- ٠10علم الوقف والابتداء
- /
- ٠10علم الوقف والابتداء
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين وعلى آله وصحبه أجمعين، في الصفحة ياء يا أخوة، وهي الصفحة الأخيرة من التعريف المصحف الشريف الذي طبع في مجمع الملك فهد في المدينة المنورة، تكلمنا في المرة الماضية على علامات الوقف الميم وهي الوقف اللازم، وقلنا بأنه لزوم اصطلاحي وليس لزوماً شرعياً، وتكلمنا على علامة ( لا )، وهي نهي عن الوقف وليس نهياً محرماً يأثم فاعله وإنما هي بمعنى لا تقف هنا أيها القارئ لأنك إن وقفت إما أنك تأتي بمعنى ناقص وإما أنك توهم خلاف المقصود.
نأتي إلى الرمز الثالث وهو حرف الجيم الثالث والرابع والخامس هذه المصطلحات الثلاثة الجيم، وصلى، وقلى، هذه المصطلحات الثلاثة تعني بأن الإنسان عندما يقف على مقطع هو أمام ثلاث احتمالات، إما أن يقف على كلمة قرآنية يصح الوقوف عليها ويصح الوصل فهذا يسميه العلماء وقف جائز، يعني لك أن تقف ولك أن تصل بنفس النسبة المئوية، والاحتمال الثاني أنه يصح الوصل ولكن الوقف أولى، فهذا يعبر عنه العلماء بالكلمة المنحوتة ( قلى )، قلى كلمة منحوتة بمعنى يجوز الوصل والوقف أولى، والكلمة الثالثة المنحوتة هي كلمة ( صلى )، بمعنى يجوز الوقف ولكن الوصل أولى.
نأتي إلى بيان هذه المصطلحات سنبدأ بالجيم قالت اللجنة: ( ج )، علامة الوقف الجائز جوازاً مستويَ الطرفين، يعني يصح الوصل ويصح الوقف بنفس النسبة، والمعنى في كلتا الحالتين صحيح نحو:
﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ﴾
ثم يبدأ القارئ:
﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾
هذه جملة مستأنفة جديدة يربطها بالجملة التي قبلها المعنى، لأنها تتكلم عن الموضوع ذاته، نأتي إلى مصطلح ( صلى ) قالت اللجنة علامة الوقف الجائز مع كون الوصل أولى نحو:﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
يصح أن يقف القارئ على ( فلا كاشف له إلا هو )،، ثم يبدأ ( وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير )، وله أيضا أن يصل فلا يقف فيقول: ( فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير )، وهذا الوصل قالت اللجنة أولى لماذا هو أولى؟ لأنه يعطي صورتين متقابلتين، والمقابلة لا تظهر بالفصل يعني إذا أردنا أن نقابل بين شيئين ونقارن بين أمرين لا بد أن نضعهما كليهما أمامنا حتى تصح المقارنة، أما أن نذكر واحداً ثم نخفيه ثم نذكر الآخر فالمقارنة تصبح ضعيفة، لذلك قال العلماء: إن الوصل أولى حتى تكون المقارنة ظاهرة ولكن من كان مثلي ضعيف النفس فلا مانع من أن يقف على ( فلا كاشف له إلا هو )، ثم يبدأ وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير ).الرمز الذي بعده، يا أخوة، ( قلى )، علامة الوقف الجائز مع كون الوقف أولى، نحو:
﴿ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾
ثم قال الله عز وجل:﴿ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا ﴾
فجملة فلا تمار فيهم إلا مراءً ظاهراً، تتحدث عن الموضوع ذاته وهو موضوع أهل الكهف ولكنها تتحدث عن جانب آخر من الجوانب، الموضوع الأول يتعلق بالعدد والموضوع الثاني يتعلق بمماراة أهل الكتاب بأمور الغيبيات عن الأمم السالفة، قال تعالى:﴿ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا ﴾
فالموضوع متصل من جهة وهو مستقل من جهة، لذلك كان الوقف أولى.العلامة الأخيرة يا اخوة، وهي كما نراها بين أيدينا في المصحف ثلاث نقط ثم ثلاث نقط أخرى توضع على كلمة قرآنية قبلها وبعدها، معنى هذا يا أخوة، إذا وقفت على ما قبل الكلمة الأولى فلا تقف على الكلمة الثانية وإذا أردت أن تقف على الثانية فلا تقف على الأولى، إذاً الوقف في مكان واحد لأن المعنى صحيح في كلتا الحالتين، علامة تعانق الوقف بحيث إذا وُقِفَ على أحد الموضعين لا يصح الوقوف على الآخر، نحو:
﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾
لا ريب فيه فصارت كلمة ( فيه )، متعلقة بجملة لا ريب، لا ريب موجود فيه فمتعلقة بخبر لا المحذوف، بينما لو قلنا ذلك الكتاب لاريبْ، نقف، فيه هدى للمتقين يصير الجار والمجرور سد مسد الخبر في جملة ( هدىً للمتقين )، أو يتعلق بالخبر هو هدى للمتقين فلذلك كلمة ( فيه )، تتعلق بالجملة الثانية.إذاً لا يصح أن يقول القارئ ذلك الكتاب لا ريبْ، ثم يقف ثم يقول: فيهْ، ثم يقف ثم يستأنف القراءة: هدىً للمتقين، هذا لا يصح إما أن نقف قبلها وإما أن نقف بعدها، ونقيس عليها كل كلمة قرآنية أو مقطع قرآني جاءت عليه علامة تعانق الوقف إما أن نقف قبله وإما أن نقف بعده مثالاً:
﴿ قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ﴾
ونقف ثم نقول:﴿ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ ﴾
أو:﴿ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً﴾
ثم نبدأ:﴿ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ﴾
ما أن نقول:﴿ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ﴾
ما أن نقول: قال فإنها محرمة عليهمْ، ثم نقف ثم نقول: أربعين سنهْ، ثم نقف، ثم نقول: يتيهون في الأرض، فهذا لا يصح أن نقف هنا وهنا إن وقفنا على الأول لا نقف على الثاني والعكس صحيح، بهذا نكون قد أتينا على العلامات الوقفية التي استعملتها اللجنة التي قامت على ضبط المصحف الشريف، فلا لبس ولا غموض وبهذا نكون قد أتينا على شرحها كاملة والحمد لله رب العالمين على هذه النعمة ونسأل الله عز وجل أن يرزقنا وإياكم تلاوة الكتاب المعظم تلاوة صحيحة فصيحة مطابقة لتلاوة رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير زيادة ولا نقصان، وصلى اللهم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.