- موضوعات متنوعة
- /
- ٠5مقالات في صحيفة دنماركية
حرص الإنسان على رزقه
والإنسان حريص على رزقه كما هو حريص على حياته فكيف يدفع المرء عن نفسه القلق من أجل الرزق، وكيف يمتنع الرجل عن ارتكاب المعاصي من أجل الرزق وكيف يحترز الإنسان عن أن يقف موقف مذلة من أجل الرزق .
فلسفة المال في الإسلام
ما فلسفة المال في الإسلام؟ من يملكه؟ وكيف أن الإنسان مستخلف فيه، ولماذا ينبغي أن نحافظ عليه، ولماذا حرم الله التبذير والإسراف وإتلاف المال؟ ولماذا فرض الإسلام على المسلم فرضاً عينياً أن يكسب رزقه بنفسه؟ وهل هناك مكاسب للرزق محرمة تخفى على كثير من الناس، وكيف يزيد الرزق من خلال الكتاب والسنة؟ في هذه المقالة عن الرزق إجابات لهذه الأسئلة .
الله مالك السماوات والأرض
لقد خلق الله السماوات والأرض وما فيهما، وهو المالك الواحد لكل ما في السماوات الأرض وبينهما، وما تحت الثرى ، قال تعالى :
﴿ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى ﴾
فالمال الذي في أيدي الناس ملك لله تعالى وحده، والدليل قوله تعالى :
﴿ وَءَاتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي ءَاتَاكُمْ ﴾
المال الذي في أيدي الناس هو مال الله
لقد سمى الله المال الذي في أيدي الناس مال الله، إلا أن الله جل جلاله تفضل على عباده باستخلافهم فيه، قال تعالى :
﴿ ء َامِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾
فأصل الملك لله سبحانه وتعالى، وأن العبد ليس له إلا التصرف، والله جل جلاله سيحاسبه عن هذا المال من أين اكتسبه، وفيم أنفقه.
وقد روى الإمام مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
(( إن الدنيا حلوة خضرة وأن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون ))
الإنسان لا يملك المال بل يمتلك حق الانتفاع
أما حينما يضاف المال إلى العباد، كقوله تعالى :
﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾
لتبلون في أموالكم، أضيف المال إلى العباد، وأنفسكم، فهذه الإضافة في رأي علماء التفسير لا تعني أن الإنسان مالك المال، وإنما تعني أن الإنسان مالك حق الانتفاع به ابتلاء وامتحاناً .
المال هو نعمة بنص القرآن الكريم
والمال بنص القرآن الكريم نعمة من نعم الله تعالى الدالة على رحمته بالإنسان فقد من الله على نبيه به فقال :
﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى ﴾
نعمة من نعم الله ، وسمى الله المال في القرآن الكريم خيراً ، قال تعالى :
﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ﴾
رأي النبي وأصحابه في المال
وقد امتدح النبي صلى الله عليه وسلم المال فقال :
(( نعم المال الصالح للمرء الصالح))
وقد نقل عن بعض أصحاب رسول الله رضوان الله تعالى عليهم أن أحدهم قال: "حبذا المال أصون به عرضي وأتقرب به إلى ربي".
بيان الله في المال
وقد بين الله تعالى أن المال قوام الحياة، وأن معايش الناس، وقيامهم بالمال ، قال تعالى :
﴿ ولاتُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴾
أي قياماً بها، يقول بعض المفسرين: أي أنكم تقومون بها: وتنتعشون، ولو ضيعتموها لضعتم، فكأن فيها قيامكم وانتعاشكم .
الإسلام نهى عن إضاعة المال
وبما أن المال نعمة، وخير، وقيام الحياة، فينبغي أن نحفظه، وأن نحافظ عليه كي نلبي به حاجاتنا الأساسية، وألاّ نضيعه، وآية الدين التي هي أطول آية في القرآن الكريم تؤكد ضرورة حفظ المال، ورعايته، وعدم تضييعه من خلال كتابة الدين، والاستشهاد بالشهود وأخذ الرهان، وقد نهى الإسلام عن إضاعة المال الذي استخلف الله العباد فيه، يقول عليه الصلاة والسلام
(( إن الله نهى عن ثلاث، قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال))
قول الإمام النووي:
ويقول الإمام النووي في شرح هذا الحديث: إضاعة المال صرفه في غير وجوهه المشروعة وتعريضه للتلف، وسبب النهي أنه إفساد، والله لا يحب المفسدين، ولأنه من أضاع ماله تعرض لأموال الناس بالاحتيال والعدوان، وهل بعد هذا الفساد من فساد" .
نهي الله عن التبذير
لا زلنا في فلسفة المال في الإسلام .
ولقد حرم الله التبذير أشد التحريم، حين وصف المبذرين بأنهم إخوان للشياطين قال تعالى :
﴿ وَءَاتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ﴾
تعريف التبذير:
والتبذير في التعريف الدقيق هو الإنفاق في معصية الله، وفي غير حق، وقد نقل عن الإمام البخاري الذي نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله: لا تبذر أي لا تنفق في باطل، ونقل عن ابن مسعود لا تبذر، أي لا تنفق في غير حق، وقد ذكر الإمام الشوكاني أن الشيطان كفور، وأن المبذر أخ للشيطان، فبالقياس المنطقي المبذر كفور، لو أخذ الناس بهذا الأمر فامتنعوا عن تبذير أموالهم في المعاصي، وفي الفساد لبقيت أموال ضخمة لتلبية الحاجات الأساسية للناس في الحياة، هذا عن التبذير فماذا عن الإسراف؟.
لا ينفق المال في المعاصي
قد لا ينفق المرء ماله في المعاصي لكنه ينفقه في المباحات من طعام، وشراب ومسكن، وملبس، وزينة متجاوزاً حد الاعتدال، باعتبار الكم، أو متجاوزاً حد الاعتدال باعتبار النوع، أو كلاهما معاً ، قال تعالى :
﴿ يَابَنِي ءَادَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾
أحل الله الأكل والشرب ما لم يكن مسرفاً
أباح الله سبحانه وتعالى الأكل والشرب، ونهى عن الإسراف، قال بن عباس في تفسيره: "أحـل الله تعالى في هذه الآية الأكل والشرب ما لم يكن سرفاً أو مخيلةً"، وقال بعض المفسرين: حذف مفعول ولا تسرفوا
﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ﴾
لم يذكر المفعول به، حذف المفعول في: ولا تسرفوا، يدل على العموم، أي لا تسرفوا في الأكل والشرب.
إن الله لا يحب المسرف
شيء آخر: ويؤيد تعليل النهي بأنه لا يحب المسرفين، أي لا يحب جنس المسرفين، لأنهم يظلمون أنفسهم، ويؤذون أبدانهم، ويضيعون أموالهم، ويخسرون آخرتهم وفي هذا وعيد للمسرفين بأنه لا يحبهم، ولا يرضى عنهم، والى جانب هذا نهى الله تعالى عن الإقتار الذي يسبب اللوم ، قال تعالى :
﴿ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ﴾
تفسير البيضاوي:
قال البيضاوي: في تفسيره في الآية تمثيلان لمنع الشحيح، وإسراف المبذر، نهى عنهما آمراً بالاقتصاد والاعتدال بينهما الذي هو الكرم .
تفسير ابن كثير:
وقال ابن كثير في تفسيره فتقعد ملوماً محسوراً، أي فتقعد إن بخلت ملوماً يلومك الناس، ويذمونك، وتقعد محسوراً متى بسط يدك فوق طاقتك قعدت بلا شيء تنفقه فتكون كالحسير، أي كالدابة التي عجزت عن السير فتوقفت ضعفاً وعجزاً .
النجاة في القصد
والنجاة في القصد أي الاعتدال، روى البيهقي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( ثلاث منجيات وثلاث مهلكات، فأما المنجيات فتقوى الله في السر والعلانية والقول بالحق في الرضى والسخط، والقصد - الاعتدال - في الغنى والفقر، وأما المهلكات فهواً متبع، وشح مطاع، وإعجاب المرء بنفسه، وهو أشدهن))
القصد في الإنفاق
بهذا القصد في الإنفاق من صفات عباد الرحمن الذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ، ولم يقتروا ، وكان بين ذلك قواماً ، قال تعالى في سورة الفرقان :
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾
بذل الجهد فرض من الله
ولقد فرض الإسلام على العباد أن يسعوا، ويبذلوا الجهد لكسب العيش، فقد روى الطبراني عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
(( طلب الحلال واجب على كل مسلم ))
وجوباً فرضياً، وفي حديث صحيح أيضاً:
طلب الحلال فريضة تأتي بعد فريضة الصلاة
(( طلب الحلال فريضة بعد الفريضة))
ومعنى فريضة بعد الفريضة، أي فريضة تأتي بعد فريضة الصلاة، والصيام والحج والزكاة، أو هي فريضة مستمرة، وقال بعض الأئمة: القصد بالقدر الذي لابد منه فريضة، لأن ما يقيم المرء صلبه حتى يؤدي الفريضة يُعد فريضة، فما لا تؤدى الفريضة إلا به يُعد فريضة، وكذلك يعد التكسب فريضة عينية لتأدية الدين، لأن الدين يجب أن يقضى وكذلك يعد التكسب فريضة عينية للإنفاق على الزوجة والأولاد، لأن الإنفاق عليهم واجب.
الكسب فريضة للإنفاق على الوالدين
وكذلك يعد التكسب فريضة عينية للإنفاق على الأبوين، لأن الإنفاق عليهما واجب أيضاً.
إعجاب سيدنا عمر بالذي يعمل
وقد نقل ابن الجوزي عن محمد بن عاصم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا رأى شاباً فأعجبه سأل عنه هل له من حرفة، فإن قيل: لا سقط من عينه، وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: "إني لأكره الرجل فارغاً لا في عمل الدنيا ولا في عمل الآخرة.
الأنبياء قدوة لكسب الرزق
هذه هي النصوص التي تؤكد وجوب العمل ، فماذا عن القدوة في كسب الرزق لقد كان الأنبياء والمرسلون قدوةً في هذا ، فما من أحد أكبر من أن يكسب رزقه بنفسه ، قال تعالى :
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا ﴾
أي إنهم بشر، وتجري عليهم كل خصائص البشر، وهم قدوة للبشر، ومن بشريتهم أنهم مفتقرون في وجودهم إلى تناول الطعام، ومفتقرون من أجل الحصول عليه إلى المشي في الأسواق، أي إلى كسب الرزق.
أطيب الأكل من كسب اليد
وقد روى الإمام البخاري عن المقداد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
(( ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده))
عمل النبي صلى الله عليه وسلم
ونبينا عليه الصلاة والسلام إمام الأنبياء والمرسلين، وأكرم الأولين والآخرين وحبيب رب العالمين كان يرعى الغنم على قراريط لأهل مكة، فقد روى الإمام البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
(( ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم ، فقال أصحابه : وأنت يا رسول الله ، قال : وأنا كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة))
فالعمل شرف للإنسان .
توفير الأعمال للعاطلين
والنبي صلى الله عليه وسلم يبين من خلال توجيهاته ومواقفه، لا بوصفه نبي هذه الأمة ورسول الله إليها، ولكن بوصفه ولي أمر المسلمين، يبين لأولي الأمر من بعده أن من واجب ولي أمر المسلمين أن يوفِّر الأعمال للعاطلين، وأن يؤهلهم تأهيلاً نفسياً ومادياً، فقد روى أبو داود عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلاً من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله مالاً، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :
(( أما في بيتك شيء قال: بلى، حلس - بساط - نجلس عليه وقعب نشرب فيه الماء، قال ائتني بهما فأتاه بهما فأخذهم رسول الله بيده صلى الله عليه وسلم، وقال لأصحابه من يشتري هذين، قال رجل: أنا آخذهما بدرهم يا رسول الله، فقال عليه الصلاة والسلام: من يزيـد على درهم قالها مرتين أو ثلاثا،ً فقال رجل: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه وأخذ الدرهميــن وأعطاهما للأنصاري، وقال: اشتر بإحداهما طعاماً فانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قدومــاً، وائتني به فأتاه به، فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده الكريمة عوداً ثم قال: اذهب فاحتطب وبع ولا أرينك خمسة عشر يوماً، فذهب الرجل يحتطب ويبيع وجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوباً وببعضها طعاماً، فقال عليـه الصلاة والسلام: هذا خير لك من أن تجيء المسالة نكتةً في وجهك يوم القيامة، إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة، لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفزع، أو لذي دم موجع))
العبرة من هذه القصة
ماذا نستفيد من هذه القصة ومن توجيهات النبي عليه الصلاة والسلام نستفيد أنه صلى الله عليه وسلم أهّل هذا العاطل تأهيلاً نفسياً، حيث أمره بتزويد أهله بالطعام كي يفرغ من التفكير في شأنهم لبعض الوقت، ولينقطع عن العمل، وأهله مادياً حيث زوده بآلة العمل بعد ما شد عليها عوداً بيده الكريمة، والأهم من هذا متابعة النتائج، حيث أعطاه فرصة خمسة عشر يوماً لينظر بعدها إلى مدى نجاحه أو إخفاقه .
توجيه سيدنا عمر لولاته
ومن توجيهات عمر ابن الخطاب رضي الله عنه لبعض ولاته، قال له: "إن الله قد استخلفنا على خلقه لنسد لهم جوعتهم، ونستر عورتهم، ونوفر لهم حرفتهم، فإذا وفيناهم ذلك تقاضيناهم شكرها، إن هذه الأيدي خلقت لتعمل فإذا لم تجد في الطاعة عملاً التمست في المعصية أعمالاً فاشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية " .
يحض الإسلام على العمل والكسب المشروع
هذا عن فلسفة المال في الإسلام وعن وجود العمل المشروع لكسبه، وتحري الوجوه المشروعة في إنفاقـه، فماذا عن الكسب الحرام، وأكل أموال الناس بالباطل، قال تعالى :
﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾
إشارة إلى حقيقة خطيرة في كلمة ـ لا تأكلوا أموالكم ـ
لقد أشارت كلمة لا تأكلوا أموالكم إلى حقيقة خطيرة وهي، أشارت إلى ما ينبغي أن يكون عليه المؤمنون من إخوة صادقة، أو مشاركة وجدانية حانية، يجسدها الشعور بأن مال أخيك هو مالك من زاوية أنه يجب أن تحافظ عليه وكأنه مالك، وأن تصونه من التلف والضياع فلأن تمتنع عن أكله بالباطل من باب أولى ، وتشير هذه الكلمة ولا تأكلوا أموالكم أن هذا المال هو مالك من زاوية أخرى، من زاوية أنه إذا أكلت مال أخيك أضعفته، وفي إضعافه إضعاف لك، فأنت بهذا كأنك قد أكلت مالك .
أكل مال الناس بالباطل
وقد ثبت في الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :
(( كل المسلم على المسلم حرام ماله ودمه وعرضه ))
﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾
ومن أكل أموال الناس بالباطل الربا حيث يلد المالُ المال، وتتعطل الأعمال وتفشو البطالة، وترتفع الأسعار، ويصبح المال دولة بين الأغنياء، وتتسع الهوة بين الأغنياء والفقراء، وبعدها تكون الأزمات المالية الطاحنة.
النبي عليه الصلاة والسلام لعن آكل الربا
وروى مسلم عن جابر قال:
(( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء))
أنواع الغش
ومن أكل أموال الناس بالباطل الغش وللغش أنواع كثيرة وصور شتى ترجع في معظمها إلى المخادعة في إظهار شيء، وإخفاء شيء في باطنه من ذلك إصدار ميزانيات وهمية لبعض الشركات فترتفع قيمة أسهمها، ومن الغش الكذب في التعريف بالشيء، فيعرف الرديء بأنه جيد، وذو السعر الرخيص بأنه من الصنف ذي السعر العالي، ومن الغش دس الرديء في ثنايا الجيد، وبيعه جميعاً بقيمة الجيد دون بيان الواقع والحقيقة ومن الغش أن يقول البائع اشتريته بكذا كذباً ليخدع المشتري في هامش ربحه، ومن الغش إخفاء العيب، والتلاعب بالوزن والكيل، والعدد، والطول، والمساحة، والحجم، ومن الغش تزوير منشأ البضاعة ومصدرها ، أو الكذب في صفاتها ، وفي تاريخ صلاحيتها ، ومن الغش عرضها بطريقة تزيد من مزاياها ، وتخفي من عيوبها ، ومن الغش توجيه المشتري إلى بضاعة رديئة كاسدة استغلالاً لجهله في نوع البضاعة ، ومن الغش استغلال جهل المشتري بثمن البضاعة ، ورفع السعر أضعافاً مضاعفة ، وهذا الجهول في نوعية البضاعة، وفي ثمنها سماه النبي صلى الله عليه وسلم مسترسلاً، فقال عليه الصلاة والسلام :
(( غبن المسترسل ربى غبن المسترسل حرام))
عندما يكون البائع غاشاً يكون المشتري غاشاً
وكما يكون البائع غاشَّاً يكون المشتري أيضاً غاشاً، حينما يستغل جهل البائع بقيمة بضاعته الحقيقية، لذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تلقي الركبان لأنهم يجهلون قيمة بضاعتهم، ولا يعرفونها إلا إذا دخلوا السوق .
الاحتكار
ومن أكل أموال الناس بالباطل، الاحتكار وهو بالتعريف الدقيق حبس مال أو منفعة أو عمل، والامتناع عن بيعه وبذله حتى يغلو سعره غلاء فاحشاً غير معتاد بسبب قلته أو انعدام وجوده في مظانه مع شدة الحاجة إليه، قال الإمام أبو يوسف: كل ما أضر بالناس حبسه فهو احتكار، وقال بعض الفقهاء المحدثين: كل إيهام، أو كل تضليل من شأنه أن يزيد في الطلب على السلعة مع قلة العرض تمهيداً لرفع السعر فهو احتكار، وهذا الربح الزائد الذين يجنيه، وهذا الربح الزائد الذي يجنيه المحتكر حرام، لأنه ليس نظير زيادة في البضاعة ولا في صفاتها، أو نظير خدمة خاصة يقدمها البائع، ولم يؤخذ هذا المبلغ الزائد بالرضا الحقيقي من المشتري إنما هو إلجاء أصحاب الحاجات إلى شراء حاجاتهم بأكثر من أثمانها الحقيقية.
المحتكر في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم
والمحتكر من خلال أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ملعون وخاطئ وقد برئت منه ذمة الله ، وقد توعده الله بالنار ، فقال عليه الصلاة والسلام :
(( لا يحتكر إلا خاطئ ))
وقال :
(( الجالب مرزوق والمحتكر ملعون ))
وقال :
(( من احتكر الطعام أربعين ليلة يريد به الغلاء فقد برئ من الله وبرئ الله منه ))
وقال :
(( بئس العبد المحتكر إن أرخص الله الأسعار حزن وإن أغلاها فرح ))
ثناء النبي صلى الله عليه وسلم على ترك الاحتكار
وقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على من ترك الاحتكار خوفاً من الله وإشفاقا على خلقه وتيسيراً لهم، فقال عليه الصلاة والسلام:
(( من جلب طعاماً فباعه بسعر يومه فكأنما تصدق به))
المكاسب المحرمة
وقد تخفى بعض المكاسب المحرمة على كثير من الناس، لكن الميسر والسرقة والغلول والرشوة والغصب والنهب، هذه أنواع كثيرة من أكل أموال الناس بالباطل لكنها لا تخفى على الناس .
