- تفسير القرآن الكريم / ٠1التفسير المختصر
- /
- (036) سورة يس
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الكرام، الآية الثالثة والثلاثون من سورة يس و هي قوله تعالى:
﴿وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33)﴾
آيةٌ أي دليلٌ على وجود الله و كماله ووحدانيته وعظمته و رحمته وعلمه وقدرته ومحبَّته لكم، قال تعالى:
﴿وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا﴾
أنزلنا عليها الماء فأنبتت أصبحت ذاتَ حياة لنا، القمح نأكله و العدس نأكله و الشَّعير نأكله قال تعالى:
﴿وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33)﴾
هناك محاصيل استراتيجية كالقمح وهو قِوام حياة الناس قال تعالى:
﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34)﴾
هناك نباتات أخرى و فواكه ؛ تفَّاح وعنب... أشجار جميلة ألوان زاهية و روائح عطرة و طعوم طيِّبة، قال تعالى:
﴿وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35)﴾
يجب أن تعلم علم اليقين أنَّك حين تشتري التفاح تدفع ثمن خدمته أمَّا هو فلا ثمن له أو لا يُقدَّر بثمن، ولو أنَّ أهل الأرض جميعا اجتمعوا على أن يصنعوا تفاحة واحدة ما استطاعوا، فكلُّ أنواع النباتات و الخضر و الفواكه والمحاصيل ماذا فعل الفلاَّح؟ ألقى حبَّةً في الأرض وهذه الحبَّةُ كائنٌ حيٌّ راقٍ جدًّا، بائع البذور يقول لك: هذه البذرة تقاوم البرد, إنتاجها مُبكِّر وحموضتها عالية، والمادة النسيجية فيها كثيرة، والماء قليل، وهذه للتصدير، وهذه للاستهلاك، كم نوعا في الطماطم مثلاً ؟ أنواع كثيرة فإذا وقفْتَ أمام بائع بذور النباتات ؛ وقلت له يعطيك بذور الخيار فيقول لك: هذه البذرة غالية لأنَّ إنتاجها مبكِّر لأنَّ حبة الخيار طويلة و جميلة و فيها لمعة وتقاوم الحشرات، يعطيك صفات عِدَّة و كلَُّ صفة أمرٌ مُبَرمجٌ بالُرشَيْم، كم من أنواع العنب عندنا، ثلاثمائة نوع عنب، وأربعة آلاف و خمسمائة نوع قمح وهناك ساعة للمواقيت فيها سبعون ألف، هل تُصَدِّقون في بعض نباتات الزينة الغرام الواحد فيه سبعون ألف بذرة ؟ وكلُّ بذرة رُشَيْم وسُوَيْق وجُزَيء وتحوي حوالي خمسة آلاف أمر مُبَرمج، فعالَم البذور عالَمٌ قائم بذاته، أمريكا متخلِّفة عن هولندا في البذور بخمسين سنة، والآن التهجين و التطعيم أمر عجيب تُدرَس في كُلِّيات الزراعة في سنوات والله تعالى لخَّصه في كلمة، قال تعالى:
﴿وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35)﴾
أنت مأمور مِن رسول الله أن تُسمِّيَ الله قبل أن تأكل لأنَّك حينما تأكل هذه الفاكهة لستَ أنتَ الذي صنعْتَها وليس مِن قُدرتك، إنَّما هي قدرة الله، إذا أعطيناك بيتًا قدرُه خمسون مليون ليرة مملوء بالأثاث ثمَّ أعطيناك المفتاح فهل أنت الذي بَنيْتَه ؟ المفتاح يساوي خمسةً وعشرين ليرة، أنت ما فعلتَ شيئًا أبدًا، إنما أُعطِيتَ المفتاح وسكنتَ البيت، أنت حينما حملتَ كأس الماء، أنتَ خلقتَ الشمس المُسلَّطة على البحار ؟ أنت الذي جعلتَ أربعة أخماس اليابسة بحارًا ؟ أنت الذي صمَّم قانون التَّبخر ؟ أنتَ الذي حرَّك السحاب بالرياح إلى أماكن بعيدة واجهتْ جبهةً باردة فصار مُعصرات و انقلب إلى مطر فصار ينابيع وأنهارًا و ماءً زُلالاً، أنتَ إذا قلتَ بسم الله الرحمن الرحيم يجب أن تعلم أنَّك تشرب كأس الماء لا بذكائك ولا بقدرتك ولكن بقدرة الله وعلم الله ورحمة الله و فضل الله، هذه هي البسملة، أمسكتَ رغيف الخبز قلتَ بسم الله الرحمن الرحيم، في قشر القمح هناك ستة فيتامينات و ثمانية معادن و كلُّ المواد المفيدة بقشر القمح، ونحن بجهلنا الفاضح نُطعم الدوابَ النخالة و نأكل النشاء صرفًا، وقال أحد علماء التغذية: احذَرُوا السموم الثلاثة: الخبز الأبيض الناصع وهو النشاء ؛ و الملح والسُّكر الصناعي، فالإنسان إذا استعاض عن السُّكر بالفاكهة واستعاض عن الخبز الأبيض بالأسمر كانت له فائدة، وأوَّل بدعة ابتدعها المسلمون بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم هي نَخْلُ الدقيق، فالله تعالى قال:
﴿وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35)﴾
وأنت لمَّا تسمِّي تفكِّر في الماء ؛ كيف جعله الله سحابًا و مطرًا و ينابيع مُتفجِّرة، فنبْعُ الفيجة يعطي أيام قوَّته اثنين وثلاثين متر مكعب في الثانية و في الأيام العادية ستة عشر و في أيام الجفاف مترين أو ثلاثة، و مدينة دمشق فيها نهارًا ستةُ ملايين يشربون مِن نبع واحد وهذا النبع يمتدُّ مِن دمشق إلى حمص ومِن سيف البادية إلى منتصف لبنان و التدفقُ باعتدال على مدار السنة، مَن الذي صنع الماء وصمَّمه والماء المُحَلَّى في السعودية يؤذي الإنسان لأنَّ الماء فيه معادن وأنتَ تأخذ حاجتك مِن المعادن مِن ماء الشُّرب، مَن الذي أمر المعادن أن تزول في الماء ؟ و مَن سمح بالتَّحليل ؟ فأوَّل شيء في البسملة أن تتذكَّر وأنت جالس على مائدة الطعام التي فيها طبقان أو أكثر أن تتذكَر مَن صنع ذلك، مَن صنع السمن ؟" السمن جاء مِن البقر و البقر مَن خلقها ؟ فأنت لمَّا تُسمِّيا الله تدخل على هذه النِعَم لا بقدرتك ولا بمالك ولا بذكائك، لكنْ بقدرة الله وعلم الله ورحمة الله ولطف الله بين يديك.
المعنى الثاني للبسملة ؛ يجب أن تأكل وفق منهج الله، أن تأكل طعاما حلالا و أن لا تأكل حرامًا لا لعينه ولا لغيره، لأنه عندنا حرام لِذَاته و حرام لغيره، فالحرام لذاته أن تأكل لحم خنزير، والحرام لغيره أن تأكل لحمًا حلالا لم تدفع ثمنه أو ثمنه حرام مِن مال مشبوه، واحد غشَّ في بيعه ثمَّ اشترى لحما فهذا الأكل حرام لأنَّ ثمنه فيه غش وحرام، لذلك الدخل الذي فيه تدليس و كذب و احتكار واستغلال يجعل المالَ حرامًا، و كل لحم نبت مِن حرام فالنار أولى به، وأنت حينما تُسمِّي يجب أن تتذكَّر أنَّ هذه النعم لم تدفع ثمنها ولكنْ دفعتَ ثمن خِدمتها، والبسملة أن لا تأكل حرامًا و لا تأكل كثيرًا و لا تُسرِف لا كَمًّا و لا نوعًا:
عن الْمِقْدَامَ بْنَ مَعْدِ يكَرِبَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
(( مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ حَسْبُ الْآدَمِيِّ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ غَلَبَتِ الْآدَمِيَّ نَفْسُهُ فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ))
فأنت حينما تُسمِّي تذكر نِعَمَ الله عليك و تذكر منهج الله الذي أمرك به فكلَّما سمَّيتَ في قضية تذكَّرْ النِعم وتذكَّر المنهج انطلقتَ إلى عملك ؛ بسم الله الرحمن الرحيم، ثمَّ فتحتَ الدُّكان، فيجب أن يكون كلَّ ما في الدُّكان على وفق منهج الله، ويجب أن تذكر أنَّ الله جعلك تاجرًا وأعطاك محلاًّ تعيش منه و قدرات عقلية و خبرات لكسب الرزق، و يجب أن يكون البيع والشراء وفق منهج الله قال عليه الصلاة والسلام
عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْهم قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(( يَقُولُ الْحَلِفُ مُنَفِّقَةٌ لِلسِّلْعَةِ مُمْحِقَةٌ لِلْبَرَكَةِ ))
فكلمة
﴿وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35)﴾
لها معنىً ثانٍ، إذا أكلتَ معمولة و هي مِن صنع يدك و لكنَّ مُقوِّماتها من صنع الله عز وجل، فلك أن تفهمها نافية، ولك أن تفهمها مصدرية، وفي الحالين كله مِن نِعم الله عز
وجل أفلا يشكرون.