- تفسير القرآن الكريم / ٠1التفسير المختصر
- /
- (025) سورة الفرقان
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الكرام، مع الآية السابعة والخمسون من سورة الفرقان و هي قوله تعالى:
﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً (57)﴾
والآية دقيقة جدًّا، وتتعلق بالدعوة إلى الله، قلْ يا محمد لا أسألكم عليه من أجر، على هذه الدعوة وعلى هذا التعليم و على هذا الجهد، لا أسألكم عليه من أجر، هذا المعنى تؤكده آية أخرى و هي قوله تعالى:
﴿ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ(20)اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ(21)﴾
فعلامة الذي يدعو إلى الله مخلصا أنه لا يبتغي من الدنيا شيئًا، لأن الله تعالى هو الذي يجزيه على عمله الطيِّب، فمن أراد أجرا فما عرف الله تعالى، مثلٌ بسيطٌ ؛ لو قال الملِكٌ للمعلِّم: علِّمْ ابني ولك على كلِّ درس مليون ليرة، فلما انتهى الدرسُ قال له: أعطني خمسين ليرةً، طلب المعلِّم من الابن خمسين ليرة، و الأب وعدك مليونا، معنى ذلك ما صدَّقتَ الوعدَ و لا تعرف من هو الأب و ما عنده من العطاء، فالإنسانُ لمجرَّد أن يطلب أجرا مادي و يرتزِق بالدين و يجعل الدينَ مطِيَّة إلى الدنيا فهو لا يعرف اللهَ أبدا، و تكاد هذه العلامةُ تكون صادقةً في التغبير على صدق الدعوةِ، قال تعالى:
﴿قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ(20)اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا ﴾
أجرًا نكرة و تفيد الشمولَ، أيْ لا أجرا ماديا لا قليلا و لا كثيرا، و لا معنويا و لا عاجلا و لا آجلا، و لا خدمةً و لا منحةً و لا خدمةً و لا مبلغا و لا ترقيةً.
﴿ قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ(20)اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا ﴾
فعلامة الإنسان الصادق أنه لا يبتغي من الدنيا شيئا على دعوته، هذه الآية دقيقة جدًّا، أما هنا فتُوجد مشكلةٌ، قال تعالى:
﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً (57)﴾
معناه أريد الأجرَ، وما دامت "إلا "أداة استثناء فمعناه أن هناك أجرا يطلبه النبيُّ عليه الصلاة و السلام.
﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً (57)﴾
فإذا دعوتَ الإنسانَ إلى الله و استجاب و طبَّق المنهج و ضبط نفسه وإنفاقه و دخله تأخذ منه أكبر أجر، هذا هو الأجر الحقيقي، لأن كلَّ أعماله في صحيفتك.
لو فرضْنا أن رجلا دلَّ إنسانًا على جهةٍ لاستثمار المال، لأنك دللْتَه فلك نفس الربح، لذلك النبيُّ عليه الصلاة و السلام يقول:
((أنا أحري منكم أن تتَّجهوا إلى الله، و أن تخلصوا له وتُقبِلوا عليه و تستقيموا على أمره إن فعلتُم هذا فهو أعظم أجر))
لشدَّة رحمة النبيِّ بالناس عامَّة و بأصحابه لمجرَّد أن يستقيموا على طاعة الله فهو أعظم أجر يقدِّمونه له لما سعدوا بالله سعد هو بهم، أحيانا نجاح الأولاد أكبر مكافأة للآباء، و الأب غنيٌّ عن أولاده، و لكن نجاح الابن في الحياة وعقل الابن و فهمه هو أعظم أجر للأب، لذلك الآية دقيقة جدًّا، قال تعالى :
﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً (57)﴾
فإذا الواحد اتَّخذ إلى الله سبيلا هذا أعظم أجر تقدِّمه للنبيِّ، و أعظم أجر تقشِّمه لمن دعاك إلى الله، أن يكون طالب العلم في مستوى الدعوة أعظم أجر، لو فرضْنا أنَّ شيخًا له تلميذان ؛ واحدهم بهلول ما إن يراه حتَّى ينكبُّ على يده يقبِّلها و يعظِّمها ؛ يا سيدنا يا أشرفنا، هذا المريد لا يطبِّق منهج الله عز وجل، و الثاني كلامه اعتيادي و ترحيبه اعتيادي و علاقاته اعتيادية، ولكنه مستقيم، فالشيخ الصادق يحبُّ من ؟ يحبُّ الذي لا يمدح و لا يبهلل، و لكن يستقيم على أمر الله، لأن هذا المستقيم لك منه أجر، أما هذا المُزَعْبِر ما لك منه شيءٌ، قال تعالى:
﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً (57)﴾
فإذا طبَّقت الأمرَ تكون أعظم هدية لرسول الله.
قال تعالى:
﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً (58)﴾
ومعنى ذلك أن الإنسانَ لا يتوكلَ على من يموت.
اِجعل لربك كلَّ عزِّك يستقر و يثبتُ
فإذا اعتززْتَ بمن يموت فإن عزَّك ميِّتُ
***
إن توكَّلت على من يموت فالموت يأتيك كالصاعقة، و كلُّ الآمال تحطَّمتْ بموت من توكَّلتَ عليه، كلُّ المنى تلاشتْ بموت من توكَّلتَ عليه، و كلُّ الأحلام تبدَّدتْ بموت من توكَّلتَ عليه، أما إذا توكَّلتَ على الله الذي لا يموت الحي القيوم، لذلك الإنسان إذا ربط أحلامه بإنسان أو جهة، لو تحطَّمتْ تحطَّم هو معها، و لو أنها سقطت لسقطَ معها ولو أنها ضعُفتْ لضعفَ معها، أما إذا ربط الإنسان مصيره بالله عز وجل و توكل على الحيِّ الذي لا يموت فإنه لا يخيب أبدا، وأما الإنسان إذا كان محسوبا على الإسلام فلا إسلام كالجبل الشامخ، و قد كاد له الكائدون ما لو كادوا للأرض لدكُّوها و مع ذلك بقيَ شامخا، قال تعالى:
﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ(46)﴾
ولولا أنه دين الله لتلاشى من ألف عام، المبادئ الأرضية بالملايين و كلُّها تلاشتْ، لأنها من صنعت البشر، أما دين الله لا تستطيع الأرضُ كلُّها أن تُقَوِّضه، واللهُ هو الحقُّ، ودين الله هو الذي يحفظه و هو الذي يرسِّخ دعائمَه، قال تعالى:
﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً (58)﴾
هل هذه الفقرةُ الأخيرة من الآية لها تطبيقٌ عمليٌّ ؟ لها تطبيق خطير جدًّ ما رأيك في فلان ؟ في جهنَّم، هو كافر، إذًا أنت لم تقرأ الآية، لو قرأتَها لقلتَ الله أعلم، هذا من شأن الله و ليس من شأنك، إياَّك أن تقَيِّم الأشخاصَ، ليس هذا من البشر، تقييمُ الأشخاص من شأن خالق البشر، أما إذا رأيت الإنسان يشرب الخمرَ فقلْ له هذه معصية، لعلَّه يتوب منها و يسبقك، الآن هو عاصٍ، أما أن تحدِّد مصيرَه فليس من شأن الإنسانِ هذا تألِّي على الله، لذلك النبيُّ عليه الصلاة و السلام كان مرَّةً عند بعض أصحابه الذين توفَّاهم الله عز وجل، و جاء ليُقبِّله قبل أن يُدفَن سمع من وراء الستر امرأةً تقول: هنيئًا لكم أبا السائب، لقد أكرمكَ اللهُ، و لو أن النبيَّ الكريم سكتَ لكان كلامُها صحيحًا، فقال لها:
((و من أدرأكِ أن الله أكرمه؟ هذا تألِّي على الله، قولي أرجو اللهَ أن يكرمَه ))
قال تعالى على لسان نبيِّه:
﴿قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ(9)﴾
هذا هو الأدب، فإذا كنتَ أعرفَ الناس بنفسك:
﴿وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ(9)﴾
فكيف بغيره ؟! إذًا لما الله تعالى يقول:
﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً (58)﴾
لا يجوز أن تحدِّد مصير الناس و لا أوزِّع التُهمَ و لستُ قاضيا أنا داعٍ إلى الله، و لستُ وصِيًّا عليهم، قال تعالى:
﴿وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ(45)﴾
وقال تعالى:
﴿قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ(108)﴾
وقال تعالى:
﴿ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ(272)﴾
قال تعالى:
﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ(56)﴾
فتقييمُ الأشخاص من شأن خالق البشر، فكنْ متأدِّبًا مع الله، و من أطلعك على الغيب ؟ وهناك شيء آخر هو التعميم، و هو من العمى و كل هؤلاء سيِّئون، و في كل المجتمع هناك أطهار ومستقيمون و منحرفون و منافقين، قال تعالى:
﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنْ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا(12)﴾
الله جلَّ جلالُه يأمرك أن تسأل خبيرا، فإذا قرأت القرآن مثلا، قال تعالى:
﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا(7)﴾
معنى ذلك إذا فجر الواحدُ، الله كتب عليه الفجورَ، اسأل به خبيرا ألهمها فجورها، أي دلَّها على طريق الفجور و على طريق السعادة قال تعالى:
﴿بَلْ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ(14)وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ(15)﴾
فشتَّان بين المعنيين، المعنى الأول هو الجبر، و الثاني هو بيان طريق السعادة، فأنت تعرف ذلك كلَّه، و الفرق كبيرٌ، لذلك قال تعالى:
﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً (59)﴾
في هذا الدرس ثلاثُ نقاطٍ، النقطة الأولى إن دعوتَ إلى الله علامة إخلاصك أنك لا تسأل أحدا أجرا مطلقا، لا قليلا و لا كثيرا و لا قريبا و لا بعيدا و لا ماديًّا و لا معنويًّا، هذه علامة الداعية المخلص الصادق،قال تعالى:
﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ(49)﴾
فرحمة النبيِّ عليه الصلاة والسلام تقتضي أن يسعد إذا سعد من حول فهذا أجرُه، كالأب الغنيِّ القويِّ يسعده أن يرى ابنَه ناجحا في الدنيا، و المعنى الثاني أن كلَّ أعمال المدعُوّ في صحيفة الداعي فهو حينما يترفَّع عن الأجر المادي يطمع في أجر لا حدود له، هذه أول نقطة قال تعالى:
﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً (57)﴾
وقال تعالى:
﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً (58)﴾
إذًا هناك آيتان، الأولى:
﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ(43)﴾
في شؤون الدنيا، و في شؤون الآخرة قال تعالى:
﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً (59)﴾
فهناك خبيران ؛ خبير بالدنيا و خبير بالآخرة.