- أحاديث رمضان / ٠12رمضان 1426هـ - الاسماء والفوائد
- /
- 2- رمضان 1426 هـ - الأسماء الحسنى
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
من أسماء الله الحسنى:(الرزاق):
الإنسان حريص حرصاً لا حدود له على حياته وعلى رزقه:
أيها الأخوة الكرام، الإنسان، أي إنسان حريص حرصاً لا حدود له على حياته، وعلى رزقه، وقد ورد: أن كلمة الحق لا تقطع رزقاً، ولا تقرب أجلاً، ولكن طبيعة الإنسان أنه حريص على حياته ورزقه، فلذلك من أسماء الله الحسنى ( الرزاق )، ولم يأتِ هذا الاسم إلا بصيغة المبالغة، هناك رازق، وهناك رزاق، صيغ أسماء الله الحسنى إن جاءت بصيغ المبالغة تعني شيئين، تعني أن العباد مهما كثروا فالله عز وجل يرزقهم، وهذا يناقض النظريات التي تقول: إن الموارد الغذائية أقل من حاجة البشر، لكن الله سبحانه وتعالى يعالج الخلق، المعالجة شيء، والعجز شيء آخر، الله عز وجل إذا قنن بعض الأرزاق، وقنن الأمطار فتقنينه تقنين تأديب لا تقنين عجز، فالله عز وجل هو ( الرزاق ) بصيغة المبالغة.
لكن سبحان الله ! ما إن نذكر كلمة رزاق إلا يقفز إلى أذهاننا المال، مع أن أنواع الرزق لا تعد ولا تحصى، الصحة رزق، وسلامة الأجهزة رزق، والحكمة رزق:
﴿ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيراً ﴾
والفهم رزق، والكياسة رزق، وكل عطاءات الله رزق.
الرزق لا يشمل المال وحده بل يشمل كل الصفات:
لذلك الرزق بالمعنى الشامل لا يعني المال، قد يكون الإنسان حكيماً فيجلب المال، وقد يكون أحمقاً فيبدد المال ، قد يكون حكيماً فيسعد بزوجة من الدرجة الخامسة، وقد لا يكون حكيماً فيشقى بزوجة من الدرجة الأولى، قد يكون حكيماً فيجعل العدو صديقاً، وقد يكون أحمقاً فيجعل الصديق عدواً، فالحكمة من أعظم أنواع الرزق، الأدب رزق، لذلك الرزق لا يشمل المال وحده، بل يشمل كل الصفات، ما الدليل ؟ قال تعالى:
﴿ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82) ﴾
أي عطاؤكم الذي كان ينبغي أن يكون علماً، ومعرفةً، وإيماناً، جعلتموه تكذيباً، وجهوداً.
أسباب الرزق:
1 ـ الاستقامة:
أيها الأخوة، كل واحد منا يتمنى سعة الرزق، هذا شيء في جبلة كل إنسان، ولكن الآيات الكريمة تبين متى يزداد الرزق، مثلاً:
﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا لنفنتهم فيه ﴾
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا ﴾
الخوف من الرزق يتلاشى مع الاستقامة:
﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ ﴾
2 ـ التقوى:
إذاً التقوى، والاستقامة أحد أسباب الرزق.
﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً ﴾
3 ـ الاستغفار:
الاستغفار أيضاً أحد أسباب الرزق.
﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً ﴾
معنى ذلك أن البيت الذي تقام فيه الصلوات، والمحل التجاري الذي تقام فيه الصلوات، وينضبط من في المحل بمهج الله، هذا المحل لعله مرزوق أكثر من غيره، لكن بشكل أو بآخر الله عز وجل يرزق عباده مؤمنهم وكافرهم، ورد في الأثر القدسي:
" أن عبدي خلقت لك ما في السماوات والأرض ولم أعيَ بخلقهن أفيعييني رغيف أسوقه لك كل حين، عبدي لي عليك فريضة ولك علي رزق، فإذا خالفتني في فريضتي لم أخالفك في رزقك، وعزتي وجلالي إن لم ترضَ بما قسمته لك فلأسلطن عليك الدنيا ".
حدثت البارحة أن هناك " فَقْراً مُنْسِياً، وغِنَىً مُطْغِياً، "، فقر منسي وغنى مطغي.
" فإن لم ترضَ بما قسمته لك فلأسلطن عليك الدنيا تركض فيها ركض الوحش في البرية، ثم لا ينالك منها إلا ما قسمته لك ولا أبالي وكنت عندي مذموماً ".
4 ـ الصدقة:
إذاً سعة الرزق تأتي من الصلاة، وتأتي من الاستقامة، وتأتي من التقوى، وتأتي من صلة الرحم، وتأتي من الاستغفار، وتأتي من إتقان العمل، وتأتي من الصدقة.
(( استنزلوا الرزق بالصدقة ))
5 ـ الأمانة:
وتأتي من الأمانة، والأمانة غنى، وهذه كلها نصوص من الكتاب والسنة تؤكد أسباب زيادة الرزق.
من شقاء الإنسان أن ينشغل بما ضمن له وأن يسهو ويغفل عما كلف به:
أيها الأخوة، أنت مكلف بمعرفة الله والعمل الصالح، وقد ضمن الله لك رزقك، أولاً هو رزاق، ثانياً:
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ﴾
بالفعل الماضي، قد ترسل ابنك إلى بلد ليتعلم، ترسل له المعونات تباعاً، لكن من أجل أن تطمئنه ترسل له ما يحتاجه في السنوات الخمس مرةً واحدة، هذه طريقة تطمئن، هذا معنى قوله تعالى:
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ﴾، بالفعل الماضي.
لذلك الشقاء كل الشقاء يتأتى من أن الذي ضمن لك مهتم له، وأن الذي كلفت به غافل عنه، هذا حال أهل الدنيا.
مَدرسة داخلية، فيها مطبخ، فيها طباخون من الطراز الأول، والأكل سيقدم في أعلى درجة في وقت مناسب جداً، والطالب ليس مكلفاً إلا أن ينطلق إلى المطعم في الساعة الفلانية، هو مكلف بالدراسة، ترك الدراسة، وانشغل بالطعام، هل جاء الطعام ؟ هل حضرتم المادة الفلانية ؟ ماذا فعلتم بكذا ؟ أنت مكلف بالدراسة فقط، والرزق ليس عليك.
من شقاء الإنسان أن ينشغل بما ضمن له، وأن يسهو ويغفل عما كلف به، لذلك: " كن لي كما أريد ولا تعلمني بما يفرحك، أنت تريد وأنا أريد فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد ".
الكسب و الرزق:
شيء آخر، هناك كسب، وهناك رزق، الرزق ما انتفعت به قطعاً، ما انتفعت به فقط، الطعام الذي أكلته، والثوب الذي لبسته، والسرير الذي نمت عليه، والمركبة التي تستخدمها، هذا هو رزقك، وما سوى ذلك كسبك، تحاسب عليه، من أين اكتسبته ؟ وفيم أنفقته ولم تنتفع به ؟ فلذلك الإنسان:
(( من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا ))
هذا هو الرزق، أن تكون آمناً في سربك، معافى في جسمك، عندك قوت يومك، من هذا القبيل أن ملكاً سأل وزيره: من الملك ؟ قال: أنت، قال: لا، الملك رجل لا نعرفه، ولا يعرفنا، له بيت يؤويه، ورزق يكفيه، وزوجة ترضيه، إنه إن عرفنا جهد في استرضائنا، وإن عرفناه جهدنا في إحراجه.
إذاً الرزق ما انتفعت به، يا أخوان، الابن الصالح رزق، الزوجة الصالحة رزق، أن تكون معافى في جسمك هذا رزق، أقل مرض عضال تحتاج إلى ملايين، ويجعل حياة الإنسان جحيماً لا يطاق، فأنت بسلامة جسمك، معك رأسمال كبير، هناك أمراض الآن علاجها ليس أقل من ستة ملايين، زرع كبد من ستة إلى ثمانية ملايين، أرقام كبيرة جداً مقابل خلل في بعض الأجهزة، فأنت في بحبوحة في الرزق، إذا كنت معافى في جسمك أنت في بحبوحة، إن كانت لك زوجة طاهرة، تسرك إن نظرت إليها، وتحفظك إن غبت عنها، أن تكون حكيماً هذا رزق.
والله مرة كنا في مولد، وإنسان مختل العقل ملأ الساحة سباباً للرب، وسباباً للدين، وكلاماً بذيئاً، أفسد على الحاضرين هذا الاحتفال إفساداً كاملاً، وهو بحجم كبير لا يواجه، فوجدت أنه ما من نعمة أعظم من أن تكون عاقلاً، أن تتكلم الكلام المناسب في الوقت المناسب.
أيها الأخوة، فالرزق والكسب، الرزق ما انتفعت به، والباقي أرقام لم تنتفع بها، لكنك محاسب عليها.
من علامة إيمانك أن ترضى عن الله:
الآن من علامات إيمانك أنك ترضى عن الله فيما رزقك، جعلك محدود الدخل ـ الحمد لله ـ جعلك بجسم ليس وسيماً كما ينبغي، جعلك بقدرات ليست عالية، بل متوسطة، فمن علامة إيمانك أن ترضى عن الله، والدليل:
﴿ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8) ﴾
ينبغي أن ترضى عن الله، وأن تعلم علم اليقين الذي قسمه لك هو أفضل شيء لك، والحقيقة الإنسان يتوهم أن الرزق هو المال، يقول الله عز وجل :
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾
قال بعضهم: فما بال الأغنياء والملوك، كيف تكون معيشتهم ضنكا والمال بين أيديهم لا يعد ولا يحصى ؟ والآن نرى بأعيننا هناك فندق بالخليج أجرة الغرفة في الليلة الواحدة من اثني عشر ألف دولار إلى خمسة و ثلاثين ألف دولار، ويأتي الراكب من المطار بطائرة إلى الفندق، هذا فندق من نوع السبع نجوم، وأحياناً الإنسان يرى هذه النجوم ظهراً.
هناك بذخ كبير جداً، فقال بعضهم: ما بال الأغنياء والملوك والأموال بين أيديهم لا تعد ولا تحصى ؟ فقال بعض المفسرين: المعيشة الضنك هي ضيق القلب.
الأمن و الطمأنينة و الفراغ من نعم الله العظمى على الإنسان:
سبحانك يا رب ! قد يلقي في قلب المؤمن السعادة والرضا، وكأنه أسعد الناس، وقد يلقي في قلب غير المؤمن الخوف والقلق والسوداوية.
إذاً: أن تكون مطمئناً هذا رزق، أن تكون آمناً هذا رزق، لذلك قال تعالى:
﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8) ﴾
قال علماء التفسير: النعيم نعمة الأمن.
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) ﴾
فالأمن نعمة، ونعمة الفراغ، الذي عنده فراغ، يأتي لدرس علم، يجلس مع زوجته وأولاده، يلتقي مع أخوانه، يقرأ القرآن، يزور أخاً في الله، هذه من نعمة الله العظمى، والإنسان الذي ليس عنده وقت فراغ ليس من بني البشر، لأنه ألغى وجوده ، الإنسان يكسب رزقه، وفي وقت فراغه يحقق ذاته، يكسب رزقه في وقت عمله، وفي وقت فراغه يحقق ذاته.
من تمتع بعلم فهو ممن أنعم الله عليهم:
إذاً الفراغ نعمة، وهو رزق، قال: والكفاية رزق، هناك فقر الكسل، وهناك فقر القدر، وهناك فقر الإنفاق، وهناك غنى البطر، وهناك غنى الكفاية، وحينما قال عليه الصلاة والسلام داعياً:
(( اللهم من أحبني فاجعل رزقه كفافاً ))
دعاء النبي ، عندك ما يكفيك، وليس عندك ما يطغيك، والمال قوة، ومع المال انحراف أحياناً، إذاً المعيشة الضنك هي ضيق القلب، فنعمة الأمن رزق، والصحة رزق، والزوجة الصالحة رزق، والذكر العطر رزق، وكلها أرزاق، والحكمة رزق، والفهم رزق، وأنت تتمتع بعلم فأنت ممن أنعم الله عليهم، وفي نهاية المطاف:
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