- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠13ندوات مختلفة - قناة الشارقة
مقدمة :
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، وأهلاً ومرحباً بكم من الشارقة .
طبعاً ضيفنا الرئيسي هو داعية إسلامي معروف بكل تأكيد ، سنسلط الضوء على حياته الدعوية ، وكيف استطاع أن ينجح في هذا المجال الدعوي الكبير ؟
معنا اليوم الدكتور محمد راتب النابلسي ، الداعية الإسلامي المعروف ، والأستاذ في كلية الشريعة وأصول الدين في دمشق ، وهو أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ، أهلاً بك دكتور ، حياك الله ، نورت البرنامج من الشارقة .
دكتور بداية نريد أن نعطي جانباً حياتياً للداعية ، دائماً في الإعلام نطرح جوانب الحياة عند الفنانين والممثلين ، لماذا لا نأخذ جانباً مهماً من دعاتنا ، وعلمائنا ؟
فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بدايتنا سنبدأها بكل تأكيد من بداية حياتك وطفولتك ، دعنا نقول : حدثتني قبل البرنامج أنك كنت يتيماً ، وكان الوالد الله يرحمه و يغفر له عالماً من علماء دمشق ، كيف استطاع الدكتور محمد راتب النابلسي أن يتخلص من مفاهيم اليتم التي موجودة في حياتنا اليوم ؟.
حقيقة اليتم :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين
أخ محمد جزاك الله خيراً .
بادئ ذي بدء : حقيقة اليتم ، أي طفل وجد أماً تخلت أو أباً مشغولاً فهو يتيم ، أما الذي تولى أخوه الأكبر بعض الرعاية ، وأمه بعض الرعاية ، ما دام هناك رعاية ليس هناك يتم في الحقيقة ، فاليتم أن تجد لإنسان أو لطفل أباً مشغولاً وأماً مهتمة بحظوظها في الدنيا .
لذلك المشكلة الآن ، لو أن الإنسان بلغ أعلى منصب في الأرض ، وجمع أكبر ثروة ، ولم يكن ابنه كما يتمنى فهو أشقى الناس ، لأن الله عز وجل يقول :
﴿ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى ﴾
هو بحسب السياق اللغوي فتشقيا ، مثنى ، لكن علماء التفسير قالوا : هذا إيجاز ، لأن شقاء الزوج شقاء حكمي لزوجته ، وأنا أقول : وشقاء الأولاد شقاء حكمي لأمهاتهم وآبائهم .
فحينما يلقى الطفل رعاية من أبيه ، أو من أمه ، أومن أخيه الأكبر ، أو من عمه ، أو من جده ، لا يعد يتيماً ، فهذه حقيقة أولى .
الحقيقة الثانية : أحياناً الإنسان يفتقر إلى أب يكون عصامياً ، وقد قيل : كن عصامياً ولا تكن عظامياً .
والشيء الذي يلفت النظر أن الأطفال الذين ربوا بالنعيم قد لا ينجحون في حياتهم ، أما الطفل الذي رُبي في ظروف صعبة جداً ربما هذه الظروف الصعبة تأخذ بيده إلى أعلى درجة في الحياة الدنيا ، وفي الآخرة .
الأستاذ محمد :
فضيلة الدكتور اتجهت إلى طلب العلم وأنت في سن مبكرة ، ودعنا نقول : ليس كل طالب علم ، وليس كل شيخ عالم من الممكن أن يصبح داعية ، من الذي خلق في روح الدكتور محمد راتب النابلسي خلق روح الداعية ؟.
القدوة أحد البواعث التي تدفع الإنسان إلى الدعوة إلى الله عز وجل :
الدكتور راتب :
حرفة التعليم من أرقى الحرف ، وفي الشام ، كان هناك معلمون كبار ، دعاة يحملون رسالة ، فالتعليم من دون رسالة لا ينجح ، فأنا تتبعت بعض المدرسين ، وجدت أن لهم دعوة ، تمنيت أن أكون مثلهم ، فكلما علت القدوة علت الهمة .
أحياناً إنسان حوله أهل دنيا ، أهل مال ، أهل شهوات ، فلا ينشأ عنده ميل إلى أن يكون في مستوى جيد ، فأنا أقول : إن بعض الأساتذة في التعليم الإعدادي والثانوي لهم دعوة لطيفة ، منطقية ، فأنا تمنيت أن أكون مثلهم ، فهذا الشيء أحد البواعث التي دفعتني إلى الدعوة إلى الله عز وجل .
الأستاذ محمد :
هل أستطيع أن أقول : إن الداعية يجب أن يمتلك أيضاً رسالة تجاه مجتمعه ، تجاه حياته والآخرين في بيئته ؟.
الإنسان هو المخلوق الأول الذي قَبِل حمل الأمانة فكرمه الله تعالى :
الدكتور راتب :
والله الذي لا إله إلا هو أنا أرى أن الإنسان الذي لا يحمل رسالة لا يؤكد إنسانيته ، لأن الإنسان هو المخلوق الأول رتبة لقوله تعالى :
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾
فهو المخلوق الأول ، ولأنه المخلوق الأول الذي قَبِل حمل الأمانة كرمه الله .
﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾
والإنسان هو المخلوق المكلف لأنه قَبِل حمل الأمانة سخر الله له :
﴿ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ ﴾
وكلفه أن يعبده .
الاستقامة على أمر الله أساس النصر و التمكين و الاستخلاف :
العبادة طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية .
هذا التعريف الجامع المانع فيه كليات ثلاث ، كلية سلوكية ، أي ما لم تستقم على أمر الله لن تقطف من ثمار الإسلام شيئاً ، ولو أن الأمة مليار وخمسمئة مليون ، ما لم تكن مستقيمة على أمر الله لن تستطيع أن تأخذ ما وعد الله به المؤمنين .
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾
الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح ، نحن لسنا مستخلفين .
﴿ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ﴾
ونحن في الأعم الأغلب نتحدث عن العالم الإسلامي بأكمله ، لسنا ممكنين .
﴿ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾
نحن لسنا آمنين ، وزوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين .
الأستاذ محمد :
إذاً : لماذا لسنا ممكنين و لسنا آمنين ؟.
حاجة الأمة الإسلامية إلى خطاب إسلامي يوقظ فيها التصور الصحيح للكون والحياة :
الدكتور راتب :
لأنه هان أمر الله علينا فهنا على الله ، كلام جامع مانع ، هان أمر الله علينا فهنا على الله .
الأستاذ محمد :
وماذا نحتاج لنتخلص منه ؟
الدكتور راتب :
إلى خطاب إسلامي ، خطاب إسلامي يوقظ فينا التصور الصحيح للكون ، والحياة ، والإنسان .
الأستاذ محمد :
وهل الداعية دكتور هو الأساس في هذا الخطاب الإسلامي ؟.
الدكتور راتب :
أنا لا أجد الأمة الآن في تعثرها ، وفي وضعها الذي لا تحسد عليه ، لا تجد الأمة إنساناً أفضل ممن يُعرفها بربها ، وبدينها ، وبرسالتها ، لذلك قال تعالى :
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
أي لن تجد على سطح الأرض من آدم إلى يوم القيامة إنساناً أفضل عند الله ممن عّرّف الناس بربهم ، عرفهم بمنهج ربهم ، حملهم على طاعته ، أكّد هويتهم ، عرفهم بسر وجودهم وغاية وجودهم .
الدعوة إلى الله تتذبذب بين أن تكون أقدس عمل وبين أن تكون أتفه عمل :
لكن الدعوة إلى الله أستاذ محمد تتذبذب بين أن تكون أقدس عمل على الإطلاق ترقى إلى صنعة الأنبياء .
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً ﴾
تتذبذب بين أن تكون أقدس عمل على الإطلاق ترقى إلى صنعة الأنبياء ، وبين أن تكون أتفه عمل على الإطلاق لا يستأهل إلا ابتسامة ساخرة .
الأستاذ محمد :
وكيف يكون هذا أتفه عمل ؟.
انقلاب الدعوة إلى الله إلى أتفه عمل إذا نطق الداعية بالباطل و سكت عن الحق :
الدكتور راتب :
عندما تقدم من أجلها الغالي والرخيص ، والنفس والنفيس ، حينما تتكلم كلاماً تطبقه في حياتك الخاصة ، حينما تبتغي عند الله الأجر ، حينما لا تأخذك في الله لومة لائم ، حينما تنطبق عليك الآية الكريمة :
﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ ﴾
الأستاذ محمد :
وإذا كان مناقضاً لهذا الشيء يصبح الداعية تافهاً .
الدكتور راتب :
ولمجرد أن تخشى غير الله ، فتنطق بالباطل إرضاءً له ، وتسكت عن الحق خوفاً منه انتهت دعوتك .
الأستاذ محمد :
دعنا نقول هذه دكتور معايير نجاح الداعية التي وصفتها قبل قليل ؟.
الداعية الحقيقي هو :
1 ـ الداعية الذي لا يرتزق بالدعوة :
الدكتور راتب :
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾
هذا مقياس .
2 ـ من يؤكد معاني التوحيد :
معيار ثانٍ :
﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ ﴾
فالداعية الذي يؤكد معاني التوحيد ، الله عز وجل هو المعطي ، هو المانع ، هو الرافع ، هو الخافض ، هو العز ، هو المذل ، حينما ترى أن الأمر بيده .
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
ما أمرك أن تعبده إلا بعد أن طمأنك ،
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ ﴾
﴿ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ﴾
﴿ لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ﴾
﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾
أنت حينما ترى أن الله عز وجل يتصرف وحده في الكون ، وكل ما سواه ليس على الحقيقة ، على المجاز .