وسيلة لزيادة الرزق من القرآن والسنة
والآن هل من وسيلة ذكرها القرآن الكريم وبينتها السنة المطهرة تزيد في الرزق وكل واحد من الخلق حريص على زيادة رزقه، هل من وسيلة ذكرها القرآن الكريم، وبينتها السنة تزيد في الرزق ؟ أضعكم بين النصوص وأترك لكم الاستنباط :
أ ـ العلاقة بين الرزق والاستقامة
السؤال الأول هل من علاقة بين الرزق وبين الاستقامة، قال تعالى :
﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً ﴾
﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءَامَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾
ب ـ العلاقة بين الرزق والصلاة
آيتان قرآنيتان من عند خالق الكون، هل من علاقة بين الرزق وبين الاستقامة؟ هل من علاقة بين الرزق وبين الصلاة، انظروا في قوله تعالى :
﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَي ﴾
ج ـ العلاقة بين الرزق والاستغفار
هل من علاقة بين الرزق وبين الاستغفار، انظر في قوله تعالى :
﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾
د ـ العلاقة بين الرزق والشكر
هل من علاقة بين الرزق وبين الشكر، انظروا في قوله تعالى :
﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيد ﴾
هـ ـ العلاقة بين الرزق وصلة الرحم
هل من علاقة بين الرزق وصلة الرحم، انظروا في هذا الحديث الشريف، قال عليه الصلاة والسلام.
(( من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره - أي في أجله - فليصل رحمه))
و ـ العلاقة بين الرزق والصدقة
هل من علاقة بين الرزق وبين الصدقة، انظروا في هذا الحديث الشريف.
(( استمطروا الرزق بالصدقة ))
الصدقة تجلب الرزق .
ز ـ العلاقة بين الرزق والأمانة
هل من علاقة بين الرزق وبين الأمانة؟ انظروا في هذا الحديث الشريف:
(( الأمانة غنًى ))
بالمعنى المادي الأمانة غنًى ، والأمين ينال أثمن شيء ، وهو ثقة الناس .
هل من علاقة بين الرزق وبين الإتقان؟ انظروا في هذا الحديث الشريف:
((إن الله يحب من العبد إذا عمل عملاً أن يتقنه))
من أتقن عمله أحبه الله وأحبه الناس
من أتقن عمله أحبه الله بنص هذا الحديث وأحبه الناس بديهةً ومن أحبه الله وأحبه الناس كان رزقه وفيراً .
المثل الحي نبراس للأجيال
المبادئ والقيم والمثل لا تعيش إلا بالمثل الحي، والمثل الحي يؤكد المبادئ ويحقق القيم، ويجعل المثالية واقعاً، والمثل الحي حقيقة مع البرهان عليها، والمثل الحي نموذج إنساني خالد، والمثل الحي نبراس للأجيال من بعده .
أحرص أبو حنيفة على أن يأكل من كسب يده
أبو حنيفة النعمان الفقيه الكبير رحمه الله تعالى أكرم علمه ونفسه وحزم أمره على أن يأكل من كسب يمينه، وأن تكون يده هي العليا دائماً، وقد علم، وأيقن أنه ما أكل امرؤ لقمةً أزكى، ولا أعز من لقمة ينالها من كسب يده.
أ ـ فعل أبو حنيفة لغيره أكثر ما يفعل لنفسه
لذلك خصص شطراً من وقته الثمين لكسب رزقه فاتّجر بالخز أي بالقماش وكان له متجر معروف يقصده الناس فيجدون فيه الصدق في المعاملة، والأمانة في الأخذ والعطاء، وكانوا يجدون فيه أيضاً الذوق الرفيع، وكان يأخذ المال من حله ويضعه في محله وكان كلما حال عليه الحول أحصى أرباحه من تجارته واستبقى منها ما يكفيه لنفقته، ثم يشتري بالباقي حوائج القراء، وحوائج المحدثين، وحوائج الفقهاء، وطلاب العلم، وأقواتهم وكسوتهم .
ب ـ كان أبو حنيفة مثلاً أعلى
هذا أبو حنيفة النعمان، هذا الفقيه الكبير الذي ضرب للناس مثلاً أعلى في كسب الرزق .