- التربية الإسلامية / ٠1الحقوق
- /
- ٠1حق الزوج على الزوجة
الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصلاة وأتمُّ التسليم على سيِّدنا محمَّد الصادق الوعد الأمين، اللهمَّ لا علم لنا إلا ما علَّمتنا، إنَّك أنت العليم الحكيم، اللهمَّ علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، وزدنا علماً، وأرِنا الحقَّ حقّاً، وارزقنا اتِّباعه، وأرنا الباطل باطلاً، وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممَّن يستمعون القول فيتَّبعون أحسنَه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيُّها الإخوة المؤمنون، لا زلنا في الحديث النَّبويّ الشريف، ولا زلنا في باب حقِّ الزوج على المرأة.
أحاديث نبوية في حقوق الزوج على زوجته
الحديث الأول:
ورد في هذا الباب حديثٌ شريفٌ، فعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ ))
فتنتان لا قبل للإنسان بهما: المال والنساء
الإنسان أحياناً مِن أين يؤخَذ ؟ إذا كان مُستقيماً على أمر الله، أين تزِلُّ قدمه ؟ من أين يؤخَذ ؟ كيف ينتكس ؟ كيف يُحجب عن الله ؟ كيف يتقهقر ؟ كيف يتراجع ؟ كيف يفقد اتجاهه إلى الله في صلاته ؟ كيف يفقد إقباله على الله ؟ كيف يشعر أنَّ عبادته تافهة لا معنى لها ؟ حينما تدخل في حياته امرأةٌ بطريقٍ غير مشروع.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( الْعَيْنُ تَزْنِي، وَالْقَلْبُ يَزْنِي، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا الْقَلْبِ التَّمَنِّي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ مَا هُنَالِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ ))
الإنسان قد يزني بعينه، وقد يزني بلسانه، وقد يزني بأذنه، وقد يزني بيده، فهذه المُخالفات هي حجابٌ بين العبد وربِّه، بل لو سألنا إنسانا سؤالاً آخر: ما هي المزالق الخطيرة في طريق الإيمان ؟ أغلب الظنّ أنّ عامّة المسلمين لا يشربون الخمر، ولا يسرقون، ولا يقتلون، هذه الكبائر التي ذكرها الله عزَّ وجلّ في القرآن الكريم وذكرها نبيّه العظيم في سنّته، هذه الكبائر يبتعد عنها مُعظم المسلمين، ولكن هذا المسلم مِن أين يؤتى ؟ كيف ينتكس ؟ كيف تُصبح صلاته جوفاء ؟ كيف يُصبح صيامه لا معنى له ؟ يؤتى من بابين كبيرين، من باب النّساء، ومن باب كسب المال، لو تتبّعت المعاصي وتكرارها، واتّساع رُقعتها في ساحة النّفس الإنسانيّة، لوجدتَ أن أكبر مساحةٍ يشغلها حبُّ المال، وحبُّ النِّساء، لذلك أكبر مزالق الإنسان من جهة المال ومن جهة النّساء، بل إنّ النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث الشريف يجعل المرأة أكبر خطرٍ على الإنسان، بمعنى أن تعصي الله بها، أيّة شهوةٍ أودعها الله في الإنسان، جعل لها طريقاً مشروعاً، جعل لها قناةً نظيفةً، ربُّنا سبحانه وتعالى يقول:
﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * ﴾
أي مُعتدون، وإنه لعُدوانٌ أن تنظر إلى امرأةٍ لا تحِلُّ لك، وعُدوانٌ أن تُدير معها حديثاً، عُدوانٌ أن تتلطّف في مُحادثتها، هذا الذي يقطعُ عن الله عزّ و جلّ، فحين تقعُ عينك على امرأةٍ لا يحِلُّ لك أن تنظر إليها، وتستمرئ هذه النظرة، هنا بدأ الحِجاب، هذه هي تعليمات الصانع، ما من جهةٍ مؤهلةٍ أن تُقدّم لك التعليمات الصحيحة إلا الصّانع، لقول الله عزّ و جلّ:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ﴾
أي أن التعليمات النّافعة لهذه الآلة من الصّانع،
﴿ الحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ﴾
والنبي عليه الصّلاة والسّلام أرسله خالقنا العظيم ليُبيِّن لنا تعليمات التّشغيل لهذه الآلة، يقول عليه الصّلاة والسّلام:
(( مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ ))
لا بد من هامش الأمان بين العبد والمعصية
في بعض الأيام نظرةٌ، إذا لم يغُضّ الإنسانُ بصره كانت النّظرة سبيلاً إلى أكبر معصية، لذلك ربُّنا عزّ و جلّ في بعض الآيات يقول:
﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا ﴾
وفي آياتٍ أُخرى يقول:
﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا ﴾
لماذا مرّةً:
﴿ فَلاَ تَقْرَبُوهَا ﴾
ومرةً:
﴿ فَلاَ تَعْتَدُوهَا ﴾
هناك نوعٌ من المعاصي فيها جذبٌ، فكُلّ معصيةٍ تجذبك إليها بدافعٍ من شهوةٍ أودعها الله في الإنسان، هذه المعصية يجب أن تدع بينك وبينها هامش أمان، لا بُدّ من أن تدع بينك و بينها هامش أمان حتّى تنجو منها، لذلك جاءت الآية:
﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا ﴾
تيّار فيه ستة آلف فولط، هذا التيّار حوله ساحة مغناطيسيّة عرضها ستّة أمتار، فأيُّ إنسان دخل إلى هذه الساحة جذبه هذا التيّار، وأحرقه، فإذا علمت أن هذا التيّار خطر، وأن حوله ساحة مغناطيسيّة لا تدخل إلى هذه الساحة، لأنّك إذا دخلتها جذبتك هذه الساحة إلى التيّار فاحترقت
معصية النّساء من هذا النّوع، تحتاج إلى هامش أمان، طريقٌ موبوء لا تمشِ فيه، صديقٌ مُغرمٌ بالزنى لا تُصاحبه، ولا تجلس معه، ولا تستمع إليه، قصّةٌ ماجِنة لا تقرأها، لقاءٌ مُختلط لا تأته، هذا هو هامش الأمان، لأنّ الله عزّ و جلّ يقول:
﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى ﴾
ولا تقربوا، أيْ يجب أن تدع بينك وبين الزنى هامش أمان، نظرةٌ، فابتسامةٌ، فموعدٌ، فلقاءُ.
(( مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ ))
ضع في ذهنك أن المرأة في الحرام لغمٌ مُتفجِّر، ربّما أطاح بدينك، ربّما أطاح بصلاتك، ربّما أطاح بوجهتك إلى الله عزّ و جلّ، ربّما أطاح بقُربك من الله عزّ و جلّ، أنت ذُقت طعم القُرب - المشكلة هنا - إذا ذاق المؤمن طعم القُرب حافظ على هذه الصِلة مهما بلغ الثّمن، أمّا إذا لم يذُق طعم القُرب، يرى أنّ أوامر الدّين عبئاً عليه، يرى أنّ الدين ثقيل، يرى أنّ الدين حِرمان، لكنّه إذا ذاق طعم القُرب من الله عزّ و جلّ فمن أجل الحِفاظ على هذا القُرب يضحي بكلّ غالٍ ورخيص، ونفسٍ ونفيس.
أحياناً يُوضع الإنسان في موقِفٍ حرجٍ، هذا الموقف يقتضي أن يُصافح، النبي عليه الصلاة و السلام يقول:
(( إِنِّي لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ ))
أيُّهما أغلى عليك اتّصالك بالله أم أن تنجو من انتقاد بعض المُنتقدين،
﴿ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ ﴾
القضيّة قضيّة موازنة، كلمة " الله أكبر" تعني: أنّك إذا رأيت أنّ الله أكبر من كلّ شيء، من كلّ هدف، من كلّ غاية، عندئذٍ تنضبط على أمر الله، حديثٌ يدعو إلى الوقوف والتّأنّي.
علاقة اتباع الشهوات بإضاعة الصلاة
ربّنا عزّ و جلّ ماذا قال عن المسلمين في آخر الزمان ؟ قال:
﴿ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ﴾
لماذا أضاعوا الصّلاة ؟ لأنّهم اتّبعوا الشّهوات، لماذا اتّبعوا الشّهوات ؟ لأنّهم أضاعوا الصّلاة، هناك علاقةٌ ترابطيّة، تارةً تكون إضاعة الصّلاة سبباً لاتّباع الشّهوات، وتارةً يكون اتّباع الشّهوات سبباً لإضاعة الصّلاة، وربُّنا سبحانه و تعالى يقول:
﴿ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ﴾
حينما يتّبعون الشهوات يُضيّعون الصّلاة، و حينما يُضيّعون الصّلاة يتّبعون الشهوات، هذا كلام الخالق، هذه قوانين حتميّة الحدوث،
﴿ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ﴾
اتّباعٌ للشهوات، إضاعة للصّلاة، تحمّل البغي والعُدوان، والغيّ والضّلال.
أحياناً ندخل إلى محطّة وقود، يوجد مكان لوضع إعلان، يُمكن كتابة كلمات عديدة في هذا الإعلان، لو فرضنا كُتِب في هذا الإعلان: يُرجى أن تقف في الدّور، مُمكن، لو كُتِب في هذا الإعلان: يُرجى المُحافظة على نظافة المحطّة، كذلك إعلان مقبول، لكن هذا الإعلان ليس خطيراً، أمّا إذا كُتِب على هذا الإعلان: ممنوع التدخين، التدخين شيء مصيري قد يُحرِق المحطّة كُلّها، فهذا إعلان من نوع خاص، قد نكتب مكان هذا الإعلان ألف إعلان، كلّها لا تُقدّم و لا تؤخر، لكن إذا كتبنا في هذا الإعلان: ممنوع التدخين، فإنّ هذا الإعلان متعلّق بمصير هذه المحطّة، و ربّنا عزّ و جلّ في القرآن حينما يقول لك:
﴿ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾
لا خيار للمؤمنين أمام أمر الله ونهيه
هذا أمر يُقدّم و يؤخّر، أمر مصيري، أمر يتعلّق بإقبالك على الله، إمّا أن تُقبِل إذا طبّقتَه، وإمّا أن تنقطع إذا خالفته، فكلّ أمرٍ في القرآن، وكلّ نهيٍ في القرآن هما أمرٌ ونهيٌ مصيريّان، يُحدّدان مصير علاقتك بالله عزّ وجلّ، لأن الآية الكريمة تقول:
﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾
أنت لك الخيار في المُباحات، بين هذا البيت وهذا البيت، بين هذه الفتاة وهذه الفتاة، تخطب هذه أو تلك، بين أن تعمل بهذه الوزارة أو بهذه الوزارة، بين أن تكون موّظفاً أو تاجراً، بين أن تُمضي أسبوعاً في هذا المصيف أو في هذا المصيف، هذا الخيار، لكنّك إذا عرفت الله عزّ وجلّ فليس لك خيارٌ فيما أعطى الله فيه حُكماً،
﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾
الآن بعض أنواع اللباقة والذوق الاجتماعي أن تُرحِب بامرأةٍ، أن تستقبلها في البيت، ولو أنّ الزوجة غائبة، لباقةً، تقول: هذه أخت زوجتي، هذه بنت عمّي، هذه بنت خالتي، معقول أن أرُدّها، مثلاً، هذه اللباقة، والذوق الرفيع في مُعاملة النّساء، هذا قد ينتهي بالإنسان إلى القطيعة عن الله عزّ و جلّ، هذه مُجاملة يُروّج لها إبليس، لكنّ المؤمن وقّافٌ عند حدود الله، الحلال ما أحللت، والحرام ما حرّمت، فإذا أحبّ المؤمن أن يُحافظ على هذه الصِلة بينه وبين الله، فليحفظ حدود الله، وإذا هان الله على النّاس هان النّاس على الله، يقول لك: الماء قليل، والأسعار مُرتفعة، وهناك ضائقة أحياناً، هذا كلام يُترجمه القول الشهير: هان الله عليهم فهانوا على الله، وهؤلاء لا يُبالون أحياناً أن هذا الأمر يجوز، أو لا يجوز، أو حرام، حلال، مسموح، أو غير مسموح، فيه معصية أو ليس فيه معصية، قال له: يا رسول الله عظني و أوجز، فقال عليه الصلاة والسلام:
(( قُل آمنت بالله، ثمّ استقم ))
قال بدوي للنبي عليه الصلاة والسلام: عظني وأوجز، وفي حديثٍ آخر عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قُلْ لِي فِي الْإِسْلَامِ قَوْلًا لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ، قَالَ: قُلْ:
(( آمَنْتُ بِاللَّهِ فَاسْتَقِمْ ))
قال أريد أخفّ من ذلك - هذه ثقيلة - فقال النبي عليه الصلاة والسلام:
(( إذًا: فاستعِدّ للبلاء ))
إذا تعاملت مع الله بقواعد واضحة ترتاح وتُريح، ربّنا عزّ و جلّ إمّا أن تأتيه طائعاً أو أن يسوقك إليه بالسلاسل، سلاسل المصائب، فإمّا أن تأتيه طوعاً، مُبادرةً، رغبةً، طمعاً، شوقاً، و إمّا أن يُؤتى بك إليه على أثر مُشكلة، على أثر مرض، على أثر ضائقة، على أثر ضغط، فالبطل هو الذي يأتيه طائعاً:
﴿ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ﴾
لأن الله خلقنا ليُسعدنا، هذا كلامٌ قطعيّ، فإمّا أن تقبل أن تسعد باختيارك، وإمّا أن تُساق إلى هذه السعادة بشكلٍ أو بآخر، لذلك الآية الكريمة:
﴿ لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ ﴾
إذا وجد مرض نفسي، إن أبديته أو أخفيته تُحاسب عليه، كيف المُحاسبة ؟
﴿ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ﴾
إن أقبلت عليه طواعيّةً يغفر لك، وإن أدبرت عنه، تُؤتى إليه من خلال مُضايقةٍ فعندئذٍ يُغفر لك أيضاً لكن على أثر عذابٍ لا على أثر إقبالٍ، المغفرة: إمّا أن تكون على أثر إقبال أو على أثر عذاب.
﴿ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
يقول لك الطبيب: إمّا أن تستعمل الدّواء أو أن نجري لك عملية، الآن الدواء مُجدٍ، لكن بعد فترة لا بُدّ من عملٍ جراحي، أنت مُخيّر، فالإنسان يجب أن يقبل بالدواء قبل أن يُعالج بالجراحة، فإذا انطلقت من حبّك لذاتك، إذا انطلقت من حرصك على سلامتك، إذا انطلقت من رغبتك في كمال وجودك، في بقاء وجودك، فأطع الله عزّ و جلّ، لأنه:
﴿ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾
الفائز بين مقاييس القرآن ومقاييس البشر
انظر إلى نظر الناس الآن، يقولون لك: هذا فلان هنيئاً له، عنده أرض ارتفع سعرها ثمانين ضِعفاً، قيمُ النّاس المال، فمن حاز المال بحجمٍ كبير وجهدٍ يسير، النّاس يرمقونه بأبصارهم، وإذا اشترى الإنسان بيتاً فخماً مريحاً في موقعٍ ممتاز، زيّنه تزيينات رائعة، أيضاً الناس يهنئونه، ويُثنون على شطارته وعلى ذوقه.
وإذا تقلّد الإنسان منصباً رفيعاً، أيضاً يهنئونه، وإذا أنجب أولاداً مُتفوّقين في مقياس الدّنيا يُهنّأ، هذه مقاييس البشر.
لكنّ البطل هو الذي يبحث عن مقياس الله عزّ و جلّ، مقياس الله عزّ و جلّ شرحه الله في القرآن الكريم، قال:
﴿ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾
هل أنت مؤمن بهذا المقياس.
أضرب مثلاً للتقريب: لو أن صديقاً لك كان على مقعد الدراسة معك، وعمل بعملٍ حرّ فأصبح يملك ألوف الألوف، بل ألوف الملايين، وهو مُتفلّت من أمر الله، وأنت مستقيم على أمر الله، ولا تملك إلا قوت يومك، هل تشعر بأنّك محروم ؟ أو بأنّ هذا الصديق تفوّق عليك، وفاز عليك ؟ إن شعرت هذا فأنت لا تعيش هذه الآية، قد تفهمها، ولكن لا تعيشها، قد تفهم معناها، ولكن لا تعقلها، لا تعقل الآية إلا إذا عشتها، المؤمن الحقّ: يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يُلقى في النّار، المؤمن الحقّ يقول: ليس في الأرض من هو أسعد منّي إلا أن يكون أتقى منّي، و لو كان طعامه خشناً، ولباسه خشناً، هذا الإيمان، الإيمان أن تسعد بمعرفة الله، أن ترى أن الهدى هو كلّ شيء، وأنّ الدنيا كلّها لا تعدل عند الله جناح بعوضة، وأنّ الله عزّ و جلّ إذا تجلّى على قلب الإنسان نسي الدّنيا وما فيها، ولا تنس خُطبة النبي عليه الصّلاة والسّلام:
(( إنّ هذه الدّنيا دار التواء لا دار استواء ))
الدنيا لا تستقم لأحد
سبحان الله ! لا تستقيم الدنيا لإنسان، يأتيه المال ويفقد الطّمأنينة، تأتيه الطّمأنينة ويفقد المال، يأتيه المال والطّمأنينة ويفقد الزوجة الصّالحة، تأتيه الزّوجة الصّالحة ويفقد الأولاد الأبرار، يأتيه أولاد أبرار وليس له دخل يكفيهم، يأتيه دخل يكفيهم وأولاده أشرار، كلّ شيءٍ على ما يُرام لكن صحّته معلولة، إنّ هذه الدّنيا دار التواء -هكذا النبي قال - لا دار استواء، لا تستوي، مُحال أن تستقيم لك الأمور كلّها، رُكّبت على النّقص، رحمةً بنا لأنّه لو تمّت لكرهت لقاء الله عزّ و جلّ، لركنت إليها، لو جاءت الأمور كما تشتهي فهذه أكبر مصيبة، يقول الله عزّ و جلّ: عبدي، خلقت لك ما في السّماوات والأرض، ولم أعيَ بخلقهنّ، أفيُعييني رغيفٌ أسوقه إليك كلّ حين، و عزّتي و جلالي، إن لم ترض بما قسمته لك، فلأُسلّطنّ عليك الدّنيا، الدّنيا تأتيك من كلّ جهة، فلأُسلّطنّ عليك الدّنيا تركض فيها ركض الوحش في البرّية،ثمّ لا ينالك منها إلا ما قسمته لك، و كُنت عندي مذموماً،أنت تريد،و أنا أريد، فإذا سلّمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد، و أن لم تسلّم لي فيما أريد، أتعبتك فيما تريد،ثمّ لا يكون إلا ما أريد
إذا كان الإنسان مُنحرفًا، غارقا في المعاصي، وتأتيه الدنيا من كلّ جهة، هذه ليست نِعمة، ولكنّها نَعمة:
﴿ وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ ﴾
هذه ليست نِعمة، و لكنّها نقمة، يقول ابن عطاء الله السّكندري: " ربّما أعطاك فمنعك، وربّما منعك فأعطاك "، أحياناً يمنعك، فإذا منعك عن الدّنيا تتّجه إليه فتسعد بقربه، فيكون الخلاص بالحرمان من الدّنيا، وقد تأتي الدّنيا كما تريد فتكون حجاباً بينك وبين ربّ العزّة:
(( مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ ))
هذا أوّل باب خطر، في بعض المرّات فلان لا يأتي إلى الدّرس، فما هو السّبب ؟ زار أقرباءه فالتقى بإحدى قريباته اللاتي لا ينبغي أن يراهُنّ، من حديثٍ إلى حديث تعلّق بها، قام ليُصلّي فرأى في نفسه تكاسلاً، شعر بالمُخالفة والمعصية، استمرأ هذه العلاقة وذلك التّكاسل حتى انقطع عن الله عزّ وجلّ، حالات كثيرة جدّاً سبب انقطاع الإنسان عن الله، و ن مجالس العلم أحياناً، أنّه وقع في مُخالفة متعلّقة بالنّساء، ولو على مستوى النّظر، أو مستوى الكلام، أو مستوى الحديث، حتى على هذا المستوى هذه معصية تقطع عن الله عزّ وجلّ.
الحديث الثاني:
بشارةٌ قالها النبي عليه الصّلاة و السّلام للنّساء كافّةً، أو للنّساء المؤمنات، عن أمّ سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَنْهَا رَاضٍ دَخَلَتْ الْجَنَّةَ ))
لأن رضاء الزّوج ربع دين المرأة، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( إِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ ))
طاعة الزوج في المعروف سبب دخول الجنة
فطاعة الزّوج وإرضاؤه فيما لا يُغضب الله عزّ وجلّ، هذا يكفي كي تدخل المرأة الجنّة، وقلّما تجد رجلاً راضياً عن زوجته كلّ الرضى، و لو تعلم المرأة حقّ الزوج ما قعدت ما لم يحضر طعامه أو غذاؤه، لكن طبعاً الزوج المؤمن، لأن الزوج المؤمن يعرف حقّ المرأة أيضاً.
هذا الحديث رواه الترمذي، وقال حديثٌ حسن.
الحديث الأوّل مُتّفقٌ عليه، وهو أعلى درجة من الصّحة، ما اتّفق عليه الشّيخان الإمام البخاري والإمام مسلم، وهذا الحديث كأنّه ضوء أحمر خطر، اجعل هذا الحديث بالقلم الأحمر:
(( مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ ))
وجوب اتخاذ الأسباب لاتقاء فتنة النساء
فالإنسان يستعين بغضّ البصر، يستعين بترك الأماكن الموبوءة، يستعين بترك رفقاء السّوء، بترك الحفلات المُختلطة، بترك مكان فيه امرأة لا تخشى الله عزّ وجلّ، بقطع العلاقة مع كلّ قريبة لها تطاول من حيث الاختلاط مع الرّجال، هذا كلّه من أجل الحفاظ على الدّين