابنا اختاروا المحبة مذهبـــــاً وما خالفوا في مذهب الحب شرعنا
***

أيها الأخوة؛ الإنسان هو المخلوق الأول، والمخلوق المكرم، والمخلوق المكلف بعبادة الله، أي علة وجودنا الوحيدة في الأرض أن نعبد الله، والعبادة طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، فما عَبَدَ الله من أطاعه ولم يحبه، وما عَبَدَ الله من أحبه ولم يطعه، طاعة طوعية ليست قسرية، الأقوياء يطاعون قسراً، لكن الله ما قَبِلَ أن نطيعه قسراً، بل طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية.

 

من عرف الآمر تفانى في طاعته :

أيها الأخوة الكرام؛ مع إيماني أن الإنسان هو المخلوق الأول والمكرم والمكلف، أنا أرى - وأرجو الله أن أكون على صواب- أن في هذا الدين ركنين كبيرين، الركن الأول: معرفة الآمر، والثاني: معرفة الأمر، فالعالم الإسلامي مشغول بمعرفة الأمر، لكن معرفته بالآمر ليست كما ينبغي، فلذلك الأمر بين أيدينا، وهناك مسلمون كُثر يعصون الله عز وجل، لكن أنا أقول دائماً - وهذا محور أساسي في دعوتي- : إذا عرفت الآمر ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الآمر، أما إذا عرفت الأمر ولم تعرف الآمر تفننت في التفلت منه، لذلك في دعوتي تركيز شديد جداً بل يكاد هذا التركيز يأخذ نصف المساحة على التعريف بالآمر، الآمر لا تدركه الأبصار ولكن العقول تصل إليه، الله عز وجل بالمناسبة - وهي نقطة دقيقة أحرص عليها- ذكر لك آية أمر في القرآن الكريم، المؤمن الصادق له موقف من كل آية، موقفك من آية الأمر أن تأتمر، وهناك آية نهي، موقفك منها أن تنتهي، وآية تصف أهل الجنة، موقفك أن تسعى لدخول الجنة، وآية تصف أهل النار، أن تفر من النار، وآية عن الأنبياء السابقين، أن تتعظ، وكل آية لك منها موقف، الآن الشاهد: ما موقفك من ألف وثلاثمئة آية تتحدث عن الكون؟ بلا موقف مستحيل، الموقف التفكر في خلق السموات والأرض، والتفكر في خلق السموات والأرض هي العبادة الأولى التي هي أوسع باب ندخل منه على الله، وأقصر طريق إلى الله.

لقطتان من لقطات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم :

أيها الأخوة الكرام؛ لقطتان فقط، بين الأرض وبين أقرب نجم ملتهب أربع سنوات ضوئية فقط، ما معنى أربع سنوات ضوئية؟ الضوء يقطع في الثانية الواحدة ثلاثمئة ألف كيلو متر، كم يقطع في الدقيقة؟ ضرب ستين، كم يقطع في الساعة؟ ضرب ستين، كم يقطع في اليوم؟ ضرب أربع وعشرين، كم يقطع في العام؟ ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين، كم يقطع في أربع سنوات؟ ضرب أربع، ابنك الصغير في المرحلة الإعدادية مع آلة حاسبة بدقائق يحسب لك المسافة بيننا وبين أقرب نجم ملتهب، هذه المسافة لو أردت أن تقطعها بمركبة أرضية، لو قسمتها على مئة كم ساعة، على أربع وعشرين كم يوم، على ثلاثمئة وخمسة وستين كم سنة، أقصر مسافة بين كوكب الأرض وأقرب نجم ملتهب يبعد عن الأرض أربع سنوات ضوئية تحتاج إلى خمسين مليون عام، إذا معك مركبة أرضية وأنت باتجاه أقرب نجم ملتهب إلى الأرض تحتاج إلى خمسين مليون عام، دقق الآن نجم القطب يبعد عنا أربعة آلاف سنة ضوئية، أما المجرة المسلسلة فتبعد عنا مليوني سنة ضوئية، الآن يوجد مجرة تبعد عنا أربعة وعشرين ألف مليون سنة ضوئية، اسمع القرآن الكريم:

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾

[سورة الواقعة: 75-76]

فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً، فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظنّ أنه قد علم فقد جهل، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا، فيربحهما معاً، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً.
أيها الأخوة الكرام؛ بين الأرض والشمس مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر، بالضبط، الآن الشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة، أي يدخل بجوف الشمس مليون وثلاثمئة ألف أرض، وبينهما مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر، لو أردنا أن نصل إلى الشمس بمركبة أرضية كم يستغرق الوقت؟ ملايين السنين ،أربعة وعشرون مليون سنة ضوئية، الأرقام أخواننا مخيفة جداً، لذلك قال تعالى:

﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾

[ سورة يونس: 101 ]

﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ﴾

[ سورة يوسف: 105]

أيها الأخوة الكرام؛ التفكر في خلق السموات والأرض أمر إلهي، قال تعالى:

﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾

[ سورة يونس: 101 ]

بالمناسبة نحن ألفنا أن الأوامر الإلهية هي العبادات الشعائرية، لكن العلماء يقولون: كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك، فأنا نهجت في دعوتي إلى الله منهج التعريف بالله، وأنت حين تتعرف إلى الآمر ثم تعرف الأمر تتفانى في طاعة الآمر، في حياتنا اليومية قد تأتينا ورقة من مدير البريد: تعال تسلم رسالة مسجلة، لا تتحرك شعرة في جسمك، وقد لا تذهب، وقد تأتي ورقة من جهة أخرى فلا تنام الليل، ما الفرق بين الورقتين؟ الآمر، إن عرفت الأمر وعرفت الآمر تتفانى في طاعة الآمر، أما إن عرفت الأمر ولم تعرف الآمر تتفنن في معصية الآمر.

 

النجاح الشمولي :

أيها الأخوة الكرام؛ هذة نقطة، النقطة الثانية أنا مؤمن في دعوتي- أنا أعطيكم ملامح الدعوة- أن الإنسان عقل يدرك، وقلب يحب، وجسم يتحرك، وأي دعوة تتجه إلى العقل وحده دعوة عرجاء، وأي دعوة تتجه إلى القلب وحده دعوة عرجاء، وأي دعوة تتجه إلى مصالح الإنسان في الدنيا دعوة عرجاء، فلا بد من النجاح الشمولي، الآن بالمناسبة ألغي النجاح الجزئي، إنسان نجح في جمع المال ولم ينجح في تربية أولاده لا يعد ناجحاً، أنا اخترت لكم أربع محطات: علاقتك بالله، وعلاقتك بأهلك وأولادك، وعلاقتك بعملك، وعلاقتك بصحتك، أي خلل في هذه المحطات الأربع ينسحب على بقية المحطات، فلذلك النجاح يجب أن يكون شمولياً، أن تكون العلاقة مع الله في أعلى مستوى، ومع الأهل والأولاد، وفي العمل، ومع الصحة، فإذا حققت هذا النجاح الشمولي كنت ناجحاً، أما أن تكتفي بنجاح واحد فهذا النجاح لا يسمى نجاحاً.

 

الداعية الناجح يجمع في دعوته بين تغذية العقول وتغذية القلوب :

أيها الأخوة؛ الإنسان عقل يدرك، وقلب يحب، وجسم يتحرك، غذاء العقل العلم، وغذاء القلب الحب، لكن الحب، هناك حب يسمو بك، أن تحب الله، أن تحب أنبياءه، أن تحب سيد الأنبياء، أن تحب الصحابة الكرام جميعاً، أن تحب التابعين، وأن تحب تابعي التابعين، وأن تحب العلماء، وأن تحب الدين، وأن تحب المساجد، وأن تحب القرآن، وأن تحب المؤمنين، هذا حب يسمو بك، وهناك حب يسقط بالإنسان إلى الحضيض، أن تحب أهل الدنيا غير المؤمنين من أجل مصالحك معهم، لذلك قالوا: هناك حب في الله هو عين التوحيد، وحب مع الله هو عين الشرك، فالبطولة إن شاء الله هذا المجلس حب في الله.
أيها الأخوة؛ شيء آخر: الإنسان عقل يدرك، غذاؤه العلم، وقلب يحب، غذاؤه الحب، وجسم يتحرك، غذاؤه الطعام والشراب، فما لم تتجه الدعوة إلى الله إلى غذاء العقل والقلب والجسم معاً تعد دعوة عرجاء، لذلك أتمنى على الدعاة أن يجمعوا في دعوتهم بين تغذية العقول، وتغذية القلوب.

 

حرص الإنسان على سلامة و كمال و استمرار وجوده :

أيها الأخوة؛ شيء آخر، كل واحد منا، من دون استثناء، حريص على سلامة وجوده، وكمال وجوده، واستمرار وجوده، بالضبط، لا يوجد إنسان يحب المرض، ولا الفقر، حريص على سلامة وجوده، وعلى كمال وجوده، وعلى استمرار وجوده، سلامة الوجود بالاستقامة على أمر الله، الاستقامة فيها سلامة، مالك حلال، علاقتك مع النساء مع زوجتك والمحارم فقط، وما دامت الحياة فيها استقامة إذاً فيها سلامة، هذه مكافأة حتمية لكل مستقيم، لكنها استقامة سلبية، أنا ما كذبت، ما غشيت، كلها فيها ماءات، أما البطولة فأن يكون لك عطاء، العمل الصالح عطاء، العمل الصالح يرقى بك، بالاستقامة تسلم، وبالعمل الصالح تسعد، وبتربية أولادك يستمر وجودك.
أتكلم عن خصائص الإنسان، أنت حريص على سلامتك، وعلى سعادتك، وعلى استمرار وجودك، السلامة بالاستقامة، والسعادة بالعمل الصالح، والاستمرار بتربية الأولاد.

 

الإنسان خاسر لأن مضي الزمن يستهلكه :

أيها الأخوة الكرام؛ لذلك الإنسان في أقصر سورة يقول الله عز وجل:

﴿ وَالْعَصْرِ ﴾

[ سورة العصر : 1]

هذه السورة قال عنها الإمام الشافعي: " لو تدبر الناس هذه السورة لكفتهم ".
يقسم الله بمطلق الزمن لهذا المخلوق الأول الذي في حقيقته زمن، يقول له:

﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾

[ سورة العصر : 1-2 ]

لم يا رب أنا خاسر؟ قال: لأن مضي الزمن وحده يستهلك الإنسان فقط، سبت أحد اثنين ثلاثاء أربعاء خميس ذهبت جمعة، جمعة ثانية ثالثة رابعة راح شهر، شهر ثان ثالث راح فصل، أربعة فصول راحت السنة، عشر سنوات راح العقد، الإنسان كم عقد يعيش؟ الإنسان بأدق أدق تعريفاته- التعريف لأحد العلماء الكبار- : الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه. فعلى الإنسان أن يعلم أن وجوده في الدنيا وجود مؤقت، والبطولة أن يستغل هذا الوجود لعمل صالح ينفعه بعد مضي الوقت.
أيها الأخوة الكرام؛ هذه بعض الخواطر التي بنيت دعوتي عليها، طبعاً العبد الفقير أنا عملي في الدعوة فيجب أن أبيّن لكم ما هي الخصائص الكبرى في دعوتي إلى الله عز وجل، وأرجو الله سبحانه وتعالى أن نكون عند حسن ظنكم، وأن ننتفع جميعاً بهذا الحق الذي بين أيدينا والسلام عليكم ورحمة الله و بركاته.
وعليكم السلام ورحمة والله وبركاته، جزيت خيراً، وأكثر الله من أمثالك فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، الذي سعدنا بكلماته المضيئة، التي نسأل الله أن ينفعنا بها جميعاً.

 

ترحيب من قسم السيدات بالدكتور راتب النابلسي :

أيها الأخوة والأخوات؛ الآن نبدأ مرحلة الأسئلة وإجابة فضيلة الشيخ محمد عليها، ونبدأ الآن من قسم السيدات للترحيب بضيفنا، ثم يكون السؤال الأول من قسم السيدات.
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أصحاب المعالي، أصحاب الفضيلة، أصحاب السعادة، الحضور الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ضيفنا في هذه الأمسية تميز في تنوع وغزارة معلوماته، فهو محاضر من الطراز الأول، ألفته أذن المستمع من خلال دروسه ومحاضراته الإرشادية القيّمة، غاية في مختلف نواحي المجتمع بدءاً من تعليم الزوج كيف يختار زوجته، ثم تربية الأبناء في الإسلام، والذي قدم أطروحة توفيق الحكيم ناقداً وكاتباً مسرحياً، وطبعته وزارة الثقافة والإرشاد القومي في وطنه سوريا على نفقتها الخاصة، نرحب جميعاً بفضيلة العالم والمفكر الإسلامي الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي، الشخصية الإسلامية المشهورة وأحد علماء الدين المعاصرين فأهلاً به معنا، ونبدأ طرح الأسئلة من قسم السيدات وبداية مع سعادة الأستاذة فريدة فارسي تفضلي.
الأستاذة فريدة فارسي:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شيخنا أهلاً بك معنا، لفت نظري قولك: معرفة الآمر قبل التعرف على الأمر، وموسوعتكم الأسماء الحسنى من أجمل وأعمق ما قرأت عن الآمر سبحانه وتعالى، وبما أن تخصصكم هو التربية، هل نطمح في أن تصدر هذه الموسوعة بأسلوب مبسط يناسب الأطفال ليتعرفوا من خلالها على الآمر، وبذلك نستطيع أن نزرع قيماً إنسانية سامية مستمدة من أسماء وصفات الخالق، شكراً.
الدكتور راتب :
أرجو الله سبحانه وتعالى أن يمكنني من تحقيق ما طلبته، وأنا أعتز بهذا الطلب إن شاء الله.

 

ترحيب الشيخ محمد علي الصابوني بالدكتور راتب النابلسي :

فضيلة الشيخ محمد علي الصابوني العالم والأستاذ الجامعي المعروف :
بسم الله الرحمن الرحيم، عرفت أستاذنا الفاضل الدكتور محمد راتب النابلسي منذ زمن طويل، لكنني لم ألتق به إلا مرة أو مرتين، لكن تتلمذت في القنوات على أحاديثه، وكنت أدعو له من ذرات قلبي بالتوفيق والنجاح، هذا الرجل أكبر مني وأنا ولدت قبله.
الدكتور راتب :
أنت أكبر مني قدراً وعلماً والله، وأنا تلميذك والله.
فضيلة الشيخ محمد علي الصابوني العالم والأستاذ الجامعي المعروف :
أقرأ كتاب الله عز وجل فأسمع الآية الكريمة التي تلاها الشيخ وبدأ بها:

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[ سورة فصلت: 33 ]

الأصل أن يكون الداعية مسلماً، وأن يطبق أوامر الله ثم يدعو إلى الله، ولكنه ببراعته نبهنا إلى قدر العلم، وقدر الدعوة إلى الله، فبدأ بالدعوة قبل أن يبدأ بعقيدة المسلم المتمسك بدين الإسلام، سؤالي لفضيلتك: أقرأ قوله تعالى:

﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾

[ سورة الرعد: 41 ]

هذه الآية أنا أشتغل بخدمة القرآن الكريم منذ ستين سنة، وأنا طالب في الإعدادية و الثانوية، ثم في الجامعة، ثم في الدراسات العليا أخدم كتاب الله، لكن ما وجدت من المفسرين من يشرح صدري بتفسير هذه الآية إلا قلة منهم، وأدركت بعد ذلك قول حبر الأمة وترجمان القرآن الكريم عبد الله بن عباس رضي الله عنه، أتدرون ماذا فسر الآية؟ قال: أو لم ير أننا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها، معظم المفسرين قالوا: نقصها، توسع بلاد المسلمين ونقص ديار وبلدان الكفار. لكن ابن عباس رضي الله عنه قال نقصها بموت علمائها، فإذا مات العلماء انتشر الجهل وعمّ الضلال ورجع الناس إلى أجهل من الجاهلية الأولى، فنسأل الله أن يبارك في جهده، وأن يكرمه، وأنا مدين له وأنا تلميذ عنده، ولا أزال تلميذاً عنده.
الدكتور راتب :
والله أنا تلميذ تلميذك والله.
فضيلة الشيخ محمد علي الصابوني العالم والأستاذ الجامعي المعروف :
جزاك الله عنا خيراً، وجزى من احتفى بك، وعرف قدرك أخونا الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه جزاه الله كل الخير، وأمتع قلوبنا بهذا. هناك كلمة لبعض المتصوفين وأنت شيخ التصوف وشيخ التربية.
الدكتور راتب :
لا تناسبني هذه.
فضيلة الشيخ محمد علي الصابوني العالم والأستاذ الجامعي المعروف :
لا، تناسبك لأن حديثك كله يطهر النفس، قال تعالى:

﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ﴾

[ سورة الشمس: 9]

أقول: إن الإنسان الذي يعرف قدر أهل العلم، يعرف قدر رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومن هم العلماء، العلماء هم ورثة الأنبياء، فينبغي أن نعرف قدرهم، وأن نجلهم، وأن نكرمهم، فقد أمر الله عز وجل بتكريم أهل العلم، قال تعالى:

﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾

[ سورة المجادلة: 11]

هذا هو سؤالي: ما هو رأيك في كلام الإمام الاسكندري: "اجتهادك فيما ضمن لك، وتقصيرك فيما أمرت به دليل على انطماس نور البصيرة منك"، جزاك الله خيراً هذا سؤال يرجى أن توضحه.

 

الإنسان خاسر إلّا إن عمل عملاً ينفعه بعد انقضاء الزمن :

الدكتور راتب :
الإجابة عن هذا السؤال العميق، علة وجودك أن تعبد الله، وقد ضمن الله لك الرزق، فإذا سهوت عن علة وجودك في الدنيا، وهي العبادة، وأمضيت وقتك في الهم في طلب الرزق، وقعت في تناقض عجيب، وهذه مشكلة كبيرة جداً، و الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه، والإنسان كائن متحرك إلى هدف ثابت، فكل حركة، وكل دقيقة، وكل ثانية تقربه من هدفه، والله عز وجل قال:

﴿ وَالْعَصْرِ ﴾

[ سورة العصر : 1]

أقسم بمطلق الزمن لهذا المخلوق الأول الذي هو الزمن، قال له: أنت خاسر، لماذا؟ لأن مضي الزمن يستهلك الإنسان، رحمة الله عز وجل في إلا، حينما تفعل فعلاً في الزمن الذي سينقضي، ينفعك بعد انقضاء الزمن تلافيت الخسارة، الخسارة محققة، الموت ينهي كل شيء، قوة القوي، ضعف الضعيف، غنى الغني، فقر الفقير، علم العالم، جهل الجاهل، الموت ينهي كل شيء، إلا إذا فعلت في الزمن الذي سينقضي عملاً ينفعك بعد انقضاء الزمن، بمعنى أن أي عمل يدخل معك إلى القبر وأي عمل يبقى في البيت لا تجعله أكبر همك، هناك أفعال كثيرة تنتهي في البيت، تنتهي في المحلات التجارية، تنتهي في السوق، تنتهي في الأموال، ولكن يوجد عمل يدخل معك في القبر، هذا العمل يا قيس إن لك قريناً تدفن معه وهو حي، ويدفن معك وأنت ميت، إن كان كريماً أكرمك، وإن كان لئيماً أسلمك، ألا وهو عملك، وبارك الله بكم.
ننتقل إلى قسم السيدات.
الدكتورة نادية عبد الجبار:
السلام عليكم؛ أنا مكية وأكتب الشعر بالإنجليزية بنية الدعوة من منظور إسلامي، وقد فازت قصائدي في أمريكا وبريطانيا بالمرتبة الأولى لسنوات، وأنا متأثرة بأفكاركم وأفكار الشعراوي والغزالي، فهل من الضروري والأخلاق العلمية والإسلامية أن أذكركم وراء كل قصيدة أم يكفي ذكركم في اللقاءات معي؟

 

ضرورة نقل العلم دون أن يعزى لصاحبه :

الدكتور راتب :
أجيبك كما قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى قال: "أريد أن ينقل علمي دون أن يُعزى إلي. ما من داع لذلك.
الأستاذ عبد الغني حاووط:
السلام عليكم سعادة الدكتور في الحديث الشريف أن جبريل يقول: إن الله يحب فلاناً فأحبوه ...نسأل الله أن تكون منهم، لكن هناك مقومات تجلب محبة البشر لفلان من الناس فما هي مقومات الداعية الذي يريد أن تسمعه القلوب قبل الآذان؟ فهل يتكرم الدكتور أن يدلنا ويرشدنا لهذه الطرق التي سلكها حتى نال بها كل هذه المحبة والقبول من كل أطياف البشر في كل أنحاء العالم الإسلامي؟ وشكراً.

 

مقومات الداعية الذي تسمعه القلوب قبل الآذان :

الدكتور راتب :
والله أنا أرجو الله أن يجعلنا من هؤلاء، ويجعل الجميع من هؤلاء، أنت حينما تطبق ما تقول فقط، أنا والله أول خطبة خطبتها في حياتي لي عمّ خطيب جامع النابلسي منذ سبعين سنة، فبلغ الخامسة والتسعين و لم يعد يستطيع أن يكمل كلفني أن أخطب مكانه، أنا أذكر أنه أمسكني من يدي بآخر الجامع وساقني إلى المنبر، هذا كان عرساً عثمانياً، أي مادام هو وكلني أمام الناس كان يأخذ بيدي إلى المنبر، أنا في الطريق من أول الحرم إلى المنبر بكيت قلت: يا رب أنا لست أهلاً لكني أعاهدك يا رب ألا أتكلم كلمة إلا وأطبقها في حياتي، هذا رأس مالي الوحيد، لأن هناك مشكلة كبيرة أنت حينما تقول ما لا تفعل كأن الله يعاتبك، يقول لك: عبدي أنت كذلك أما تستحي مني؟ إذا الإنسان منا عاهد نفسه ألا يتكلم كلمة إلا ويطبقها، أنا أذكر مرة دفعت الزكاة مضاعفة، ألقيت خطبة عن الزكاة تركت أثراً مذهلاً، أنا طبقتها، الإنسان عندما يفعل ما يقول يكون له أثر كبير، وأكاد أقول لكم: أكبر خصيصة للدعوة الناجحة أن الداعية

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور