وضع داكن
19-04-2024
Logo
الدرس : 04 - سورة فصلت - تفسير تتمة الآية 17 الإنسان مخير.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيُّها الإخوة الكرام، الآية السابعة عشرة من سورة فصِّلت، وهي قوله تعالى:

﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17)﴾

[سورة فصلت]

 هذه الآية ومثيلاتها تكِّد حقيقةً أساسيَّة في عِلم العقيدة، وهي أنَّ الإنسان مُخَيَّر فلو أنَّ الله تعالى أجْبَرَ عباده على الطاعة لبَطَلَ الثَّواب، ولو أجْبرهم على المعْصِيَة لبَطَل العِقاب، ولو تركَهَم هَمَلاً لكان عَجْزًا في القُدْرة إنَّ الله تعالى أمرَ عِبادهُ تَخييرًا، ونهاهُم تَحذيرًا، وكلَّفَ يسيرًا، ولم يُكَلِّف عسيرًا، وأعطى على القليل كثيرًا، لِمُجَرَّد أن تعتَقِد أنَّ الله تعالى أجبركَ على عَمَلِكَ صالحًا كان أم سيِّئًا فقد هَدَمْتَ جانِبًا كبيرًا مِن كمالات الله تعالى، فأنت إذا قلتَ أنَّ الله تعالى أجْبركَ على المعْصِيَة فكيف يُحاسِبُكَ، ولمَ جَعَلَ النَّار عِقابًا لِمَن يعصيه ؟ ولِمَ جَعَل الجنَّة ثوابًا لِمَن يُطيعُه ؟ وما معنى الثّواب ؟ وما معنى العِقاب ؟ وما معنى الجنَّة والنار إن لم يكن الإنسان مُكَلَّفًا، لا مسؤولِيَّة مِن دون تَخيير، لِمُجَرَّد أنَّ الله تعالى أمرَكَ بِأمرٍ فأنت مُخَيَّر، لمُجَرَّد أنَّ الله نهاك عن شيءٍ فأنت مُخَيَّر ولو أجْبرَكَ على المعْصِيَة لبَطَل العِقاب، ولو أجْبرَكَ على الطاعة لبَطَل الثَّواب، أساسًا عقيدة الجَبْر هي عقيدة الشِّرك، والدليل أنَّ الله سبحانه وتعالى:

 

﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ(148)﴾

 

[سورة الأنعام]

 الإنسان المُقَصِّر والمنحرف، والذي يتَّبِعُ هواه يميلُ في عقلهِ الباطن إلى أن ينْسِبَ خطأَهُ إلى الله تعالى، يقول لك: هكذا القضاء والقدَر !! وإنَّ الله تعالى قدَّرَ عليَّ ذلك، وقد سَمِعَ عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه عِملاق الإسلام هذه الكلمة من إنسان فأقام عليه الحدّ مرَّتَين، قال: يا أمير المؤمنين إنَّ الله قدَّر عليَّ شُرْبَ الخمر فقال رضي الله عنه: أقيموا الحدّ عليه مرَّتَين ؛ مرَّة لأنَّه شرِبَ الخمر، ومرَّة لأنَّه افْترى على الله، وقال أمير المؤمنين: وَيْحَكَ يا هذا ؛ إنَّ قضاء الله لن يُخْرِجْكَ من الاختيار إلى الاضْطِرار، وآيات كثيرة قال تعالى:

 

﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمْ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(148)﴾

 

[سورة البقرة]

 وقال تعالى:

 

﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17)﴾

 

[سورة فصلت]

 وقال تعالى:

 

﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا(3)﴾

 

[سورة الإنسان]

 أيها الإخوة، حينما تُلْغي حُرِيَّة الكَسْب، يقول الله عز وجل:

 

﴿رلَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ لَبَتْ(286)﴾

 

[سورة البقرة]

 الفِعْل فِعْلُ الله، والاختيار اختيار الإنسان، فأنت حينما تُلغي حُريّة الكسب تُلغي التَّكليف، تلغي الأمانة والثَّواب والعِقاب وتُلغي الجنَّة والنار، وتُلغي بِعْثة الأنبياء وإنزال الكتب، وتجعل من الحياة وأحداثها تَمثيليَّة، فالإنسان مُخَيَّر، ولو أنَّه مُخَيَّر لما كانت هناك مَسؤوليّة ولما كان هناك عقاب، بِربِّكم لو أنَّ الإنسان كان مُجبرًا على الأعمال السيِّئة، حينما يأتي يوم القيامة، وقد أجْبره الله تعالى على فِعلها ؛ فهل يقول: ربِّ ارْجعون لعلِّي أعملُ صالحًا ؟! وهل يقول: يا ليتني قدَّمتُ لحياتي ؟! متى ينْدم الإنسان ؟ إذا كان بِإمكانهِ أن يفْعَل ولم يفْعل، عندها يندم، أما لو كان مجْبرًا، فلو أنّ طالبًا أعْطيناه الأسئلة، وأحْرزَ الدرجة الأولى، وكرَّمنه، وأقمنا له احْتِفالاً ضخْمًا، فهل لهذا النَّجاح قيمة ؟ ولو أنَّ الطالب أخذناه وحَجَزنا حُرِّيَّتَهُ قبل يوم الامتِحان، ثمَّ نقول له: أنت كسول ورسَبْتَ ! فهل يُعْقَل أن يُجْبِرَ الله تعالى عباده على المعْصِيَة ثمَّ يُحاسِبهم؟ هكذا ظنُّكَ بالله تعالى ؟ قال تعالى:

 

﴿وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)﴾

 

[سورة فصلت]

 وقال تعالى:

 

﴿يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنْ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ(154)﴾

 

[سورة آل عمران]

حُسْن الظن بالله تعالى ثَمَن الجنَّة.
 أيها الإخوة، أنا لا أقول لكم هذا الكلام من فراغ، أنا ألتقي بِأشْخاص كثيرين من روَّاد المساجد، ومِمَّن يحْضر مجالس العلم وهو يعْتقِد أنَّ الإنسان مُجْبر على أعماله، ويقول لك: قال تعالى:

﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ(96)﴾

[سورة الصافات]

 من أين جئت بهذه الآية ؟ وهل قرأت ما قبلها ؟ فالآية لها سياق، وسباق، ولها لِحاق، قال تعالى:

 

﴿قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ(95)وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ(96)﴾

 

[سورة الصافات]

 تنْحتُ الصَّنَم بيَدِك، ثمَّ تقف أمامه ذليل !! فالله عَجِبَ منهم ! أما الآية الكريمة:

 

﴿ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ لَبَتْ(286)﴾

 

[سورة البقرة]

 أي حينما تنْبعث النفس إلى الطاعة فهذا هو الكسب، وحينما تنبعث النَّفس إلى المعْصيَة هذا هو الكسب والإنسان مُسيَّر ومُخيَّر، ولكن متى مُسيَّر ؟ أنت مُسيَّر في أنَّك ابن فلان وابن فلانة فهذا ليس من اخْتِيارك، ووُلِدت عام كذا وكذا، وبإمكانيات معيَّة، وبِذكاء مُعيَّن، فهذه كلُّها ليْسَت من اخْتِيارِك إلا أنَّها في صالِحِك فليس بإمكانِكَ أبْدَعَ مِمَّا أعطاك، والآن خيّرَكَ الله بين اِفْعَل ولا تفْعَل إن أردْتَ أن تفْعَلَ الطاعة سيَّرَكَ إلى تحقيقك، وإن أراد الإنسان المعْصِيَة أنْذَرَهُ وحذَّرَه، فإذا أصرَّ أطْلقَهُ، فالفِعل فِعْلُ الله، بعد أن تُحَقِّق اخْتيارَكَ بالتَّسيير الإلهي، يأتي الآن تسْيير التَّأديب، إنسانٌ اختار أن يعصي الله فالله عز وجل يُسَيِّرُهُ كي يُعَذِّبُهُ، فنحن عندنا تسْيير خلْق، وتسْيير اختيار وتسيير تأديب، أما الأصْل فأنت مُخيَّر، وأيَّةُ آيةٍ يُعْزى فيها الضَّلال والإضلال ؛ فهو إضْلال جزائي مبْنِيٌّ على ضلال اخْتِياري، فلا يوجد عقيدة فاسِدة تُثبِّط عزيمة الإنسان، وتشلُّ حركتَهُ، وتجعله كالخِرْقة، ولا يقْوى على فِعْل شيءٍ كَعَقيدَة الجَبْر ! هل يمكن لِمُدير المدرسة أن يجْمع التلاميذ أوَّل يوم دراسي، ويقول لهم: فلان وفلان هم الناجحون !! وفلان وفلان راسِبون !! انْطلقوا وادْرسوا !! والنتائِج معلومة من البِداية !! فهنا لا توجد إمكانِيَّة الدِّراسة إطلاقًا، فلماذا يدْرس الراسب ؟ ولماذا يدْرس الناجح ؟ قال تعالى:

 

﴿ وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ(28)﴾

 

[سورة الأعراف]

 هذه الأعمال السيِّئة مِن كَسْب الإنسان وسيُحاسَبُ عليها، والآية الكريمة:

 

﴿وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا(29)﴾

 

[سورة الكهف]