التوحيد فحوى دعوة الأنبياء جميعاً :
لذلك معنى لا إله إلا الله هو الدين ، بل إن التوحيد هو الدين ، بل إن التوحيد هو فحوى دعوة الأنبياء جميعاً .
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾
إذاً : الداعية الحقيقي هو الداعية الذي يؤكد معاني التوحيد ، والداعية الذي لا يرتزق بالدعوة ، الإمام الشافعي يقول : " لأن أرتزق بالرقص أفضل من أن أرتزق بالدين ".
هناك قصة أرويها ـ حكاية سريعة ـ بلد من البلاد الإسلامية ، كان تحت الاستعمار ، وهناك عالم جليل له دعوة كبيرة جداً ، فالحاكم الذي يحكم هذا البلد الاستعماري أراد أن يعدمه ، فجاؤوا له بشيخ ليلقنه الشهادة ، بسذاجة بالغة ، فقال هذا العالم الجليل لهذا الشيخ الذي سيلقنه الشهادة : أنا أموت من أجل لا إله إلا الله ، أما أنت ترتزق بها .
فحينما نرتزق بالدعوة ، حينما نتكلم بخلاف ما نعلم ، حينما نسكت عن النطق بالحق خوفاً من القوي ، وحينما نتكلم بالباطل إرضاءً له ، انتهت الدعوة .
لذلك بين أن ترقى الدعوة إلى أن تقترب من صنعة الأنبياء ، وبين أن تسقط لتكون عملاً تافهاً لا قيمة له ، لكن الدنيا لا تخلو من رجال صالحين ، هؤلاء الله عز وجل يوزعهم في كل أنحاء البلاد .
الأستاذ محمد :
سؤال فضيلة الدكتور : النجاح دائماً عندما يكون باهراً ، وحينما يستطيع العالم أو الداعية أن يكسب قلوب الناس ، ومحبتهم ، واستيعابهم ، حيث أننا نستطيع أن نقول : كثير من الناس يصحون على صوت محمد راتب النابلسي ، هذا النجاح ألا يحارب ؟ وعندما يحارب ألا تؤثر هذه الحرب عندما تكون ضد محمد راتب النابلسي ؟ هل تؤثر في فضيلتكم ؟.
الحق لا يقوى إلا بالتحدي :
الدكتور راتب :
لابدّ من حقيقة أنه كان من الممكن أن يكون الطرف الآخر في كوكب آخر ، لا يوجد ولا مشكلة ، أو أن يكونوا في قارة أخرى ، أو أن يكونوا في حقبة أخرى ، لم يبقَ أي مشكلة إطلاقاً ، لكن شاءت حكمة الله أن يكون المؤمنون وغير المؤمنين معاً في مكان واحد ، وفي زمان واحد ، لأن الحق لا يقوى إلا بالتحدي ، ولأن أهل الحق لا يستحقون الجنة إلا بالبذل والتضحية ، فأن تكون هناك معركة بين الحق والباطل هذا قدرنا ، معركة الحق والباطل أزلية أبدية ، ومن باب الطرف ـ هذه تروى هكذا ـ أن سيدنا موسى في المناجاة ، قال : يا رب لا تبقي لي عدواً ، فجاء الجواب أن هذه ليست لي يا موسى .
فلابدّ من إنسان يعارضك ، لكن حينما يكون الهدف واضحاً وأنت واثق من الله عز وجل لا تعبأ ، ودائماً حينما لا تعبأ يكون الموقف أقوى ، لا شك أن كل إنسان له من يعترض عليه .
الأستاذ محمد :
إذاً هذه رسالة تقول لكل داعية بدأ حياة الدعوة ألا يعبأ بكلام الآخرين ، ولا يهتم بهم .
المصالح والأهواء سبب الاختلاف بين الناس :
الدكتور راتب :
لكن هناك كلام دقيق : هناك اختلاف سببه نقص المعلومات ، قد نختلف ، فرضاً في يوم التاسع و العشرين من شعبان سمعنا صوت مدفع ، يا ترى هذا مدفع إثبات رمضان ، أم هناك تفجير في طريق أي هناك صخرة كؤود فجروها ؟ لا يوجد معلومات دقيقة ، فنحن اشتبه علينا إثبات الشهر أو تفجير بطريق يجري إصلاحه ، لكن إذا فتحنا الإذاعة وسمعنا : غداً أول أيام رمضان ، هذه المعلومات حسمت الخلاف ، هناك خلاف أساسه نقص في المعلومات ، هذا اختلاف طبيعي ، عليه إشكال كبير ، هناك خلاف قذر ، سببه الحسد والبغي:
﴿ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ ﴾
فنحن إلهنا واحد ، نبينا واحد ، قرآننا واحد .
المنهج واحد ، القرآن قرآن ، والسنة سنة ، والصحيح صحيح ، والخطأ خطأ ، لماذا الأمة مشرذمة ؟ ما الذي جعلها تختلف ؟ المصالح والأهواء .
مرة ثانية :
﴿ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ ﴾
وهناك خلاف تنافس هذا خلاف محمود :
﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾
أنا أرى أن الدعوة أعظم شيء ، إنسان يرى أن تأليف الكتب أعظم ، إما أن تؤلف القلوب ، هذه دعوة ، أو أن تؤلف الكتب ، أو أن تجمع بينهما ، لأن تأليف القلوب أعمق أثراً ، وأقصر أمداً ، بينما تأليف الكتب أقل أثراً وأطول أمداً ، فلأن تجمع بينهما من باب أولى .
الأستاذ محمد :
تكلمت دكتور عن النجاح ، ودعنا نقول أيضاً : عندما يحقق الداعية النجاح ، عندما يحقق استرضاء قلوب الناس وحبهم ، ألا يحقق ذلك نوعاً من الغرور لدى الداعية ؟ وأيضاً يستغل مثل هذه المحبة في مصالحه الشخصية فيما بعد ؟ وبالتالي تدخل هناك مسالك شيطانية لدى الداعية ؟
بطولة الإنسان لا أن يصل إلى القمة بل يبقى فيها بتواضعه و بمعرفة فضل الله عليه :
الدكتور راتب :
أستاذ محمد : طريق القمة من أصعب الطرق ، طريق وعر ، فيه عقبات كؤود ، فيه منزلقات خطرة ، فيه غبار ، فيه حر ، فيه جهد كبير ، فإلى أن يصل الإنسان إلى القمة يكاد يموت من التعب ، فإذا وصل إليها ـ سامحني بهذا التشبيه ـ هناك طريق من السيراميك ، وهناك صابون ، فإذا اغتر وهو في القمة يسقط سريعاً ، أخطر شيء ينتظر الناجحين في الحياة الغرور .
فلذلك البطولة لا أن تصل إلى القمة ، مع أن الوصول إليها صعب جداً ، البطولة أن تبقى فيها ، ولن تبقى فيها إلا بالتواضع ، و بمعرفة فضل الله عليك .
عند علماء القلوب من شهد عمله فقد أشرك ، أنا أقول : تحدثت عن دروس يسمعها الأخوة الكرام في سوريا كل يوم ، أقول : إن الله كتب لهذه الدروس القبول فقط ، هذا هو التوحيد ، النبي الكريم حينما خاطب الأنصار قال :
(( ألم تكونوا ضلالاً ))
أستاذ محمد ، دقق ، ما قال فهديتكم ، قال :
(( فهداكم الله بي ))
هذا التوحيد ، سيدنا الصديق ، لا يوجد إنسان على وجه الأرض يحب النبي كحبه له فلما توفاه الله ، قال : من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت .
الإنسان بالتوحيد قوي و متفائل :
الدين توحيد ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، وأنت بالتوحيد قوي ، بالتوحيد عزيز ، بالتوحيد لا تتضعضع أمام قوي ، ولا أمام غني .
(( من جلس إلى غني فتضعضع لهما ذهبا ثلثا دينه ))
أنت بالتوحيد متفائل لقوله تعالى :
﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ﴾
لقوله تعالى :
﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ ﴾
عقله :
﴿ وَلَا يَشْقَى ﴾
نفسه .
الآية الثانية :
﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
المستقبل كله .
التوحيد هو الإيمان :
﴿ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
ما هذه الآية ؟ غطت المستقبل بأكمله ، والماضي بأكمله.
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين ، أنت تسير مع خالق الكون ، يجب أن تكون واثقاً من نصره ، الله عز وجل أحياناً يعطينا جرعات منعشة ، فالمقاومة حينما صمدت و انتصرت على أعتى قوة هذه جرعة منعشة ، أنا موجود يا عبادي.
فأنا أرى أن التوحيد هو الإيمان ، أي أن تؤمن بالله خالقاً ، إبليس آمن ، قال له ربي :
﴿ فَبِعِزَّتِكَ ﴾
وقال له :
﴿ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ ﴾
وقال له :
﴿ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾
الأستاذ محمد :
تساؤل فضيلة الدكتور : فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي اتجه في دعوته ، وركز كثيراً على مسألة الإعجاز القرآني والعلمي في الدين الإسلامي ، ودعنا نقول : إنه من خلال حديثنا نجد أن الدكتور محمد راتب النابلسي يدقق كثيراً في الآيات ، ويدقق كثيراً في معاني الأحاديث ، وينظر لها من زوايا عدة ، لماذا فضيلة الدكتور اتجهت نحو هذا ؟.
جسم الإنسان أكبر آية تصل به إلى الله :
الدكتور راتب :
كان عندنا في الشهادة الثانوية كتاب تشريح يقدر بثمانمئة صفحة ، لا يوجد كتاب أثر في نفسي كهذا الكتاب ، و هو عن خلق الإنسان ، وأقول لك الآن : جسمك الذي بين يديك أكبر آية تصل بك إلى الله .
﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾
مثلاً برأس الإنسان يوجد ثلاثمئة ألف شعرة ، في كل شعرة وريد ، وشريان ، وعصب ، وعضلة ، وغدة دهنية ، وغدة صبغية .
بدماغ الإنسان يوجد ما يقدر بمئة و أربعين مليار خلية استنادية سمراء ، لم تعرف وظيفتها بعد .
بشبكية العين ؛ هذه آلات التصوير التي تنقل هذا اللقاء الطيب إلى الجمهور فيها بالميليمتر المربع عشرة آلاف مستقبل ضوئي ، أما بالعين البشرية يوجد بالميليمتر المربع مئة مليون مستقبل ضوئي .
﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ ﴾
نرى بخلق الإنسان شيئاً لا يصدق ، ترى بدماغه السمع ، البصر ، النطق ، كل حرف تسهم في نطقه سبع عشرة عضلة .
الأستاذ محمد :
لذلك نقول : الإعجاز العلمي ربما يقرب الداعية نحو قلوب الناس ؟.
الإعجاز العلمي أقرب طريق إلى الله :
الدكتور راتب :
أقرب طريق إلى الله ، وأوسع باب ندخل منه على الله ، أنت إذا علمت أن أقرب نجم ملتهب لنا بعده عنا أربع سنوات ضوئية ، أقرب نجم ملتهب ، ببساطة بالغة الضوء يقطع في الثانية ثلاثمئة ألف كم ، ضرب ستين بالدقيقة ، ضرب ستين بالساعة ، ضرب 365 ، ضرب 24 باليوم ، ضرب 365 بالسنة ، ضرب أربعة ، هذا الرقم ابنك الصغير يحسبه ، لو أن هناك طريقاً لهذا النجم ، وتمشي مركبة سرعتها مئة ، تقسيم مئة ، كم ساعة ؟ تقسيم 24 ، كم يوم ؟ تقسيم 365 ، كم سنة ؟ من أجل أن نصل إلى أقرب نجم ملتهب إلى الأرض نحتاج إلى خمسين مليون عام ، و عمر الإنسان كله يقدر تقريباً بسبعين عاماً .
الآن : القطب بعده عنا أربعة آلاف سنة ، المرأة المسلسلة مليونا سنة ضوئية ، هناك نجم اكتشف حديثاً بعده عنا 24 مليار سنة ضوئية .
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾
أستاذ محمد ، كل شيء في الكون ينطق بوجود الله ، ووحدانيته ، وكماله .
﴿ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ ﴾
الكون هو الثابت الأول .
الأستاذ محمد :
تساؤل فضيلة الشيخ ، نقول : إنك دائماً تركز على العلوم الحياتية الفيزيائية ، ذكرت الأرقام قبل قليل عن سرعة الضوء ، والشمس ، والفلك ، هل هذه مهمة في حياة الداعية بحيث يوفق بين علم الشريعة ، وعلوم الحياة ، وعلوم الفيزياء ، ومع أنك أنت لا تحبذ التفريق هذا ؟.
الفرق بين العابد و الداعية :
الدكتور راتب :
أنا أعتقد اعتقاداً جازماً أنه بين أن تكون عالماً تنجو بنفسك ، وبين أن تكون داعية تأخذ بيد الآخرين إلى الله ، وفرق كبير بين العابد والداعية ، العابد أراد أن يرتاح نفسياً في بعده عن الدنيا ، وعن الخوض في متاعبها ، وعن معاشرة الناس ، لكن الذي دعا إلى الله هناك متاعب كثيرة جداً ، هناك عقبات ، هناك مساءلات ، هناك خصوم ، هناك حساد .
قالوا : لابد للمؤمن من كافر يقاتله ، و منافق يبغضه ، و مؤمن يحسده .
الأستاذ محمد :
لكي يصبح ماذا ؟.
الدكتور راتب :
منافساً له ، لابدّ للمؤمن من كافر يقاتله ، ومنافق يبغضه ، ومؤمن يحسده ، ونفس ترديه ، وشيطان يغويه ، هناك خمسة أعداء كثر .
على كلّ داعية أن يتجاوز العقبات و الخصومات التي تعترض طريقه :
المعركة ليست سهلة ، لكن الذي حمل الرسالة أراد أن يكون رقماً صعباً ، ملايين مملينة ، مليارات ممليرة ، جاءت إلى الدنيا ، وتزوجت ، وأنجبت ، وماتت ، ولم يدرِ بها أحد ، لِمَ لا تكون رقماً صعباً ؟ من ينسى عمل صلاح الدين الأيوبي ؟ الصحابة الكرام ؟ الأعلام العظام ؟ العلماء الأشاوس ؟ القادة الكبار ؟ هؤلاء أعلام الأمة ، لِمَ لا يكون الإنسان علم ؟
مرة كنت في قرية بسوريا اسمها ازرع ، فدخلت المسجد لأصلي ، هناك مدرسة ابتدائية يصلون في المسجد ، فجاء المعلم و همس بأذني ، قال لي : هذه بلدة ابن القيم الجوزي ، قلت : يا رب ! هذا حينما كان صغيراً من يعلم أنه سيكون عالماً كبيراً .
فأنا أقول للإخوة الشباب والشابات ألا يكونوا رقماً سهلاً .
كن رقماً صعباً ، احمل هم الأمة ، خذ من ذاتك ، هناك أشياء يومية مألوفة مستهلكة مملة .
إن الله يعطي الصحة ، والذكاء ، والمال ، والجمال للكثيرين من خلقه ، ولكنه يعطي السكينة بقدر لأصفيائه المؤمنين .
الأستاذ محمد :
جميلة هذه النقطة ، حيث أن المؤمن يجب أن يتحرك ، يسعى ، ويبذل ، لكن ربما يعمل ، ويسعى ، ويبذل ، لكن بطريقة خاطئة ، دعنا لا نخرج عن موضوع الإعجاز العلمي ، وخاصة في الفترة الأخيرة ، ربما من خلال وسائل الإعلام المتنوعة نشاهد كثيراً ممن يتحدث عن الإعجاز العلمي ، وربما يقال : أثبتت الدراسات ، وأثبت العلم الحديث ، لكن ليس هناك نوع من المصداقية ربما ، أو نوع من التأكيد ، كيف يستطيع فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي أن يوثق مثل هذه الأشياء ، ويتواصل مع السامعين والعلماء المتخصصين في مجال الإعجاز القرآني ؟
الإعجاز قد يكون أقصر طريق إلى الله و قد يكون أكبر معول لتهديم الإيمان :
الدكتور راتب :
أنا أقول : كما أن الإعجاز أقصر طريق إلى الله ، وأوسع باب ندخل منه على الله ، وكما أن الإعجاز أكبر داعم للإيمان ، والإعجاز يبين لك عظمة الله وجهاً لوجه ، الإعجاز أيضاً قد يكون أكبر معول لتهديم الإيمان ، كيف ؟
حينما يأتي إنسان معلوماته محدودة ، وباعه في العلم قليل ، ويلتقط قضية علمية موضوعة ، مقولة علمية ما قيلت حقيقة ، يلتقط مقولة علمية ، ويربطها بسذاجة بآية يقول لك :
﴿ في عمد ممددة ﴾
أي الكهرباء مثلاً ، هذا الإنسان الضعيف المعلومات ، المتسرع ، الساذج ، يقدم هدية لا تقدر بثمن لأعداء الدين ، يرفضون هذه الدعوة ، وينقضون المقولة العلمية أولاً ، ثم ينقضون القرآن ثانياً .
لذلك منهج الإعجاز العلمي ، أو ضوابط الإعجاز العلمي يجب أن تكون المقولة العلمية حقيقة لا يختلف عليها اثنان في الأرض ، مثلاً المعادن تتمدد بالحرارة ، هذا قانون مضطرب ، شامل ، ينطبق على كل مكان ، وعلى كل زمان ، حقيقة مقطوع بصحتها .
بالمناسبة تعريف الحقيقة : علاقة مقطوع بصحتها ، تطابق الواقع ، عليها دليل ، بلا دليل ظن ، بلا مطابقة الواقع جهل ، بلا قطع وهم ، وهم ، وشك ، وظن ، يجب أن تكون الحقيقة مقطوع بها مئة بالمئة .
الأستاذ محمد :
ولذلك في البداية قلت مقولة وليست حقيقة .
الدكتور راتب :
مقولة ، فالحقيقة علاقة بين متغيرين ، مقطوع بصحتها ، يؤيدها الواقع ، عليها دليل ، فما لم تكن المقولة العلمية حقيقة لا يختلف عليها اثنان ، وما لم تكن الآية محكمة ، والمعنى الذي ربطه بالمقولة العلمية معنى لازماً ـ أي الآية ذات معنى واضح ، وحقيقي حدي ـ وما لم يكن التطابق عفوياً وتاماً لا يجوز أن تندرج هذه المقولة في الإعجاز العلمي .
الأستاذ محمد :
هل لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي جهود نحو التأصيل ، دعنا نقل : علم الإعجاز القرآني ، دعنا نقل أيضاً : وضع إطار لهذا الشيء ، منظمة مثلاً ، مناهج دراسية ، تعاون مع باقي العلماء ، بحيث يكون هناك طرق ومعايير معينة لذلك ؟
كل إنسان بحاجة إلى تروٍ و دقة فيما ينقله للآخرين :
الدكتور راتب :
أنا أُدرس هذه المادة في الجامعة ، وكتابي مقرر ، وطبع عشرين طبعة تقريباً ، وأنا في مقدمات أربع ، هذا الكتاب الإعجاز فيه أربع مقدمات ، تحدثت في المقدمة الأولى عن العلم ، والثانية عن الإعجاز ، والثالثة عن الكتاب والسنة ، والرابعة عن قصة هذا الكتاب ، فأنا أحتاج اختصاص ، ما من قضية في كتاب الإعجاز إلا عرضتها على الخبراء ، لأن الحياة اختصاص ، وأنا أحترم الذي يحترم اختصاص الآخرين ، فكل إنسان الله أقامه لشيء أما إنسان يدّعي أنه يعلم كل شيء هو لا يعلم شيئاً .
فأنا أقول : إن الإنسان يحتاج إلى تروٍ ، وإلى دقة .
الإسلام دين عظيم دون خرق للعادات :
قد لا تصدق أن جهات ملحدة تهيئ لنا قصصاً كاذبة ليس لها أصل ، مرة يقول لك : إن بيلكيت أسلم ، ليس لها أصل ، مرة يقال : إن الرسام الدنمركي احترق ، ليس لها أصل ، مرة إنسانة داست على القرآن فمسخت إلى عنزة ، ليس لها أصل ، هذا من فعل الكومبيوتر ، يجب أن نعرف ، مرة على القلب اسم الله ، مرة على خلية نحل اسم الله ، مرة غابة بشكل لا إله إلا الله ، هذه جهات ملحدة تتسلى بنا ، تروج هذا الخبر ببعض المواقع ، والمسلمين بسذاجة ، وأحياناً بعض الدعاة تورطوا وذكروا القصة و هي لا أصل لها .
الإسلام عظيم من دون أن تجد اسم الله على خلية النحل .
سيارة من أرقى ماركة لا يغير من صفاتها أن إشارتها تكون محذوفة ، لا إضافة الشارة ترفعها ، ولا حذفها يخفيها ، فإمكانياتها بخصائصها .
فأنا أقول : الكون بحدّ ذاته معجزة ، من دون خرق للعادات ، فأنا لست مع هذه الأشياء ، وأتمنى على الدعاة بإلحاح ، وبرجاء حار ألا يتسرعوا ويرووا هذا الذي يأتيهم على الإميلات على أنه حقيقة .
فكما أن الإعجاز أحد أكبر دعائم الإيمان ، الإعجاز أيضاً أحد أكبر معاول هدم الإيمان .
أساساً بكل مواقع الانترنيت التي تتصدى للإسلام ، وتهاجم القرآن ، يكون هذا من خلال إعجاز متسرع .
الأستاذ محمد :
تحدثت فضيلة الدكتور عن موضوع النجاح ، النجاح في مسألة اختيار التخصص وعدم تخطي تخصصات الآخرين ، ربما بعض الدعاة قد يقفز نحو الإعجاز العلمي ويتخصص ، وهو ليس متخصصاً في هذا المجال ، وبالتالي يعطي معلومات خاطئة ، أيضاً يجب أن تكون هناك بعض الحدود بين التخصص حتى في الشريعة الإسلامية .
الدعوة إلى الله دعوتان ؛ دعوة خالصة و دعوة مغلفة بدعوة إلى الله :
الدكتور راتب :
أنا أخطب في الإذاعة من عشرين سنة ، أؤكد لك ما من خطبة إذاعية جئت بها بموضوع علمي إلا عرضته على متخصص قبل أن ألقيه ، أحترم الاختصاص ، أنا أرى أن العلماء فريق عمل ، لا يوجد إنسان يعلم كل شيء ، أنا لا أجد أي حرج أن أسأل زميل لي ما قولك بهذه القصة ؟ ما قولك في هذه المقولة في الفيزياء ؟
أستاذ محمد ، العلماء إذا تعاونوا ، واستفادوا من خبرات بعضهم بعضاً ، ارتفعوا عند الله جميعاً وعند الناس ، فإذا تنافسوا سقطت دعوتهم ، وسقطوا من عين الله .
لهذا أنا أقول دائماً : هناك دعوة إلى الله خالصة ، وهناك دعوة إلى الذات مغلفة بدعوة إلى الله .
أنا الآن أقول كلاماً دقيقاً جداً ، فالدعوة إلى الله الخالصة من خصائصها الاتباع ، والدعوة إلى الذات المغلفة بدعوة إلى الله من خصائصها الابتداع ، فالمخلص يتبع ، وضعيف الإخلاص يبتدع ، الدعوة إلى الله الخالصة من خصائصها التعاون ، والدعوة إلى الذات من خصائصها التنافس ، ما الذي يمنع إذا الله عز وجل وفقك بعلم التفسير ، وفقك بالإعجاز ، وأنت بالحديث بضاعتك مجزاة ، فاستعنت بعالم حديث سألته عن حديث ، هل هذا ينقص من قدرك ؟ أبداً ، فلو أن العلماء تعاونوا ، وتوادوا ، وتناصحوا ، لارتفعوا عند الله جميعاً ، وعند الناس ، فإذا تنافسوا سقطوا من عين الله .
الأستاذ محمد :
ولذلك دكتور ، هل نستطيع أن نقول عدم احترام التخصصات ربما يقود إلى التطرف ؟.
