- ندوات تلفزيونية / ٠04برنامج ديناً قيماً
- /
- ٠1ديناً قيماً 1 - ماليزيا
مقدمة :
المذيع:
الجحود إنكار النعمة، والرسول صلى الله عليه وسلم يتكلم عن الزوجات قال: " يكفرن العشير" هل هذا جحود أم لا؟ ما هي صور الجحود؟ ولماذا ذمّ الله تعالى الجحود والجاحدين؟ كيف نرى صوره في العصر الحديث؟ وهل يكون الجحود إنكار الله عز وجل فقط أم هو متصل بالدين الإٍسلامي؟ هل يكون في المعاملات أم في المعاشرات؟ هل يكون الجحود بين المرء ونفسه وبين المرء وغيره وبين المسلمين بعضهم مع بعض؟
الجحود حلقة جديدة في برنامج:" ديناً قيماً " أهلاً بكم.
مشاهدينا الكرام؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً بحضرتكم معنا في حلقة جديدة من هذا البرنامج، نرحب بحضرتكم كما نرحب بضيفينا الكريمين العالمين الجليلين الدكتور محمد راتب النابلسي، والدكتور عمر عبد الكافي مرحباً بكما.
الدكتور عمر :
أهلاً وسهلاً ومرحباً بك.
المذيع:
مرحباً بفضيلتك شيخنا.
الدكتور راتب :
بارك الله بكم، ونفع بكم، وأعلى قدركم.
المذيع:
دعوته بركة بصراحة، وابتسامته أكثر بركة، وبشاشة وجهه تفتح القلوب المغلقة، وفضيلتكم أيضاً.
الدكتور عمر :
والله يشعرنا الدكتور محمد راتب أنه أب لكل المسلمين.
الدكتور راتب :
هذا من حسن ظنكم، وجبران خاطركم.
المذيع:
شيخنا الدكتور عمر عبد الكافي لم نقول الجحود؟ ما الجحود؟
تعريف الجحود :
الدكتور عمر :
أولاً: الجاحد هو المنكر، جحد الشيء أي أنكره، وللأسف الجاحد لا ينكر إلا كل حسن، وكل فضل، وكل خير، فينكر فضل الآخرين، وينكر خير الآخرين، وينكر تكرم الآخرين، ينكره كلياً.
المذيع:
هو الذي ينكر الفضل والنعمة فقط أي إذا أنكرت الخبث والخبائث أكون جاحداً به؟
الدكتور عمر :
لا، من ينكر المثالب ليس جاحداً.
المذيع:
إذاً الجحود إنكار الخير.
الدكتور عمر :
فالولد العاق جاحد، والبنت الغير بارة لأمها وأبيها جاحدة، والأخ الذي ينفق عليه أخوه يقول لك: ماذا أعطاني أخي؟ هذا جاحد، والذي ينكر معلمه، والذين ينكر الحاكم الصالح، والذي ينكر المدير المحترم، والذي ينكر النعمة.
المذيع:
ينكر وجود الله عز وجل؟
الدكتور عمر :
والعياذ بالله هذا الجاحد الأكبر، الذي يريد أن ينحي الخالق عن ملكه، هذا إنسان تمثل فيه الجحود.
المذيع:
صور الجحود شيخنا الدكتور راتب؟
صور الجحود :
الدكتور راتب :
أعلمه الرماية كل يـــــوم فلما اشتد ساعده رماني
وكم علمته نظم القوافي فلما قال قافية هجانـــــي
***
الحقيقة حينما تقابل النعمة بالكفران، والإكرام بالجحود، هذه مشكلة كبيرة، لأن الإنسان فطر على حبّ وجوده، وسلامة وجوده، وكمال وجوده، هذا أي إنسان في الأرض، فالإنسان عندما يجحد جحد أساسيات الحياة.
الإنسان عندما يأتيه خير من الله ينبغي أن يحمد الله، لكن أنا أرى أن هذا الذي جاءه الخير عن طريقه ينبغي أن يشكره أيضاً، الله عز وجل أراد لإنسان الخير، جعل هذا الخير على يد إنسان آخر، فأنت بالأساس تشكر الله، وتشكر هذا الذي جعل الخير على يديه، فالإنسان عندما ينكر النعمة هو خرج عن فطرته:
(( يا داود ذكر عبادي بإحساني، فإن القلوب جبلت على حبِّ من أحسن إليها وبغض من أساء إليها ))
هكذا فطرتنا، هكذا جبلتنا، هكذا برمجنا، فإذا جحد النعمة خرج عن مبادئ فطرته، أحياناً الإنسان تغلبه شهوته يخرج عن حكم شرعي، أما هنا فخرج عن مبادئ فطرته.
الدكتور عمر :
ولذلك رجل كبير في السن ابنه مرشح لجائرة عالمية في الآداب، فالرجل يكتب قصة له، أي هناك أديب ووالده بلغ التسعين، فقال: يا ولدي ما هذا الذي يقف على النافذة؟ قال: عصفور، ويكمل، قال: ماذا قلت؟ قال: عصفور، ويكتب، فاستند الرجل على عكازه وأحضر صندوقاً قديماً، أخرج منه دفتراً قديماً، عمره ستون سنة، عمر الأديب اثنتان و ستون سنة، فتح الكتاب يكتب الرجل مذكراته، قال ولدي: ما هذا الذي يقف على النافذة؟ قلت له: عصفور، قرأتها عليه خمساً و عشرين مرة حتى يحفظها وأنا سعيد بكل مرة عن المرة التي سبقتها، فانظر هذا الجحود من الولد لم يتحمل أن يسمع أباه ويفهمه، ووالده صبر عليه من ستين سنة خمساً و عشرين مرة، هنا يكمن الجحود الأساسي.
جحود الإنسان لنعم الله عز وجل، يجحد نعمة الهك في أن أعطاه المال، يذكر النعمة وينسى المنعم، هو يعرف أن هذا المال نعمة، لذلك قارون كان من رؤساء الجاحدين:
﴿قالَ إِنَّما أوتيتُهُ عَلى عِلمٍ عِندي ﴾
هذه زكاة من؟ زكاة مال، مال من؟ مال الله، قال: لا، أنا أحول الزئبق، أنا رجل كيميائي من الدرجة الأولى:
﴿قالَ إِنَّما أوتيتُهُ عَلى عِلمٍ عِندي ﴾
﴿فَخَسَفنا بِهِ وَبِدارِهِ الأَرضَ ﴾
الله أعطى فرعون ملكاً عظيماً فجحد وكفر، لكن الصالحين عندما يؤتون النعم لا يجحدونها:
﴿ رَآهُ مُستَقِرًّا ﴾
سيدنا سليمان:
﴿ قالَ هذا مِن فَضلِ رَبّي ﴾
هناك الكثير من الأبنية مكتوب عليها:
﴿ قالَ هذا مِن فَضلِ رَبّي ﴾
لا، لها تكملة
﴿ لِيَبلُوَني ﴾
لكي يمتحنني،
﴿ أَأَشكُرُ أَم أَكفُرُ ﴾
فالإنسان يجب أن يشكر النعمة ولا يكفر:
﴿ إِنَّ الإِنسانَ لَكَفورٌ﴾
ليس كافراً بل كفوراً، لأن نعم الله عليه متعددة فإن استوعبها وأظهر نعمة الله عليه حتى رب العباد يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، لماذا البخيل ممقوت؟ لأنه لا يحب أن يرى أثر النعمة، يقال: هناك وصية لبخيل يقول فيها: إذا دفنتموني فادفنوني واقفاً، لكيلا يأخذ مساحة من الأرض.
المذيع:
شيخنا الدكتور محمد راتب النابلسي كلام الرسول صلى الله عليه وسلم عن الزوجات:" يكفرن العشير" هل هذا نوع من أنواع الجحود للزوج؟ وهل الزوج يكون جاحداً للزوجة؟
جحود الزوجة أو الزوج :
الدكتور راتب :
الحقيقة أن الإنسان فطر على حبّ الكمال، أما كمال الكمال ليس لكل الناس، فدائماً النبي وحده معصوم، أمته غير معصومة، لكن عدم عصمتها لا ينقلها إلى شيء آخر، عدم عصمة مقبولة، هل يوجد إنسان لا يخطئ بيننا؟ لكن باب التوبة مفتوحة.
المذيع:
كل ابن آدم خطاء.
الدكتور راتب :
المساحة صغيرة جداً أمام المؤمن ويستغفر، ولذلك جاءت الآية الكريمة:
﴿قُل يا عِبادِيَ الَّذينَ أَسرَفوا عَلى أَنفُسِهِم لا تَقنَطوا مِن رَحمَةِ اللَّهِ ﴾
القنوط كفر يا سيدي.
المذيع:
القنوط كفر؟
الدكتور راتب :
طبعا كفر برحمة الله، عندنا كفر يخرج من الملة، وعندنا كفر يبقى في الملة، أي أنكر نعمة معينة، أنكر نعمة الصحة، أنكر نعمة الزوجة الصالحة، فهذا نوع من الكفر، هناك كفر دون كفر.
الدكتور عمر :
وتنكر الزوجة تعامل زوجها الجيد لها، ما رأيت خيراً منه قط، أي تعيش الواحدة منكن ثلاثين سنة مع رجل صاحب فضل، فإن رأت منه هنة قالت: والله ما رأيت منه خيراً قط، هذا جحود. وهو كلما جلس مع أصدقائه يشكو، الشكوى من زوجته وأهلها ولو كان مؤمناً صادقاً لقال: والله ما يتحمل رذالتي وسوء أخلاقي ولا تقطيب وجهي إلا هذه المرأة المسكينة، فإذا كان صادقاً مع نفسه والعكس نفس القضية ربما تعنس إحداهن في بيت أبيها فيأتيها من يتزوجها ويتقي الله فيها، ثم توسع دائرة المثالب الصغيرة وتكبرها وتنشرها، هذا جحود كبير.
الدكتور راتب :
ابن عباد تزوج جارية له، وكانت فقيرة، اشتهت مرة - وهي زوجته وهو حاكم الأندلس - أن تدوس في الطين، جاء لها بالمسك والعنبر وجبله بماء الورد من أجل أن تغوص فيه، فبعدما خرج من مرتبته قالت: لم أر منك خيراً قط، قال لها: ولا يوم الطين؟
الدكتور عمر :
ميسون الكلابية لما تزوجت معاوية.
المذيع:
ولبس عباءة وتقر عينـــي أحبّ إلي من لبس الشفوف
***
الدكتور عمر :
وأكل كسيرة من كسر بيتي أحب إليّ من أكل الرغيــف
***
هي تراها بساطة وتراها طبيعة، لم تتكيف مع الوضع الجديد.
المذيع:
لبيت تخـفق الأرواح فيـــــــــه أحب إليّ من قصر منـــيـف
***
الدكتور عمر :
وخرق من بني عمي نحيف أحب إلى من علجٍ علــوف
***
المذيع:
هذه جحدت؟
الدكتور عمر :
نعم جحدت، لم تر النعمة.
الدكتور راتب :
لذلك ينبغي إذا صنع معك معروف ينبغي ألا تنساه، وإن صنعت معروفاً ينبغي أن تنساه، هذا المخلص.
المذيع:
لكن هذا غير موجود في واقعنا شيخنا؟
الدكتور راتب :
نحن نتكلم عن المبادئ والقيم هذا موضوع آخر يحتاج إلى حلقة أخرى.
المذيع:
المعروف عند كثير من الناس أن الجحود هو جحود في حق الله تعالى كيف نرى صور الجحود اجتماعياً؟
صور الجحود اجتماعياً :
الدكتور عمر :
أي إكرام وعدم ذكر لمن يكرموننا من البشر ومن يقدمون الخير لنا، والله إن ابتسم إنسان في وجهي والله يجب ألا أنسى الابتسامة، لو كلمني إنسان كلمة طيبة مرة يجب أن أدخرها، كما قال أستاذنا في سويداء الذاكرة إن جاز التعبير حتى لا أنساه: وأنا إذا صنعت المعروف في إنسان يجب أن أقول إن الله سبحانه وتعالى هو الذي هيأ لي هذا المعروف، أنا لست صاحب فضل فيه، لأن الله عز وجل أكبر من المعروف، والخير الذي صنعه فينا رب العباد أن ستر ذنوبنا عن الآخرين، فالناس ينظرون إلى محاسننا الظاهرة، ولا يعرفون ذنوبنا المستترة، فالشكر لمن ستر لا لمن شكر.
المذيع:
معنا دقيقة شيخنا الدكتور راتب.
الدكتور راتب :
قبل ذلك، قطعة فيها ستمئة مجند، يجب أن يقدموا الصف لقائد هذه القطعة، من قدم الصف هو والد القائد، فكان إذا قدم الصف له يأتي هذا القائد ويقبّل يد أبيه أمام هؤلاء الستمئة، هذا من باب الشكر.
المذيع:
كيف يعلم الجاحد أنه جاحد؟
كيفية معرفة الإنسان نفسه أنه جاحد :
الدكتور عمر :
أولاً يزنها بموازين ما صنع وما صُنع.
المذيع:
ما معنى هذا؟
الدكتور عمر :
أي إذا أردت أن تشعر بمحبة الله لك فانظر ما منه إليك، وإذا أردت أن تعرف أنك إنسان جاحد فانظر ما منك إليه.
خاتمة و توديع :
المذيع:
جميل هذا المعيار شكراً لكما على هذا اللقاء.
مشاهدينا الكرام؛ مستمعينا الأعزاء؛ وصلنا وإياكم إلى نهاية الحلقة، على وعد بلقاء جديد في حلقة جديدة، إلى ذلك نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.