- تفسير القرآن الكريم / ٠1التفسير المختصر
- /
- (051) سورة الذاريات
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين :
أيها الإخوة الكرام :
الآيات الأولى من سورة الذاريات ، وهي قوله تعالى :
﴿وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً (1) فَالْحَامِلَاتِ وِقْراً (2) فَالْجَارِيَاتِ يُسْراً (3) فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً (4) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (5)﴾
أيها الأخوة:
هناك ربطٌ بين مظاهر الكون وبين حقائق الدين، الذاريات هي الرياح التي تحمل السحاب، والسحاب يجري بيسرٍ من دون صوتٍ، هذا السحاب توزع أمطاره في أماكن شتى من الأرض، هذا المقسم به جواب القسم، إنما توعدون لصادق، وإن الدين لواقع، هذا الربط بين خلق السماوات والأرض، وبين اليوم الآخر.
أيها الأخوة:
لو رأيتم في بعض الموانئ، رافعةً عملاقة يمكن أن ترفع مائة طن، ماذا تقول ؟ لابد من أن هناك بواخر عليها بضائع ثقيلة جداً يجب أن تربط بين هذه الرافعة العملاقة التي يمكن أن تحمل مائة طن في حملةٍ واحدة، وبينما على السفن من بضائع ثقيلة جداً، قاطرات أحياناً.
لذلك ربنا عز وجل في بداية هذه السورة، الذي خلق السماوات والأرض، الذي خلق المجرات، الذي خلق الرياح، الرياح عملية معقدة جداً، الهواء يتمدد بالحرارة، وينكمش بالبرودة، فإذا في حر نقول ضغط منخفض، هواء مخلخل، وإذا في برد نقول ضغط مرتفع هواء كثيف، الهواء يتحرك من الضغط المرتفع، إلى الضغط المنخفض، فالقطب بارد، وخط الإستواء حار، يجب أن تتجه الرياح من الشمال إلى الجنوب، هذه رياح فرق الضغطين.
الآن أشعل مدفئ في غرفة، وضع شمعةً على شق الباب تتجه شعلتها نحو الداخل، إنه الحر في الغرفة خلخل الهواء، أصبح ضغط منخفض والهواء خارج الغرفة بارد ضغطه مرتفع، والهواء خارج الغرفة بارد ضغطه مرتفع، الهواء ينتقل من الضغط المترفع إلى الضغط المنخفض، موضوع الرياح موضوع معقد جداً، هذه الرياح تحمل بخار الماء، وبخار الماء يتشعب في الرياح بحسب حرارة الرياح فكل درجة حرارة للهواء استيعابٌ لبخار الماء، فإذا انتقل الهواء المحمل ببخار الماء إلى منطقةٍ باردة، تخلى عن بعض ذرات الماء فعقدت حبات المطر.
ربنا عز وجل قال:
﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً (14)﴾
يعني الهواء المحمل ببخار حينما يواجه جبهة باردة كأنه يُعصر، وتنزل عندئذٍ الأمطار.
آيات الله عز وجل دقيقةٌ جداً، فهذه الذاريات، وتلك الحاملات، وهذه الجاريات، وتلك المقسمات،
﴿ إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (5).﴾
يعني الذي خلق هذا الكون لن يعقل أن يترك الإنسان سُدى.
﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37)﴾
﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115)﴾
إذاً إذا دخلت إلى جامعة، ورأيت أبنيتها الشاهقة، ومخابرها الدقيقة ومدرجاتها الفسيحة، وحدائقها الغناء، وأبنية سكن طلابها، وملاعبها وقاعاتها، ومخابرها، ماذا تستنتج ؟ لابد من امتحان في آخر العام أيعقل أن يداوم الطالب بلى امتحان، ينال شهادة بلى امتحان.
هنا بالآيات الربط، والذاريات ذروا، فالحاملات وقرا، فالجاريات يسرا، فالمقسمات أمر، إنما توعدون لصادق.
يعني مثلاً لو جمعنا هطول المطر في العالم كله، كل بلد في عندها نشرة جوية وعندها نسب هطول، لو جمعنا هطول الأمطار في العالم كله، خلال عشر سنوات لفوجئنا أن كمية الأمطار التي تهطل على شتى بقاع الأرض ثابتة لا تتغير، طبعاً بعد إحصاءات طويلة عريضة، نحن قطرنا المتواضع في شي مائة مركز قياس أمطار، أيام يبلغونا إياها، بالقامشلي ثلاث وعشرين ميليمتر، الحسكة، جرابلس، تل أبيض، النبك، تدمر، دمشق المطار، دمشق المزة، بعطيك مائة مركز لتجميع الأمطار.
لو أخذنا كميات الأمطار الهاطلة في خمس قارات، لفوجئنا أن كمية الأمطار ثابتة في كل السنين، كيف عرف النبي هذه الحقيقة ؟ قال عليه الصلاة والسلام
((: ما عامٌ بأمطر من عام. كيف ؟ ما عامٌ بأمطر من عام))
ولكن كل عام في توزيع جديد، يأتي أحيانا جفاف في أوربا، وشتاء مطير بالشرق الأوسط، أحياناً جفاف في إفريقيا، شتاء مطير في آسيا، المطر واحدة، لكن التوزيع مختلف، فالمقسمات أمر والذاريات ذروا، فالحاملات وقرا،
كيف يحمل الهواء بخار الماء ؟ علم، يحمل بخار الماء بحسب حرارته، فإذا واجه الهواء الذي يحمل بخار الماء جبهة باردة تخلى عن مائه وكأن عصر مائه.
﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً (14)﴾
طيب، لابد من أن ينعقد هذا الماء على ذرة غبار أيضاً، تكون نواة لقطرة المطر، هذا الذي خلق الكون بهذه الدقة وهذا الإعجاز لن يحاسب الإنسان، لن يسأله عن ماله من أين اكتسبه، وفيما أنفقه لن يسأله عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن علمه ماذا عمل به، لن يسأله عن تقصيره، عن تجاوزه، عن عدوانه، عن كسب مالٍ حرام، عن عدوانٍ على عرضٍ لن يحاسب ؟
﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ﴾
إنما توعدون لصادق، وإن الدين الجزاء لواقع.
فإذا أيقنا أنه لابد من حسابٍ دقيق، وأن كل عملٍ يحاسب عليه الإنسان إن خيراً فخير وإن شراً فشر، إذا أيقنا بهذه الحقيقة لابد من أن نستقيم على أمر الله.
﴿ إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (5) وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (6)﴾
يوم الدين يوم الجزاء.
أسماء الله الحسنى كلها محققةٌ في الدنيا، إلا اسم العدل يحقق في الآخرة، في الآخرة تسوى الحسابات، يعطى ذي كل حقٍ حقه، يعطى كل إنسانٍ نصيبه من جهده وعمله الصالح،
﴿ إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (5) وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (6)﴾
إذا الربط بين مظاهر الكون ويوم الجزاء، لذلك الذي يفكر في خلق السماوات والأرض، يقول الذي خلق هذا الكون: لم يخلق الإنسان عبثاَ ولم يخلقه بلى هدف، لابد من هدف ولابد من حساب، لأنه في عنا حقيقة كمال الخلق يدل على كمال التصرف.
أنت لو تعاملت مع شركة تصنع الحواسيب الإلكترونية، لابد من أن يكن تعاملها وفق قواعد علمية، لا يليق بشركة في أعلى درجة من الفهم والدقة والخبرة أن يكون التعامل بطريقة بدائية.
كمال الخلق يدل على كمال التصرف فربنا عز وجل ذاتٌ كاملة، خلقه كامل، خلقه معجز، إذاً تصرفه حكيم، ليس من الحكمة أن يخلق غنياً وفقيراً، قوياً وضعيفاً صحيحاً ومريضاً، معمراً وقصير العمر، وسيماً ودميماً، لو ما في آخرة في مشكلة، في مشكلة كبيرة جداً، قد يقول الفقير يا رب أنت أفقرتني أنا أشتهي الطعام لاأجده، الغني يكاد يتمزق من التخمة، من دون آخرة هناك ألف سؤال وسؤال، فلذلك النقطة الدقيقة في هذه الآية.
إن كمال الخلق يدل على كمال التصرف، فمن كمال الله عز وجل وهذه صنعته بين أيدينا، من كمال الله أن يسألنا يوم القيامة عن أعمالنا، وعن حركاتنا، وسكناتنا، وعن أعمارنا، وعن شبابنا وعن كسبنا وعن إنفاقنا وعن علمنا،
﴿ إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (5) وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (6)﴾
هذا هو الربط، في بالقرآن الكريم آيات ربط رائعة جداً.
﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2)﴾
فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم
إذا وجدتم آية فيها ربط بين شيئين، هذان الشيئان متغيران يحكمهما قانونٌ واحد، فكلما تأملت في عظمة الخالق استنبطت أن تصرفه حكيم ومن الحكمة أن يحاسب الخلق عن أعمالهم إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وأكرمنا ولا تهنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وأرض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم..