- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠71ندوة : أوامر الدين ضمان للسلامة - قناة الحقيقة الدولية
مقدمة :
المذيع :
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وعلى آله وصحابته أجمعين.
أعزائي المشاهدين؛ أسعد الله أوقاتكم بكل خير، أهلاً ومرحباً بكم في هذه الأمسية المتميزة، أمسية من أيام الجمعة المباركة، أمسية ستكون حقيقة مخلدة في أيام قناة الحقيقة الدولية، هذه الأمسية التي نستضيف فيها داعية إسلامي ومن أكبر العلماء قدراً ومكانة بين الناس وبين العلماء، لقد شرفنا اليوم في هذه الأمسية فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي حياكم الله دكتور محمد.
الدكتور راتب :
بارك الله بكم، ونفع بكم، وأعلى قدركم.
المذيع :
دكتور الحقيقة شرفنا بوجودك معنا، وهذا اللقاء الذي يأتي كل يوم جمعة سيكون مميزاً ومتابعاً أيضاً من عدد كبير من المشاهدين الكرام الذين يترقبون بلهفة ماذا يقول فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي، ماذا ينثر حولنا من الدرر؟ ماذا تجود به قريحته حتى ينير لنا الطريق لمن يذهبون ويبحثون عن الفضيلة والأخلاق وسمو التعامل مع الآخرين؟ حللت أهلاً وسهلاً، وأهلاً بك بين أهلك وربعك وجمهور قناة الحقيقة، ولكن في البداية أود أن أعتذر عن التأخير كان بسبب بعض الممارسات المختلفة، وقد كانت هناك مواكب للأفراح عطلت علينا بعضاً من الوقت الثمين الذي كنا نريد أن نحظى به مع فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي، وهذه الأخلاق والسلوكيات لربما نعرج عليها ولو قليلاً مع ضيفنا الكبير في أحد المحاور، أهلاً بكم سيدي، وبداية يتشوق الناس وأنا أولهم لمعرفة نشأة سماحة الدكتور محمد راتب النابلسي، هذه القامة العملية الكبيرة كيف بدأت لتكون قدوة للأجيال القادمة؟
القوة الإدراكية التي أعطاها الله للإنسان لا تلبّى إلا بطلب العلم :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
مما يلفت النظر أن الله عز وجل يقول:
﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ ﴾
أيعقل أن يعلم الإنسان القرآن قبل أن يخلق؟ أجاب العلماء أن هذا الترتيب ليس ترتيباً زمنياً بل ترتيباً رتبياً، بمعنى أنه لا معنى لوجود الإنسان من دون منهج يسير عليه، إذاً أول كلمة في أول آية في أول سورة، قال تعالى:
﴿ اقْرَأْ ﴾
الجماد كهذه الطاولة، شيء مادي له وزن، وله أبعادٌ ثلاثة، بماذا يتميز عليه النبات؟ بالنمو، و الحيوان يزيد عليهما بالحركة، أما الإنسان فله أبعاد ثلاثة، وله وزن، وله حجم وينمو ويتحرك، بماذا يزيد على هذه المخلوقات؟ بأن الله أعطاه قوة إدراكية، هذه القوة الإدراكية تلبى بطلب العلم، فالإنسان إن لم يطلب العلم هبط عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به، ولنستمع إلى قول الله عز وجل:
﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾
قد يكون ضغطه 12/8 مثالي، ضربات قلبه ثمانون وهو عند الله ميت، قال تعالى:
﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾
﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾
﴿ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ﴾
هؤلاء الذين شردوا عن منهج الله وما دققوا في سرّ وجودهم، وغاية وجودهم، ولا آمنوا بربهم، وغرقوا في دنياهم، هؤلاء لا وزن لهم عند الله، فلذلك ما لم يطلب الإنسان العلم لا يكون ملبياً لهذه القوة الإدراكية الرائعة التي أعطاه الله إياها، فلذلك إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، إلا أن العلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظنّ أنه قد علم فقد جهل، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً.
فالقضية قضية مصيرية، ليس العلم وردة أتزين بها، العلم هواء أستنشقه، فإن لم أستنشق الهواء انتهت حياتي، لكن العلم واسع جداً إلى درجة غير معقولة، ماذا أتمنى من الأخوة المشاهدين؟ هناك كما قال العلماء علم ينبغي أن يعلم بالضرورة، هذا مطلوب من كل إنسان بأي اختصاص، لو يحمل بورداً، لو يحمل أكرجيه، لو يحمل اف أر س، ثلاث شهادات كبرى في بريطانيا وفرنسا وأمريكا، ما لم يتعرف إلى الله هبط عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به.
الغرق في الجزئيات :
لذلك هناك مرض خطير أنا أسميه: الغرق في الجزئيات، ما من إنسان إلا عنده قوائم قوائم، و لا يوجد إنسان مات إلا وله قوائم لم تنجز بعد، لكن البطولة أن ينتبه إلى الكليات، من أنت؟ أنت المخلوق الأول عند الله لأنك في عالم الأزل قبلت حمل الأمانة، قال تعالى:
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ﴾
ولأن الإنسان قبل حمل الأمانة سخر الله عز وجل له ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه، تسخير تعريف وتكريم.
المذيع :
دكتور ما الفرق بينهما؟
الفرق بين تسخير التعريف و تسخير التكريم :
الدكتور راتب :
تسخير التعريف يقتضي أن نؤمن بالله، و تسخير التكريم يقتضي أن نشكر، الله منحنا نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمة الهدى والرشاد، قال تعالى:
﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ﴾
نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، أمدك بالهواء، والطعام، والشراب، والزوجة، والأولاد، الدنيا كلها في خدمة الإنسان، قال تعالى:
﴿ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ﴾
إذاً الله عز وجل أرادنا أن نعرفه، وأصل الدين معرفة الله، لكن الله كما تحدثنا في الطريق لا تدركه الأبصار ولكنه يدرك الأبصار، لذلك لا بد من أن نعرفه من خلال آياته الكونية والتكوينية والقرآنية.
المذيع :
الحقيقة هذا المحور الرئيس للحديث ولكننا نتشوق لمعرفة نشأة سماحة الدكتور.
نشأة سماحة الدكتور محمد راتب النابلسي :
الدكتور راتب :
أنا نشأت يتيماً لا أعرف والدي، ولكني نشأت في بيت علم، لي أخ أكبر توفي رحمه الله ، تولى تربيتي، درست في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية في دمشق، والتحقت بكلية التربية في جامعة دمشق، ونلت الليسانس في أدب اللغة العربية وعلومها، دراستي الجامعية في الأدب العربي، ودراستي فوق الجامعية في التربية، معي دبلوم تربية، وماجستير، ودكتوراه في التربية، اختصاصي أدب عربي وتربية، عملت في الجامعة ثلاثاً وثلاثين سنة في جامعة دمشق، كنت أستاذ أصول التدريس في جامعة دمشق كلية التربية، وتقاعدت، هذه لمحة عن حياتي.
المذيع :
كيف اتجهت إلى العلم؟
حقائق الدين الأساسية :
الدكتور راتب :
والله أذكر أنه جاءنا مدرسون هم دعاة إلى الله، جمعوا بين التدريس والدعوة، فكنت أعجب بأسلوبهم، وبإقناعهم، وبطرحهم للقضايا الكبرى، الإنسان عنده فراغ لا يملؤه المال ولا المنصب ولا المتع، فراغ لا يملؤه إلا الإيمان، لذلك إذا رجع العبد إلى الله نادى مناد في السموات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله:
(( إني والإنس والجن في نبأ عظيم، أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر سواي، خيري إلى العباد نازل، وشرهم إليّ صاعد، أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم، ويتبغضون إليّ بالمعاصي وهم أفقر شيء إليّ، من أقبل عليّ منهم تلقيته من بعيد، ومن أعرض عني منهم ناديته من قريب، أهل ذكري أهل مودتي، أهل شكري أهل زيادتي، أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي، إن تابوا فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب، الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد، والسيئة بمثلها وأعفو، وأنا أرأف بعبدي من الأم بولدها ))
هذه حقائق الدين الأساسية، فالإنسان بطولته أن يعرف سرّ وجوده، لو أن شخصاً أرسل ابنه إلى فرنسا ليدرس، هذا الابن استيقظ في صبيحة اليوم الأول، وسأل: إلى أين أذهب؟ نحن نعجب من هذا السؤال! نسأله نحن: لماذا جئت إلى فرنسا؟ إن جئت طالب علم فاذهب إلى السوربون، و وإن جئت سائحاً فاذهب إلى برج إيفل، وإن جئت تاجراً فاذهب إلى الأسواق، فالإنسان كائن متحرك - هذه الفكرة دقيقة - هذه الطاولة كائن سكوني، تبقى مئات السنين هكذا أما الإنسان فكائن متحرك، ما الذي يحركه؟ الحاجة إلى الطعام والشراب حفاظاً على بقائه كفرد، وما الذي يحركه؟ درس وأخذ الليسانس وتعين، تحركه الحاجة إلى الزواج لبقاء النوع دون أن يشعر، بحاجة إلى طعام وشراب لبقاء الفرد، وبحاجة إلى الزواج لبقاء النوع، تزوج وأنجب وأكل وشرب هناك حاجة ثالثة أخطر هي الحاجة إلى بقاء الذكر للتفوق.
فكل إنسان جبل على حبّ التفوق، يحب أن يكون الأستاذ الأول، الطبيب الأول، التاجر الأول، هذه الحاجات الثلاث متوافرة في الدين وأنت في أعلى درجات القرب إلى الله، تحققت هذه الحاجات، الإنسان أعقد آلة في الكون، ولهذه الآلة البالغة التعقيد صانع عظيم، ولهذا الصانع العظيم تعليمات التشغيل والصيانة، فانطلاقاً من حرصك اللا محدود على سلامة وجودك، وكمال وجودك، واستمرار وجودك، سلامة الوجود بالاستقامة، وكمال الوجود بالعمل الصالح، واستمرار الوجود بتربية أولادك، كنت في أمريكا زرتها مرات عديدة، قلت لهم في زمن كلينتون الزوج وليس الزوجة: لو بلغت منصباً ككلينتون، وثروة كأوناسيس، وعلماً كأنشتاين، ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس، فالإنسان بالاستقامة يحقق السلامة، وبالعمل الصالح يحقق السعادة، قال تعالى:
﴿ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾
وبتربية أولاده يحقق الاستمرار، لو فرضنا أن هناك طريقاً لهدف ما، وهناك صخور على عرض الطريق هذه الصخور تمنع السير فيه، فالاستقامة أن تزيل هذه الصخور، لا يكفي.
المذيع :
دكتور ماذا تعني الاستقامة؟
تعريف الاستقامة :
الدكتور راتب :
أن تلغي المعاصي، أن يكون الدخل حلالاً، أن تكون أباً مؤمناً، زوجة صالحة، ويكون البيت منضبطاً، من حولك مؤمنون، تبتغي الحوائج بعزة الأنفس، من دون تذلل، هذا منهج يا سيدي، والله لا أبالغ قد يكون خمسين ألف بند، كيف تكسب المال، كيف تنفقه، كيف تختار زوجتك، كيف تربي أولادك، ما علاقتك بوطنك، ببلدك، بما ينتظره، بما يحيط به، منهج تفصيلي أنا لخصته بهذه الكلمة، يبدأ من أخصّ خصوصيات الإنسان من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية.
المذيع :
دكتور، البعد عن الله هو ما يدور في خلد العلماء والمفكرين، وهذه الظاهرة نرى ظاهرها على أرض الواقع، الناس وفطرتهم لا تدل على أنهم بعيدون عن الله عز وجل لماذا يشرد الإنسان عن الله عز وجل؟
أوامر الدين ضمان لسلامة الإنسان :
الدكتور راتب :
الحقيقة الإنسان فطر على حبّ وجوده وكمال وجوده واستمرار وجوده، أما ماذا يقول أهل النار يوم القيامة؟
﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾
أزمة علم فقط ،والآية واضحة قال تعالى:
﴿ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾
تمشي في طريق فلاة فترى لوحة كتب عليها: حقل ألغام ممنوع التجاوز، بربك هل ترى هذه اللوحة قيداً لحريتك أو ضماناً لسلامتك؟
المذيع :
أكيد هي ضمان لسلامتك.
الدكتور راتب :
فحينما يفهم الإنسان أن أوامر الدين، أن التشريع، أن افعل ولا تفعل، ضمان لسلامته يقبل على هذا الدين، سيدي الأزمة أزمة علم، قال تعالى:
﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ﴾
فلذلك ما لم يكن للإنسان مغذّ، نحن هذا الهاتف الخلوي قد يكون غالياً من أغلى الأنواع، لكن إذا لم تشحنه يصبح قطعة بلاستيك، فالإنسان بحاجة إلى شحن علمي، وشحن روحي، و شحن علمي، ليفهم حقيقة وجوده، وغاية وجوده، وأنه هو الإنسان الأول المكلف المكرم، خلق للآخرة، لجنة عرضها السموات والأرض.
الناس نموذجان لا ثالث لهما :
أخي الكريم قد لا تصدق، البشر على اختلاف مللهم، ونحلهم، وانتماءاتهم، وأعراقهم، وأنسابهم، وطوائفهم، تابع ما شئت هم عند الله نموذجان فقط، الأول قال تعالى:
﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى *وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى *وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى﴾
الآن يوجد سبعة مليارات ومئتا مليون، كل واحد له هدف يتحرك نحوه، هذا لعقد صفقة، هذا لنيل دكتوراه، هذا للإيقاع بين اثنين، هذا لسرقة شيء ما، سبعة مليارات ومئتا مليون قال تعالى:
﴿ إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى﴾
لكن الله عز وجل جمع حركة هؤلاء جميعاً في حقلين اثنين، وأرجو الله للأخوة المشاهدين أن يكونوا من الحقل الأول، قال تعالى:
﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
والترتيب معكوس لحكمة بالغة، صدق بالحسنى والحسنى هي الجنة، صدق أنه مخلوق للجنة، وبناءً على هذا التصديق اتقى أن يعصي الله، وبنى حياته على العطاء، يعطي من ماله، من علمه، من جاهه، من خصائصه، والثاني قال تعالى:
﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾
لأنه كذب بالحسنى وهي الجنة، وآمن بالدنيا، استغنى عن طاعة الله، وبنى حياته على الأخذ، البشر جميعاً على اختلاف مللهم، ونحلهم، وانتماءاتهم، وأعراقهم، وأنسابهم، وطوائفهم، نموذجان عند الله، قال تعالى:
﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾
الإنسان زمن و مضي الزمن يستهلكه :
لذلك ما من تعريف جامع مانع رائع للإنسان كتعريف الإمام الجليل الحسن البصري سيد التابعين، قال: الإنسان هو بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه. فأنت زمن، وأنا زمن، ولأننا زمن أقسم الله لنا بمطلق الزمن، قال تعالى:
﴿ وَالْعَصْرِ﴾
جواب القسم، قال تعالى:
﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾
لم يا رب نحن خاسرون؟ لأن مضي الزمن يستهلكنا، مؤمن، غير مؤمن، مضي الزمن وحده يستهلكنا، فالخسارة محققة، هناك قسم إلهي:
﴿ وَالعَصرِ* إِنَّ الإِنسانَ لَفي خُسرٍ* إِلَّا ﴾
رحمة الله في إلا، قال تعالى:
﴿ إِلَّا الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ وَتَواصَوا بِالحَقِّ وَتَواصَوا بِالصَّبرِ ﴾
هذه أركان النجاة، آمنوا: تعرفوا إلى الله، عملوا الصالحات: خضعوا لأمره ونهيه، تواصوا بالحق: دعوا إليه، تواصوا بالصبر: صبروا على معرفته وطاعته والدعوة إليه، هذه السورة جامعة مانعة، يقول الإمام الشافعي عنها: "لو تدبر الناس هذه السورة لكفتهم".
المذيع :
دكتورنا هل هناك حلّ أو خطوات تطبيقية حتى يقترب الإنسان من الله عز وجل؟ والحقيقة هناك صورة متناقضة في البعد عن الله عز وجل، حتى نقرب الصورة لأبعد مدى للمشاهدين.
حاجة الإنسان إلى حاضنة إيمانية يعيش فيها :
الدكتور راتب :
أخي الكريم؛ لا بد من حاضنة إيمانية تعيش فيها، الدليل قال تعالى:
﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾
لا بد من حاضنة إيمانية، لا بد من صديق مؤمن، رفيق مؤمن، أما إذا عاش الإنسان مع المتفلتين، عاش مع الغافلين، لا يستطيع أن يقيم أمر الله، قال تعالى:
﴿ اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾
المذيع :
دكتور، البيئة المحيطة لها هذا الدور؟
معية الله عامة و خاصة :
الدكتور راتب :
لذلك قالوا: هناك معية عامة ومعية خاصة، قال تعالى:
﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾
هذه المعية معية العلم، مع الكافر، مع الملحد، مع المتكبر، مع الجبار، أما المعية الخاصة، يا الله:
﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
معهم بالحفظ، والنصر، والتأييد، والتوفيق، المعية الخاصة لها ثمن، قال تعالى:
﴿ وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمْ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمْ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي ﴾
نحن نبحث عن المعية الخاصة، إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ ويا رب ماذا وجد من فقدك؟ وماذا فقد من وجدك؟ لذلك أحد الشعراء العارفين بالله قال:
أطع أمرنا نرفع لأجلك حجبنــــــــــا فإنا منحنا بالرضا من أحبنــــــــــــــــــا
ولذ بحمانا واحتمِ بجنــابنـــــــــــــــــــا لنحميك مما فيه أشرار خلقنـــــــــــــــا
وعن ذكرنا لا يشغلنك شاغـــــــــــل وأخلص لنا تلقى المسرة والهنـــــــــا
وسلم إلينا الأمر في كل ما يكــن فما القرب والإبعاد إلا بأمـــــــــــــرنــــا
فيا خجلي منه إذا هـو قال لـــــــي أيا عبدنــــــــا ما قــــــــــــــــرأت كتابنــــا
أما تستحي منا ويكفيك ما جــرى أما تختشي من عتبنا يوم جمعنــــا
أما آن أن تقلع عن الذنب راجعاً وتنظــــــــــــر مـا به جـــــــــــاء وعدنــــا
فأحبابنا اختاروا المحبة مذهبـــــاً وما خالفوا في مذهب الحب شرعنا
فـلو شاهدت عيناك من حسننـــا الذي رأوه لما وليت عنــــــــــا لغـيرنــا
ولو سمعت أذناك حسن خطابنا خلعت عنك ثياب العجب وجئتنـــــــــا
ولو ذقت مـن طعم المحبـــة ذرة عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنـــــــــــا
ولو نسمت من قربنا لك نسمـة لمــــت غريباً واشتيـــــــــاقاً لقربنـــــــــــا
فما حبنا سهل وكل من ادعــى سهولته قلنا له قــــــــــــد جهلتنــــــــــــا
فأيسر مافي الحب للصب قتـلـه وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنـــا
***
الإسلام كالشمس الساطعة والبعد عن الدين كالظلام الدامس :
المذيع :
الله الله دكتورنا وشيخنا الفاضل هذه الدرر والعبارات الرائعة فعلاً تفتح آفاق واسعة، قد نأخذ بعض الاتصالات حتى نستفيد من هذه الدرر والعبارات والجواهر المتناثرة من حولنا من عالم جليل هو شمس العلماء بلا استثناء، معنا اتصال من الأستاذ حسين السلام عليكم ورحمة الله.
س: أود أن أسأل فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي هل للقرآن ظاهر وباطن ومع الأدلة من آيات الله عز وجل؟
سؤال آخر من عناء.
س: أحب أن تدعو لنا بالخير وللجميع، ولكل الشهداء.
الدكتور راتب :
ج: الجواب، تركتكم على بيضاء نقية ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا ضال. الإسلام كالشمس الساطعة، والبعد عن الدين كالظلام الدامس، إلا أنه هناك حقيقة مرة و أنا مضطر أن أقولها، الذي يعمل في الظلام الدامس ينتصر على النائم في ضوء الشمس، الحق ضوء الشمس، والباطل ظلام دامس، لكن الذي يعمل في الظلام الدامس ينتصر على النائم في ضوء الشمس، فلذلك هذه الدنيا قال تعالى:
﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾
وقد لا ينتبه بعضهم أن الصالحين في هذه الآية لا تعني صلاحاً دينياً إطلاقاً إنما صلاح لإدارتها، لذلك إن الله ينصر الأمة العادلة الكافرة على الأمة المسلمة الظالمة، الدنيا تصلح بالكفر والعدل ولا تصلح بالإيمان والظلم. فالقضية محسومة سيدي، لا بد من أن نقيم أمر الله في نفوسنا أولاً، وفي بيوتنا ثانياً، وفي أعمالنا ثالثاً، لذلك قالوا: أقم أمر الله فيما تملك يكفك الله ما لا تملك، أنا ضمن دائرة فيها قوى عاتية، فيها جبابرة في الأرض، فيها أسلحة نووية، كنت أقول دائماً: نحن نستطيع أن نواجه القنبلة الذَّرِّية بقنبلة الذُّرية، نواجه أعتى سلاح القنبلة الذرية، نواجهها بطاعة الله، لذلك قال تعالى:
﴿ َقَدْ مَكَرُوا مَكْرُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾
سيدي في الشام في جبل قاسيون، لو اجتمعت قوى الأرض لتنقله إلى درعا هل تقدر؟ قال تعالى:
﴿ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾
ثم قال تعالى:
﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ﴾
خلاص هذه الأمة بكلمتين، الطاعة مع الصبر طريق إلى النصر، وأما المعصية مع الصبر فطريق إلى القبر.
المذيع :
دكتور هل تلتقي الدنيا والآخرة مع المؤمن؟هل يستطيع الإنسان أن يسعد بالدنيا دون أن يخسر الآخرة؟ وهذه الجدلية أن الدنيا جنة الكافر وسجن المؤمن.
بطولة الإنسان أن تكون نعم الدنيا عنده متصلة بنعم الآخرة :
الدكتور راتب :
الجواب القرآني:
﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾
جنة في الدنيا وجنة في الآخرة، آية ثانية قال تعالى:
﴿ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴾
ذاقوا طعمها في الدنيا هي جنة القرب، والدعاء المشهور أن يجعل الله له نعم الدنيا متصلة بنعم الآخرة، لذلك أخي الكريم هذا الهرم البشري المؤلف من سبعة مليارات ومئتي مليون، يقع على رأسه زمرتان كبيرتان، هم الأقوياء والأنبياء، الأقوياء ملكوا الرقاب، والأنبياء ملكوا القلوب، وشتان بين أن تملك رقبة الإنسان وبين أن تملك قلبه، الأقوياء عاش الناس لهم، والأنبياء عاشوا للناس، الأقوياء يمدحون في حضرتهم، والأنبياء يمدحون في غيبتهم، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا، والأنبياء أعطوا ولم يأخذوا، كل البشر تبع لقوي أو نبي، أتمنى على أخوتي المشاهدين أن يكونوا من أتباع الأنبياء، بنوا حياتهم على العطاء، يعطي من ماله، من علمه، من وقته، من جهده، من خبرته، والآخرون بنوا حياتهم على الأخذ، بعد ألف وأربعمئة سنة يقف المسلم أمام قبر النبي يبكي بكاءً شديداً، بعد ألف وأربعمئة سنة ملكوا القلوب، والأقوياء ملكوا الرقاب، فلذلك البطولة أن أكون من أتباع الأنبياء في انضباط، وفي رحمة.
قانون الالتفاف و الانفضاض :
عفواً الآية تقول، قال تعالى:
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾
هذه الباء باء السبب، أي يا محمد بسبب رحمة استقرت في قلبك من خلال اتصالك بنا كنت ليناً معهم، فلما كنت ليناً معهم التفوا حولك، وأحبوك، ونفذوا أمرك، ولو كنت منقطعاً عنا، لامتلأ القلب قسوة، وهذه القسوة تنعكس على الناس غلظة وفظاظة، عندئذ ينفض الناس من حولك، أنا سميت هذه الآية: قانون الالتفاف والانفضاض، هذه الآية يحتاجها الأب والأم والمعلم وأستاذ الجامعة ورئيس الدائرة، وأعلى منصب، أنت لك صلة بالله إذاً هناك بالقلب رحمة، الرحمة تنعكس ليناً، واللين يجعل من حولك يلتفون حولك، فإن كان هناك بعد عن الله إذاً يوجد بالقلب قسوة، والقسوة تنعكس غلظة وفظاظة، ينفض الناس من حولك، هذه الآية أصل في العلاقات العامة.
المذيع :
دكتور الشباب الآن هم في أمس الحاجة بأن يتفهموا هذه المعاني السامية، نحن الآن نشاهد أن الشباب الآن منصرف وبعيد عن التعاليم الإسلامية والأخلاقية، وبدأت بعض الحواضن تستقطبه وأصبح عندنا جانبان؛ إما متطرف وإما متفلت كما وصفته، هل تصف لنا موقف الشباب الآن؟
العناية بالأسرة لأنها أخطر مؤسسة في المجتمع :
الدكتور راتب :
لا بد أن الشباب هم قوام الأمة، الشباب مستقبل الأمة، والشباب الورقة الرابحة في الأمة، إلا أنهم إن عرفتهم بربهم أصبحوا قوة للأمة، إن أبعدتهم عن ربهم أصبحوا عبئاً على الأمة.
بصراحة هناك ثلاث مؤسسات بحياة المسلمين؛ مؤسسة البيت، فإذا أقنعنا ربة البيت أن تخرج من البيت، وأن تدع أبناءها للخادمة، أنت ألغيت أخطر مؤسسة هي الأسرة، أنا فيما أعلم العالم الغربي إذا كتب على بطاقة المرأة ربة بيت تفتخر بها وكأنها دكتورة، ربة البيت، لأن الأولاد إن لم تتولاهم أمهم من يربيهم؟
قال لنا مرة دكتور في الجامعة: المرأة حينما نافست الرجل خسرت مرتين، خسرت أنوثتها، وخسرت السباق، هي حينما تقبع في بيتها تربي أولادها، إذا كان هناك طيار ترك مكان القيادة وجلس مع الركاب قضى عليهم جميعاً، مكانه الحقيقي في غرفته الضيقة الصغيرة، هذه الآية:
﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ﴾
فلذلك قضية المرأة حينما تربي أولادها تكون في أعلى درجة من العبادة، أنا أضرب مثلاً لأخواتنا المشاهدات، إذا امرأة تحب الله حباً لا حدود له افتراضاً، وقامت الساعة الثانية ليلاً لقيام الليل، وصلت، وبكت، والدموع تمشي على الأرض، وفي الساعة السادسة تعبت وأوت إلى فراشها، وعندها خمسة أولاد، قالت لهم: ماما دبروا حالكم، هذا ما كتب وظيفته فنال عقاباً، والثاني ثيابه غير نظيفة فنال عقاباً، وهذا وضع الشطيرة من دون كيس نايلون فانتقل الزيت للكتاب فنال عقاباً، أقول: هذه المرأة لو استيقظت بعد الفجر بقليل، ودفأت الغرفة، وراقبت وظائف أولادها، واستمعت إلى حفظهم، وأطعمتهم الطعام الجيد، وراقبت ثيابهم تماماً هذه أقرب إلى الله مليون مرة، لأنها عبدت ربها فيما أقامها، أقامها أماً، أنا أقول دائماً عندنا عبادة مألوفة هي عبادة الهوية، من أنت أيها الإنسان؟ أنتَ غني؟ عبادتك الأولى إنفاق المال، لأن الله ما جعلك غنياً إلا لتصل بمالك إلى أعلى درجات الجنة، أنت قوي؟ معك توقيع، معك قرار، من صناع القرار، ما جعلك الله قوياً بقرارك إلا لتصل بقوتك إلى أعلى درجات الجنة، أنت من؟ عالم؟ ما جعلك الله عالماً إلا لتنفق علمك بالخير دائماً، وعندما تنفق هذا العلم بالخير تصل به إلى أعلى درجات الجنة، قال تعالى:
﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّه ﴾
هذه يسمونها بالبلاغة صفة جامعة مانعة، مترابطة مع الموصوف ترابطاً وجودياً، العالم يتقرب بعلمه، والغني بماله، والقوي بسلطته، والمرأة برعاية زوجها وأولادها:
(( اعلمي أيتها المرأة، وأعلمي من دونك من النساء أن حسن تبعل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله ))
الجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام.
المذيع :
حتى لا يذهب السؤال الذي قال هناك ظاهر وباطن للقرآن، هل هناك إجابة مختصرة حتى لا يعتب علينا السائل؟
العبادة ظاهرة و باطنة :
الدكتور راتب :
الحقيقة المعاني الظاهرة هي الظاهرة، مثلاً هناك عبادة للقلب، قال تعالى:
﴿ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا ﴾
العبادة الظاهرة صلى، توضأ وصلى، حج بيت الله الحرام، صام في رمضان، هذه عبادة ظاهرة، أما العبادة الباطنة فعبادة القلب، ما عبادة القلب؟ الإخلاص، العمل لا يقبل إلا بحالتين إذا كان خالصاً وصواباً، خالصاً ما ابتغي به وجه الله، وصواباً ما وافق السنة.
المذيع :
اتصال من الأستاذ أمين العمري:
س: ملاحظتان؛ الأولى نعيش نحن الآباء في بذل الجهد في العدالة بين الأبناء أرجو أن يبسط علينا العدالة في أقربها بين الأبناء- ذكور وإناث- من كل النواحي العلمية والتربية والزواج.
الملاحظة الثانية: ما هو المطلوب من الإعلام والإعلاميين في جميع أشكاله مرئي ومسموع في إظهار حقيقة المسلمين ونعرف أن الإعلام في وقتنا الحاضر شيء مهم جداً؟
العدالة بين الأولاد أحد أكبر أسباب استقرار الأسرة :
الدكتور راتب :
صدق ولا أبالغ أحد أكبر أسباب استقرار الأسرة العدالة بين الأولاد حتى في القبل، هذا الطفل طبعاً دون أن تشعر هناك طفل تألقه أكبر من أخيه، دراسته أقوى، أذكى، قد يكون أكثر وسامة، هذا قد يكون في القلب، عبر النبي صلى الله عليه وسلم عنه بقوله:
(( اللهم هذا قَسْمي فيما أملك. فلا تَلُمني فيما تَملك ولا أَملك ))
القلب لا تملك، أما العدل فيجب أن يكون حتى في القبل، حتى في العطاء، حتى في المنحة، حتى في المودة، هنا البطولة، قد يكون طفل أقل ذكاء من طفل، أو أقل وسامة، أنا أملك أن أتوضأ، وأن أصلي، وأن أقف في خشوع، وأن أتلو القرآن، وأن أتدبر ما قرأت، البطولة في الأب أن يعاملهم معاملة شبه تامة، لكن الأب معفى من ميل القلب، هذا ليس بيده، النبي صلى الله عليه وسلم عبر عن ذلك:
(( اللهم هذا قَسْمي فيما أملك. فلا تَلُمني فيما تَملك ولا أَملك ))
المذيع :
السؤال الثاني عن دور الإعلام؟
دور الإعلام في إظهار حقيقة المسلمين :
الدكتور راتب :
أنا سوف أقول كلمة: نحن عندنا بيت، ومدرسة، وإعلام، إذا لم يكن هناك تنسيق بينهم فهناك مشكلة كبيرة، يأتي الابن يدخل إلى الجامع، يسمع الخطيب يتحدث عن آدم وحواء، يدخل دكتور الطبيعة يقول لك: الإنسان أصله قرد، أقسم لك بالله هذه النظرية نظرية دارون وضعت خصوصاً للإلحاد، وأنا عندي معلومات دقيقة جداً جداً أنها باطلة من كبار علماء الغرب باطلة، سوف أضرب مثلاً بسيطاً لو أخ أراد أن يشتري سيارة و لم يشتر، والثاني أراد أن يشتري واشترى، سرت إشاعة في البلد أن هناك تخفيض جمارك خمسون بالمئة، الذي اشترى يكذبها قبل أن يتابع، من دون دليل يكذبها، لأن تكذيبها يريحه، والذي لم يشتر يصدقها، فأنت عندما تعتقد بنظرية دارون أي لا يوجد إله، اي اغتصب أموال الشعوب، انتهك حرمات الشعوب، أساساً الغرب قائم على الظلم و منطلق من الإلحاد.
المذيع :
دكتور نريد أن نريحك بفاصل، نتابع مع فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي بعد الفاصل.
نرحب مرة أخرى بفضيلة الدكتور راتب الذي هو ضيف الحقيقة الدولية، نتشرف نحن والعاملون فيها بأن يكون في هذه الأمسية ضيفاً علينا، هناك سؤال يتعلق بالشباب الذي انجرف نحو التطرف بشقيه، ما الذي يجعل هذا الشباب يعود إلى حاضنته؟ ورأينا بعض الحوادث للمتفلتين الذين يقومون بأعمال يندى لها الجبين، من يقتل والدته، من يقتل شقيقه، كيف يمكن أن نرجع هؤلاء؟
العناية بالطفل منذ ولادته :
الدكتور راتب :
الحقيقة المرة أهون ألف مرة من الوهم المريح، بدراستي للتربية الدقيقة جداً تبين أن كل ما يتمناه الأب من ابنه يلقنه إياه في السبع سنوات الأولى فقط، وبعد هذه السنة السابعة عبارة لطيفة قالها الدكتور: العوض بسلامتك، عاداته، مهاراته، أخلاقه، كلها يكسبها في السبع سنوات الأولى، و الأب عندما يهمل ابنه يصحو بعد أن يمشي بطريق خاطئ لم يعد هناك قوة تغيره، لذلك أقول انا للأخوة المشاهدين: ما لم تعتن بابنك من يوم ولادته، بكى أرضعته أمه، كان جائعاً، بكى يحتاج إلى تنظيف نظفته، الآن بكى لا يوجد شيء، إذا حملناه عودناه على سلوك خاطئ، من أول يوم تبدأ تربية الابن وحتى يصبح عمره سبع سنوات، كل المهارات والأخلاق والعادات والطباع التي تتمناها لابنك ترسخ به بالسنوات السبع الأولى، إذا أهمل في أول سبع سنوات هناك مشكلة كبيرة، لذلك قالوا: لاعب ولدك سبعاً، وأدبه سبعاً، وراقبه سبعاً، أول سبع سنوات ملاعبة وحب، والثانية تأديب، والثالثة مراقبة، ثم اترك حبله على غاربه، لو بلغ أعلى منصب في الأرض، وجمع أكبر ثروة في الأرض، واعتلى إلى أعلى مقام في الأرض، ولم يكن ابنه كما يتمنى فهو أشقى الناس، والحقيقة الذي يعتني بأولاده يعتني بنفسه، لا يوجد شعور يفوق أن ترى ابنك صالحاً، مؤمناً، طاهراً، له مكانة اجتماعية، يدك اليمنى في كل شيء، القضية ليست سهلة، وأنا أرى الغرب ماذا أراد؟ أراد إفساد العلاقة الأسرية، هناك هيئات مافيات في العالم لإفساد أخلاق المسلمين، أنا أقول: كانوا من قبل بالقوة المسلحة يجبروننا على أن نفعل ما يريدون، الآن يجبروننا بالقوة الناعمة المرأة على أن نريد ما يريدون، هذا ملخص الملخص.
المذيع :
دكتور ذكرت بعض العبادات المألوفة، وهناك أيضاً بعض النعم المألوفة التي قد لا يشعر بها الإنسان، وتحظى شعوب المنطقة بشكل عام بأجواء متوترة وحروب، السؤال الأول كيف تفسر الأحداث التي تجري في هذه المنطقة وما يعاني منه المسلمون والعرب؟ وما هي النعم المألوفة التي يتناساها كثير من الناس؟
تفسير الأحداث التي تجري في المنطقة وما يعاني منه المسلمون والعرب :
الدكتور راتب :
الكلمة الأولى والأخيرة ولا أجامل بها أحداً: ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا يرفع إلا بتوبة، هذه واحدة، كل شيء وقع في القارت الخمس من آدم إلى يوم القيامة أراده الله، ما معنى أراده لكيلا يفهم الكلام فهماً غير صحيح؟ أب طبيب تزوج ولم ينجب بعشر سنوات، ثم جاءه ولد جميل جداً، آية في الجمال، فإذا بهذا الطبيب الأب يكتشف أن ابنه مصاب بالتهاب الزائدة، هذا الأب الذي يهيم حباً بابنه يسمح بفتح بطن ابنه، وتخديره، وإجراء عملية استئصال الزائدة، تخيط الجرح وهناك آلام بعدها شديدة، كل شيء وقع في القارات الخمس من آدم إلى يوم القيامة أراده الله أي سمح به فقط، لم يأمر ولم يرض، أراد ولم يأمر، أراد ولم يرض، كالأب الذي وجد ابنه معه التهاب زائدة، مع تعلقه اللا متناهي وحبه الشديد يسمح بفتح بطن ابنه، فكل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، فالذي وقع لو لم يقع لكان الله ملوماً، والذي وقع لو لم يقع لكان نقصاً في حكمة الله، وإرادة الله متعلقة بالخير المطلق، لا يوجد في الكون شر مطلق، هناك شر نسبي، الدليل قال تعالى:
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾
نحن نشبه أباً عنده ثلاثة أولاد، ولد منغولي تركه لا يوجد أمل منه، وولد ذكي متفوق أيضاً تركه لأنه حقق الهدف، وعنده ولد بينهما، ذكي ومقصر، يصب عليه جام غضبه لأنه يوجد أمل منه، لو أن مريضاً معه التهاب سرطان منتشر، ومريض معه التهاب بالمعدة، سأل الذي معه التهاب بالمعدة: ماذا آكل؟ أعطاه الطبيب حمية قاسية لستة أشهر على الحليب، والثاني قال له: كُلْ ما شئت، أيهما أفضل أن تخضع لحمية قاسية جداً وهناك أمل بالشفاء كبير أم يقال لك افعل ما تريد؟ اسمع الآية:
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾
أما المؤمنون إذا قصروا فعندهم حساب دقيق، وهذا الحساب لصالحهم.
المذيع :
دكتور السؤال الثاني حول النعم المألوفة بفضل الله عز وجل ربما ننعم بنعم كثيرة قد لا نشعر بها، ولربما لا يعطونها حقها من الشكر.
النعم المألوفة التي يتناساها كثير من الناس :
الدكتور راتب :
أوضح مثل إنسان سافر إلى بلد بعيد لأداء مهمة معينة دراسية، أو خبرة معينة، غاب شهرين، خلال هذين الشهرين - ستون يوماً - لا يخطر في باله لثانية واحدة أن رجلاً أجنبياً دخل بيته، لأن زوجته صالحة، هذه نعمة لا تقدر بثمن، لكن لا يعرفها إلا من فقدها، لذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال:" اللهم أرنا نعمك بدوامها لا بزوالها" أي هذا البلد الطيب التدين ليس تهمة تحاسب عليها، هذه نعمة كبيرة جداً جداً، وهناك أطياف، الشعب الأردني لا يوجد فيه بين كل طيفين أحقاد تاريخية تقتضي القتل، وهناك دولة قوية تحاسب وتعاقب، ولا يوجد عندها قتل، هذه نعم ثلاث مألوفة، البطولة أن تشكر النعم المألوفة، والدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: " اللهم أرنا نعمك بدوامها لا بزوالها".
أما إذا زالت فتراها صارخة، البطولة أن تشكر النعم المألوفة، هذا البلد له هذه الخصائص، أنا والله أقولها بشكل موضوعي، لا تزلفاً ولا إرضاءً.
المذيع :
دكتور سؤال أيضاً: الآن هناك أمور تجعل الناس محبطين والأوضاع كلها تشير إلى نفق لا نعرف أين نهايته، دكتورنا ما هي رؤيتك؟ إلى أين نسير؟ وما بعد هذا النفق المظلم؟ وكيف نشعل شعلة الأمل في الناس؟
الفرق النوعي بين أمة الإسلام و الأمم الأخرى :
الدكتور راتب :
كنت مرة في عمان، أركب مع أخ كريم، والنافذة مفتوحة من طرفي، دخل من خلال النافذة لاقط ميكروفون، قال لي: نريد كلمتين أستاذ، ماذا أقول له؟ قلت له: أنت مرتاح؟ قال: لماذا أنا؟ قلت له: ليس من الضروري أن تكون أنت، المهم ألا يوجد عندك مشكلة في البيت، مشكلة صحية، لا يوجد عندك مشكلة في الدخل، لا يوجد عندك مشكلة في العمل، مرتاح، لا تغير الله لا يغير، لا تقلق أنت تمشي صح لا تغير لا يغير، الآن عندك مشكلة أحياناً زوجية، أحياناً مالية، أحياناً صحية، أحياناً اجتماعية، نقول لك: غير ليغير، انظر إلى هذا الدين العظيم، ضغطته بأربع كلمات: لا تغير لا يغير، غير ليغير، لا تقلق، قال تعالى:
﴿ قُل لَن يُصيبَنا إِلّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا ﴾
لن لتأبيد النفي، كتب الله لنا وليس علينا، عفواً سيدي، ثقة المؤمن بربه لا حدود لها، النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة مهدور دمه، وهناك مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً، تبعه سراقة، دقق، قال له: كيف بك يا سراقة إذا لبست سوار كسرى؟ رجل مهدور دمه، مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً، يقول لسراقة: كيف بك إذا لبست سوار كسرى؟ أي أن النبي الكريم موقن أنه سيصل إلى المدينة، وسيؤسس دولة، وسينشئ جيشاً، وسيحارب أكبر دولة في العالم- الفرس- وسينتصر عليها، وسوف تأتي الغنائم ولك يا سراقة سوار كسرى، هذه ثقة النبي بربه، لا تقل: انتهينا، لا لم ننته، نحن أمة تنام ولا تموت، الآن نائمون قليلاً، هذا من فضل الله علينا، قال تعالى:
﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنوا مِنكُم وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَستَخلِفَنَّهُم فِي الأَرضِ ﴾
أنا أرى اليأس يقترب من الكفر، لا تقل: انتهينا، لا لم ننته، هذه الأمة مكرمة عند الله، قال تعالى:
﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾
أي أصبحتم بهذه الرسالة خير أمة، فهناك تقصير، و ضبابية أحياناً، تقصير بنصر هذا الدين، لكن نحن ننام أحياناً ولا نموت، لذلك أحد كبار فلاسفة الغرب في بريطانيا مستر جيب قال: أنا لا أصدق أن يستطيع العالم الإسلامي اللحاق بالغرب على الأقل في المدى المنظور لاتساع الهوة بينهما، ولكنني مؤمن أشدّ الإيمان أن العالم كله سيركع أمام أقدام المسلمين، لا لأنهم أقوياء أبداً، ولكن لأن خلاص العالم بالإسلام.
هذه حقيقة يعرفها الغرب، عنده حالة اسمها: فوبيا الإسلام، الخوف من الإسلام، كل سياسة الغرب هي قلقة من أن ننهض، وهم عندهم اعتقاد جازم يكفي أن يكون هناك برنامج واحد يقود هذه الأمة لتستعيد نصرها، صلاح الدين الأيوبي ما أهرق دم إنسان عندما استعاد القدس، أما الفرنجة فقتلوا سبعين ألفاً، يوجد فرق نوعي بين هذه الأمة وبين أمم أخرى.
المذيع :
سيدي نقترب كثيراً من نهاية اللقاء، حقيقة الكل يتمنى ويحب أن يسمع مثل هذه الدرر والجواهر من علّامة بهذا القدر، وبهذا الاحترام والتقدير، نريد أن نسمع كلمات أخرى لجمهور قناة الحقيقة الدولية.
الدين الإسلامي أربع كتل عظيمة :
الدكتور راتب :
كنت في أمريكا أحد أخواني الكرام يعمل في شركة جنرال موتورز، معمل كاديلاك، فدعاني أن أمضي يوماً في هذا المعمل، يقول لي الدليل: هذه السيارة فيها ثلاثمئة ألف قطعة، أما أنا كراكب سيارة فأرى ستة أشياء؛ الغلاف المعدني، المحرك، العجلات، المقاعد، المقود، نزلوا عندي من ثلاثمئة ألف إلى خمسة، أنا أقول: هذا الدين فيه مليون مليون موضوع، أما إذا أردت أن أعطيك كتل هذه الموضوعات فهم أربع، الدين عقيدة إن صحت صح العمل، والدين استقامة، ما لم تستقم على أمر الله لن تقطف من ثمار الدين شيئاً، من دون استقامة فولكلور إسلامي، أو خلفية إسلامية، أو أرضية إسلامية، أو تصورات إسلامية، أو انتماء إسلامي، عاطفته إسلامية، وهذا القوس إسلامي، وبطاقة المعايدة إسلامية، هذا شيء ثان، أولاً: هذا الدين العظيم أول مقوم له العقيدة، إن صحت صح العمل، ثاني مقوم الاستقامة، ما لم نستقم على أمر الله لن نقطف من ثمار الدين شيئاً، الثالثة العمل الصالح، والرابعة الصلاة، أربعة مكونات - كتل كبيرة – عقيدة، عمل صالح، اتصال بالله، مثل مثلث أول قسم العقيدة، الثاني العبادة، ثم المعاملة، و آخر شيء الأذواق، هذا الدين، وأرجو الله عز وجل أن يحقق لهذه الأمة أهدافها.
المذيع :
دكتور كيف نحقق هذه المراحل مع النشء الجديد؟
ضرورة تعليم النشء الجديد حقائق الدين المشرقة :
الدكتور راتب :
عندما مشكلة كبيرة أن فاقد الشيء لا يعطيه، نبدأ بالآباء، الأب عندما يتعلم يحضر مجلس علم، يطلب العلم، يكون في البيت كتاب تفسير، كتاب سيرة، كتاب حديث، له مع أولاده لقاء بالأسبوع أكثر من مرة، في هذا اللقاء يقدم لهم حقائق الدين المشرقة، لا بد من أن نعلم أولادنا إذا ما علمناهم ندفع ثمناً باهظاً جداً، والله قد لا يحتمل هذا الثمن.
المذيع :
إذاً البيت والأسرة هي الحاضنة الأولى.
الدكتور راتب :
والمرجعية الدينية، البيت الأسرة والتعليم والمرجعية الدينية.
المذيع :
دكتور المرجعية الدينية، هنا يوجد إشكالية، الناس يقولون: إلى من نذهب لنأخذ ديننا منه؟ القدوة عدمت، أصبح بعض العلماء الذين كانوا قدوة ينحون مناح سياسية وحزبية أحياناً قد تذهب هذه الهيبة والقدوة، ماذا يفعلون؟
من علم الله فيه خيراً هداه إلى الطريق الصحيح :
الدكتور راتب :
الآية دقيقة جداً قال تعالى:
﴿ ﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ ﴾ ﴾
إذا إنسان كان قاعداً في ألاسكا رأى القمر فقال: هل يوجد إله؟ مثلاً هذا مفتقر إلى عمل يعيش منه، وجد في الجريدة أن مؤسسة بواشنطن تحتاج إلى شخص يحمل نفس الشهادة، ذهب إلى واشنطن وتعين في هذه الوظيفة، ففرزته الدولة إلى بلد خليجي، سكن في بيت إلى جانبه عالم، لأنه قال في ألاسكا هل يوجد إله؟ قال تعالى:
﴿ ﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ ﴾ ﴾
أنا أطمئنك، مستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن يعلم الله من هذا العبد رغبة في معرفته دون أن يهديه، هذه نقطة مهمة جداً.
من هان أمر الله عليه هان على الله :
الآن إن لم يكن فيهم خير ولو أسمعهم قال تعالى:
﴿ ﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ ﴾
إذاً مادام هناك طلب للحق فالله مع الإنسان، هذه النقطة الأولى.
الآن كل ما نعانيه أقول عنه هذه العبارة: هان أمر الله على الناس فهانوا على الله.
هذا إيماني، والكرة في ملعبنا، يمكن أن نعود كما كنا وأعظم، وأن نستعيد دورنا القيادي بين الأمم، نحن كنا رعاة الغنم فأصبحنا قادة للأمم، ممكن أن نرجع كما كنا.
المذيع :
دكتور نحن الحقيقة نقدر الجهد الذي بذلته في هذه الليلة، وهذه الأمسية الرائعة نريد كلمة إلى جمهور قناة الحقيقة الدولية ليستفيدوا من هذه الحكم.
الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم :
الدكتور راتب :
الحقيقة أن الإنسان ما لم يطبق لن يقطف من ثمار الدين شيئاً، فمن عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم، أخواننا الكرام يستمعون إلى درس بأي فضائية، هناك نقاط مهمة يكتبون رؤوس أقلام، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(( (( بلغوا عني ولو آية )) ))
من يصدق أن الدعوة إلى الله فرض عين، لو أنا سألت مسلماً لماذا تصلي؟ يقول: لأنه فرض، والدعوة فرض، الدليل قال تعالى:
﴿ ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾ ﴾
فالذي لا يدعو إلى الله على بصيرة ليس متبعاً لرسول الله، لكن هذه العبادة فرض عين في حدود ما تعلم ومع من تعرف، فرض الكفاية تبحر وتعمق، أرجو الله أن يستفيد الناس -الأخوة الكرام - من أي برنامج ديني في أي محطة فضائية، لكن أحياناً تريد مقياساً أرضياً دقيقاً كنت أقول قبل عشر سنوات: خذوا دينكم عن الأرضيات لا عن الفضائيات، أحياناً يكون هناك محطات معها برنامج معين، ومنهج معين، أيضاً هذه خطيرة، عفواً أنت أمام خمسة أثواب قماش، مكتوب على كل واحد: خمسة وثلاثون يارداً، وهناك احتمال أن يكون ثلاثين يارداً، ما الحل؟ يكون معك يارداً فتقيسهم، البطولة أنت أن تملك مقياساً؛ مقياس الحق، مقياس الخير، مقياس الجمال، معك مقياس تقيس كل شيء، أنا أقول للأخوة المشاهدين لا تقبل شيئاً من دون دليل، ولا ترفض شيئاً من دون دليل، واعتقد يقيناً أن كل ما تعلمه من دون تطبيق لا وزن له عند الله، ما لم تطبق لا ترقى عند الله، قال تعالى:
﴿ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ﴾ ﴾
أرجو الله أن يحفظ هذا البلد الطيب.
المذيع :
دعاء نختم به هذه اللقاء الطيب.
دعاء لفضيلة الدكتور راتب النابلسي :
الدكتور راتب :
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخيّاً وسائر بلاد المسلمين، واحقن دماء المسلمين في كل مكان، واحقن دماءهم في الشام، وصلى الله على رسولنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين، الفاتحة.
خاتمة و توديع :
المذيع :
بارك الله بكم سيدي، وجزاكم الله كل خير، الحقيقة سعدنا وسعد جمهور الحقيقة الدولية، أن يكون ضيف لقاء الجمعة في هذه الجمعة المباركة العلّامة الكبير، ويستحق أن يكون له كل الألقاب، مع أنه متواضع جداً، ولا يفضل ذلك، لكن شمس علماء الأرض سماحة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، كان اليوم هنا في الحقيقة الدولية، كان اليوم هنا ضيفاً على أبناء الشعب الأردني والعربي، كان اليوم ينثر جواهره التي لا تقدر بثمن، كان اليوم بيننا، وببركته وهمته وعطائه المنقطع النظير الذي لا يترك وقتاً إلا ويبلغ كلمة الحق، الذي لا يترك دعوة في سبيل الله عز وجل ومحاضرة إلا تراه ملبياً من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، لا يرقد في بيته كما يرقد في طيارته التي تنقله بين البلدان لينشر الفضيلة، لينشر العدل في هذا الكون الذي يفتقد اليوم لأبسط مقومات الأخلاق والقيم، إنه القدوة، إنه العالم الجليل، إنه العالم الكبير الذي تشرفت أن يكون ضيفاً على برنامجي في هذه الأمسية سماحة فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي.
الدكتور راتب :
بارك الله بكم، وأعلى قدركم، وحفظ لكم بلدكم الطيب إن شاء الله.
المذيع :
لك منا كل التقدير منا ومن إدارة قناة الحقيقة، ومن جمهور الحقيقة الذي نعتذر منه عن تلقي بعض الاتصالات، وحاولت ألا أقاطع هذا الضيف الكبير حتى لا أقطع سلسلة الأفكار والدرر التي في الحقيقة شنف أسماعنا بها، والشكر والتقدير لسماحته، ثم الشكر لكم على مكوثكم معنا ومتابعتكم، وسلام عليكم ورحمة من الله وغاية مقصود المقل سلام.
والحمد لله رب العالمين