- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠27برنامج تحية الإفطار - قناة الرسالة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وعلى آله بيته الطيّبين الطاهرين، وعلى أصحابه الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألوِيَتِه، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وُحول الشهوات إلى جنّات القربات.
الرفعة عند الله تتحقق بالاستقامة على أمره :
أيها الأخوة المشاهدون، أيها الأخوة الأحباب؛ آيات قليلة فيها معان كثيرة، قال تعالى:
﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى *وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى *وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى﴾
متنوع، على وجه الأرض اليوم ثمانية مليارات إنسان كل واحد يتجه إلى هدف، هذا إلى هدف مشروع، وهذا إلى هدف غير مشروع، هذا هدف مباح، قال تعالى:﴿إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى﴾
ولكن هل يمكن أن توضع هذه الحركات لثمانية مليارات إنسان في الأرض في حقلين اثنين؟ الجواب نعم، قال تعالى:﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى *وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى *وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى* فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
ما الحسنى؟ هي الجنة، فكل إنسان يصدق بالحسنى من لوازم التصديق بالحسنى قطعاً أنه ينضبط، يتقي أن يعصي الله، يتقي أن يخالف أمره، يتقي أن يخرج على منهجه، يتقي أن يؤذي مخلوقاً، يتقي جميع المعاصي والآثام، يتقي البعد عن الله، يتقي إيذاء الخلق، يتقي بألا ينافق، ألا يكذب، أي لا تعد ولا تحصى ثمار هذه الطاعة لله عز وجل، قال تعالى:﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى *وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى *وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى * فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى ﴾
بنى حياته على العطاء، أعطى من ماله، من علمه، من ذكائه، من خبراته، أعطى إذا أغفلنا المفعول به أطلق الفعل، أعطى بنى حياته على العطاء، ذلك أن الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا، ملكوا القلوب، الأنبياء يعيشون للناس، أما الأقوياء فملكوا الرقاب، يعيش الناس لهم، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا، لذلك:﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى *وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى *وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى * فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى ﴾
سمة وحيدة جامعة مانعة بتعبير معاصر إستراتيجية العطاء، من علمه، من ماله، من وقته، من خبرته، أما العطاء فيحتاج إلى مقدمة سلبية، أعطى واتقى أن يعصي الله، ما جمع عطاء ومعصية، أعطى واتقى أن يعصي الله، فالاستقامة طابعها سلبي، يقول لك المستقيم: أنا ما أكلت مالاً حراماً، أنا ما كذبت، أنا ما غششت، أنا ما أفسدت علاقة بين اثنين، هذا الشيء السلبي، والعطاء أعطيت من علمي، من وقتي، من مالي، من خبرتي.﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
ما هو الرد الإلهي؟﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾
زواجه ميسر، علاقته مع أهله ميسرة، مع أولاده ميسرة، مع أمه وأبيه ميسرة، في عمله ميسرة، في تجارته ميسرة، في وظيفته ميسر، المطلق على إطلاقه:﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
سوف نيسره لليسرى، هذا قسم، لذلك إذا أردت الدنيا استقم على أمر الله، إن أردت الرفعة عند الله فاستقم على أمره، إن رأيت عملاً مريحاً استقم على أمر الله، زواجاً ناجحاً أو أولاداً أبراراً أو بنات راقيات في أخلاقهن...كن مـع الله ترّ الله معك واتـرك الكل وحاذر طمعك
* * *
الاستغناء عن طاعة الله يولّد التعاسة و الشقاء :
لكن الطرف الآخر قال تعالى:
﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى﴾
لأنه كذب بالآخرة، كذب بالجنة، الكلام الدقيق استغنى عن طاعة الله، لا علاقة له بهذا المنهج، لا يعبأ له أكان دخله حلالاً أم حراماً، أكانت هذه العلاقة مع طرف آخر مشروعة أم ممنوعة، لا يعبأ بشيء، إذا لم يعبأ بشيء عندئذ لا أحد يعبأ به، هذا الثاني قال تعالى:﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾
والترتيب معكوس لحكمة بالغة، لأنه كذب بالحسنى أي كذب بالجنة، لم يعبأ بعمل صالح، بخل واستغنى، استغنى عن طاعة الله، عن التقرب إليه، عن أداء الصلوات، عن زيارة بيت الله الحرام، عن دفع الزكاة، كذب واستغنى، أعرض واستغنى وكذب بالحسنى، الرد الإلهي المعالجة الإلهية أو العقاب الإلهي، قال تعالى:﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾
لا يوجد سعادة في بيته، ولا بعمله لا يوجد توفيق، ولا نجاح، هناك جهد كبير، وناتج قليل، أنواع العقابات تأتيه تباعاً، لذلك هذه السورة وفي مطلعها هذه الآيات:﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى *وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى *وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى * فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾
إذا أعطى الله عز وجل أدهش، إذا حفظك فلا جهة في الأرض تستطيع أن تنال منك، إن كنتم مع الله كان الله معكم، قال تعالى:﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾
كذب بالآخرة، من لوازم التكذيب بالآخرة استغنى عن طاعة الله، ومن لوازم التكذيب بالآخرة استغنى عن طاعته، وقبل بالشهوة لا بالمبدأ.بطولة الإنسان أن يكون مع الحق :
لذلك أيها الأخوة يقع على رأس الهرم البشري زمرتان، الأنبياء والأقوياء، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا، الأقوياء ملكوا الرقاب، الأنبياء ملكوا القلوب، الأقوياء يمدحون في حضرتهم، الأنبياء يمدحون في غيبتهم، والناس جميعاً تبعٌ لقوي أو نبي، لذلك هذه الآيات الدقيقة العميقة الشفافة الرائعة قال تعالى:
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾
أنا أرى أن أهل الأرض في كل أقطار الأرض لا بد من أن يكون الواحد في جانب أو بآخر، فالبطولة أن تكون مع الحق، وأن يكون الحق معك، لذلك :(( ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء ))
الدعاء :
اللهم أغننا بالافتقار إليك، ولا تفقرنا بالاستغناء عنك، استر عوراتنا وعورات جميع المسلمين، لا تجعل لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ارزقنا فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين.