- موضوعات علمية
- /
- ٠2ندوات الإعجاز العلمي
مقدمة :
المذيع:
بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أخوة الإيمان والإسلام، من أهم القواعد التي تعتمد في تفسير الآيات الكريمة الحديث الصحيح، وذلك التزاماً بقوله تعالى:
﴿ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾
والجدير بالذكر أن الرسول الكريم e لم يفسر جميع آيات الكتاب الكريم، ربما والله أعلم التزاماً بقوله تعالى:
﴿ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴾
وبقوله:
﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ*وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ﴾
علماً أن القرآن الكريم يظل الميزان الدقيق في صحة الأحاديث الشريفة، فكل حديث يتعارض بصورة واضحة مع آية بالقرآن الكريم فهو مرفوض، مهما كانت صحة سنده.
أيها الأخوة، مع الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة، ومعنا فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي، الأستاذ المحاضر في جامعة دمشق، والخطيب والمدرس الديني في جوامع دمشق، أهلاً وسهلاً بكم.
فضيلة الدكتور، هناك أمور وصلتنا، وتعلمناها من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن لا ندرك الحكمة منها، مثلاً: تذكية الذبيحة، ماذا في هذا الموضوع؟
توجيه النبي أصحابه أثناء ذبح الدابة :
الأستاذ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أستاذ عبد الحليم، جزاك الله خيراً، من الثابت أن النبي عليه الصلاة والسلام وجّه أصحابه في أثناء ذبح الدابة إلى أن تذبح من أوداجها فقط، دون أن يقطع رأسها، وأنا أعتقد أنه ليس في الأرض كلها في عصر النبي e مركز علمي، لا في شرق الأرض، ولا في غربها يمكن أن يصل إلى تعليل علمي لهذا التوجيه النبوي، ولا بعد مئة عام، ولا بعد خمسمئة عام، ولا بعد ألف عام أو أكثر، إلا أنه من عدة عقود من الزمن اكتشف ما يلي: أن القلب لأنه أخطر أعضاء الجسم، وأخطر أجهزته، مزوَّد بمولدة كهربائية خاصة به، لأنه لو ربطنا القلب بالشبكة كما يقولون، وأصاب الشبكة عطباً لمات الإنسان، فالقلب لا يحتاج إلى تنبيه خارجي، يأتي تنبيهه من ذاته، ففيه مركز كهربائي يعطيه التنبيه النظامي من ستين إلى ثمانين ضربة في الدقيقة، وفيه مركز ثان احتياطي للمركز الأول، إن تعطل الأول عمل الثاني، وفيه مركز كهربائي ثالث احتياطي للمركز الثاني، فإن تعطل الثاني عمل الثالث، هذه المراكز الكهربائية تعطي أمراً بالنبض النظامي من ستين إلى ثمانين نبضة في الدقيقة، لكن قلب الإنسان يشبه محركاً بالغ التعقيد والأداء، فهذا القلب بإمكانه أن يرفع استطاعته إلى درجة تزيد على ثلاثة أمثال استطاعته الطبيعية، فبينما ينبض قلب الإنسان ثمانين نبضة في الدقيقة إذا هو ينتقل فجأة إلى مئة وثمانين نبضة حينما يواجه خطراً، أو يعدو هرباً من عدو، أو يصعد درجاً عالياً، أو يواجه أزمة نفسية، فالجسم يحتاج إلى طاقة جديدة تمدّه بما يحتاج.
الذي حدث أن النبي عليه الصلاة والسلام وجَّه أصحابه إلى أنهم إذا ذبحوا الدابة فعليهم ألا يقطعوا رأسها، بينما معظم المسالخ في العالم اليوم تعلق الدابة من أرجلها، وتقطع رأسها كلياً، النبي صلى الله عليه وسلم رفض ذلك، أمرنا أن نبقي رأسها موصولاً بجسمها، الآن اكتشف أن هذا القلب يتلقى الأمر بالنبض من مراكزه الكهربائية، ولكن النبض النظامي الذي لا يتجاوز الثمانين نبضة في الدقيقة، أما الأمر الاستثنائي فينبغي أن يتلقاه من الكظر، تلك الغدة التي تأتمر بالغدة النخامية، ملكة الغدد الموجودة في رأس الإنسان، فالإنسان إذا واجه خطراً تنطبع صورة هذا الخطر على شبكية العين، والشبكية فيها الإحساس فقط بالصورة، لكن هذه الصورة تنتقل إلى الدماغ لتنقلب إلى إدراك، فالدماغ فيه مفهومات تلقاها الإنسان في حياته حينما كان صغيراً، من قصص سمعها، أو مشاهدات شاهدها، أو دراسات تعلمها، فهناك مفهوم الأفعى في الدماغ، فلو رأى أفعى في بستان يعود إلى ذهنه مفهومات الأفعى، لعله يموت من لدغتها، فالإدراك يكون من الدماغ بناء على تلقي صورة من شبكية العين، الدماغ ملك الجهاز العصبي، وعنده ملكة الجهاز الهرموني، وهي الغدة النخامية، وملك يخاطب ملكة، لابدّ من ضابط اتصال بينهما، في الدماغ يلتمس من الملكة أن تتصرف، الملكة عندها وزيرة داخلية تقول لها: هناك خطر فتصرّفي، فهذه الوزيرة هي الغدة النخامية تعطي أمراً للقلب برفع النبض، فقد يصل النبض إلى مئة وثمانين عند الخطر، وتعطي أمراً للرئتين ليرتفع وجيبهما ليتناسب الوجيب مع النبض.
الآن: ما الذي يرفع نبض القلب؟ إدراك الخطر، النخامية تأمر الكظر، والكظر يرسل أمراً هرمونياً عصبياً إلى القلب فيرتفع نبضه، الآن قلب الدابة حينما تذبح له مهمة أخرى، وهي إخراج الدم كله منها، لكن النبض الطبيعي ثمانون نبضة لا تكفي لإخراج الدم، لابد من أن يتلقى القلب أمراً استثنائياً يبدأ من الدماغ، ويسير إلى الكظر، ويعود إلى القلب من أجل رفع هذا النبض، هذا لا يتم إلا إذا كان الرأس متصلاً بالجسد، فلذلك حينما تذبح الدابة يعمل الأمر الاستثنائي فيرتفع نبض قلب الدابة إلى مئة وثمانين، وهذه الضربات السريعة كافية لإخراج الدم كله من جسم الدابة.
المذيع:
وهذا الجزء الموصول هو الذي يصل هذا الأمر الخطر من الدماغ إلى الكظر إلى القلب.
تحريم الله الدم المسفوح :
الأستاذ:
إذا قطعنا رأس الدابة يتعطل الأمر الاستثنائي، وعندئذ يبقى لون الدابة أزرق، فيبقى معظم دمها في جسمها، والدم بالمناسبة هو البيئة التي لا توصف أهليتها لنمو الجراثيم، الوسط الذي تتكاثر فيه الجراثيم بشكل عجيب هو دم الدابة، لذلك مخابر الطب حينما تريد أن تستنبط جرثومًا تضعه في الدم، والدم فيه الفضلات، فيه حمض البول، والسموم، وكل نواتج الاحتراق، وعوامل المرض تجدها في الدم، من هنا حرم الله أكل الدم، وشربه، لأن فيه مجموعة السموم والأمراض، وعوامل المرض، وثاني أكسيد الكربون.
فالنبي عليه الصلاة والسلام حينما أمر أن تذبح الدابة من أوداجها، وأن يبقى رأسها متصلاً، فهذا الأمر يتوافق مع أحدث حقائق العلم حول عمل القلب بعد الذبح، مهمة القلب بعد الذبح إخراج الدم كله من جسم الدابة، وهذا لا يتم إلا بإبقاء الرأس موصولاً مع الجسم، أما حينما تجد لحماً أزرق اللون قد لا ينضج سريعاً فبسبب هذا الدم الذي بقي في أنحاء جسم الدابة.
والدم في الجسم طاهر، لوجود أجهزة بالجسم بالغة الدقة والفعالية في تصفية الدم، مثلاً: الكليتان تصفيان الدم من حمض البول، وكل المواد السمية التي يطرحها الكبد يتم طرحها عبر الكليتين، الآن الرئتان تصفيان الدم من غاز الفحم، وملايين ملايين الغدد العرقية تصفي الدم من حمض البول أيضاً، فيوجد عندنا الغدد العرقية، وجهاز التنفس، والغدد، والكليتان، هذه كلها مَصافٍ.
فلذلك ربنا عز وجل حرم الدم المسفوح، لأن الدم المسفوح هو بؤرة عالية المستوى لنمو الجراثيم، أما الدم الذي يجري في العروق فتصفِّيه أجهزة بالغة الدقة.
المذيع:
لذلك نرى الحكمة في تحريم المنخنقة والموقوذة، وهناك طريقة محددة لذبح الدابة.
تحريم القرآن الكريم للدابة المنخنقة والموقوذة :
الأستاذ:
ما من قاسم مشترك يجمع بين تحريم القرآن الكريم للدابة المنخنقة التي خنقت فماتت، وبقي دمها في جسمها، والموقوذة التي ضربت بآلة حادة فماتت، والمتردية التي وقعت من عال فماتت بصدمة عضلية، والنطيحة التي نُطحت، هذه الأربعة أنواع من الدواب التي حرم الله أكلها يجمعها قاسم مشترك واحد هو أن الدم بقي في جسمها.
المذيع:
هناك من يحاول أن يذبح الدابة بعدما تموت بشيء من هذه الأسباب، الخنق، أو الوقذ، أو ما شابه ذلك، فهذا لن ينفع على ما أعتقد.
أكل السمكة دون ذبحها و إخراج دمها :
الأستاذ:
لكن هناك تساؤلاً عجيباً هو الإنسان له ولاء للدّين، وله براء من المشركين والكافرين، قد يسأل سائل: إذا كان لا بد من ذبح الدابة، وإخراج كل دمها لنأكلها، فكيف سمح الله لنا بأكل السمكة دون أن نذبحها؟
بالمناسبة بعض الدول الأخرى تملقاً للمسلمين تضع على علب السمك: " هذا مذبوح على الطريقة الإسلامية"، وهذا كذب فاضح، الشيء الذي لا يصدق أن السمكة إذا اصطيدت انتقل دمها كله إلى غلاصمها، وكأنها ذبحت، لذلك سمح الله أن نأكل ميتة هي السمك الذي نصطاده، لا تجد خثرة دم واحد في جسم السمكة.
المذيع:
ما هي غلاصم السمكة؟
التعريف بغلاصم السمكة :
الأستاذ:
عند رأسها، يفتحون شقاً واسعاً، تبدو الغلاصم، وهي مكان تجمع الدم في السمكة، فكل دم السمكة ينتقل فوراً إلى غلاصمها عند اصطيادها، أما الذي يريد أن يعترض ويقول: إن كان الذبح ضرورة علمية فكيف تأكلون السمك من دون ذبح؟ فالسمك إذا اصطدناه انتقل دمه كله إلى غلاصمه، وكأنها ذبحت.
(( أُحِلَّتْ لَكُمْ مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ، فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ فَالْحُوتُ وَالْجَرَادُ، وَأَمَّا الدَّمَانِ فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ ))
المذيع:
فضيلة الدكتور، استكمالاً لهذا البحث الذي بدأناه بالذبح، والحكمة من الذبح، إلى ما هناك، حتى أتينا إلى المنخنقة والموقوذة والمتردية، وما إلى هنالك، الآن الدم المسفوح ماذا يعني؟ ولماذا حرمه الله؟
التعريف بالدم المسفوح و تحريمه :
الأستاذ:
ذكرت قبل قليل أن الدم في جسم الدابة دم يصفى باستمرار وينقى، تذهب عنه آفاته باستمرار، إما من خلال الكليتين، أو الرئتين، أو غدد التعرق، لكن الدم إذا سفح تعطلت تصفيته، وكما ذكرت قبل قليل: إن الدم يعد أعلى بؤرة تنمو فيها الجراثيم، بل إن خلاصة الاحتراق في الجسم وخلاصة عوامل المرض تتوضع في الدم، فالدم من دون تصفية مادة سامة مؤذية مهلكة للإنسان، فلذلك حينما يأكل الإنسان دابة ذبحت على غير الطريقة الإسلامية قد ينتقل إلى جسمه أحماض كثيرة ضارة بالإنسان، وقد يقول بعض الأطباء: إن التهاب المفاصل الحاد سببه أن حمض البول المتوضع في الدم ينتقل إلى جسم الإنسان، ومنه إلى العضلات، فيحس الإنسان بآلام في عضلاته ومفاصله.
المذيع:
فضيلة الدكتور، الدم المسفوح كيف أصبح مسفوحاً، هل ذبح بشكل كامل؟
الأستاذ:
إذا ذبحنا دابة الدم الذي يخرج منها هذا اسمه: دم مسفوح، وممنوع أكله، وأنا لا أقول هذا الكلام من هواء، كان العرب يأخذون هذا الدم، ويأكلونه في الجاهلية، وكأنه طعام نفيس، وبعضهم يضع الدم في معدة الدابة، ويأكله مطبوخاً، فلذلك حرم الله أكله.
المذيع:
كان هذا التحريم خاصًّاً بالعرب، يأكلون الدم ويشربونه.
العلاقة العلمية بين الأمر ونتائجه :
الأستاذ:
أقول دائماً: إن هناك علاقة علمية بين الأمر ونتائجه، وبين المعصية ونتائجها، ومعنى العلاقة أيْ علاقة سبب بنتيجة، وكنت وضّحت من قبل أن هناك علاقة وضعية، وهناك علاقة علمية، العلاقة الوضعية ليس هناك من علاقة سبب بنتيجة بين المخالفة والعقاب، لكن الحقيقة العلمية تكون بذور نتائج المعصية فيها، وبذور نتائج الطاعة فيها.
المذيع:
سبحان الله! ما أمرنا النبي عليه الصلاة والسلام بأمر إلا كان هناك منفعة من ابتعادنا عن هذا الأمر، وما حثنا على أمر إلا وكان هناك منفعة منه.
الأستاذ:
لأن الله يقول:
﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾
فمن هو الخبير الحقيقي فيما يصلح لهذا الإنسان؟ هو الله، لأنه هو الصانع، والحقيقة أن الجهة الصانعة هي الجهة الوحيدة التي ينبغي أن تتبع تعليماتها من بين كل الجهات الأخرى، لأنها تملك الخبرة التامة في هذه الحاجة التي صنعتها.
خاتمة و توديع :
المذيع:
أيها الأخوة والأخوات، تحدثنا في هذه الحلقة عن الحكمة من تذكية الذبيحة، والتذكية في المصطلح الإسلامي هي الذبح بطريقة معينة، كما ذكرها لنا فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي.
أيها الأخوة والأخوات، إلى حلقة قادمة نتحدث فيها عن معجزات خالدة تتكلم على قدرة الخالق سبحانه وتعالى، وتذكرنا بدلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.