- السيرة / ٠1السيرة النبوية
- /
- ٠2فقه السيرة النبوية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات
أيها الإخوة الكرام، مع درس جديد من دروس فقه السيرة النبوية.
مقدمة لمفهوم التعايش السلمي:
أيها الإخوة، وصلنا إلى موضوع يرتبط أشد الارتباط بواقعنا، كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما استقر في المدينة أسس نظاماً عاماً أساسه التعايش السلمي ، وبالمصطلح الحديث: المواطنة، وبالمصطلح الحديث: السلم الأهلي، والمسلمون اليوم في بلادهم، ومع من يعيشون معه من مختلف الطوائف، والملل، والنحل هو في أشد الحاجة إلى هذا المفهوم مفهوم أن تعيش مع الآخر، مفهوم المواطنة، مفهوم السلم الأهلي، مفهوم قبول الآخر، هذه المفهومات الطارئة في العالم الإسلامي اليوم ليس لها أصل في الدين، إنها من البدع.
سكان المدينة مزيج إنساني واجتماعي متنوع:
1 – سكان المدينة قبائل وعشائر:
إنّ النبي عليه الصلاة والسلام وجد في المدينة مزيجاً إنسانياً متنوعاً من حيث الدين والعقيدة، وحيث الانتماء القبلي، والعشائري، ومن حيث نمط المعيشة، المهاجرون من قريش، والمسلمون من الأوس والخزرج، والوثنيون من الأوس والخزرج، واليهود من الأوس والخزرج، وقبائل اليهود الثلاثة، بنو قينقاع، وبنو النظير، وبنو قريظة والأعراب الذين يساكنون أهل يثرب، والموالي، والعبيد، وغيرهم.
مهاجرون، أوس وخزرج، منهم مسلمون، منهم وثنيون، منهم يهود، قبائل اليهود الثلاثة، أعراب، عبيد، بالمصطلح الحديث: مجتمع فسيفسائي، كبعض البلاد الإسلامية، التي يقتتل أهلها، فكيف وفق النبي بين هذه الانتماءات ؟ وبين هذه الاتجاهات وتلك الأديان ؟ بين المؤمنين بدين ؟ وبين الوثنيين ؟ بين المؤمنين بدين وهم مشركون ؟ وبين الموحدين ؟ هذا الذي نحن في أمس الحاجة إليه، كي نستطيع أن نقف في وجه أعدائنا الذين يتربصون بنا الدوائر.
أيها الإخوة، هؤلاء العناصر القبائل، الطوائف، المذاهب، الأديان، الأحرار العبيد، الموالي، الأعراب، تتوزعهم التجارة، والصناعة، والزراعة، والرعي، والصيد والاحتطاب، وكانوا يسكنون على هيئة قرى، أو آطام، أو حصون تحيط بها البساتين والأراضي المزروعة، يدخلون حصونهم بعد حلول الظلام، يحرصون منازلهم خوف الغزو والغارة.
2 – سكان المدينة يقطنون الحصون والآطام:
ويبلغ عدد آطامهم 59 أطماً، ولكل عشيرة منهم زعامة تقوم على رعاية شؤونها، وضمان عيشها، وأمنها، ولم تندمل بعد جراحات الأوس والخزرج التي خلفتها بينهم الحروب، ولاسيما حرب بُعاث، ويمكن وصف الحالة العامة في المدينة لأنها قائمة على تحكم النظام العشائري، وأعراف القبائل السائدة، مع شيوع الجهل والأمية لدى معظم سكان يثرب، بينما كان أهل الكتاب أهل علم، ودين، ولكنهم يمارسون الربا واستغلال التجارة، ويعملون على إثارة النزاعات بين الأوس والخزرج ليتمكنوا من ضمان سيادتهم ومصالحهم وسلامتهم.
نظام المعاهدات في مجتمع المدينة بعد قدوم النبي إليها:
من بنود نظام المعاهدات :
هذا المجتمع النبوي الذي حكمه النبي، هذا المجتمع المتنوع، بين الدين الإسلامي، وبين دين أهل الكتاب، وبين الوثنية، وبين العشائرية، هذا المجتمع كيف ألف النبي بينهم، وكيف وضع لهم نظاماً يغطيهم جميعاً.
أيها الإخوة، هؤلاء من قريش، ومن بني عوف، ومن بني الحارث، ومن بني ساعدة، وبني جشم، ومن بني النجار، ومن بني عمر بن عوف، ومن بني الأوس، على ماذا اتفق النبي معهم ؟ ما النظام الذي جمعهم، ما المعاهدة التي غطتهم، ما القواسم المشتركة فيما بينهم، في الدرس الماضي تحدثت عن خصائص هذه المعاهدة، لكنني اليوم أدخل إلى بعض تفصيلاتها، ونحن في أمسّ الحاجة إليها.
البند الأول: نصرة الضعيف:
المؤمنون لا يتركون مفرحاً ؛ أي مغلوباً، أو فقيراً إلا ويعطوه بالمعروف، أول بند نصرة الضعيف، قال بعض العلماء: " الدنيا تصلح بالعدل، ولا تصلح بالظلم "، نصرة الضعيف، يقول عليه الصلاة والسلام:
(( فَإِنّمَا َتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُم ))
المجتمع الذي لا ينصر الضعيف مجتمع مخترق، وإذا اُخترق المجتمع قوي عليه أعداءه، وما من أمة تريد أن تكون محصنة إلا وتسعى لنصرة الضعيف، والنبي عليه الصلاة والسلام يبين أن أحد أسباب النصر أن نعطي الضعفاء حقهم.
البند الثاني: ألا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه:
البند الثاني: وألا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه، المولى تابع للمؤمن، لا خيانة.
مثلاً: أنت صاحب محل تجاري، ولك جار عنده موظف، فتكلمت مع الموظف، وقلت له: كم يعطيك سيدك ؟ قال لك: خمسة آلاف، قلت له: أنا أعطيك سبعة، تعال إلي، أنت اتفقت مع موظف عند أخ لك، وهذا معنى قول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( ليس منا من خبب امرأة على زوجها ؛ أو عبدا على سيده ))
أيّ اتفاق بين رجل ولو على الهاتف، اطلبِي الطلاق منه أنا أتزوجك، لك بيت خاص، أو خبب عبداً على سيده، الآن موظف على صاحب المحل، هذا اسمه تخبيب، وقد لعنه الله عز وجل.
البند الثاني من بنود هذه المعاهد: وألا يحالف مؤمن مولا مؤمن دونه، هذه الأساليب الملتوية، هذا الخداع، المكر، الخبث، ليس هذا من نصيب المؤمن.
البند الثالث: المؤمنون أيديهم جميعاً على من بغى عليهم:
وأن المؤمنين المتقين أيديهم جميعاً على من بغى عليهم، ليس معقولاً أن تعتدي دولة على شعب أعزل في فلسطين، وأن دولاً إسلامية أخرى تناصرها، وتقيم فيما بينها علاقات دبلوماسية، وتطبع العلاقات فيما بينها، هذا مخالف لمنهج المؤمنين.
وأن المؤمنين المتقين أيديهم على من بغى منهم، وأن أيديهم عليه جميعاً، ولو كان ولد أحدهم، هذه نقطة دقيقة جداً، لو أن الأمة الإسلامية مليار وخمسمئة مليون سِلْمها واحدة، وحربها واحدة ، وينطق باسمها إنسان واحد، وأن الأمة الإسلامية بأكملها تحارب أو تسالم، وأن الأمة الإسلامية بأكملها موقفها واحد من جهة واحدة، أما هذا فله صلح، وهذا معاهدة، وهذا تطبيع علاقات، هذا زيارات، هذا عداء، هذا حرب، أحد أسباب ضعف المسلمين أن كلمتهم ليست واحدة.
﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾
بينما تتفنن إسرائيل بإبادة شعب بأكمله إبادة، وبتدمير بلد بأكمله لبنان، ودول أخرى تقيم فيما بينها علاقات، وزيارات، ومعاهدات، وتناصح، وتعاون، وتآزر، أهؤلاء مسلمون ؟! انظر إلى هذا العهد، وأن أيديهم جميعاً على من بغى منهم، ولو كان ولد أحدهم.
﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا﴾
نشبت حرب بين العراق وإيران امتدت ثماني سنوات، وذهب ضحيتها مليون إنسان، ومرة وأنا أذكر هذا للتاريخ، كان هناك مؤتمر للدول الصناعية في عاصمة بريطانيا، وتلاسن زعيم غربي مع رئيسة وزراء بريطانيا، فهددها الزعيم الغربي بماذا ؟ بإيقاف الحرب بين العرق وإيران، هددها، معنى إيقاف الحرب توقف بيع الأسلحة، يعيشون على مآسينا، يعيشون على اقتتالنا، يعيشون على خلافاتنا، يعيشون على العداوة فيما بيننا.
البند الرابع: ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم:
وإن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم، وأن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس، هذا المجتمع على تنوعه، وعلى شرائحه، وعلى أطيافه، وعلى طوائفه مجتمع واحد، هذا مفهوم التعايش، هذا مفهوم المواطنة، هذا مفهوم المجتمع السلمي هذا مفهوم قبول الآخر، هذا توجي النبي، هل هناك أعلم منه، هذا توجيه سيد الخلق وحبيب الحق.
البند الرابع: أهلُ الذمة لهم الأمن والأمان في بلاد الإسلام:
وأنه من تبعنا من يهود فإن لهم النصر، والأسوة غير ظالمي ولا متناصراً عليهم.
بصراحة زار إنسان بلدنا، معه جواز سفر عليه تأشيرة، تأشيرة دخول إلى سورية، ما معنى هذا الكلام ؟ هو في عهدنا، في ذمتنا، هناك علاقات دبلوماسية، وتأشيرة، هذه التأشيرة ماذا تعني ؟ أن هذا المواطن الذي بيننا وبين دولته علاقات واتفاقيات، وتبادل سفراء، حينما دخل بلادنا بتأشيرة على جوازه مِن قِبَلنا هو إذاً في ذمتنا، ماذا نستنبط ؟ أن خطف الأجانب لا يجوز.
نحن مع مجتمعات ثلاثة، مع دار الإسلام، ومع دار الحرب، ومع دار الأمان، دار الحرب اليوم، بيننا حالة حرب، دار الأمان بيننا وبين كل دولة بيننا وبينها علاقات، واتفاقيات، وتبادل سفراء، ودار الإسلام بيننا وبين دول العربية والإسلامية.
إخواننا الكرام، هذا كلام دقيق جداً، أنا أقوله وفي نفسي ألم شديد: هذا هو الإسلام، وأن سلم المؤمنين واحدة، لا يسالم مؤمنٌ دون مؤمنٍ في قتال في سبيل الله إلا على سواء وعدل بينهم، فالأمة الإسلامية بأكملها تسالم، أو الأمة الإسلامية بأكملها تحارب، من هنا تنبع قوتنا، من أين جاءت قوة الغربيين ؟ من أن واحد ينطق باسمهم جميعاً، أوربا بأكملها، الناطق باسمهم واحد، علاقة كل هذه الدول مع أية قضية يقررها واحد، من هنا جاءت قوتهم، نحن مليار ونصف، ونحن نعد ربع سكان الأرض، ونحن نحتل أخطر مساحة على الأرض، الشرق الأوسط، ونحن نتربع على ثروات لا يعلمها إلا الله، ومع ذلك أمرنا ليس بيدنا، وليست كلمتنا هي العليا، بسبب تفرقنا،
﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾
الآن كما ترون انقساما بلبنان، انقساما بالعراق، انقسام في فلسطين، أليس كذلك ؟ هذا فهم النبي عليه الصلاة والسلام، وهذه سياسة النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا تدبير النبي، وهذه حكمة النبي.
وأن سلم المؤمنين واحدة، وأن حربهم واحدة.
لما اجتاحت العراق الكويت من الذي تدخل ؟ العالم الغربي، من كان ينبغي أن يتدخل ؟ المسلمون، بسبب قوله تعالى:
﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى ﴾
أنتم أيها المؤمنون :
﴿ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ﴾
حيوانان اقتتلا على قطعة جبن كبيرة، احتكما إلى ثعلب، فالثعلب ادعى أنه قاض نزيه، جاء بميزان فوضع في كفة ثلثي القطعة، وفي كفة الثلث، فرجحت هذه فأكل من هذه نصفها، فرجحت هذه فأكل نصفها، رجحت هذه أكل نصفها، بعد حين لم يبقَ شيء.
وهذا الذي حصل، تنازعنا فيما بيننا فجاءوا، ونهبوا ثرواتنا، أخذوا النفط، وأجبرونا على شراء أسلحة فوق طاقتنا، ففي أول حرب انتقل إلى الغرب أكثر من 700 مليار، والحرب الثانية كذلك، أكبر كتلة نقدية كنا نملكها توجهت إلى الغرب، كان الدينار بثلاثة دولارات، الآن 1500 دينار بدولار واحد، انهيار اقتصادي، أين الثروات ؟ انتقلت،
﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا ﴾
أؤكد على هذا الدرس بأنه خطير، لأن منهج النبي هكذا.
البند الخامس: المؤمنون المتقين على أحسن هدًى وأقومه:
وأن المؤمنين المتقين على أحسن هدًى وأقومه، أنا أعيش مع إنسان غير مؤمن بعلاقات محدودة، له وعليه، ولي وعلي، ليس معنى هذا أنه على حق ؟ لا.
أنت موظف بدائرة، المدير العام، ولتكن مدرسة، ليس كما ينبغي، أما أنا فواجبي أن آتي في الوقت المناسب، وأن ألقي درساً ممتازاً، وأن أعامل الطلاب معاملة جيدة، وأن أحترم هذا المدير، لا يمنع أن تكون أنت على هدى، وهو ليس كما تتمنى أنت، هذا لا يمنع أن تتعامل معه، أنا أسميها علاقات عمل، علاقات العمل لا شيء فيها إطلاقاً، أنا لا أرضى لمؤمن أن يقيم علاقة حميمة مع غير المؤمن، سفر طويل، شركة اندماجية، نزهة مشتركة، مستحيل، المؤمن عنده غيرة على أهله، عنده حجاب، المؤمن لا يجلس بمكان عام فيه خمور، ونساء كاسيات عاريات، و غناء، مستحيل أن تقيم علاقة حميمة مع غير المؤمن، أما لك أن تقيم علاقة عمل، ولا شيء عليك أبداً، المؤمن منفتح، إيجابي، بناء، وليس مهدماً.
البند السادس: لا يحل لمقرٍّ بالوثيقة إيواء محدث ونصرِه:
وأنه لا يحل لمؤمن أقر في هذه الصحيفة، وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثاً أو يؤويه، كإنسان خرج على جمع المؤمنين ممنوع أن تؤويه، أو أن تنصره، وأن من نصره أو آواه فإن عليه لعنة الله، وغضبه يوم القيامة، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل.إنسان يغش المسلمين، لا تدافع عنه، إنسان أتى ببضاعة ليست صالحة للاستعمال البشري، والدوائر الرسمية منعت دخولها، ممنوع عليك أن تتوسط له بإدخالها ، هذه البضاعة تؤذي المسلمين، ليست معدة للاستعمال البشري، معدة علف للحيوانات، هذا إنسان بغى على المسلمين، تدافع عنه ؟ تتوسط له ؟.
وأنه لا يحل لمؤمن أقر في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثاً أو يؤويه، وأن من نصره أو آواه عليه لعنة الله، وغضبه يوم القيامة، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل.
البند السابع: مرد الاختلاف والتنازع إلى الله ورسوله:
الآن: وأنكم مهما اختلفتم في شيء فإن مرده إلى الله ورسوله، عند التنازع عندنا منهج الله، وسنة رسول الله، وهذا شيء رائع، أنا حينما ارجع إلى تشريعات أرضية لا أحتمل، هذا مساوٍ لي، هذا ندٌّ لي، أما حينما أرجع إلى تشريع سماوي الله فوق الجميع لذلك:
﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾
البند الثامن: لا يأثم امرؤ بحليفه:
وأنه لا يأثم امرؤ بحليفه، الحليف ليس سبباً لعقاب أحد، أنا حينما أحالف جهة تحت ضوء الشمس جهاراً نهاراً علناً، أنا لا أحاسب على ذلك.
البند التاسع: النصر للمظلوم لا للظالم:
وأن النصر للمظلوم، لا للظالم، وأن الجار كالنفس، غير مضار وآثم، الجار يعامل كما يعامل المؤمن نفسه، لأنه ألصق الناس به، إلا أن يكون معتدياً أو آثماً.
وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث، أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله، وإلى محمد صلى الله عليه وسلم، وأن الله أتقى على ما في هذه الصحيفة وأبره.
البند العاشر: دفع المعتدي على المدينة:
وأن بين هؤلاء جميعاً بين هذه الطوائف، والشرائح، والأطياف، والألوان والمذاهب، والقبائل، والعشائر، وأن بينهم النصر على من دهم يثرب، بالتعبير المعاصر اتفاقية دفاع مشترك، لأن الإنسان هو الإنسان، في كل زمان ومكان، فلو كان بيننا وبين جميع المؤمنين والمسلمين معاهدات دفاع مشترك نافذة لا حبر على ورق، فأيّ دولة تفكر أن تعتدي على بعض الدول، تعدّ للمليون، لأنها سوف تواجه مليارًا و500 مليون، لكن يمكن أن تُهدم عزة بأكملها، أن تُهدم كل بيوتها، أن تُضرب محطات التوليد فتبقى بلا كهرباء، وأن تُجرف بساتين الزيتون، وأن تُردم الآبار، وأن تُمنع الحركة، وأن يقام جدار فصل، والمليار ونصف يتفرجون، أليس كذلك ؟ هذه المعاهدة.وأن بينهم النصر على من دهم يثرب، وإذا دُعوا إلى صلح يصالحونه، فإنهم يصالحونه، ويلبسونه، دُعوا جميعاً إلى صلح نصالح، دُعوا جميعاً إلى حرب نحارب أرأيت إلى هذه القوة ؟ والمنعة ؟.
البند الحادي عشر: الظالم يعاقَب:
وأنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم، الظالم يعاقب، والآثم يعاقب والظالم والآثم ليس بإمكانه أن يحتج بهذا الكلام، ولا تلك المعاهدة.
البند الثاني عشر: ساكن المدينة آمن فيها وآمن عند الرجوع إليها :
وأنه من خرج فهو آمن، ومن قعد في المدينة فهو آمن، إذا خرج يرجع، إن خرج فهو آمن، وإن قعد فهو آمن، إلا من ظلم أو آثم، وأن الله جار لمن بر واتقى ومحمد رسول الله.
أيها الإخوة الكرام، هذه بعض فقرات هذه المعاهدة التي احتوت قبائل شتى وأديان شتى، وعشائر شتى، وأطياف شتى، وألوان شتى، من بدو، إلى موالٍ، إلى مهاجرين، إلى أنصار، إلى أوس مسلمين، إلى أوس وخزرج مسلمين، وإلى أوس وخزرج وثنيين، وإلى أوس وخزرج يهود، كل هؤلاء انتظمتهم هذه الاتفاقية، هذا من تخطيط النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا من حكمته، وهذا من منهج الله عز وجل.
استنباط عملي من بنود المعاهدة:
ونحن أيها الإخوة، ينبغي أن نرجع إلى أصول هذا الدين، ينبغي أن نرجع إلى أصوله، نهر بردى، اذهب إلى ينبوعه ترى ماءاً صافياً، عذباً، ذلالاً، اذهب إلى مصبه ترى ماءاً آثناً أسود اللون، وكذلك الدين ارجعوا إلى أصول الدين، إلى ينابيع الدين، إلى الكتاب والسنة.
لآن أناس كثيرون يشترون من بلاد الغرب ولا يدفعون، يشترون ببطاقة بمبلغ كبير، ولا يدفعون، متوهمون أنهم كفار، وأن مالهم حلال، وهذا منتهى الجهل، النبي عليه الصلاة والسلام حينما أودع عنده المشركون والوثنيون وعباد الأصنام أموالهم، وأراد أن يهاجر لمَ لم يأخذها معه لأنهم كفار ؟ أبقى ابن عمه علياً في فراشه ليرد الودائع إلى أهلها ، هذا منهج الله، العدوان على إنسان مسالم لم يحاربك، ولم يأخذ مالك، لأنه غير مسلم هذا، خطأ كبير، كبير جداً.
أيها الإخوة، الذي أتمناه عليكم من أعماق قلبي أن نفهم الدين من ينابيعه.
(( إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ ))
(( طوبى للغرباء: أناس صالحون في أناس سوء كثير ))
ارجعوا إلى أصول الدين، وقد قال عليه الصلاة والسلام:
(( تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنة رسوله ))