- ندوات تلفزيونية / ٠04برنامج ديناً قيماً
- /
- ٠1ديناً قيماً 1 - ماليزيا
مقدمة :
المذيع:
إذا كان الإنسان يحب في الله تبارك وتعالى فهل يبغض في الله عز وجل؟ كيف يكون البغض في الله؟ ما أدواته؟ ما أسبابه؟ ما الذي يؤدي إليه هذا البغض؟ وما هي منطلقاته من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية للرسول صلى الله عليه وسلم؟ وإذا كان الله عز وجل يحب أشياء فهل يبغض أشياء؟ ما الذي يبغضه الله عز وجل؟ وما الفرق بين البغض والكره؟ وهل ورد البغض في القرآن الكريم وفي السنة النبوية الشريفة؟ وفي أي آية؟ وفي أية سياقات وردت البغضاء؟ البغضاء حلقة جديدة من برنامج:"ديناً قيماً" أهلاً بكم.
مشاهدينا الكرام؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً بكم في حلقة جديدة من هذا البرنامج، نرحب بكم كما نرحب بضيفينا الدكتور محمد راتب النابلسي، والدكتور عمر عبد الكافي، مرحباً بكما في حلقة جديدة، شيخنا الدكتور محمد راتب ماذا تقترح أن يكون حوارنا اليوم؟
الدكتور راتب :
والله أحياناً السلبيات لها دور إيجابي، فكما أن الإنسان بحاجة ماسة إلى الحب هو بحاجة إلى أن يبغض الباطل، أن يبغض العصاة، الانحراف، الشذوذ، ما لم نبغض هذه الأشياء المحرمة يضعف إيماننا، فما الإيمان؟ الحب والبغض في الله.
المذيع:
هل هناك بغض في الله؟
الدكتور راتب :
طبعاً مادام هناك إنسان يرتكب المعصية، ويكذب على الناس، محبته تضعف الإيمان.
المذيع:
إذاً نتكلم عن البغض.
الدكتور راتب :
لا تصاحب إلا من ينهض بك إلى الله حاله، ويدلك على الله مقاله.
المذيع:
إذا نتكلم عن البغض، دكتور عمر ما البغض؟
تعريف البغض :
الدكتور عمر :
بغض محمود، وبغض مذموم، أتمنى أن تتبخر البغضاء من قلوب البشر، لأنه بالبغضاء تنهدم المجتمعات، وينهدم أجمل شيء فيها، وهي هذه النعمة التي أنعم الله علينا فيها وهي الدنيا، التي يجب أن نجملها بطاعة الله:
﴿ إِنّي جاعِلٌ فِي الأَرضِ خَليفَةً ﴾
فلما بغض إبليس مكان آدم من ربه أغواه، ولما بغض قابيل هابيل قتله، فالبغض ثمرة الحسد والكبر والتولي بعيداً عن أوامر الله عز وجل، فهناك بغض محمود، وبغض مذموم، بغض محمود أن نبغض معصية العاصي، وانحراف المنحرف.
المذيع:
أن نبغض المنحرف؟
الدكتور عمر :
لا، لا نبغضه لشخصه، نبغض فعله، لا نبغضه لشخصه، لماذا؟ لأنه:
﴿ كَذلِكَ كُنتُم مِن قَبلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيكُم ﴾
لولا أن الله سبحانه وتعالى يسر لأبي بكر الهداية، وهو قد طرق بابها، هذا من فضل الله عليه.
المذيع:
أي حينما نقول لشخص: إني أحبك في الله، لا نقول له: أحب تصرفاتك؟
الدكتور عمر :
أحببته قلباً وقالباً، الأرواح في الأشباح، فلما سكنت الروح الطيبة هذا الشبح الطيب فصار إنساناً طيباً فرزقنا رب العباد حبه، هذا بغض محمود، أن أبغض معصية العاصي، وانحراف المنحرف.
وبغض مذموم، البغض المذموم أن أكن لأخي المسلم لأنه أخذ ترقيتي، أخذ مكانتي في الوظيفة، أخذ شهرة معينة، أنا أرى للأسف بقصور عقلي أني أستحقه، والبغضاء الوجه الآخر للحسد.
المذيع:
دكتور راتب الله سبحانه وتعالى يحب فهل يبغض؟
الله عز وجل من حرصه على هداية عبده يبغضه إذا ابتعد عن طريق الجنة :
الدكتور راتب :
طبعاً، الله عز وجل خلقنا ليرحمنا، خلقنا لجنة عرضها السموات والأرض، فإذا ابتعدنا عن طريق الجنة من رحمته بنا ومن حرصه على هدايتنا يبغضنا، كأب مهيئ لابنه أعلى درجة علمية، جامعات، أقساط، كل الأمور ميسرة، فاختار اللعب ولم يدرس، فالأب يبغض هذا الابن لأنه خالف الأصل.
المذيع:
البغض يعني الكره، فهل يكرهه؟
الدكتور راتب :
طبعاً، يكره عمله.
الدكتور عمر :
هو يحبه عاطفة، ويبغضه قلباً وفعلاً، لأنك أنت تحب ابن عدوك إذا كان متفوقاً تحب عمله، تحب تفوقه، ولكن أن تحب العمل من مؤمن فتفرح أكثر.
المذيع:
هل البغضاء وردت في القرآن الكريم؟
ورود البغضاء في القرآن الكريم :
الدكتور راتب :
﴿ قَد بَدَتِ البَغضاءُ مِن أَفواهِهِم وَما تُخفي صُدورُهُم أَكبَر ﴾
المذيع:
البغضاء هنا ما معنى التي بدت من الأفواه؟
الإنسان يبغض في قلبه ثم تنتقل البغضاء لبقية الجوارح :
الدكتور راتب :
الإنسان يبغض في قلبه لكن لابد من - إن شاء أم أبى - أن ينتقل هذا البغض إلى الجوارح أحياناً.
المذيع:
أعطني مثالاً مثلاً؟
الدكتور راتب :
أحياناً الإنسان يغلط بكلمة كان قاصدها، أما الكلمة دون أن يشعر فهذه فلتات اللسان.
المذيع:
أعطني مثالاً على هذا شيخ عمر؟
الدكتور عمر :
﴿وَلَو نَشاءُ لَأَرَيناكَهُم فَلَعَرَفتَهُم بِسيماهُم وَلَتَعرِفَنَّهُم في لَحنِ القَولِ وَاللَّهُ يَعلَمُ أَعمالَكُم﴾
الجزء الذي ظهر لك يا محمد ويا أتباع محمد هذا جزء صغير جداً، أما الذي في قلوب هؤلاء، قلوب هؤلاء لونه أسود، لا يحبك لأنه يرى النعمة عندك فيتمنى أن تزول، فيبغضك ويتمنى لك الشر، ويوقع لك المؤامرات، ولكن إن لم تكن مع الله كما قال العالم لمولوده يؤدبه قال له: إذا نبح عليك كلب القطيع ماذا تصنع؟ قال: أنهره، قال: فإن عاد، قال: أنهره، قال: فإن عاد، قال: أزجره، قال: ياولدي هذا أمر والشرح يطول، قال: ماذا أفعل يا سيدي؟ قال: قف بجوار الراعي، كن مع الله.
المذيع:
البغضاء عرفها الرسول صلى الله عليه وسلم مع بعض المنافقين وبعض الناس الذين كادوا للدين الإسلامي، هل يحضرك شيء من هذا القبيل وكيف تعامل معه النبي؟
بغض النبي الكريم للمنافق و الكافر :
الدكتور راتب :
ما كان يطوي بشره عن أحد صلى الله عليه وسلم حتى الذي يبغضهم، لابد من أن يبغض الكافر، المنافق، المنحرف، فلابد من أن يعبر عن ألمه هذا الذي ينبغي أن يكون.
المذيع:
كيف تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع من يبغضه؟ وما منهجه في التعامل مع من يبغضه؟
منهج النبي في التعامل مع من يبغضه :
الدكتور عمر :
العباس وقع في الأسر يوم بدر، وتألم الرسول صلى الله عليه وسلم، ولما رأى ثيابه قد اتسخت أشار إلى الصحابة أن يأتي أحدهم بكسوة، فجاء عبد الله بن أبي بثوب معطر نظيف مطيب.
المذيع:
لهذه الدرجة تحب الصحابة؟ كلما ذكرت مشكلة أحدهم ذرفت عيناك بالدموع.
الدكتور عمر :
أجدادنا الصالحون، لما جاءه الثوب ولبسه إذا بالوفي رئيس قسم الوفاء بالتاريخ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي عبد الله بن أبي وأبوه ينازع يطلب شعار رسول الله صلى الله عليه وسلم أي ثوبه الداخلي ليكفن فيه، الرسول لا ينسى هذا العطاء لعمه.
المذيع:
من الذي أعطى العباس؟
الدكتور عمر :
عبد الله بن أبي زعيم المنافقين أعطى العباس، الكرم العربي، يا أخي منافقو العصر القديم والله في بعض العرب مروءة لو توصلنا إليها لتغير حالنا، يا أخي أبو جهل لم يقتحم بيت رسول الله ويقول: أتقول العرب فتك عمرو بن هشام حرمة بيت محمد وروّع بناته، وهو كافر، يا أخي يوجد مسلمون منا يروعون الناس، أنا أريد من الأمة أن تصل إلى مستوى مروءة أبي جهل فقط، فالرسول صلى الله عليه وسلم كيف تعامل مع عبد الله؟ قال:
﴿ لَئِن رَجَعنا إِلَى المَدينَةِ لَيُخرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنهَا الأَذَلَّ ﴾
قال ابنه: يا رسول الله إن كنت قاتل أبي فاجعلني أنا لأني لا أحب أن أرى قاتل أبي يسير أمامي، قال: إن محمداً لا يقتل أصحابه، وبعدها عمر يمنعه، وذهب فصلى عليه.