 لولا أنَّ الله تعالى شاء لكم أن تشيئوا لما شِئْتُم، فانتم إن سَعِدْتُم بِمَشيئتكم فهي من مشيئة الله، فالله شاء لكم أن تكونوا مَخلوقين نم الطِّراز الأوّل، وشاء لكم أن تكونوا مُخيَّرين، فإذا سَعِدتم باختياركم فهذا من مشيئة اله تعالى لكم، وهذا هو المعنى، لذا قوله تعالى:

 

﴿وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ(9)﴾

 

[سورة النحل]

 لو أراد أن يُلْغِيَ اختياركم ويُجْبركم على طاعته لا تسْعدون به لهداكم أجمعين، فلو أنَّ مدير الجامعة وزَّع أجوبة الأسئلة، ونجحَ كلّ الطلاب، فهل يُفْتَخَرُ بهذا النَّجاح ؟ وهل تُعادل هذه الشهادة ؟ فالله عز وجل قادِرٌ على أن يهْدِينا جميعًا إلا أنَّ هذه الهداية لا قيمة لها، ولا تُسْعِدُنا ولا تُؤهِّلُنا لِدُخول الجنَّة، فما لم تأتِ طائِعًا، وما لم تأتِ بِمُبادرةٍ منك وما لم تخْتَر أنت طاعة الله وثمَن الطاعة، وما لم تتكلَّف ثمَن الطاعة فالتكاليف ما سمِّيَت بهذا إلا من أجل أنَّها ذات كُلْفة، فأنا انْطَلَقْتُ من هذه الآية ولكنَّني أردْتُ أن أتحدث عن حُرِيَّة الاخْتِيار، لأنَّ الإنسان إذا اعْتَقَد بِثَانِيَةٍ واحِدة أنَّ الله تعالى أجْبرَهُ على أعمالهِ بطَلَ الثَّواب، وبطَل العِقاب وبطَلت الجنَّة والنار
وبطلَتْ بعثة الأنبياء، وأصبَحت الأعمال لا معنى ولكنَّ الله عز وجل أثنى على عباده الطائِعين، ووبَّخ عباده العُصاة ووعدَ بالجنَّة لِمَن أطاعه، وبالنار لِمن عصاه، وأنت أيُّها الأخ بِإمكانِك أن تُطيع وبإمكانِكَ أن تعصي، فأنت بإمكانك إن أذَّن للصلاة أن تُصلي أو لا تُصلِّي وبإمكانك أن تغضّ بصرك، وبإمكانك أن لا تغضَّه، وعُرِضَت عليك صفْقة فبإمكانِكَ أن تقْبلها، وبمكانك أن ترفضها، دَعْكَ من النُّصوص وانظر إلى الواقِع تَجِدُ أنَّك مُخيَّر، والطالب بإمكانه أن يدْرس، وبإمكانه أن لا يدرس، والبائع بإمكانه أن يغش، بإمكانه أن يصْدق، وبإمكانه أن يحلف يمينًا كاذبة أو يمينًا صادقة، فهذا دليل واقعي وفِطري ونقلي على الاختيار، قال تعالى:

 

﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17)﴾

 

[سورة فصلت]

 وقال تعالى:

 

﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى(13)﴾

 

[سورة الكهف]

وقال تعالى:

﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمْ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(148)﴾

[سورة البقرة]

 وقال تعالى:

 

﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ(35)﴾

 

[سورة النحل]

 فكل الآيات التي يُشمُّ منها رائحة الجبْر لها معنى دقيق، قال تعالى:

 

﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا(28)﴾

 

[سورة الكهف]

 ليس المعنى أنَّنا خلقنا فيه الغفلة، ولكن وجدناه مُتغافلاً، فهو الذي تغافل فالتَّعديَة في اللُّغة لها معاني عِدَّة، تقول: حاكَكْتُها فما أبخَلتها، أي ما وَجَدتها بخيلة، فالتَّعدية من معانيها السَّبَبِيَّة، ومنها العِلم، ومنها الحُكم والاختبار.
وقال تعالى:

 

﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(39)﴾

 

[سورة الحجر]

 ليس المعنى أنَّ الله تعالى خلق فيه الغواية، ولكن المعنى أنَّ الله تعالى وَجَدهُ غاويًا، ووجدهُ غافلاً، لذا أيها الإخوة هذه قضِيّة خطيرة، حينما تعتقِدُ أنَّ الله أجْبرنا على أفعالنا كأنَّك تقول بِلِسانِ حالك: لِمَ يُحاسبنا إذا كُنَّا قد أُجْبرنا، قال الشاعر:

 

ألقاه في اليمّ مكتوفًا وقال إياك إياك أن تبْتلّ بالماء !

 فأنت إن كنتَ مجبورًا لا يُصبح للأمر معنىً، لذلك هناك ألف دليل ودليل على أنَّك مخيِّر، ولو لم تكن مخيَّر لما سألك تعالى، قال تعالى:

 

 

﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(92)﴾

 

[سورة الحجر]

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور