وضع داكن
22-11-2024
Logo
الإعجاز العلمي - الندوة : 30 - العظام.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع :
 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسولنا الكريم .
 أخوة الإيمان والإسلام ؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، القرآن الكريم كتاب أنزل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، يحتوي على علوم بحاجة إلى التفكر والنظر ، لا ندعي بذلك أن القرآن الكريم تضمن العلوم الكونية وتفصيلاتها الدقيقة ، وإنما هي مجرد إشارات بالواقع لعدد من الحقائق الكونية ، المقصود منها هو التأكيد على أن الحقائق العلمية المشار إليها في القرآن الكريم يؤدي فهمها إلى تعميق الإيمان بالله وقدرته ، وليس معنى ذلك بحال من الأحوال أننا نمضي إلى ما يتوهمه ، أو يتخوفه البعض من تفسير القرآن الكريم كله تفسيراً علمياً ، إنما تفسيره في ضوء الإعجاز العلمي للقرآن والسنة .
مع هذه الحلقة الأخيرة ، ومع فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، الأستاذ المحاضر في كلية التربية في جامعة دمشق ، والخطيب والمدرس الديني في جوامع دمشق ، نرحب به أهلاً وسهلاً بك .
الدكتور راتب :
 أهلاً وسهلاً بكم يا سيدي .
المذيع :
 أيها الأخوة ، ذكر القرآن الكريم تكوين الجسد ، وذكر العظام في مواضع مختلفة ، إلا أن الدكتور محمد يفسر لنا في كتابه قول الله عز وجل :

﴿ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً﴾

[ سورة البقرة : 259 ]

 نحتاج طبعاً فضيلة الدكتور كي توجهنا وتفسر لنا هذه الآية الكريمة ؟

الهيكل العظمي من آيات الله الدالة على عظمته :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
 إن من آيات الله الدالة على عظمته هذا الهيكل العظمي الذي هو قوام جسمنا ، إنه نسيج متين ، يقاوم قوى الشد ، ونسيج قاس ، يقاوم قوى الضغط ، متين وقاس ، هذا النسيج المتين القاسي أحد وظائفه الكبرى أن يحمي الأجهزة النبيلة ،فالدماغ من أنبل هذه الأجهزة ، موضوع في كرة عظمية هي الجمجمة ، والنخاع الشوكي أيضاً حبل نبيل جداً ، موضوع في العمود الفقري ، والقلب أخطر هذه الأجهزة ، موضوع في القفص الصدري ، والرحم موضوع في عظم الحوض ، معامل كريات الدم الحمراء موضوعة في داخل العظام ، ولولا الجهاز العظمي لكان الإنسان كومة من الجلد واللحم لا شكل لها ، هذا الجهاز مؤلف من مئتي قطعة ، بنيتها قاسية ، ومحكمة من الخارج ، ومسامية ، وإسفنجية من الداخل ، لو أن بنيتها من الداخل كانت كبنيتها في الخارج لكان وزن أحدنا أربعة أمثال وزنه الطبيعي ، لو أن وزن الإنسان سبعون كيلو غراماً يصبح مئتين وأربعين كيلو غرامًا ، إذا كانت العظام بنيتها من الداخل كبنيتها من الخارج ، من الخارج متينة ثقيلة ، من الداخل إسفنجية . يقول العلماء : في بنية العظم يتحقق حد أقصى من النتائج بحد أدنى من اللوازم ، فهناك توازن رائع بين البنية المقاومة والوزن الخفيف ، الطائرة التي نركبها تزن مئة وخمسين طناً، ووقودها يزن مئة وخمسين طناً ، يكفيها أربع عشرة ساعة للطيران ، لو أنها صنعت من ثلاثمئة طن من الحديد لاحتاجت إلى ثلاثمئة طن من الوقود ، لو كان وزننا أربعة أمثال ما نحن عليه فهناك مشكلات جمالية ، وهناك هدر للطاقة بلا مسوغ ، أغرب ما في هذا الجهاز أن هناك هدماً وبناءً مستمرين ، حقيقة مذهلة ، حيث إن الإنسان يتجدد هيكله العظمي خمس مرات في عمر متوسط ، كل ست أو سبع سنوات لك هيكل عظمي جديد كلياً ، بفعل عملية الهدم والبناء ، إن الهدم والبناء مستمر ،إذاً يعين على التئام الكسور .
 وظيفة البناء الأولى أنه يعين على التئام الكسور ، فإذا كسر عظم الإنسان ، وليس هناك هدم ولا بناء أصبح هذا العظم مكسوراً حتى الموت ، وهذه من نعم الله الكبرى ، والهدم والبناء المستمر يجعل العظم مخزناً للكلس ، بمعنى أن الجنين قد يحتاج إلى مادة الكلس يأخذها من عظم أمه ، لأن عظم أمه فضلاً عن أنه هيكل وظيفته أن يكون قوام الإنسان معتمداً على هذا الهيكل فهو مخزن للكلس .المذيع :
 فضيلة الدكتور ، ما هو الذي ينظم نمو العظم ؟ وكيف يمكن إيقاف هذا التنظيم عند حد معين ؟

الكمال المطلق في خلق الإنسان :

الدكتور راتب :
 تصور لو أن هذا العظم ينمو عشوائياً لتعملق الإنسان ، من أسماء الله عز وجل الباسط القابض ، هناك هرمونات تنظم نمو العظام ، وتنظم إيقافه عند حد معين ، شيء لا يصدق أن هذا العظم ينمو ، من الذي أمر هذه الخلايا أن تقف عند حد معين ؟
 هناك حالات نادرة جداً حكمة وجودها أن تعرف قيمة القاعدة الأساسية ، فهناك إنسان مقزم ، طوله حوالي خمسة وخمسين سنتمتراً ، وهناك إنسان عملاق طوله حوالي مئتين وأربعين سنتمترًا ، فالعملقة والتقزم لها علاقة بهرمون النمو ، وهذا شيء دقيق . شيء آخر هو أن التعظم أي تحول الغضروف إلى عظم يبدأ من الحياة الجنينية ، ويستمر بعد الولادة إلى سن اكتمال النمو الطولي ، من سبعة عشر عاماً إلى الواحد والعشرين ، كيف أن هناك نسيجًا غضروفيًّا مع الزمن يصبح نسيجاً عظمياً ، الغضروف ألين ، لكن تبقى غضاريف بين العظام ، كيف أننا نضع قطعًا من الكاوتشوك بين قطعتين صلبتين تفادياً للاحتكاك ، كذلك الغضروف له مهمة كبيرة ، إنْ في العمود الفقري ، وإنْ في المفاصل ، فالغلاف الغضروفي يسهل الحركة ، ويمتص الصدمات ، ويعين على ليونة الاحتكاك .
 شيء آخر ، هناك عند المفاصل سائل لزج ينزلق عليه سطح لزج من أجل سهولة حركة المفاصل ، هذا السائل يتجدد تلقائياً من حين إلى آخر ، نحن نعلم في السيارات أنه لابد من إضافة الزيت ، لكن الإنسان خَلقه فيه كمال مطلق ، هناك زيت يكون بين المفاصل يتجدد تلقائياً من دون أن تضيف الزيت ، ومن دون ساعة زيت ، ومن دون خطر احتكاك العظام مع بعضها ، هذه بعض الآيات الدالة على عظمة الله عز وجل .

بناء الإنسان بناء متيناً من عظمة الله عز وجل :

 لكنكم كما تفضلتم في بداية اللقاء وذكرتم هذه الآية :

﴿ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً﴾

[ سورة البقرة : 259 ]

 العلماء قالوا : العظام في مجملها مركبة من مادة أساسية هي الكالسيوم ، ولكن توزيع هذه المادة مع متمماتها على شكل آخر ، فخمسة وثمانون بالمئة من العظام كالسيوم وفوسفات ، وعشرة بالمئة كالسيوم الكربونات ، وثلاثة بالألف كالسيوم الكلوريد ، واثنان بالألف كالسيوم الفلوريد ، وواحد بالمئة فوسفات المغنزيوم ، هذه نسب الكالسيوم مع المتممات التي في العظام ، وتسعة وتسعون بالمئة من الكالسيوم متوضع في العظام ، ولكن امتصاص الكالسيوم من الأمعاء هنا الدقة ، هذا الهيكل العظمي المتين - أستاذ عبد الحليم - عظم عنق الفخذ يتحمل ضغط مئتين وخمسين كيلو ، فالإنسان الشديد القوي المتين يتحمل نصف طن ، وطبعاً عنق الفخذ هو عظم من أطول عظام الإنسان ، لكن من أجل جمال الإنسان جعل وسطه متوسعاً بفضل عنق الفخذ ، فكل حمل الإنسان يقع على هذه المنطقة ، هذا العظم من المتانة حيث يتحمل مئتين وخمسين كيلو ، ما هذه المتانة ؟ وما هذه القوة في العظام ؟ والعظم هو كلس يؤخذ من الحليب ، فكيف تحولت أملاح الكالسيوم التي أودعها الله في الحليب ، وفي مشتقات الألبان ، وفي بعض الفواكه ، كيف نقلت هذه المادة فأصبحت بناءً متيناً للإنسان ؟ هنا ملاحظة لطيفة جداً ، إن توضع الكالسيوم في العظام يحتاج إلى فيتامين " د " ، فإذا لم يتوافر هذا الفيتامين أصيب الطفل بهشاشة في عظامه ، أو بلين في عظامه ، موطن الشاهد في الموضوع أن شكل العظام على شكل شوكيات ، و هذه الشوكيات تتداخل ، وإذا تداخلت كونت جسماً متيناً لدرجة متناهية ، والحقيقة أن عظم عنق الفخذ كما تكلمت قبل قليل : يتحمل هذا الضغط الهائل ، قال تعالى :

﴿ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً﴾

[ سورة البقرة : 259 ]

 ننشزها أي نجعلها على شكل شوكيات متداخلة حيث تكون متينة جداً ، وقاسية جداً .
المذيع :
 فضيلة الدكتور محمد ، تحدثنا عن العظام بشكل موسع ، أو بشكل عام ، ولكن إن دققنا في صنع الله ، وفي العظام بالذات ، وأخذنا مثلاً اليد ، فكيف تحدثنا عن بنائها ؟

 

النظر إلى خلق الله وكماله للتعرف عليه أكثر :

الدكتور راتب :
 مثلاً لو تصورنا أن هذه اليد بلا مفصل ، كيف نأكل ؟ الأكل مستحيل ، بشيء من الطرافة ، لابد من أن ننبطح على الأرض ، وأن نأكل الطعام عن طريق اللسان فقط ، كالقطط ، هذا المفصل يجعل قدرتك على تناول الطعام يسيراً ، هذا المفصل داخلي ، لكن مفصل الرجل خارجي ، هذا نحو الداخل ، تلك نحو الخارج ، هذا المفصل يتحرك في كل الاتجاهات ، هناك من يقول : إن الحضارة الإنسانية أساسها هذا الإبهام ، هذا الإبهام يقوم بأعمال ، تصور حاول أن ترتدي ثيابك من دون إبهام ، مستحيل ، الإبهام يقوم بدور ، الأصابع بدور ، السلاميات بدور، الرسغ بدور ، الكتف بدور ، يوجد شيء دقيق جداً ، الإنسان أحياناً يغضب يمسك ابنه من يده ، ويرفعه بعنف ، لو أن الأربطة التي ربطت فيها اليد مع الجسم لم تكن مدروسة لخلعت يده، ويد الطفل مرتبطة مع الجسم لا بأربطة تحميه من أن تنخلع عند حمله فقط بل عند الغضب منه أبضاً ، لأن الشد السريع يضاعف المقاومة تقريباً ، فالإنسان مربوط ربطاً محكماً ، الآية الكريمة:

﴿ نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً ﴾

[ سورة الإنسان : 28 ]

 لو فكر الإنسان في عظم الرسغ ، و كيف أنه يتحرك بكل الاتجاهات ، وفكر في عدد الأصابع ، وفي السلاميات ، وفي الإبهام بالذات ، وفي هذا المفصل الداخلي ، وفي حركة مفصل الكتف ، لرأى العجب العجاب ، إن هذه اليد فيها شبكة أعصاب ، وشبكة أوردة ، وعضلات ، وأجهزة عالية جداً ، فالله عز وجل دعانا إلى أن ننظر إلى خلقه ، وإلى كمال خلقه ، كي نتعرف إليه أكثر فأكثر .المذيع :
 ما هي السلامية ؟

 

اليد آية من أقرب الآيات إلى الإنسان :

الدكتور راتب :
 هذا العظم الذي في الأصابع ، كل إصبع لها عدة سلاميات ، قال العلماء : في اليد خمسة أصابع ، وفي كل إصبع ثلاث سلاميات ، إلا الإبهام ، فهو مكوّن من سلاميتين ، وهنا السر ، ربما لا تصدق أن حضارة الإنسان التي يزهو بها متعلقة بهذا الإبهام ، والإبهام مما يتفرد به الإنسان دون بقية المخلوقات ، على السلامية الثانية في هذا الإبهام يرتكز وتر مع عضلة قابض طويل ، يطوي السلامية الثانية ،فيعطي الإبهام رشاقته ودقته التي يتفوق بها الإنسان على سائر المخلوقات ، بسبب دقة بناء اليد انطلقت هذه اليد لتؤدي مهمات لا حصر لها ، لولا هذا الإبهام لما كان لهذه الأصابع من قيمة ، جرب أن تكتب من دون إبهام ، أو أن تخيط من دون إبهام ، أو أن ترتدي ثيابك من دون إبهام ، أو أن تعمل على آلة دون إبهام ، فإنك بالتأكيد لن تستطيع شيئاً ، وهذا صنع الله الذي أتقنه .
 إن مفصله الكروي يعطيه المرونة الفائقة ، والسلاميتان الاثنتان مزودتان بما لا يقلّ عن خمسة أوتار مما يمنحه الحركة برشاقة في كل الاتجاهات من البسط والقبض ، والتبعيد والتقريب ، والدوران والإمساك والمقابلة ، لو أن ضارباً على جهاز الحاسوب جلس ست ساعات يضرب على أزراره لبذل هذا الإبهام جهداً يساوي المشي على قدميه أربعين كيلو مترًا ، وهو لا يدري ، قال أحد العلماء الغربيين : هذا الإبهام العجيب هو الذي فتح لنا هذا العالم العجيب ، فزاد معرفتنا بالله عز وجل ، وعظمته ، ووحدانيته ، وإن هذه الأداة العجيبة فيها مجموعة من العظام ، والأوتار ، والعضلات ، والأعصاب والشرايين ، والأوردة والعروق اللمفاوية ، في اليد سبعة وعشرون عظماً ، وثمانية وعشرون مفصلاً ، وثلاث وثلاثون عضلة ، أما عظام الرسغ فسبعة ، وهذا الرسغ أيضاً يعطي اليد الحركة في كل الاتجاهات ، ولولا هذا الرسغ لما كان لهذه اليد من معنى ، ولولا أنها باتجاه واحد لفقدت معظم خصائصها ، تمر شبكة سقي وتروية دموية من أبدع ما خلق الله عز وجل ، وتصبّ هذه الشبكة في نهرين عظيمين على حافتي الرسغ في شلالين متعانقين متضافرين ، يتوزع عن الوريد والشريان شبكة دقيقة جداً في اليد ، ففي أي مكان وضعت رأس إبرة يخرج الدم ، معنى ذلك أن هناك شبكةً دقيقةً جداً ، وأما المنظم فهو شبكة عصبية محكمة متدفقة من ثلاثة كبلات ، أعصاب المتوسط ، والزندي ، والكعبري ، تستقبل الحس ، وتوجه الحركة ، وهذا نظام إرادي ، ونظام لا إرادي مرتبط بالفعل ، بالمنعكس الشرطي ، لو درسنا هذه اليد لوجدناها آية من آيات الله عز وجل ، هذه الحضارة ، وهذه الصناعات ، وهذه الآلات لا معنى لها من دون يد ، والله جلّ جلاله كرم الإنسان بهذه اليد ، وهذه من أقرب الآيات لدينا ، قال تعالى :

﴿ وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾

[ سورة الذاريات: 21 ]

خاتمة وتوديع :

المذيع :
 إذاً أيها الأخوة والأخوات ، في نهاية هذه الحلقة ونهاية هذه الحلقات لا يسعنا إلا أن نشكر فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، الأستاذ في كلية التربية في جامعة دمشق على سعة صدره للإجابة عن أسئلتنا حول تفسير آيات الله الكونية في القرآن الكريم ، وفي السنة النبوية الشريفة ، وطبعاً الإجابة عن أسئلتنا إن كانت علمية منها أو شرعية في هذه الحلقات .
 أيها الأخوة والأخوات ، إلى حلقات قادمة من هذه البرامج التي نكون فيها ، ويشرفنا فيها فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، نستودعكم الله ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور