- ندوات تلفزيونية / ٠04برنامج ديناً قيماً
- /
- ٠1ديناً قيماً 1 - ماليزيا
مقدمة :
المذيع:
أبا خالد أنفق فلست بخالد وما جعل الله من عذر لقاعدها
***
كما قال شاعر لصاحبه، فقال أبو خالد:
لقد زاد الحياة إليّ حبـــــــــــــــــاً بناتي إنهنّ من الضعــــــــاف
أحاذر أن يرين الفقر بعــــدي وأن يشربن رنقاً بعد صـــــاف
وأن يعرين إن كسي الجـواري فتنبو العين عن كرمٍ عجاف
لولا ذاك قد سومـــــــــت مهري وفي الرحمن للضعفاء كافي
***
بخل وشح بنفسه وبالجهاد في سبيل الله بنفسه وماله حرصاً على بناته.
ما هو الشح؟ وما أسبابه؟ ولم يكون الإنسان بخيلاً وتحضنا النصوص الشرعية الإسلامية على الجود والكرم والبذل والعطاء؟ اتصف الله سبحانه وتعالى بالكرم، ورسوله صلى الله عليه وسلم كان أجود من الريح المرسلة، فلم يتصف أتباعه الآن بالشح والبخل؟ الشح حلقة جديدة في برنامج:" ديناً قيماً ".
مشاهدينا الكرام ومتابعينا الأعزاء؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً بحضرتكم معنا، وحلقة جديدة في هذا البرنامج نرحب بحضرتكم ونرحب بضيفي الكريمين العالمين الجليلين السبتين العدلين الحبرين صاحب المعالي والفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، ومعالي الأستاذ الدكتور عمر عبد الكافي، مرحباً بكم في هذه الحلقة المباركة.
تكلمنا عن أكل الطيبات وعن الكرم والجود، ونحن نتكلم عن محاسن الأخلاق، هذا دور البخل والشح، ما البخل والشح شيخنا الدكتور محمد راتب؟
تعريف الشّح :
الدكتور راتب :
أن يمسك ماله عن إعطاء كل ذي حق حقه، هذا نوع من البخل، كيف أنه يوجد لدينا خثرة بالدماغ قد تقتل الإنسان، الشح مرض نفسي خطير جداً، قد ينهي عمل الإنسان الصالح، أي انه يخاف أن يتصدق، يخاف أن ينفق ما يجب عليه إنفاقه، يخاف أن يرعى أهله وأولاده، أن يفرحهم في مناسبات معينة، فالشح سبب لأخطاء كثيرة جداً في الحياة:
﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾
المذيع:
هل يكون بخيلاً أو شحيحاً الذي يزكي فقط ولا يتصدق؟
البخيل أغبى الناس لأنه يجمع لغيره :
الدكتور عمر :
حمداً لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد؛ الزكاة فرض إن لم يؤدها دخل النار، أما أنه يظن أن المال الذي بقي عنده هو تسعة وثلاثون من أربعين، أي كل أربعين جزءاً فيهم جزء من الزكاة، كم بقي له؟ بقي تسعة وثلاثون جزءاً، إذا قسمناها؛ أربعون جزءاً فيهم جزء، فالجزء الذي أقاله فكأنما رب العباد أعطاه المال، وقال له: هذه الأربعون جزءاً لك، لكن لك أنت تسعة وثلاثون فقط و الجزء الأربعون هذا له، فإن احتفظت به كان هذا سبحان الله نجس يُضيع بقية بركة المال الذي عندك، إذا أنت كانز فقط، يكنزون الذهب والفضة يأتي من بعد ذلك التسعة والثلاثون، التسعة والثلاثون هذه قد وضعت بيده، إنما المال مالي، لا، المال مال الله، وسمي المال مالاً لأنه مال بالناس عن الحق، ولم تذكر كلمة مال أو يميل إلا في أسلوب غير جيد، مال الجدار، أي سبحان الله سلبي دائماً، لكن لمن يشح بالمال هذا نوع من أنواع الشح، جزء من موسوعة الشح، لكن الشح المالي أنه هو ثري، أولاد عمومته وأبناء أخوته لا يجدون قوت يومهم، أو لا يجدون كسوةً معينة، يشح بالمال وهو عنده، هذا إنسان هذه المتعة التي يتمتع فيها في مال الله ولكنه يشح هذه سبحان الله العظيم ينقلب الحال إما أن يسلب منه المال، أو يسلب منه بركته، أو يسلب منه عطاؤه، ويحسر يوم القيامة سلباً للبخيل والشحيح، يعيش عيشة الفقراء، ويحاسب في القبر، ويوم القيامة حساب الأغنياء، يحاسب عليه كله.
المذيع:
البخيل أكرم الناس يترك كل ما جمع للورثة.
الدكتور عمر :
للأسف الشديد، ولذلك أغبى الناس البخيل، لماذا الشحيح؟ لأنه يجمع لغيره.
الدكتور راتب :
أو لأنه عاش فقيراً ليموت غنياً.
المذيع:
القرآن الكريم استخدم البخل واستخدم الشح أيضاً:
﴿ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾
﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾
هل من علامات فارقة بين البخل والشح؟
العلامات الفارقة بين البخل والشح :
الدكتور راتب :
البخل ظاهر، والشح داخلي، يوق شح نفسه، البخل مظهره منع العطاء، أما الشح فحالة نفسية.
المذيع:
ماذا أقول؟ شح في الحالة المعنوية مع الزوجة مثلاً.
الدكتور راتب :
أتمنى ألا أعطيها لكنني مضطر أن أعطيها، فهو شحيح.
المذيع:
الناس تقول: ليس بخلاً وليس شحاً ولكنه حرص. ماذا تقول في هذا؟
البخيل لا يستمتع بالنعمة ولا يراها وإنما همه كنز المال :
الدكتور راتب :
هنا أحياناً نسمي الأشياء بغير أسمائها.
المذيع:
بعضهم يقول: هكذا بالفعل هذا ليس بخلاً ولا شحاً، هذا حرص، أعلم كيف أضع القرش في محله.
الدكتور عمر :
انظر الإنسان الكريم كالزهرة الفواحة لا ينكرها إنسان، والزهرة عندما يسرقها إنسان من مكانها لا تشح برائحتها على السارق، فلا يقال: أين رائحة الزهرة؟ فالكريم له رائحة العطاء، والشحيح له رائحة نتنة، يكرهه الناس، ويكرهون جلسته، لو استطاع أن يتنفس من منخر واحد لفعل.
المذيع:
فهو قال ذلك بالفعل.
يقتر عيسى على نفسه وليس بباق ولا خالـــد
فلو يستطيــــع لتقتيــــــــره تنفس من منخر واحد
***
الدكتور عمر :
هذا الإنسان البخيل أو الشحيح سبحان الله يعيش في حالة من الكمد، لا يستمتع بالنعمة ولا يراها، وإنما نعمته الوحيدة أن يرى المال مكتنزاً، قبلته إلى خزينة ماله، دائماً يفكر في البورصة، أي الصبح يفكر بالمال، وفي الليل يفكر بالمال، أسعار البورصة ذهبت و نزلت وطلعت، وقلبه يضطرب، ماذا بك؟ سوف يأيتك، رزقك سوف يأتيك، الإنسان الشحيح إنسان يجب أن يعالج نفسياً كما يعالج مريض القلب من قلبه، ومريض الكبد من كبده.
المذيع:
شيخنا الدكتور محمد راتب كيف نفهم هذين النصين قال فيما معناه: خذ من غناك لفقرك، وحديث في الثلث الأخير لما الله سبحانه وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا يقول ملكان: اللهم أعط منفقاً خلفاً وأعطي ممسكاً تلفاً.
حجم الإنسان عند الله بحجم عمله الصالح :
الدكتور راتب :
أي مهما يكن الإنسان غنياً، غناه اللا متناهي مرتبط بدقات قلبه، أو بسيولة دمه، فإذا توقف القلب انتقل كل هذا المال إلى غيره، لذلك خيركم من عاش طبعاً هناك من يعيش فقيراً ليموت غنياً، ليس خيركم من عاش فقيراً ليموت غنياً، لكن البطولة أي حجمك عند الله بحجم عملك الصالح، الغنى والفقر بعد العرض على الله:
﴿ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾
الغنى والفقر بعد العرض على الله، والغنى الحقيقي غنى العمل الصالح، لأن علة وجودنا في الدنيا العمل الصالح:
﴿ رَبِّ ارْجِعُونِي* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا ﴾
بل إن حجم الإنسان عند الله بحجم عمله الصالح .
المذيع:
إشارة للدكتور عمر هل البخل و الشح طبع أم تطبع؟
البخل و الشح طبع أم تطبع :
الدكتور عمر :
القضية في فهم طبيعة المال أو العطاء هل هو وسيلة أم غاية؟ هنا تختلف الملكات، يوجد فريق يرون أن المال والغنى والعطاء وسيلة، هؤلاء السعداء، لأن غايته إسعاد نفسه ومن حوله في مرضاة الله.
المذيع:
أي ما هو إلا وسيلة ليشتري بها سعادة الآخرين.
الدكتور عمر :
رضي الله عنك تماماً الآخر يرى أن المال والغنى والعطاء إنما هي غاية يبحث عنها بالحل والحرمة، ويبحث عنها بالطريق المشروع وغير المشروع.
المذيع:
حضرتك تعرف:
فهي اللسان لمن أراد فصاحة وهي السلاح لمن أراد قتالا
***
الدكتور عمر :
هذا كلام الشعراء ولكن نحتاج كلام الشرع.
المذيع:
الذي معه قرش يساوي قرشاً يا شيخنا.
المال مال الله عز وجل يؤتيه من يشاء :
الدكتور عمر :
هذا كلام العوام، هذا كلام في الشوارع، أما الكلام الحقيقي إنما المال مال الله عز وجل يؤتيه من يشاء، ولو شاء الله لأغنى العباد كلهم، ولو شاء لهدى الناس جميعاً، ولو شاء لجعل كل الناس مليارديرات، لكن جعل الله غنياً ليرى شكره، وفقيراً ليرى صبره، ثم ليرى عطاء الغني للفقير، ورحمة الغني بالفقير، وعدم حسد الفقير للغني لأنك تكسر حدة حسده بأن تعطيه.
المذيع:
إذاً ما جاع فقراء إلا بتخمة الأغنياء؟
على الأمة المسلمة إعادة الأموال لأصحابها :
الدكتور عمر :
إذا أعطى الله رغيفاً للغني وقال: إن ربعه لأخيك، فإذا أكل الرغيف كله جاع الفقير، لا بد في مجتمع الإسلام إذا وجد الفقراء تعلم أن هناك أغنياء لصوص سرقوا مال الفقير، ثم اغتصبوه، ثم نهبوه، ووجب علينا كأمة مسلمة أن نطالب هؤلاء السارقين بإعادة الأموال إلى أصحابها.
المذيع:
المفروض ألا يكون هنالك فقير؟
ضرورة التكامل في رعاية الفقراء :
الدكتور عمر :
في الأمة المسلمة؟
المذيع:
نعم.
الدكتور عمر :
سقوط الفقير في فضل مال الغني جعل الله فيها توازناً، لماذا؟ لأنني أنا أخرج اثنين ونصف، ومحمد يخرج اثنين ونصف، والشيخ يخرج اثنين ونصف، وذلك يخرج اثنين ونصف، سبحان الله نتكامل في رعاية الفقراء.
المذيع:
وهذا الخليفة عمر بن عبد العزيز عليه رضوان الله؟
الدكتور عمر :
سبحان الله إنابة إنابة فقط اتضحت المسألة، ولذلك إذا مات فقير في دولة الإسلام جوعاً وله جيران من الأغنياء أوجب أحمد بن حنبل أن يدفعوا دية قتله جميعهم، لأنهم قتلوه.
المذيع:
شيخنا دكتور محمد راتب النابلسي البخل والشح هل يستطيع الإنسان أن يتغلب عليهما؟
كيفية التغلب على البخل و الشح :
الدكتور راتب :
طبعاً البطولة هنا الإرادة، لو ألغينا الإرادة ألغينا الدين كله، الإنسان يتبع شهواته في الأصل، الشهوة محببة وقريبة منه ومحسوسة، ولكن وعد الله بالجنة خبر، يوجد فرق بين شيء محسوس؛ شهوات أمامك، مركبة فارهة، بيت فخم، زوجة.
المذيع:
لكن هل ورد في الشريعة الإسلامية عاقبة البخيل أو الشحيح؟
الدكتور راتب :
﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾
معنى هذا أن الشح مرض.
المذيع:
هذه أمور معنوية هل له عذاب أو عقاب معين؟
للشح عقاب في الدنيا أو في الآخرة :
الدكتور راتب :
لا بد من أن يكون هناك نتيجة حتمية إن في الدنيا أو في الآخرة، الدنيا دار ابتلاء لا دار استواء، منزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً، فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي، فأنا لا يمكن أن أستقيم إلا إذا أدخلت الآخرة مع الدنيا.
المذيع:
شيخنا الدكتور عمر هل البخل والشح يكونان في المال فقط أم في المشاعر والأحاسيس والمعاملات أيضاً؟
الشحيح شحه عام يشح في كل تصرفاته المادية والمعنوية :
الدكتور عمر :
الإنسان الذي يبخل بماله هذا عنوان شخصيته، لأن يبخل ويشح في كل شيء، فالبخيل يشح بالابتسامة كي لا تطالبه بشيء زوجته، ويشح بالكلمة الطيبة كي لا تطالبه ابنته بشيء، ويطالبه ابنه بشيء، ويشح بالزيارة وبصلة الرحم لأنه لو زار أخاه الفقير لطلب منه شيئاً، ويشح سبحان الله بالمعاملة الحسنة، لأن الناس سوف تهجم عليه بالطلبات ويشح بالذهاب إلى مكتبه إلا خلسةً أو خفيةً من باب خلفي حتى لا يراه الناس أمام مكتبه، فالشحيح شحه عام، يشح في كل تصرفاته المادية والمعنوية.
المذيع:
يوجد لدي دقيقة واحدة مناصفةً هل يشعر البخيل والشحيح أنه كذلك؟
معرفة الشحيح نفسه أنه شحيح بعرض نفسه على كتاب الله و سنة رسوله :
الدكتور راتب :
والله:
﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾
يمكن أن تخدع معظم الناس لبعض الوقت، أو بعض الناس لكل الوقت، أما أن تخدع كل الناس لكل الوقت فمستحيل.
آخر تعليق أما أن تخدع نفسك وربك ولا ثانية ولا ثانية.
الدكتور عمر :
يوجد مقياس للحق نحن في المقاييس نريد أن نبني بيتاً، نعد الأمتار أو الأقدام التي هي مساحة البيت، إذا فصلنا قماشاً نقيس هذا القماش بالأمتار، إذا وزنا مكاييل كل كيلو غرام عبارة عن ألف غرام وهكذا، السير في الحياة لمرضاة الله عز وجل له مقياس الكتاب والسنة، فليعرض هذا الشحيح نفسه على كتاب الله وعلى سير الصالحين يجد نفسه فاشلاً تعيساً مريضاً نفسياً يجب أن يعالج.
المذيع:
هل من الممكن أن يصل ويعالج من درجة البخل والشح إلى مبدأ: أنفق ينفق عليك:
((ولا تخشَ من ذي العرش إقلالا ))
كيفية معالجة الشحيح نفسه من الشح :
الدكتور عمر :
إذا غرست فيه شحنة قوية من شحنات الإيمان، وعاشر المنفقين، وعاشر الكرماء، وسمع قصص الصالحين، وأن الله سبحانه وتعالى أزال ملك قارون عندما شح، وأبقى ملك سليمان لأنه أكرم، عندئذ يستفيق من غفلته.
الدكتور راتب :
رب العالمين مربّ، الإنسان إذا أنفق من ماله نكافئه مكافئتين؛ واحدة مالية والثانية نوع من السكينة، فالإنسان عندما يتلقى من الله جزاء عمله يشجع إلى متابعة هذا العمل.
خاتمة و توديع :
المذيع:
نعم، شكراً لكما على هذا اللقاء الطيب، وجعلكم الله من الكرماء الجوادين.
مشاهدينا انتهت حلقتنا، إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى، حتى ذلك الحين شكراً لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.