- محاضرات خارجية / ٠06 لقاء مع الشيخ الشعرواي - مصر
- /
- ٠2اللقاء الثاني مع الشعراوي
تفاوت الخلقة دليل القدرة :
الأستاذ راتب :
هناك مشكلة حول جراحة التجميل جائزة أم غير جائزة ؟
الشيخ الشعراوي :
والله فيه نص " من عمل الشيطان " .. تفاوت الخلقة دليل القدرة .. فقد قال تعالى:
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ﴾
أي لا يوجد قالب بحيث لو جمعت النّاس كلها لا تجد واحداً مثل الآخر في الشبه إنّما قريب منه ، وليس هو نفسه .. يبقى كل واحد له ذاتية مميّزة .. لماذا ؟ .. إذاً اختلاف الخلقة مقصودٌ للحق ،.. وجود العاهات مقصودٌ للحق ؛ أي هذا خُلق أعمى، وهذا خُلق أعور، وهذا كسيح ، فانظر كم هي نسبة المعاقين في الكون !! بلد فيه مئة ألف نسمة كم أعمى فيه ؟
الأستاذ راتب :
قليلة .
الشيخ الشعراوي :
وكم أعور فيه ؟ وكم كسيح فيه ؟.. - هذه النسبة وسائل إيضاح ولنعمة منسية - فساعة ما الإنسان يرى أعمى ومتعثراً .. يقول : الحمد لله .. لا .. لا .. ويمسك عينه .. الله .. ، لكن وما ذنبه هذا لكي يكون وسيلة إيضاح !؟ . نقول له : أنت لا تعرف ماذا عوَّضه الله عن هذه العاهة ؟.. أنت نظرت لهذه العاهة ولم تعرف ماذا عوضه عنها .. ولو نظرت إلى ما عوِّض تلتفت و تقول : هو أعطاه أحسن مما أخذ منه ، هل تسمع بباخ الذي دوّخ الدنيا و الموسيقيين ، كان أصم ، التي هي آلة السماع .. الله!! أصم ، تيمور لنك الذي دوخ الدنيا كان أعرج .. الله !! يبقى إذاً كلّ مسلوب نعمة من النعم التي هي عامّة لهؤلاء الناس - معوّض شيئاً - ولكننا لا نفتش على العِوض وننظر فقط لهذه العاهة ، ولذلك حتى عند الفلاحين الأُمّيين يقولون : كلّ ذي عاهةٍ جبّار ، ما معنى جبّار؟ .. أي له ناحية متميز فيها لماذا ؟ لأنّه ولو عنده نقص في هذه فهو يحاول أن يعوّضه ، .. شاخت واضع الاقتصاد الألماني عندما ذهب للجيش الألماني ليجنّد لأنَّ رجله معطوبة - معاق - لم يقبل ، لكنّه قعد يدرس .. قال : إن الحرب سوف تتعب ألمانيا اقتصادياً فوضع النظام الاقتصادي لما بعد الحرب - نظام شاخت - وعندما انتهوا من الحرب وحدث لهم ما حدث فيها .. ابتدأ النظام الاقتصادي ، انظر بعدما انهزموا في سنة ألف و تسعمئة و سبع عشرة عبّدوا الدنيا في سنة ألف و تسعمئة و تسع و ثلاثين بسبب النظام الاقتصادي ، فإنسان واحد ماذا أعطاه الله !! .. ولذلك يقول لك: مركّب النقص وسيلة الكمال الاجتماعي أي مركّب النقص في شيء يحاول إبرازه في شيءٍ آخر.
الأستاذ راتب :
وعبروا عن هذه الحقيقة إن المجموع ثابت .
الحاجة تربط الناس مع بعضهم :
الشيخ الشعراوي :
ولذلك أنا أقول : إن مجموع كل إنسان يساوي مجموع كل إنسان .. يبقى هذا آخذ عشرة على عشرة في هذه .. وصفر في حاجةٍ ثانية .. لماذا ؟! .. حتّى نتعشّق مع بعضنا البعض ، لأننا لو كنّا متساويين في الدرجة سوف نستغني عن بعضنا البعض .
الأستاذ راتب :
نتنافر.
الشيخ الشعراوي :
آه .. لأنّ الحاجة هي التي تربطنا معاً ، نحن كان عندنا شيخ اسمه موسى كان يدرّس لنا التفسير ، فيكون قاعداً وغير مشغول قبل أن يبدأ الدرس يدعو ويقول : يارب .. يا الله أغني العلماء ، و يا رب أفقر العمال والصنّاع .. ونحن صغار في السنة الثالثة فنقول له : لماذا ؟ يقول : اقعد يا جاهل .. يا ولد العالم عندما لا يكون غنياً تحوِّله الدنيا إلى أن يُلحن في فتواه ، إنما العالم الغني لا أحد يتجرّأ أن يغيّر همَّته ، والعامل والصانع كذلك و سوف تجربون ذلك ، يا أولاد من لا يملك المال لا يتقن عمله ولا يأتي إلى العمل ، وفي هذا الوقت الدنيا تشتكي من هذا العامل وهو مدوّخ رب العمل ، يجلس على القهوة ولا يحضر ويعطلنا ، هذا نظام معمول .. تلك الأيام نداولها بين الناس .
لذلك أنا قلت في الماضي : الذي يشقى ويرضى بقدر الله ، حالة فقره تكون عشر سنوات ، ثم يرتاح طوال العمر ، وإن تعب في عمله ، عمل عشرين سنة يرتاح أولاده طوال العمر، وإن تعب ثلاثين سنة يريّح أحفاده ، لأن الدنيا كما قال تعالى :
﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾
إذا سمعت تفسير هذه الآية .. قلت لنفسي : كلمة بعض هذه تعني أن كلنا بعض ، أي بعضنا مرفوع في شيء ومرفوع عليه في شيء آخر لكي يتكون الالتحام الضروري ، لا يوجد أحد يتطوّع لكي يكنس شارع إنما عندما يكون عنده فقر وعنده عيال وأولاد يريدون أن يأكلوا تجده يذهب ليعمل في تنظيف غرف تفتيش السياقات – ريغار - ويمسح دورات المياه ، أليس كذلك ؟ ويصحو في الصباح يقول : يارب يا فتّاح يا عليم ... أي والله ..فتجد إنساناً يعمل في محل تصنيع عطور ، والثاني يشتغل في دورات المياه ، الاثنان في بيت واحد يسكنون .. أحدهم يشم رائحة العطر والآخر يشم المجاري ، أيام الرئيس عبد الناصر رُويَت نكتة : اثنان نزلوا في المجاري ليقوموا بإصلاحات داخل حجرة التفتيش في الشارع سمعوا أصوات عالية ، فأحدهم قال : سأرى ما هذه الضجة؟ فصعد للأعلى ينظر فقال له الآخر : ماذا رأيت ؟ قال له : الريّس مار في موكبه . فقال له الموجود في الأسفل : انزل بلا قرف . أي أن هذا هو القرف .
لذلك انظر بعين الاستقراء هكذا الذي رضي بحاله ولم يحقد وابتدأ يتقن أي عمل تجده بعد فترة أصبح صاحب عمل ، حتى عندما يبقى الإنسان خاضعاً هكذا في داخله وهو يتعلم لا يضن ، لا يبخل عليه معلّمه بالمعلومة ، أما إن كان عاملاً متكبراً معلمه يعمل دون أن يراه المتعلم.
أنا كنت أبني هذا البيت وعندي كثير من العمال يبنون ، عندما أراقبهم من بعيد هكذا أجد العامل يضرب بالفأس ضربة ثم يستريح ثم يرفعها ويستريح .. فقمت بجمعهم وقلت لهم : أنا أرى ما تعملون ولن أحاربكم في أرزاقكم ، وستشتغلوا كذلك عندي ، إنما أنا أسألك يارب أن تعطيهم من الأجر الذي أعطيه لهم على قدر عملهم .. والباقي الذي لا يستحقونه أجعله هبة منّي لأولادهم .. فاستمعوا إلي : الذي سوف يعمل ويبذل جهداً هنا والله لن ينتهي من العمل هنا إلا وسيبني بيتاً .
وأقسم بالله .. والله لم يعمل أحد في البناء هنا إلا وقد بنى بيتاً له قبل أن ينتهي من عمله في هذا البيت ، حتى محمد عارف الذي كان مشرفاً على العمال وجدته يبني عمارة له .. وقال لي : البيت ليس على قدر دعوتك .
للكون نظام محدد :
الكون مخلوق بنظام فإذا نحن صنعنا تروساً - أي مسننات - فكل الآفات محصورة للحق ، فلنأخذ الشيطان ، عندما جاء يتكلم مع ربنا جاء متكبراً لأنه مخلوق من النار - ولكنه في النهاية لا شيء .. آه .. لأنه أظهر خطتة التآمريّة على بني آدم ومن يريد أن يمكر بغيره فلا يظهر خطة التآمر التي سيعملها له . قال تعالى :
﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾
فماذا نقول نحن إذاً للناس ؟ عندما الشيطان يأتي لك في الصلاة يريد أن يفسدها لك .. ولا يذهب إلى الخمّارة لأن الذي في الخمّارة لا يحتاج له.. قال لله : لأقعدن لهم صراطك المستقيم . هذه واحدة ، ثانياً : قال له :
﴿ وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا ﴾
ولآمرنهم فليغيرن خلق الله أي الذي لا يعجبه خلقه يذهب فيغيّر ، وتجد أشخاصاً كثيرين يعملون هذه العملية فيفقدون جاذبيتهم .
يقولون : إنه يمكن أن تكون جاذبية كليوباترا في أنفها فلو زاد نصف سنتيمتر لتغيّر وجه التاريخ .
جراحة التجميل :
كل شيء هكذا خلق .. فالجاذبية معمولة في الشكل هذا ، لا أريد مالاً أو أي شيء من هذا ، ولذلك أنا قلت قضية : من رضي بقدري أعطيته على قدري . إنما يجرون عمليّات ليشدوا الجلد ويغيّروا خلق الله .
الأستاذ فرحات :
بعض العلماء يا مولاي يقولون : إذا كان ربنا هداني إلى تحسين هذه الخلقة أو إلى نقلها ....
الشيخ الشعراوي :
ولذلك أنا قلت للنساء اللواتي قمن بسؤالي ، قلت لإحداهنّ : أنت فعلت ما فعلت في شكلك أخفيتي شيئاً ووضعت شيئاً آخر مصنوع ، فو الله العظيم هذا تخصيم لله كأنّك تقولين له : يا رب لماذا لم تخلقني في هذه الحياة جميلة ؟ لماذا ؟ وبهذا التعديل كأنّك تقولي لله: أنت يا رب لست بحكيم ، فهل زوجك لا يعرف أن هذا الذي تضعينه دهان وطلاء ، فإن لم يكن يعلم فهو إذاً كثير الغباء .
الأستاذ فرحات:
ترى أن جارتها أجمل يا مولانا .
الشيخ الشعراوي:
أليس الذي خلق هذه المرأة الجميلة يجعلها تعمل شيئاً تتميز به .
كل شيء من خلق الله عز وجل و صنعه :
الأستاذ راتب :
الآن هناك بحوث حول الهندسة الوراثية ، كأن يوجد طفل بشكل معين ولون معين ، استخدام هذه البحوث جائز ؟
الشيخ الشعراوي :
من أين أخذوها ؟.. أخذوها من صنع الله .. من خلق الله.. فالذي وصل إلى أرقى النظريات من أين أتى بها ؟ أتى بها من واقع سابق فمثلاً الهندسة .. أنا أُبرهن على النظرية رقم مئة هل أقول كذا يساوي كذا حسب النظرية كذا ، وتمارين حسب نظرية كذا ، وماذا بعد ذلك ؟ .. وهكذا .. فالنظرية الأولى ماذا تكون ؟ .. قال : هذه النظرية حسب البديهة الموجودة في الكون ، كل شيء له بديهة ، الله عمل بها وسائل لكي نصل إليها ، لذلك العلماء المهذبون عندما يأتون بشيء جديد يقولون لك : هذا كشف .. كشف أي كأنّها كانت موجودة وظهرت على يده ، أي أنها ليست اختراعاً ، إنما هي كشف ، أي أن العالم أزاح عنها الستار.