المذيع:
رأي سيدنا عمر كان أصوب؟
الدكتور عمر :
ليس أصوب، الفرق بين عمر وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم كالفرق بين الأستاذ والتلميذ.
عندما كان يغني رجل شاعر دخل عمر وعثمان، قال له النبي: اسكت يا رجل، قال: من هذا الذي أسكت له عند رسول الله؟ قال رسول الله: هذا عمر، هذا رجل يكره الباطل، الرسول أعلم بالباطل من عمر، فعمر لا يعرف إلا لوناً واحداً وهو مقاومة الباطل وجهاً لوجه.
المذيع:
والرسول صلى الله عليه وسلم بالرغم من أنه كان يبغض النفاق والمنافقين لكن أعطاه ثوبه.
الدكتور عمر :
كما قال شيخنا: ما منع بشره عن أحد صلى الله عليه وسلم.
الدكتور راتب :
كان يحذر الناس، ويحترس منهم من غير أن يطوي بشره عن أحد، بطولة، هذا اسمه الآن: ذكاء اجتماعي.
المذيع:
هل ترى أن البغضاء موجودة في مجتمعنا الآن شيخنا؟
صور وجود البغضاء في مجتمعاتنا الآن :
الدكتور راتب :
طبعاً
المذيع:
ما صور البغضاء التي تراها الآن؟
الدكتور راتب :
أهل الباطل يؤذون المجتمعات.
المذيع:
الآن نتكلم عن البغضاء داخل المجتمع الإسلامي تحديداً ترى هل فيه بغضاء؟
ضعف الإيمان يولّد البغضاء :
الدكتور راتب :
والله لضعف إيمان بعضهم، ليس من الممكن أن يكون هناك مشكلة سلبية إلا ووراءها ضعف إيمان.
الدكتور عمر :
الشيخ يرى من مرصده السلوك، لا تقع عيناه إلا على الخير لأن في قلبه نوراً، البغضاء تستشري في المجتمع حتى تكاد أن تطوقه، وأنا أقول: إن لم نلحق أنفسنا، وأن يحب بعضنا بعضاً، وتتبخر البغضاء بيننا، فإن المجتمعات سوف تؤول إلى الزوال.
المذيع:
هل هناك من خطوات إجرائية عملية لكي ترتفع البغضاء من المجتمع المسلم؟
خطوات إجرائية عملية لترتفع البغضاء من المجتمع المسلم :
الدكتور راتب :
منها التواصل، الزيارة، الاعتذار، أي يوجد خطأ تعتذر منه، الهدية، يوجد اعتذار، ويوجد تواصل، ويوجد هدية، ورحابة الصدر.
الدكتور عمر :
واسمع منه لا تسمع عنه، أي الذي نقل إليك الكلام بتر أوله، وبتر آخره، وأعطاك الجملة التي يريد أن يزعجك بها.
قال له: هل شاركت في فتوحات الروم وفارس؟ قال له: أبداً، هل شاركت في فتوحات شمال إفريقيا؟ قال: أبداً، قال: سلم كل هؤلاء منك وما سلم منك عرض أخيك المسلم؟
الدكتور راتب :
قال إنسان لآخر: لقد اغتبتني، قال له: ومن أنت حتى أغتابك لو كنت مغتاباً أحداً لاغتبت أبي وأمي لأنهم أولى بحسناتي منك.
المذيع:
نختم بهذا السؤال: هل هناك في ميزان الشرع الرباني منهج معين في التعامل مع البغض والمبغضين؟
منهج الله تعالى في التعامل مع البغض و المبغضين :
الدكتور عمر :
إذا أحبّ الإنسان رب الناس، وأحبّ رسول الإنسانية، وأحبّ الصالحين، لما بقي شيء في قلبه.
الدكتور راتب :
توجيه أخير.. أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما وأبغض بغضيك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما.
المذيع:
لماذا كثرة البكاء شيخنا على الواقع المزري؟
كثرة البكاء على الواقع المزري :
الدكتور عمر :
مازال علماء ربانيين على وجه الأرض يهدون الناس السبيل، البغضاء تهدم وإن ملئ قلبك حباً لن تجد فيه مساحة للبغضاء، حتى العصاة ترحمهم وتدعو لهم.
المذيع:
هل سيأتي يوم على المجتمع الإسلامي نقول فيه: كان هناك بغضاء؟
الدكتور عمر :
أمتي كالغيث – كالمطر- لا يُدرى إن كان الخير في أولها أو في أخرها، كفانا شرفاً أن ندخل تحت دائرة:
﴿ يُحِبُّهُم وَيُحِبّونَهُ ﴾
خاتمة و توديع :
المذيع:
شكراً لكما على هذا اللقاء، إلى اللقاء.