وضع داكن
27-04-2024
Logo
الدرس : 7 - سورة الصافات - تفسير من الآية 171 إلى آخر السورة - الويل لمن كان في خندق معاد للدين.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
أيُّها الإخوة الكرام، الآيات الأخيرة من سورة الصافات، وتبدأ بِقَوله تعالى:

﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171)﴾

[سورة الصافات]

 ما معنى كلمَتُنا ؟‍ قال تعالى:

 

﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(115)﴾

 

[سورة الأنعام]

 الكلمة هنا وفي الآيات المُشابِهَة هي القانون، وهي سنَّة الله تعالى في خلْقِهِ، وهي النِّظام الذي لا يتبدَّل ولا يتغيَّر، وهي الثابِتَة على مرِّ العُصور والأيَّام، فالمؤمن إذا عرفَ قوانين الله عز وجل تأدَّب معها وانْتَفَع بها، فأنت ترْكَب الطائرة، ولابدّ وأن ينْزِلَ منها وهو في الجوّ فإذا عرفَ قانون السُّقوط اسْتَعْمل المِظَلَّة وسقَطَ سالمًا، أما إذا عرف قانون السُّقوط، أو لم يعْبأ به سقطَ ميِّتًا فالقوانين لا بدّ مِن أن نخْضَعَ لها ولا بدّ مِن أن نتأدَّب معها، ولا بدَّ مِن أن نأخذها بِعَين الاعْتِبار، فالله عز وجل له كلمات، قال تعالى:

 

﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(115)﴾

 

[سورة الأنعام]

 فيا عِبادي مِنكم الصِّدق، ومِنِّي العَدْل فَكَلِمَتَان تُنَظِّم علاقة الخالق بالمَخلوق ويتفاوَتُ العِباد في صِدْقِهِم في طاعة ربِّهم، وتتفاوَتُ مَقاماتُهم في تَطبيقاتِهم، وعلى الله أن يعْدِلَ بينهم فَعَلى تُفيد الإلزام، قال تعالى:

 

﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(115)﴾

 

[سورة الأنعام]

 وقال تعالى:

 

﴿كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ(33﴾

 

[سورة يونس]

وقال تعالى:

﴿وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا(27)﴾

[سورة الكهف]

 فلو تتبَّعْت لفْظة كلمة، لوَجَدْتها تعني سنَّتَهُ وقانونَه وناموس الكون الأعظَم، فهذه سُنَن ثابِتَة على مرِّ العُصور والدهور والأمْصار، وقديمًا وحديثًا، وفي ماضي البشَرِيَّة وفي حاضِرِها.
الآن ؛ مِن هذه الكلمات قال تعالى:

 

﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173)﴾

 

[سورة الصافات]

 فالوَيْل لِمَن كان في خَنْدقٍ مُعادٍ للدِّين

 

﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173)﴾

 

[سورة الصافات]

 لأنَّه هالِكٌ لا مَحَالَة، ولأنَّه مَقْهور لا محالَة، ولأنَّه ذليل لا مَحالة ولأنَّه مَهْزومٌ لا محالة، يا أُميَّة بن خلَف، ولا فلان ابن فلان ؛ ذَكَر النبي أسماءَ قَتْلى بدْر واحِدًا واحِدًا هل وجَدْتم ما وعَدَكم ربُّكم حقًّا، فإنِّي وَجَدْتُ ما عَدَني ربِّي حقًّا، لقد قاتَلْتُموني ونصَرني الناس، وخذَلْتُموني وأيَّدَني الناس، فقالوا: أَتُخاطِبُ قَومًا جيَّفوا ؟‍! فقال: ما أنتم بِأَسْمَعَ لما أقول منهم، ولكنْ لا يُجيبونني فهذه كلمة، قال تعالى

 

﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(115)﴾

 

(سورة الأنعام)

 وقال تعالى

 

﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173)﴾

 

[سورة الصافات]

 فهؤلاء المرسلين فهل لك علاقة بهذه الآية ؟ علاقتك بهذه الآية قوله تعالى:

 

﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ(83)﴾

 

[سورة القصص]

 فالعاقبَة الحسَنَة هي النَّصْر والرِّفْعة، والسَّعادة والتَّفَوُّق والفوْز، والنَّجاح والفلاح، قال تعالى:

 

﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173)﴾

 

[سورة الصافات]

 أيُّها الإخوة، معركة لا تكون، ومعركة لا تَطول، ومعركة لا تنتهي فالمعركة التي لا تكون هي التي بين حقَّيْن لأنَّ الحق واحِد، ولا يمكن لِحَقَّين أن يصْطَرِعا، فالحق واحد، وهذه المعركة لن تكون، ومعركَةٌ لا تطول وهي التي بين الحق والباطل ؛ لأنَّ الله مع الحق، أما المعركة التي لا تنتهي ؛ هي التي بين باطِلَين، قال تعالى:

﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (174)﴾

[سورة الصافات]

 اللهُ تعالى يعطي للإنسان مددًا ليظهر على حقيقته، و يُرخي له الحبلَ ليأخذَ أبعادَه، و يحلُم عنهم لتنكشف حقيقتُه، و يدعُه بلا عقابٍ ليظهرَ معدنُه، ثم يأخذه و يقصِمه و يحاسبُه، قال تعالى:

 

﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (174)﴾

 

[سورة الصافات]

 بعد حينٍ هناك قصمٌ أو نصرٌ، المؤمنُ بعد حين ينتصِر و الكافرُ بعد حينٍ يُقصَم، قال هناك شيء اسمُه هُدْنةٌ، قال عليه الصلاة و السلام: إنكم في زمن هدنةٍ..." فنحن في الدنيا في زمن هدنةٍ، و الأوراق تختلفُ مؤمنٌ و كافرٌ، كلاهما يأكل و يشربُ و ينام و يتزوج و يسكن و يعمل أما هذا في وادي و هذا في وادي، و الدنيا دارُ تكليف و ليست دار تشريفٍ، و الدنيا دارُ ابتلاءٍ و الآخرةُ دار جزاءٍ، قال تعالى:

 

﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (174) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175)﴾

 

[سورة الصافات]

 حتى النبيُّ عليه الصلاة و السلام وهو سيِّد الخلق و حبيبُ الحقِّ قد لا يُمتِّع عينيه بمصير الكافرين، قال تعالى:

 

﴿وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ ﴾

 

[سورة يونس]

 فنحن في دار جزاءٍ، الإنسانُ قد يقع في كلِّ المعاصي و الموبقات و قد يعيش حياةً مديدةً و يموت موتا عجيبا، لكنَّ اللهِ عز وجل يعاقب بعضَ المسيئين ردعا لغيرهم، ولا يمنع من أن ترى إنسانا منحرفًا نجا من عقاب الدنيا لحكمةٍ أرادها اللهُ، و لا يُستبعَد أن ترى مؤمنًا ابتلاه الله تعالى و انتهى به البلاءُ إلى الموتِ و لكنَّ الجنةَ موعدُه، فنحن في دار ابتلاءٍ، قال تعالى:

 

﴿أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (204)﴾

 

[سورة الصافات]

 و الذي يستعجل عذابَ الله هو الذي يسخر منه، و يستهزئُ به، قال تعالى:

 

﴿أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (176) فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ (177)﴾

 

[سورة الصافات]

 و قال تعالى:

 

﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ(12)﴾

 

[سورة البروج]

 أحيانا اللهُ عز وجل يرسلُ مرضيْنِ، أدويةُ المرض الأولِ تؤذي المرض الثاني، و أدوية المرض الثاني تؤذي الأولَ، فإذا أراد اللهُ أن ينتقم أو أن يبطش فشيءٌ لا يُحتمَل قال تعالى:

 

﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ(12)﴾

 

[سورة البروج]

 فأشقى إنسانٍ هو الذي يستعجل عذابَ الله، و لما يأتي العذابُ يصيحُ الإنسانُ كالبهائم من شدَّة الألم. علامةُ إيمانك خوفُك من الله، قال تعالى:

 

﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (174) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175)﴾

 

[سورة الصافات]

 سوف تفيد الاستقبال، فالعبرةُ بالمستقبل و العبرة بخِتام العمل و العبرةُ لمن يضحك آخرًا، و إذا أحبَّ اللهُ عبدا عسَّله، قيلا و ما عسَّله قال رزقه عملا صالحا ثم توفاه عليه، لذلك نهايةُ حياة المؤمن تلخيصٌ لحياته كلَّها، و نهايةُ حياة الكافر تلخيص لحياته كلَّها، فنسأل اللهَ حسنَ الخاتمةِ، و من شبَّ على شيء شابَ عليه، ومن شاب على شيء مات عليه ومن مات على شيء حُشِر عليه، و من لم تكن له بدايةٌ مُحرِقةٌ لم تكن له نهايةٌ مُشرِقةٌ، قال تعالى:

 

﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182)﴾

 

[سورة الصافات]

 الصلاة و السلام على المرسلين و على أتباع المرسلين، إذا كان النبيُّ في سلام و أنت تتَّبِعه فأنت في سلامٍ، و معنى سلام؛ سلامٌ مع نفسك و سلامٌ مع من حولك و سلامٌ مع الله، و ليس أحلى من السلام، ليس هناك مشاكلُ و مصائبُ و قهرٌ و سحقٌ و خوف و قلقٌ، الله تعالى قال:

 

﴿ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ(9)دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ﴾

 

[سورة يونس]

 و قال تعالى:

 

﴿لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(127)﴾

 

[سورة الانعام]

 أنت آكلٌ و شاربٌ ومتزوِّجٌ ولكنْ ينقصُك أهمُّ شيءٍ العزُّةُ و الكرامةُ و تأكيدُ الذاتِ هذه لن تصل إليها إلا عن طريق خالق الكون، و لن تكون عزيزًا إلا إذا عرفتَ العزيزَ، و لن تكون رافعَ الرأس إلا إذا كنتَ مطيعًا لله تعالى، أما كلُّ معصيةٍ فوراءها الذُّلُّ، ألا يا رُبَّ مُكرِمٍ لنفسه على حسابِ طاعته لله وهو لها مُهينٌ، ألا يا رُبَّ مُهينٍ لنفسه وهو لها مُكرِمٌ، ألا يا رُبَّ نفسٍ طاعمةٍ ناعمة في الدنيا جائعةٍ عاريةٍ يوم القيامةِ ألا يا رُبَّ نفسٍ جائعة عاريةٍ في الدنيا طاعمةٍ ناعمة يوم القيامةِ ألا يا رُبَّ شهوةِ ساعةٍ أورثتْ حزنا طويلا " قال تعالى:

 

﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173)﴾

 

[سورة الصافات]

 فإذا لم ينتصر الجندُ فمعنى ذلك أنهم ليسوا جند اللهِ، استنباطٌ دقيقٌ، إذا كان هناك نصرٌ فهم جندُنا، و إذا لم ينتصروا فليسوا جندَنا، قال تعالى:

 

﴿وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173)﴾

 

[سورة الصافات]

 قال تعالى:

 

﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (174) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (176) فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ (177)﴾

 

[سورة الصافات]

 الويلُ لهم، قال تعالى:

 

﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (174) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (176) فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ (177) وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (178) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (179) سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182)﴾

 

[سورة الصافات]

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور