- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠22برنامج على هدى - قناة الرسالة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارض عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الإنسان مخلوق مخير :
أيها الأخوة الكرام؛ مع لقاء إيماني جديد والحديث عن موضوع الاختيار. أنت مخلوق مخير، قال تعالى:
﴿ فَمَن شاءَ فَليُؤمِن وَمَن شاءَ فَليَكفُر ﴾
قال تعالى:
﴿إِنّا هَدَيناهُ السَّبيلَ إِمّا شاكِرًا وَإِمّا كَفورًا﴾
قال تعالى:
﴿سَيَقولُ الَّذينَ أَشرَكوا لَو شاءَ اللَّهُ ما أَشرَكنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمنا مِن شَيءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذينَ مِن قَبلِهِم حَتّى ذاقوا بَأسَنا ﴾
قال تعالى:
﴿ قُل هَل عِندَكُم مِن عِلمٍ فَتُخرِجوهُ لَنا إِن تَتَّبِعونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِن أَنتُم إِلّا تَخرُصونَ﴾
اعتقد معي يقيناً أنه في اللحظة التي تتوهم فيها أنك مجبر ألغيت الجنة والنار، ألغيت التكليف، ألغيت حمل الأمانة، ألغيت العمل الصالح، ألغيت الثواب والعقاب، ألغيت الدين كله، إذا توهمت أن الإنسان مجبر، لكن العوام بعض أقوالهم والله عين الكفر شخص يشرب الخمر يقول لك: طاسات معدودة في أماكن محدودة، الله مقدر عليه المعصية.
سيدنا عمر رضي الله عن عمر جيء له بشارب خمر قال: أقيموا عليه الحد، قال: والله يا أمير المؤمنين إن الله قدر عليّ ذلك، قال: أقيموا عليه الحد مرتين؛ مرة لأنه شارب خمر ومرة لأنه افترى على الله، قال له: ويحك يا هذا إن قضاء الله لم يخرجك من الاختيار إلى الاضطرار، هل يعقل أن يكتب الله عليك أن تعصيه ثم يحاسبك؟ شيء لا يقبله عقل، ولا فطرة، ولا قرآن، ولا سنة، ولا نظام، أن يجبرك على معصيته ثم يحاسبك، هذا شيء مرفوض.
لذلك أي إنسان يعتقد بالجبر أي ألغيت الدين، ألغيت الثواب والعقاب، ألغيت العمل الصالح، قال تعالى:
﴿ فَمَن شاءَ فَليُؤمِن وَمَن شاءَ فَليَكفُر ﴾
قال تعالى:
﴿إِنّا هَدَيناهُ السَّبيلَ إِمّا شاكِرًا وَإِمّا كَفورًا﴾
قال تعالى:
﴿سَيَقولُ الَّذينَ أَشرَكوا لَو شاءَ اللَّهُ ما أَشرَكنا ﴾
هذا كلام أهل الشرك،
﴿ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمنا مِن شَيءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذينَ مِن قَبلِهِم حَتّى ذاقوا بَأسَنا قُل هَل عِندَكُم مِن عِلمٍ فَتُخرِجوهُ لَنا إِن تَتَّبِعونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِن أَنتُم إِلّا تَخرُصونَ﴾
هذه واحدة.
القوة بيد الله و الانبعاث من الإنسان :
لكن حركتك تحتاج إلى قوة، وقوفك، مشيك، إنجاز عملك يحتاج إلى قوة، القوة بيد الله، والانبعاث منك، الانبعاث منك والإمداد بالقوة من الله، فأنت محاسب على انبعاثك للطاعة فقط.
قمت للصلاة من أمدك بقوة كي تتوضأ؟ من أمدك بقوة كي تقف وتقرأ؟ لأنك بثانية واحدة تفقد القدرة على الحركة أو النطق. فأنت تصلي بقوة الله لكن تنبعث للصلاة باختيارك، فالانبعاث منك والقوة بيد الله، والقضية دقيقة جداً أن الله سبحانه وتعالى قال:
﴿وَآتاكُم مِن كُلِّ ما سَأَلتُموهُ ﴾
جاء بك إلى الدنيا لتختار، وكيف ينفذ الله لك اختيارك ولكن الله جل جلاله لا يتعامل معنا بالتمنيات:
﴿لَيسَ بِأَمانِيِّكُم وَلا أَمانِيِّ أَهلِ الكِتابِ ﴾
أن تتمنى لا قيمة للتمني عند الله إطلاقاً:
﴿وَمَن أَرادَ الآخِرَةَ وَسَعى لَها ﴾
لا يكفي،
﴿ وَسَعى لَها سَعيَها وَهُوَ مُؤمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعيُهُم مَشكورًا﴾
أنت حينما تعتقد أنك إذا اخترت شيئاً الله عز وجل وعدنا أن يعطينا سؤلنا، هذا كلام دقيق للشباب، إذا صدقت في طلب شيء يسر الله لك سبله، صدقت أن تنال دكتوراه لا بد من أن تنال هذه الشهادة، صدقت أن تكون صناعياً كبيراً، مزارعاً متفوقاً، موظفاً بوظيفة مرموقة، أن تختار زوجة صالحة، الله يسوقك للزوجة الصالحة فأنت مخير واطلب تعطى،
﴿وَآتاكُم مِن كُلِّ ما سَأَلتُموهُ﴾
فالبطولة أن تسأل الله خير الدنيا والآخرة، ولكن لو المؤمن اختار شيئاً سيئاً الله رب العالمين يربيه، يحذره، يخيفه، يسوق له شدة لعله يرتدع، فإذا أصرّ أطلقه لهذا الطلب، لا يطلق المؤمن لطلب ليس في صالحه إلا إذا أصرّ عليه، عندئذ يطلق لهذا الطلب ويحاسب عليه حساباً شديداً لعل هذا الحساب الشديد يكون سبب توبته.
كلّ إنسان مخير فيما كلف :
إذاً أنت مخير، مخير لك عمل صالح، مخير لك عمل مثمر، مخير أنت تبحث عن الجنة، فاعتقد يقيناً أنك مخير. وهذا العمل وإن كان بقوة الله لكن ثوابه لك وأجره لك، وأنت عند الله مرضي.
إذاً أيها الأخوة أنت مسير فيما اخترت، لكن يوجد سؤال؛ أنت مخير بكلمة أدق فيما كلفت، كلفك أن تعبده أنت مخير تعبده أم لا تعبده، كلفك أن تدع الحرام أنت مخير أن تدع الحرام أو لا تدعه، فأنت مخير فيما كلفت..
لكن بربكم من كان مخيراً باختيار أمه وأبيه؟ أنت مسير في أمك وأبيك، من كان مخيراً بمكان ولادته؟ لا أحد. من كان مخيراً بزمن ولادته؟ من خيره أن يكون ذكراً أو أنثى؟ لكن اعتقد يقيناً جازماً أن الذي سخره الله لك وسيرك فيه لصالحك.
عبر عن هذا المعنى الإمام الغزالي فقال: ليس بالإمكان أبدع مما كان. أي ليس في إمكاني أبدع مما أعطاني، لكن لو قال شخص: الله عز وجل يعلم أن هذا ينتهي به المقام إلى النار، أقول لكم: اعلم يقيناً أن علم الله عز وجل ليس علم جبر لكن علم الله عز وجل هو علم كشف فقط، مدرس - ولله المثل الأعلى - عنده خمسون طالباً، يقول لك: هذا الطالب لا ينجح، وفعلاً قد لا ينجح، هذا الأول إذا قدم امتحاناً، فعلم المدرس بتفوق طالب أو عدم تفوق طالب ليس معنى هذا أنه جعل فيه التفوق وجعل بالثاني الكسل، لا، فعلم الله عز وجل علم كشف.
لله علم كشف و علم حصولي :
أنت حينما تقرأ القرآن:
﴿ لِيَعلَمَ اللَّهُ مَن يَخافُهُ بِالغَيبِ ﴾
الله ما كان يعلم؟ علماء الأصول قالوا: العلم الأول علم كشف، والعلم الثاني علم حصولي، تماماً لو أن مدرساً قال: هذا الطالب لا ينجح ولم رسب، فجاء العلم الثاني علم حصولي، فالله عز وجل له علم كشف وله علم حصولي.
لكن لا يمكن ولا بشكل أن تتوهم أن الله يجبر عباده على المعصية، والآية مرة ثالثة أقولها لكم:
﴿سَيَقولُ الَّذينَ أَشرَكوا لَو شاءَ اللَّهُ ما أَشرَكنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمنا مِن شَيءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذينَ مِن قَبلِهِم حَتّى ذاقوا بَأسَنا قُل هَل عِندَكُم مِن عِلمٍ فَتُخرِجوهُ لَنا إِن تَتَّبِعونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِن أَنتُم إِلّا تَخرُصونَ﴾
ولكن أنت حينما تعلم يقيناً أنك إذا طلبت من الله الجنة ساق الله لك أسبابها، إن طلبت الزوجة الصالحة ساقك الله إلى الزوجة الصالحة، إن طلبت عملاً شريفاً ساقك الله لهذا العمل الشريف، إن طلبت كسباً نظيفاً ساقك الله لهذا الكسب النظيف، إن طلبت راحة بال ساق الله لك هذه الراحة، أنت حينما تعلم أنك إذا طلبت من الله شيئاً وكنت مصراً عليه، وكنت صادقاً فيه لا بد من أن تصل إليه، يوجد آية قرآنية مؤلفة من كلمتين ودقيقة الآية قال تعالى:
﴿وَتَمَّت كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدقًا وَعَدلًا ﴾
بعضهم قال: هذه الآية تعني ما يلي: أن الله جل جلاله يقول لعباده: يا عبادي كلمتان تحكمان العلاقة بيني وبينكم، هاتان الكلمتان الصدق والعدل، كيف؟ أي منكم الصدق ومني العدل، تتفاوتون عندي بالصدق وأنا أعدل بينكم، هنا الصدق ليس معناه أن تتكلم كلاماً وقع فعلاً، هذا معنى آخر.
الله عز وجل لا يتعامل مع التمنيات :
يقول لك إنسان: أتمنى أن أكون الأول بالجامعة، هذا تمنٍّ، أما الذي صدق في أن يكون الأول بالجامعة لا ينام الليل، علامة الصدق السعي، الله عز وجل لا يتعامل بالتمني إطلاقاً،
﴿لَيسَ بِأَمانِيِّكُم وَلا أَمانِيِّ أَهلِ الكِتابِ ﴾
﴿ مَن يَعمَل سوءًا يُجزَ بِهِ ﴾
لا يتعامل الله إطلاقا مع التمنيات:
﴿لِيَجزِيَ اللَّهُ الصّادِقينَ بِصِدقِهِم ﴾
يتعامل مع الصادقين، الصادق هو الذي يطلب هذا الشيء بإخلاص، بتشبث، بإصرار، وعلامة إصراره وصدقه أنه يعقب هذا الطلب السعي والحركة لنيل هذا الشيء.
لذلك أنا أقول: الوضع الكامل للمؤمن أن يأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم يتوكل على الله وكأنها ليست بشيء.
الأخذ بالأسباب و التوكل على رب الأرباب :
الحقيقة سهل جداً أن تأخذ بالأسباب، وأن تعتمد عليها، وأن تتوهم أنها كافية لتحقيق الهدف، وأن تنسى الله، أنت بهذا ألهت الأسباب كالعالم الغربي تماماً. وسهل أيضا ألا تأخذ بها متواكلاً كالعالم الشرقي، لا يوجد حركة، لا يوجد سعي، يا رب انصرنا، لا، لن ينصرك:
﴿وَأَعِدّوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِن قُوَّةٍ ﴾
كلام دقيق كأني أضع يدي على مشكلة العالم الإسلامي لا يأخذون بالأسباب بل يتواكلون على الله.
أما الموقف الكامل الإيماني الصحيح الذي يرضاه الله منك فأن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء. والحقيقة يحتاج هذا الموقف الكامل إلى إيمان قوي، طالب درس أتقن دراسته، أتقن الكتب، لخصها، حفظها، في الوقت نفسه: يا رب أنت الموفق، إذا أخذ بالأسباب يضعف توكله، وإذا لم يأخذ بها يزداد توكله، والموقفان خطأ، ينبغي أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، هذه بطولة المؤمن.
حاجة الدعاء إلى عمل بعده :
لذلك يوجد تخلف بالعالم الإسلامي، لا يوجد إعداد، لا يوجد تخطيط، وقد قيل: إن لم تخطط يُخطط لك.
بالمناسبة أعداء المسلمين يعملون في الظلام، أنا سأرمز للدين بالشمس، والمسلمون نائمون في ضوء الشمس، فالذي يعمل في الظلام ينتصر على النائم في ضوء الشمس، المسلمون معهم الإسلام، معهم الوحيان، معهم هذا الدين العظيم، ومع ذلك نائمون، الآخرون ليس معهم وحي، ولا دين، لكن يعملون، فالذي يعمل في الظلام ينتصر على من ينام في ضوء الشمس.
فلذلك لابد من عمل، المنهج منهج المسلمين فيه تخلف، أساسه يا رب تيسر هذا الشيء، الدعاء مطلوب أما الدعاء فيحتاج إلى عمل بعده.
أنواع الشرك :
أيها الأخوة الكرام؛ مرة ثانية الشرك نوعان لأنه
﴿سَيَقولُ الَّذينَ أَشرَكوا ﴾
عندنا شرك جلي، وعندنا شرك خفي، الجلي أن تقول: بوذا إله كما في بلاد شرق آسيا مثلاً، هذا شرك جلي، أن يعبد الإنسان صنماً، أن يخترع من خياله إلهاً، هذا شرك غير موجود بالعالم الإسلامي الحمد لله، لكن أين الخطر؟ في الشرك الخفي، أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الخفي، أما إني لست أقول إنكم تعبدون صنماً ولا حجراً ولكن شهوة خفية وأعمال لغير الله.
سيدنا علي رضي الله عنه له مقولة دقيقة قال: الشرك أخفى من دبيب النملة السمراء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، وأدناه أن تحب على جور، وأن تبغض على عدل، شخص نصحك بأدب كرهته، وشخص جاملك على معصية أحببته، هذا نوع من الشرك، وأدناه أن تحب على جور وأن تبغض على عدل.
فيا أيها الأخوة؛ قال تعالى:
﴿وَما يُؤمِنُ أَكثَرُهُم بِاللَّهِ إِلّا وَهُم مُشرِكونَ﴾
فنحن نخاف الشرك الخفي، الجلي غير موجود أما الخفي فموجود،
﴿وَما يُؤمِنُ أَكثَرُهُم بِاللَّهِ إِلّا وَهُم مُشرِكونَ﴾
نعوذ بالله من هذا الشرك الخفي الذي يتفشى بين المسلمين بسبب ضعف إيمانهم.