- العقيدة الإسلامية
- /
- ٠6الجن والسحر
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إن أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
ما من إنسان يصاب بمسٍّ من الشيطان إلا بذنب كبير اقترفه :
أيها الأخوة الكرام، مع الدرس الخامس من دروس الجن و السحرة و المشعوذين، و قد بينت لكم في دروس سابقة أن شريحة كبيرة من المسلمين كانت ضحية الشعوذة، و الوهم، والجهل، و لابد من توضيح الأمور، ننتقل اليوم أيها الأخوة إلى أسباب تسلط السحرة والشياطين.
بادئ ذي بدء، في الحديث القدسي الصحيح عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ:
(( يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا.....))
هذا الحديث الطويل ينتهي بالفقرة التالية:
((.....فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ ))
يأتيك إنسان يقول لك: ابني أصابه مس من الجن، ويثني على ابنه ثناء غير معقول، وكأن الله سبحانه و تعالى ضيق عليه بلا سبب، يحرجك، و يحيرك، لكن الحقيقة التي ينبغي أن تكون معلومة لديكم هي أنه ما من إنسان يصاب بمس من الشيطان إلا بذنب كبير اقترفه، لكن الأب يميل دائماً إلى حسن الظن بابنه كي يرتاح.
الإنسان الموصول بالله تعالى لا تستطيع شياطين الأرض أن تمسه بسوء :
و الله أيها الأخوة، كم سمعت ثناء من آباء على أولادهم، هم من أسوأ خلق الله، لكن الأب من أجل أن يريح نفسه يحسن ظنه بابنه، وبشكل عام لا تصدق و لا تعتقد أن إنساناً يتحرك وفق منهج الله يصاب بمس من الجن، مستحيل و ألف ألف مستحيل:
﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ﴾
الإنسان الموصول بالله عز وجل لا تستطيع شياطين الأرض أن تمسه بسوء:
﴿ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾
شياطين الإنس و الجن لو اجتمعوا على أن ينالوا من إنسان موصول بالله عز وجل، مستقيم على أمره، لا يستطيعون.
أنا لا أقول لك: إذا شكا لك أحد أنه أصابه مسّ من الجن فعليك أن تفضحه، أو عليك أن توبخه، لا، قل: عافاك الله، و لكن لا تظن بالله غير الحق، ظن الجاهلين، اعتمد قوله تعالى:
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾
قصة تؤكد عدل الله ورحمته وعفوه :
أخواننا الكرام، بالمناسبة كل واحد منا معه مئات القصص، لكن كل هذه القصص لا تصلح أن يستنبط منها شيئاً، لماذا؟ لأنه يعرفها من الفصل الأخير، لكن الواحد منا قد يقف على بعض القصص من أول فصل إلى آخر فصل، هذه القصص تؤكد عدل الله، و تؤكد رحمته، و تؤكد عفوه، و تؤكد كل أسمائه الحسنى، و صفاته الفضلى.
مرة إنسان استوقفني في بعض أسواق دمشق، و قال لي بقسوة: إنك تخطب على المنبر؟ قلت له: نعم، قال: يوجد إنسان بأحد أسواق دمشق بَكَّرَ إلى عمله ليكسب رزق أولاده، وقال لي: أليس طلب الحلال عبادة؟ قلت: بلى، قال: فتح هذا الإنسان محله التجاري، سمع إطلاق رصاص في سوق مغلق مغطى من أسواق دمشق، فمدّ رأسه ليستطلع ما الخبر، فإذا رصاصة تستقر في عموده الفقري، فيصاب بشلل نصفي، قال لي: هذا ماذا فعل؟ أين رحمة الله؟ ذهب ليكسب قوت أولاده، و عمله مشروع، و المادة التي يتاجر بها مشروعة، و هو في عمله، و العمل عبادة فماذا فعل؟ والله أنا لا أعلم الجواب، أنا واثق من عدل الله، لكن هذه الحادثة تحتاج إلى علم إلهي.
بالمناسبة لا تستطيع أن تثبت عدل الله بعقلك إلا بحالة مستحيلة أن يكون لك علم كعلم الله، أي قصة من آخر فصل إنسان ذهب إلى محله التجاري ليكسب قوت أولاده، سمع إطلاق رصاص، مدّ رأسه فجاءت رصاصة استقرت في عموده الفقري، ماذا فعل ؟ و الحقيقة لم يفعل شيئاً في هذه الحدود، قلت له: و الله أنا لا أدري، أي نصف العلم لا أدري، لكن الذي أدريه أن الله عز وجل يقول:
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾
أحد أخوتنا الكرام، هو قديم في هذا المسجد، و له مكانة عندي، حدثني عن قصة جرت مع أحد جيرانه في البناء، قلت: ما القصة؟ قال لي: رجل يبيع القماش في أحد أسواق دمشق المغطاة، قلت له: نعم، قال لي: أولاد أخيه الأيتام لهم بيت قد اغتصبه منهم، و هم في أمسّ الحاجة إليه، طالبوه بهذا البيت مرات عديدة، فكان يرفض، فحكّموا أحد علماء دمشق في الميدان، و قد توفي رحمه الله، و كان عالماً جليلاً، استدعاه، و طلب منه أن يعطي البيت لأولاد أخيه، فرفض أشد الرفض، هذا العالم حكيم قال لهم: لا تشتكوا على عمكم هذا، لا يليق بكم، و لكن اشكوه إلى الله عز وجل، هذا الكلام كان الساعة التاسعة مساء، في اليوم التالي الساعة التاسعة صباحاً هو الذي جاءته الرصاصة فأصابته بالشلل، إنسان يرى إنساناً في محل تجاري، يكسب رزق أولاده، مدّ رأسه، فأصابته رصاصة جعلته مشلولاً نصفياً، ماذا فعل؟ هذه قصة من آخر فصل.
المؤمن من معرفته بقوانين الله عز وجل يستطلع ما سيكون :
أيّ قصة تحفظها من فصلها الأخير لا تصلح أن تستشهد بها، إنسان أصابه مرض عضال، لي أخ كريم، أخ في المسجد شاب قال لي: نسكن في بيت قد اشتراه والدي مع عمتي مناصفة من سنوات طويلة حينما كانت البيوت رخيصة، يوجد جمعية تعاونية في إحدى الوزارات، فأخته موظفة في هذه الوزارة، فاشترت هذا البيت، و عرضت على أخيها أن يكون مناصفة بينه و بينها، فوافق، و نقدها نصف ثمن البيت عداً و نقداً، بالتمام و الكمال، و بعد عشرين سنة البيت ارتفع ثمنه من مئتين و خمسين ألفاً إلى ثمانية عشر مليوناً، و لأن البيت مكتوب باسم أخته قالت له: هذا البيت لي، وسأعطيك مليون ليرة، وعليك أن تخرج، عنده أربعة عشر ولداً، ولا يملك مأوى سواه، و أخته ليست متزوجة، لكن خطأه الكبير أنه حينما نقدها المبلغ لم يطلب منها أن تسجل باسمه هذا البيت، أو أن تسجل له إيصالاً بثمن البيت، أو بنصف ثمن البيت، القصة طويلة، لسنا في معرض الحديث عن تفاصيلها، إلا أن الذي حدث أنها أخرجته من البيت بحيلة قانونية، هي محامية، و استطاعت أن تؤجر البيت بأعلى سعر، و اضطر أخوها أن يوزع أولاده بين بيتين من أقاربه، و أن يضع أثاث بيته في مستودع في غوطة دمشق، و ابنه أحد أخوتنا الكرام، لما أخبرني أن عمته قد أخرجتهم من البيت ظلماً وعدواناً طمعاً في قيمة البيت التي تضاعفت أضعافاً كثيرة، قلت له: و الله - و هذه معرفتي بالله، وأقول لكم هذه الكلمة: يكاد المؤمن من معرفته بقوانين الله عز وجل أن يستطلع ما سيكون، لا من باب علم الغيب، لأن علم الغيب لا يعلمه إلا الله- إن الله عز وجل سوف ينتقم من عمتك انتقاماً لا حدود له، لأنها اعتدت على حق أخيها، وبالفعل، والله الذي لا إله إلا هو بعد شهر قال لي: عمتي مصابة بسرطان في أمعائها، و هي في ريعان الشباب، أعرف صديقاً لي استمر هذا المرض في أمعائه سنتين، قلت: لعل هذا المرض يطول أمده، بعد شهر آخر، قال لي: توفيت عمتي، وأتمنى عليك أن تعزي والدي، و أن تلقي كلمة في البيت الذي اغتصبته، وريثها الوحيد أخوها، رجع البيت إليه، و رجع أولاده إلى البيت، و لعنها الله في عليائه، و لعنتها الملائكة، و لعنها أهل الأرض.
أما أنت فتجد هذه الإنسانة شابة، طبعاً هذا الكلام أتمنى عليكم ألا يفهم منكم أنه إذا أصيب إنسان بمرض أنه مجرم بحق الآخرين، لا، هذا استنباط غير صحيح، لكن هذه الحالة لا تقل: مسكينة، هذه الشابة في ريعان الشباب أصابها مرض عضال، فقصف عمرها، كما يقولون، الله كبير، أنت لست مؤهلاً أن تعلم الغيب، تأدب مع الله، و أحسن الظن به، أي إنسان مسه السحر، أو مسه الجن، أو مسه شيطان و هو يعاني ما يعاني، لا تصدق أن هذا الذي مسه جاءه بلا سبب، و جاءه بلا مبرر، لأن الله عز وجل يقول:
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ﴾
و من أمثال هذه القصص هناك والله مئات، بل عشرات المئات من هذه القصص:
﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ﴾
(( إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي ـ كما في الحديث القدسي الصحيح ـ وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ.... يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ))
على الإنسان ألا يتهم الله أنه ساق له مصيبة لا يستحقها :
لا يقل: القدر قلب لي ظهر المجن، لا يقل: لا حظ لي في الدنيا، لا يقل: الله عز وجل يطعم الحلاوة لمن ليس له أضراس، هذا كلام كفر:
﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾
﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ﴾
(( ما من عثرةً، ولا اختلاج عرق، ولا خدش عودٍ، إلا بما قدمت أيديكم وما يعفو الله أكثر))
أنا أريد أن تكون هذه الحقيقة واضحة عندكم، إنسان مسه الشيطان ادع الله له، و عاونه، و لكن لا تتهم الله أنه ساق مصيبة لإنسان لا يستحقها.
والله أيها الأخوة، من شأن الإنسان أن يظهر لك أنه ملاك، وقد يكون شيطاناً رجيماً، وأي سؤال يأتي: إنها صائمة، مصلية، تحفظ كتاب الله، و لها أعمال من دون ذلك لا يعلمها إلا الله، و الله أنا من ثلاثين سنة ما حضرت عقد قران إلا قال الخطباء: العروس تحفظ كتاب الله، وهذه المشكلات التي تحدث بين الأزواج من أين جاءت؟ من فتاة تحفظ كتاب الله؟ أكاد لا أصدق ذلك، هذه القصص التي تنتهي إليك، و ينتهي إليك فصلها الأخير، هذه لا تعبأ بها إطلاقاً، و لكن القصة التي تعرف أول فصل فيها، و آخر فصل فيها، هذه تنطق بعدل الله، و تنطق برحمة الله، و تنطق بحلم الله.
الله عز وجل عادل لا يظلم أحداً :
الآن بينك و بين نفسك أعلم الناس بك أنت، هل تثبت أن الله ظلمك؟ أبداً:
﴿ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾
يوجد جريمة وقعت في دمشق، أن إنساناً ضابطًا في الشرطة يسكن بطابق من بناء، و هو ينزل على الدرج رأى إنساناً خرج من بيت مضطرب جداً فقبض عليه، ودخل إلى البيت، فإذا صاحبه مقتول، فاستقرت التهمة أنه هو القاتل، وحوكم، وحُكم عليه كما أعتقد بثلاثين سنة سجنًا، وبعد ثماني سنوات ألقي القبض على قاتل آخر، فاعترف بهذه الجريمة، إذاً هو بريء، أحد أخوتي الكرام يؤمن بعدل الله، قال لي: و الله - طبعاً أخرجوه من السجن، وأعطوه تعويضاً عن هذا السجن الظالم - بعد أن قبض التعويض، و همّ بالخروج من المحكمة، سأل صديقي هذا المتهم البريء، قال له: بربك أنت سجنت ثماني سنوات ظلماً، هل تصدقني الحديث؟ هل عملت عملاً يستأهل هذا السجن؟ قال له: و الله ويستأهل أكثر من ثماني سنوات، من هذه التهمة هو بريء لكن من تهمة أخرى ليس بريئاً.
مرة شخص استوقفني يبيع قماشاً وطنياً، قال لي: أجبني عن هذا السؤال: الأقمشة كلها وطنية، و أسعارها نظامية، وعلى كل ثوب سعره، قال لي: تسعيرة وقعت دون أن أراها، دخل موظف التموين كتب لي مخالفة فيها سجن لمدة شهرين، أين العدل؟ وانفجر، قلت له: نحن في التجارة يوجد عندنا سندات، و عندنا حساب جار، الله لا يحاسبك بسندات، كل قضية وحدها، يحاسبك بحساب جار، إذا وجد بالليل سهرة مخالفة للشرع، يأتيك شخص بالنهار يظلمك، هذه بتلك، يقولون: شوحة التقت مع سيدنا سليمان، قالت له: يا نبي الله، الله عز وجل مهول أم عجول؟ فسأل الله عز وجل؟ فالله عز وجل أخبره أنني مهول و لست بعجول، فطمأنها، هذه الشوحة بعد أن اطمأنت أن الله عز وجل مهول و ليس عجولاً - القصة رمزية - وجدت بعض الناس يأكلون اللحم، خطفت اللحم، و قد علقت جمرة في قطعة اللحم، فلما وضعت اللحم في عشها احترق العش كله مع بيضاتها، فرجعت إلى سيدنا سليمان، و قالت له: يا نبي الله! ألم تخبرني أن الله مهول، ها هو ذا عجول، عوقبت فوراً، فسأل الله عز وجل، و القصة رمزية، فقال له: لها حساب قديم، وهذا ليس على آخر عمل.
يوجد حساب قديم، لكن الله عز وجل يعامل عباده بحساب جار، يدخل إلى البيت، السهرات المختلطة، يسهر للساعة الخامسة على الفضائيات، والغيبة، والنميمة، والغش، والتدليس، أين المحل التجاري؟ فيأتي شخص فعلاً قد يخالفك ظلماً، و لكن ليس على هذه، و إنما على سهرة البارحة، الله عز وجل يعاملك بحساب جار.
عدم سماح الله تعالى للجن والسحرة أن ينالوا من الإنسان إلا إذا ارتكب شيئاً محرماً :
طبعاً كل هذا تمهيد لحقيقة دقيقة جداً في هذا الدرس، هي أن الله سبحانه و تعالى لا يسمح للجن، و لا للسحرة، أن ينالوا من الإنسان، إلا إذا كان قد ارتكب شيئاً محرماً، و الدليل، و لولا الدليل لقال من شاء ما شاء:
﴿ وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ*وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ*حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ*وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ﴾
هذه الآية أصل في هذا الموضوع، و من يعش، أي يتعامى ويتغافل ويعرض.
ابن عباس قرأها، و من يعشَ بمعنى يعمى، في لغة العرب عشي يعشى إذا عمي، رجل أعشى، و امرأة عشواء، إذا كانت لا تبصر، و في اللغة العربية خبط خبطة عشواء أي عمياء.
تسلط الشيطان على الإنسان إذا غفل عن الله وتفلت من منهجه وأساء إلى خلقه :
يوجد ملمح لطيف:
﴿ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ﴾
هذا الشيطان يسيطر عليه، يتحكم بفكره، وفهمه، وعقله، وقلبه، وحركته، عقاب من الله، يوجد قراءة حتى إذا جاءانا، من هما؟ الإنسان و الشيطان الذي له قرين، حتى إذا جاءانا قال: يا ليت بيني و بينك بعد المشرقين فبئس القرين.
إذاً تسلط الشيطان على الإنسان لأنه غفل عن الله عز وجل، وانقطع عنه، وتفلت من منهجه، وأساء إلى خلقه.
أكبر حصن للإنسان من الشيطان أن يكون موصولاً بالله عز وجل :
أكبر حصن لك من الشيطان أن تكون موصولاً بالله، مستقيماً على أمره، منيباً
إليه، هذا أكبر حصن:
﴿ وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ﴾
أي لا يوجد إنسان يضل إنساناً:
﴿ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ*قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ*مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾
الطاعة تجر إلى طاعة و المعصية تجر إلى معصية :
بالمناسبة أيها الأخوة، المؤمن لا يزال يطيع الله عز وجل، و يألف الطاعة، و يحبها حتى يرسل الله سبحانه برحمته عليه الملائكة تؤزه إليها أزاً، و تحرضه عليها تحريضاً، و تزعجه عن فراشه و مجلسه، و لا يزال إنسان آخر يألف المعاصي، و يحبها، و يؤثرها، حتى يرسل الله إليه الشياطين، فتؤزه إليها أزاً.
الإنسان يعصي، و يعصي، و يعصي فيأتي قرينه من الشياطين فيدفعه إلى المعصية كل حين، و الإنسان يطيع، و يطيع، و يطيع فالملك يلهمه كل خير، هذا ممكن أن يفسر بعالم الفيزياء بقانون العطالة، فالجسم إذا تحرك يرفض السكون، و الجسم الساكن يرفض الحركة، و الإنسان حينما يطيع، و يطيع يرفض المعصية، و حينما يعصي، و يعصي يرفض الطاعة، و الإنسان بنيته حركية، و ليست ساكنة، و التعبير الغربي ( ديناميكي)، و ليس ستاتيكياً، أي الطاعة تجر إلى طاعة، والمعصية تجر إلى معصية، حتى إن أحد أصحاب رسول الله سأل النبي عليه الصلاة والسلام قال: يا رسول الله ماذا ينجي العبد من النار ؟ فقال عليه الصلاة و السلام: إيمان بالله، فسأل هذا الصحابي- وهو أبو ذر الغفاري رضي الله عنه- قال: يا رسول الله، أمع الإيمان عمل؟ قال: أن يعطي مما أعطاه الله - العطاء مطلق العطاء - قال يا رسول الله: أفإن كان لا يملك؟ فقال: فليأمر بالمعروف، ولينهَ عن المنكر، قال: فإن كان لا يستطيع، قال: فليعن الأخرق، قال: فإن كان لا يحسن، قال له: أما تريد أن تدع لصاحبك من خير.
لا يستطيع أن ينفق مما أعطاه الله، و لا يستطيع أن يأمر بالمعروف، و لا ينهى عن المنكر، و لا أن يعين الأخرق، ليس له أي إيجابية، قال له: فليمسك أذاه عن الناس، فجاء السؤال المحرج، أو إن فعل ذلك دخل الجنة؟ فقال عليه الصلاة و السلام: ما من عبد مسلم يصيب خصلة من هذه الخصال إلا أخذت بيده حتى تدخله الجنة.
أنت ابدأ بالصلاة، الصلاة تجرك للصدقة، تصدّق، الصدقة تجرك إلى مجلس علم، احضر مجلس علم يجرك إلى عمل صالح، اعمل عملاً صالحاً يجرك إلى دعوة إلى الله، تدعو إلى الله يجرك إلى اتساع الدعوة، ثم يجرك هذا الشيء إلى اتصال بالله طويل المدى، ثم بعد ذلك تتألق، ثم يرفع الله لك ذكرك، لذلك عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا....))
أي لن تحصوا خيرات الاستقامة، أي المستقيم ينتظره خير لا يعلمه إلا الله.
التحصين من السحرة و الجن يكون بالإقبال على الله و التطبيق لأمره :
الملخص: أسباب تسليط الله للسحرة و الشياطين مردها إلى مخالفات شرعية يستسهلها العبد أحياناً، و لا يأبه لمكانتها، فيعاقبه الله عز وجل بما يذكره، و يعيده إلى مقام التعظيم، فالذي لا يعظم حرمات الله عز وجل يذله الله، و يفضحه، و لو في جوف داره.
أيها الأخوة الكرام، ما من تسلط للشياطين على البشر إلا بسبب غفلة وذنب، إذاً التحصين من السحرة، و من الجن أن تكون مع الله، لائذاً بحماه، مقبلاً عليه، مطبقاً لأمره، تذكره في كل حين، عندئذ أنت في حصن حصين.
الإسلام أعطى المؤمن تفسيراً عميقاً ودقيقاً حول الكون و الحياة و الإنسان :
أخواننا الكرام، لو سألت الإنسان: لماذا هو مشدود إلى الله؟ الجواب: لعلك تظن أن هذا الإسلام دين الله، هو في الحقيقة دين الله، أو لعلك تقول: إن هذا الإسلام أعطانا تفسيراً عميقاً و دقيقاً و متناسباً حول الكون و الحياة و الإنسان، هذا الإسلام العظيم قدم لك تفسيراً عميقاً، و قدم لك صورة متناسقة، و قدم لك فلسفة مريحة.
أخواننا الكرام، المسلمون فقط يوجد عندهم انسجام، غير المسلم لو أنه رأى ما يجري في العالم من حروب، من قهر، من قتل، من هدم بيوت، من تجريف مزارع، من ردم آبار، من إذلال، يختل توازنه لأنه لا يجد عنده جواباً دقيقاً عن كل ما يجري، المؤمن إذا قرأ القرآن لا يوجد شيء يجري أمامه إلا عنده تفسير واضح، شخص مثلاً يذهب إلا بلاد الغرب يجد بلاداً جميلة جداً، غنية جداً، أنيقة جداً، نظيفة جداً، الناس في بحبوحة، في ترف، غارقون في كل اللذائذ المحرمة، يرتكبون كل المعاصي و الآثام، و هم أقوياء و أغنياء و يسيطرون على العالم، الشخص يختل توازنه، مسلمون يعانون الأمرين، يعانون من الظلم و الجور في كل بقاع الأرض، و كفار ملحدون منحرفون، شاذون ينعمون بكل شيء، يختل توازنه، يقرأ القرآن عندها يستعيد توازنه:
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً ﴾
قوانين الله عز وجل تتحكم في كل شيء :
إنسان آخر يرى ما يجري في العالم من حروب، و من صراعات، و من أحقاد، و من قتل، فيعجب، الإنسان لماذا هكذا؟ يقرأ القرآن:
﴿ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾
هذا قانون العداوة والبغضاء، يأتي إنسان آخر يجد شخصاً غير موفق، أينما ذهب الأبواب مغلقة في وجهه، و إنسان كيفما تحرك وفقه الله عز وجل، إن كان لا يقرأ القرآن يقول لك: محظوظ، هذا حظ، ما هذا الحظ؟ ماذا يعني الحظ؟ لا يعني شيئاً، وهم فقط، إذا قرأ القرآن:
﴿ فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى*وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى*وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى*فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾
هذا قانون التيسير و التعسير، و هذا قانون العداوة و البغضاء، و كل شيء له قانون.
قانون الأمن: إذا كان الشخص مطمئنًا الأخطار تحيط به من كل جانب وهو مطمئن، و إذا كان مع إنسان أموال لا تأكلها النيران وهو خائف، إياك، اقلب العملة، يوجد أحداث خطيرة، يأتي شخص ليس معه قرش ليقلب العملة، لا يوجد معه شيء، و هو مطمئن، و تقرأ القرآن:
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ*الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾
الأمن له قانون، التيسير له قانون، التوفيق له قانون، العداوة و البغضاء لها قانون، بطولتك أن تكتشف قوانين القرآن، هذه القوانين هي التي تتحكم في كل شيء:
﴿ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ﴾
هذه كلمات الله، أي قوانين الله عز وجل.
على الإنسان ألا يحسن الظن بنفسه بل يتهمها دائماً و هذا لصالحه :
أيها الأخوة الكرام، النصيحة لا تحابِ نفسك، لا تحسن بها الظن، اقسُ عليها، اتهمها فهو لصالحك، الإنسان دائماً يميل إلى أن يتملق نفسه، فإذا أصابته مصيبة يقول كذباً و بهتاناً: هذه ترقية، من قال لك إنها ترقية، و إن أصابت غيره مصيبة قال: هذا عقاب، من قال لك: هذا عقاب؟ لماذا تفسر المصيبة التي تصيبك على أنها ترقية، و المصيبة التي تصيب أخاك على أنها عقاب؟ اقرأ قوله تعالى دائماً:
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ﴾
اتهم نفسك، و سيدنا عمر يقول: " تعاهد قلبك "، يجب أن تفحص نفسك كيف صلاتك؟ تصلي فلا تشعر بشيء، تذكر فلا تشعر بشيء، تقرأ القرآن فلا تشعر بشيء، ادع الله أن يهبك قلباً، لأنه لا قلب لك، لا يوجد لك قلب أبداً.
أحياناً براد يباع ببعض الأسواق لا يوجد له محرك إطلاقاً، لكن يوجد وصل من المأخذ الكهربائي إلى بلورة في داخله، يقول لك: شعل، إذاً هو شغال، لا، لا يوجد محرك أبداً، إذاً إذا صلى شخص و لم يتأثر، ذكر و لم يتأثر، قرأ القرآن و لم يتأثر، لا يوجد له قلب إطلاقاً، قلبه خاوٍ:
﴿ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا ﴾
على الإنسان أن يكون محصناً بالعلم ليبتعد عن السحرة و المشعوذين :
أيها الأخوة الكرام، هذه الدروس أولاً لها فائدة، طبعاً دروس الجن والسحرة والمشعوذين لها فائدة، أنها تعلمك طريق الوقاية منها، وصدّق عدد الذين يصابون بمس من الجن كثيرون جداً، حينما قررت هذه الدروس لم أقررها من فراغ.
بالأسبوع يوجد سؤالان، ثلاثة، أربعة، خمسة، أحياناً عن أسر أحد أفرادها مصاب بمس من الجن، و مشكلة كبيرة تكاد تخنقه، تجعل حياته جحيماً لا يطاق، والإنسان حينما يلهمه الله الصواب يقيه من هذا المس، هذه واحدة.
الهدف الثاني: أنك إذا فهمت هذه الحقائق أحسنت الظن بالله عز وجل، و محور هذه الدروس:
﴿ كَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾
أي ظلمة الجن تضيق على ظلمة الإنس:
﴿ اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ ﴾
الجن استعلوا على الإنس، و الإنس أخذوا بعض المساعدات، و بعض الأفكار، و بعض الترهات، نقلوها بين الناس، و ابتزوا أموالهم، أو اعتدوا على أعراضهم.
قضية السحرة و المشعوذين هذا موضوع ينبغي أن يكون واضحاً لديكم أولاً، ولمن حولكم ثانياً، لأن المشكلة أنه أحياناً إنسان مثقف ينصاع لهذه التصرفات المنحرفة، فأنا أريد أن يكون الإنسان محصناً بالعلم، أنا أكثر دعاء أتأثر به، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل و الوهم إلى أنوار المعرفة و العلم، و من وحول الشهوات إلى جنات القربات.