اجتماع العلماء و تعاونهم و تحاورهم دليل إخلاصهم :
الدكتور راتب :
طلعاً ، لأن الله عز وجل قال :
﴿ وَتَعَاوَنُوا ﴾
﴿ وَتَعَاوَنُوا ﴾
هذا أمر في القرآن ، وكل أمر في القرآن يقتضي الوجوب ، فبشكل أو بآخر لا يوجد عالم إلا الله وفقه باختصاص ، هذا بالتفسير ، هذا بالإعجاز ، هذا بالحديث ، هذا بالفقه ، هذا بالسيرة ، هذا بتأليف القلوب ، لا يوجد مانع ، فكل عالم معه حد أدنى من المعلومات كلها ، حد أدنى ، وتفوق باختصاص ، ما الذي يمنع أن يسأل هذا العالم الذي وفقه الله في اختصاص معين ، بقضية ليست من اختصاصه عالماً آخر ؟
فلو اجتمع العلماء وتعاونوا ، و تناقشوا ، و تحاوروا ، و تبادلوا الخبرات ، فهذا دليل إخلاصهم .
إذاً أول صفة : التعاون لا التنافس ، والاتباع لا الابتداع ، وإلغاء الآخر الغير مخلص ، والاعتراف بالآخر المخلص ، هذه من خصائص الدعاة إلى الله عز وجل .
من خصائص الدعوة إلى الله :
1 ـ القدوة قبل الدعوة :
لي رأي ثانٍ لكنه دقيق ، ما من فرقة ضالة جاءت في التاريخ ، من عبد الله بن سبأ إلى هذا العصر ، إلا لها أربع خصائص ، تأليه الأشخاص ، تخفيف التكاليف ، اعتماد نصوص موضوعة ، نزعة عدوانية .
فلذلك الدعوة إلى الله لها خصائص ، القدوة قبل الدعوة ، كان سيدنا عمر إذا أراد إنفاذ أمر جمع أهله وخاصته ، وقال : إني قد أمرت الناس بكذا ، ونهيتهم عن كذا ، والناس كالطير ، إن رأوكم وقعتم وقعوا ، ويم الله لا أوتين بواحد وقع بما نهيت الناس عنه ، إلا ضاعفت له العقوبة لمكانه مني ، فصارت القرابة من عمر مصيبة .
القدوة قبل الدعوة ، مرة التقيت مع الشيخ الشعراوي رحمه الله ، وألفت عنه كتاباً ، فسألته باللقاء الأول : هل لك من نصيحة إلى الدعاة ؟ توقعته يتكلم نصف ساعة ، فتكلم جملة واحدة ، قال لي : ليحذر الداعية أن يراه المدعو على خلاف ما يدعُو ، انتهت الدعوة .
ما لم يلتزم الداعي بما يقول لن يؤثر في الآخرين أبداً ، فالقدوة قبل الدعوة ، حال مخلص واحد في ألف أبلغ من قول ألف في واحد ، ألف متكلم لا إخلاص فيهم لا يؤثروا بواحد ، وواحد متكلم بإخلاص يؤثر بألف ، فحال واحد في ألف أبلغ من قول ألف في واحد ، فالقدوة قبل الدعوة .
2 ـ الإحسان قبل البيان :
الآن الإحسان قبل البيان ، يجب أن تفتح قلب المدعو بإحسانك ، ليفتح لك عقله ببيانك .
(( يا داود ذكر عبادي بإحساني إليهم فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها ))
حدثنا مرة الدكتور عربي القشاط جزاه الله خيراً ـ كنا في ندوات مشتركة مع الدكتور عبد الكافي ـ أنه يوجد إنسانة في فرنسا تَكُنّ عداوة للمسلمين تفوق حدّ الخيال ، وترفع لواء محاربتهم ، وإخراجهم من البلاد ، مرة شاهدها أحد الدعاة مع كلب مريض ، قال لها : أنا طبيب بيطري ، أتحبين أن أعالجه لكِ ؟ يقسم بالله العظيم أن معالجة هذا الكلب خفف من عداوتها ، وأصبحت مع المسلمين ، فالإنسان عبد الإحسان .
إذاً : القدوة قبل الدعوة ، الإحسان قبل البيان ، قبل أن تعطيه عبارات رنانة ، قبل أن تمطره بالنصوص الدقيقة أحسن له ، قدم له شيئاً حتى يحبك .
3 ـ الأصول قبل الفروع :
بقي الأصول قبل الفروع .
خاتمة و توديع :
الأستاذ محمد :
للأسف دكتور الوقت انتهى و الحديث شيق ، وبكل تأكيد استفدنا كثيراً ، ربما لو جلسنا ساعات طوال بكل تأكيد هناك نقاط عدة سوف تفيدنا فيها فضيلة الدكتور .
فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي الداعية المعروف جزاك الله خيراً ، شكراً لكم مشاهدينا الكرام على تواصلكم معنا ، ومتابعتكم لنا في برنامجكم من الشارقة ، إذاً نلتقيكم الأسبوع القادم مع ضيوف جدد ، هذه تحياتي .
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .