- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (006)سورة الأنعام
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا تباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس السابع من دروس سورة الأنعام .
هذه الآية على إيجازها فيها حقائق خطيرة ودقيقة متعلقة بالإيمان:
مع الآية الخامسة والعشرين، وهي قوله تعالى:
﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ(25) ﴾
أيها الإخوة الكرام، هذه الآية على إيجازها فيها حقائق خطيرة ودقيقة متعلقة بالإيمان.
كلكم يعلم أيها الإخوة أن أول حاسة تنشأ في الإنسان هي حاسة السمع، أما حاسة البصر فتكون بعد الولادة، لذلك أكثر الآيات القرآنية التي ورد فيها السمع والبصر جاء السمع مُقدّماً على البصر، إشارة إلى أن الله سبحانه وتعالى يشق سمع الإنسان قبل أن يتكون بصره بالضبط، لذلك الاستماع هي الملَكَة الأولى في نقل الواقع إلى الإنسان، أنت في البيت، ما الذي تراه في بيتك؟ في الغرفة التي أنت فيها تقف حاسة البصر عند الجدران، لكن أحياناً تقول: أسمع صوتاً غريباً، لكن الأذن تستطيع أن تكشف أية حركة في البيت، بل في كل غرف البيت، وأحياناً تدخل حشرة أو حيوان صغير إلى تحت السرير ويموت، ما الذي يكشفه؟ رائحة الشم، فمن حاسة البصر، إلى حاسة السمع، إلى حاسة الشم.
الأنبياء ألقوا الكلمة، وفهمها مَن حولهم عن طريق السمع، لذلك تعد حاسة السمع الأداة الأولى لتلقي الهداية، ويعد النطق الشفهي الأداة الأولى في تبليغ الدعوة.
الله عز وجل له آيات ظاهرة متجسدة في هذا الكون:
أيها الإخوة، المشكلة أن الإنسان يرى بعينه آيات الله الدالة على عظمته، ويسمع بأذنه ما ينطق به الأنبياء، لذلك:
﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِۦ عِلْمٌ ۚ إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَٰٓئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْـُٔولًا(36) ﴾
ما الفؤاد؟ هو العقل ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً﴾
إذاً ما زودك الله بحاسة البصر، وحاسة السمع، وجهاز الإدراك المُتمثّل في الدماغ إلا من أجل أن تهتدي إلى الله عز وجل، ثم ما علمك الله البيان .
﴿ الرَّحْمَنُ(1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ(2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ(3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ(4) ﴾
إلا ليكون البيان أداة نقل الحق إلى الآخرين، فصار السمع والبصر والفؤاد، أنت بالسمع تأتيك المعرفة جاهزة من أفواه الأنبياء إن عاصرتهم، ومن أفواه صحابتهم، أو التابعين، أو من ينوب عنهم من العلماء العاملين الربانيين .
إذاً: حاسة السمع تتلقى بها ما تكلم به الأنبياء، وحاسة البصر تنظر من خلالها إلى ملكوت السماوات والأرض، فالله عز وجل له آيات ظاهرة متجسدة في هذا الكون، وله وحي متجسد في هذا القرآن والسنة، فلذلك إما أن تأتيك المعرفة جاهزة عن طريق الأنبياء، أو أصحابهم، أو من ينوبون عنهم، وإما أن تتفكر في خلق السماوات والأرض .
الحقيقة واحدة إما أن تأتيك عن طريق الوحي أو عن طريق التأمل:
﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ(37) ﴾
يعني المعارف إما أن تأتيك جاهزة فالتفكر فيها والبحث فيها، تنقلها إلى أفكار متبناة، أنت إما أن تأتيك المعرفة جاهزة تتفكر فيها، والدليل :
﴿ قُلْ إِنَّمَآ أَعِظُكُم بِوَٰحِدَةٍ ۖ أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَٰدَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ ۚ مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ
إن جاءتك المعرفة جاهزة عليك أن تتأمل فيها، وإن فكرت في خلق السماوات والأرض وصلت إلى الحقيقة التي ينبغي أن تبحث عنها، يعني الحقيقة واحدة إما أن تأتيك عن طريق وحي السماء، وإما أن تأتيك عن طريق التأمل .
لكن الحقيقة التي تأتي عن طريق التأمل قد يعتوِرها الخطأ، لأن العقل قد يخطئ، أما الحقيقة التي تأتيك عن طريق الوحي لا يمكن أن يعتوِرها الخطأ، بالضبط كما لو أن عندك مذياع، وأردت أن تفككه، وأن تدرك تفاصيل صنعته، قد تحذف صماماً منه فينقطع الصوت، فأنت تتوهّم أن هذا الصمام للصوت، لكن قد يكون لتصفية الصوت، وقد يكون على طريق الصوت، فلما نزعته انقطع الصوت، فمعرفتك التجريبية التأملية قد يعتوِرها الخطأ، أما إذا التقيت بمن اخترع هذا الجهاز وأعطاك بياناً توضيحياً لخصائص كل صمام، فحقيقة المخترع لا يمكن أن يعتورها الخطأ .
فلذلك الحق واحد، فإما أن تصل إليه ببحثك، ودرسك، وتفكرك، وتجريبك، وإما أن تصل إليه عن طريق تصديق الوحي .
خيارك مع الإيمان خيار وقت فقط :
أيها الإخوة، أخطر قضية في الموضوع أنك إذا عرفت الحقيقة عن طريق التجربة، والتأمل، والتفكر، والبحث، قد تأتي المعرفة الصحيحة متأخرة، وقد تأتي بعد فوات الأوان، بالضبط، كما لو أنك رأيت في الطريق كرة وتوهمتها قنبلة، فأنت في شك بين أن تكون كرة، وبين أن تكون قنبلة، لو أتيت بخبير الألغام وقال لك: إنها قنبلة، حفظت نفسك، أما لو أردت أن تجرب هذا بنفسك، وأمسكتها، وتأملتها، وتفحصتها، وقلبتها فانفجرت تدرك لأقل من ثانية أنها قنبلة، ولكن لم يبقَ في الحياة ثانية تنتفع بهذه الخبرة.
هذا الكلام مفاده أن الإنسان بعد فوات الأوان قد يكتشف الحقيقة، ولكن يكتشفها ولا ينتفع بها، كفرعون تماماً حينما أدركه الغرق قال:
﴿ وَجَٰوَزْنَا بِبَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُۥ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ
هذا الكلام ينقلنا إلى شيء آخر، ما من إنسان على وجه الأرض ولاسيما الكفار إلا ويعرفون الحقيقة عند الموت، الحقيقة التي جاء بها الأنبياء .
﴿ لَّقَدْ كُنتَ فِى غَفْلَةٍۢ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ
(ءَامَنتُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱلَّذِىٓ ءَامَنَتْ بِهِۦ بَنُوٓاْ إِسْرَٰٓءِيلَ وَأَنَا۠ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ)
إذاً: خيارك مع الإيمان خيار وقت فقط، إما أن تؤمن في مقتبل العمر فتنتفع في هذا الإيمان استقامةً وإقبالاً وعبادةً، وإما أن تؤمن بعد فوات الأوان وعندئذٍ هذا الإيمان لا ينفع .
﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن تَأْتِيَهُمُ ٱلْمَلَٰٓئِكَةُ أَوْ يَأْتِىَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِىَ بَعْضُ ءَايَٰتِ رَبِّكَ ۗ يَوْمَ يَأْتِى بَعْضُ ءَايَٰتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَٰنُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِىٓ إِيمَٰنِهَا خَيْرًا
الفرق بين الدعوة الشفهية والدعوة المكتوبة :
إذاً أول حاسة لتلقي الحق هي السمع، ثم تأتي حاسة البصر، ترى الآيات، ترى الشمس، القمر، الليل، النهار، ترى البحار، الأنهار، الأطيار، الأسماك، ترى الطعام والشراب، ترى أولادك الذين هم بين يديك، إذاً أنت عن طريق السمع تصل إلى الحقيقة بشكل مبسّط، لذلك أنبياء الله عز وجل استخدموا الدعوة الشفهية .
الآن هناك دعوة شفهية وهناك دعوة مكتوبة
من هو الإمام الغزالي لولا إحياؤه؟ كان في درسه أربعمئة عمامة، فلما توفاه الله عز وجل انتهى هذا الدرس، وانتهت هذه الدعوة، ما الذي أبقاه حياً إلى الآن؟ كتاب الإحياء مثلاً، من هو القرطبي من دون تفسيره ؟!!
لذلك الأَولَى ممن يجد في نفسه قدرة على العطاء، أن يجمع بين تأليف القلوب، وبين تأليف الكتب، تأليف القلوب أعمق أثراً، وأقل أمداً، بينما تأليف الكتب أقل أثراً، وأطول أمداً ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ﴾
الصورة وخطرها على أطفالنا :
لكنه الآن ـ وهذه حقيقة ينبغي أن أدلي بها ـ العولمة العالمية لم تعتمد على الكلمة المنطوقة، بل اعتمدت على الصورة، الصورة تشمل كل إنسان، وتستطيع العولمة الغربية أن تغسل أدمغة أهل الأرض عن طريق الصورة، لذلك أخطر شيء على أولادنا وشبابنا الشاشة، هذه الشاشة لا تهاجم الدين أبداً، لكن تُريك رجل الدين بوضع غير مقبول، لا من حيث صحته، ولا من حيث بيته، ولا من حيث أولاده، يمكن أن تشوه هذه الصورة بأبشع صورة.
فلذلك الصورة أكبر خطر، على من؟ على أولادنا، يمكن أن تنقل للجيل الصاعد كل الأفكار الكافرة والإلحادية، وكل الأنماط الإباحية عن طريق فلم الكرتون، اعتماد الصورة الآن السلاح الأكثر تأثيراً في العالم الإسلامي، الصورة، هذا سماه العلماء " التفجير من الداخل " يعني إعطاء صورة قاتمة للمسلم، والآن الحرب على المسلمين على قدم وساق، وتعتمد في الدرجة الأولى على الإعلام، الإعلام سيف مسلط على رقاب المسلمين، يعني ممكن طفلة صغيرة في بلد عربي لا ترتدي الحجاب تأتيها رصاصة فتُرديها قتيلة من مسلم متشدد، هذا الخبر يُعرض مئة مرة، يصبح المسلم مجرماُ، يُرونَك بنتاً بريئة لطيفة صغيرة في السن، وادعة، فيأتي من يقتلها لأنها بلا حجاب .
فالحقيقة الآن أن هناك معركة من أشد المعارك عن طريق الإعلام، فلا يمكن أن تربي الجيل ثم تسلمه للإعلام، ومن يُسلم الجيل للإعلام كأنما يُسلّم الجيل إلى جهتين، الأولى إباحية، والثانية إلحادية، لأن الطرح العقدي طرح إلحادي، والطرح السلوكي طرح إباحي في معظم وسائل الإعلام التي تأتي عن طريق هذه الصحون، الطرح العقدي طرح إلحادي، والطرح السلوكي طرح إباحي
﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ﴾
﴿ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَٰرِهِمْ
لكن الأذن مفتوحة دائماً، لذلك أهل الكهف :
﴿ فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً(11) ﴾
طبعاً أجفانهم مغلقة، فهم مقطوعون عن عالم الصورة، لكن آذانهم مفتوحة، إذاً هم مع الأصوات التي حولهم، فلئلا يُزعَجوا ضرب الله على آذانهم بحيث منعهم عن أن يتلقوا الأصوات الخارجية
هناك من يستمع إلى حديث الرسول لا ليفهمه أو ليهتدي به ولكن ليكون نقطة ضعف في الإسلام:
﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ﴾
﴿مَنْ﴾
أيها الإخوة الأكارم، هناك من الطرف الآخر من يقرأ القرآن لا ليهتدي به، يقرأ القرآن ليقتنص ما يتوهمه عيباً في نظم القرآن فيذيعه على الناس نقداً لاذعاً للقرآن، هناك من يستمع إلى حديث رسول الله لا ليفهمه ولا ليهتدي به، ولكن ليكون نقطة ضعف في الإسلام، فهذه الآية دقيقة جداً، تصوّر الطرف الآخر ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ﴾ لا يستمع إلا ليقتنص، المثلبة المتوهَّمة، أو الخطأ المتوهم، أو نقطة الضعف المتوهمة ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ﴾ لكن الله عز وجل في أصل تصميم الإنسان قال:
﴿وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً﴾
فهذا الإنسان من الطرف الآخر الذي يجلس في مجلس رسول الله لا ليهتدي أبداً، ولا ليستمع أبداً، يجلس ليقتنص، ليبحث عن نقطة ضعف ليذيعها في جماعته .
الإنسان البعيد عن الله والغارق في الملذات لا يفقه من القرآن شيئاً وكأنه بلغة أعجمية :
قال: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً﴾
أنا سافرت إلى بلاد كثيرة، في بعض البلاد لا يمكن أن أفهم حرفاً واحداً من لغتهم، ولا الأرقام، فلو أنني استمعت إلى محاضرة بتلك اللغة، هل أفقه بالمئة خمسة منها؟ ولا واحداً بالمئة، ولا واحداً بالمليون، ولا حرف، قال تعالى :
﴿ وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ(198) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (199) ﴾
يعني افتراضاً أو جدلاً، لو أن هذا القرآن نزل بلغة أخرى، بلغة أعجمية، والذي أُنزِل عليه القرآن باللغة الأعجمية، قرأه على مجتمع مكة، هل يفقهون شيئاً؟ الآن أنت اجلس بين أخوين من تركيا، هل تفهم حرفاً واحداً من كلامهم؟ بين أخوين من إيران، هل تفهم حرفاً واحداً ؟ قال ﴿مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ﴾
دققوا الآن :
﴿ كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ(200) ﴾
لو أن إنساناً عربياً قُحاً، بعيداً عن الله عز وجل، غارقاً في ملذاته وشهواته، وقرأ القرآن لا يفقه منه شيئاً وكأنه بلغة أعجمية ﴿كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ﴾
لذلك قال تعالى :
﴿ وَلَوْ جَعَلْنَٰهُ قُرْءَانًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُواْ لَوْلَا فُصِّلَتْ ءَايَٰتُهُۥٓ ۖ ءَا۬عْجَمِىٌّ وَعَرَبِىٌّ ۗ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ ۖ وَٱلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِىٓ ءَاذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى
﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ ٱلظَّٰلِمِينَ إِلَّا خَسَارًا
الذي لا يفقه القرآن لا يريد إلا الدنيا لأن الذي يحب الشيء يجعله أعمىً وأصماً عن الحق:
﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً﴾
سؤال دقيق: لماذا يجلس في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم أناس فهموا هذا القرآن، وفاضت أعينهم من الدمع، وأناس لم يتأثروا به إطلاقاً، ما السبب؟ هنا المشكلة، الجواب عن هذا السؤال هو مفتاح هذه الآية، هذا الذي تفكر في خلق السماوات والأرض، وآمن بآيات الله الدالة على عظمته أولاً، حينما يتلو القرآن الكريم يتصور أنه نزل من عند الخالق، فهو يصغي إليه، أما هذا الذي لم يتفكر في خلق السماوات والأرض أصلاً، ما تفكر إلا في حظوظه، وشهواته، وأهوائه، ونزواته، ومصالحه، هذا لا يفهم شيئاً، لذلك أيها الإخوة أنا سأضع بين أيديكم هذه الحقيقة:
السبب في أن زيداً يفهم، وعبيداً لا يفهم، في أن فلاناً بكى من شدة التأثر، وأن فلاناً بعيد بعد الأرض عن السماء عن أن يبكي، السبب أن الأول طلب الحقيقة، والثاني ما طلبها، بالضبط تماماً كآلة تصوير من أعلى مستوى، الآن هناك آلات احترافية ثمنها يزيد على مليوني ليرة، هذه الآلة الاحترافية الغالية جداً تمثل إنساناً أراد الشهوة وما أراد الهدى، كهذه الآلة، هو ذكي جداً، لكن ليس فيها الفيلم، فعلى عظمة الآلة، ودقتها، ودقة عدستها وخصائصها المذهلة، والتقريب والتبعيد لكن ليس فيها فيلم تنطبع عليه هذه المشاهد.
الذي لا يفقه القرآن معنى ذلك أنه لا يريد إلا الدنيا، لأن الذي يحب الشيء يجعله أعمىً وأصماً عن الحق ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ﴾ يستمعون إليك لينتقصوا، يستمعون إليك ليكشفوا بعض الضعف، يستمعون إليك لينتقدوك، يستمعون إليك وشهوة السيطرة والكفر متمكنة في قلوبهم، لأنهم كذلك شاءت حكمة الله، وشاءت عدالته أن يكون حجاب بينهم وبين هذا القرآن .
الكفر يجعل قلوب الكفار مغلفة:
﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً﴾
﴿ وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌۢ ۚ بَل لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَّا يُؤْمِنُونَ(88) ﴾
كفرهم جعل قلوبهم مغلفة :
﴿وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا﴾
﴿ وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ ٱشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِٱلْءَاخِرَةِ
أما إذا ذكر الذي دونه ﴿إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾
إذاً: هنا الآية لماذا زيد يفهم، وعبيد لا يفهم؟ لماذا زيد يبكي، وعبيد لا يبكي؟ يتململ، أحياناً يأتي الإنسان ليستمع إلى خطبة ولا يعنيه من هذه الخطبة إلا أنه نفّذ أمر أبيه، لذلك يطول عليه الوقت بشكل مريع، أما الذي جاء ليتعلم، يمضي الوقت كلمح البصر، فلذلك الوقت يثقل ويخف، دقيقة الألم ساعة وساعة اللذة دقيقة ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً﴾
الكافر لا يقبل أن توجه الحدث توجيهاً توحيدياً لا يقبل إلا التوجيه الأرضي الشركي :
الآن ﴿وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا﴾
﴿ وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ تَرَىٰٓ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ
من شدة التأثر، وشدة الخشوع، فلذلك هذا الذي يصلي فلا يتأثر، ويقرأ القرآن فلا يتأثر، ويذكر الله فلا يتأثر، فعنده مشكلة كبيرة جداً ينبغي أن ينتبه إليها، لكن بعد ذلك الله عز وجل عمم قال:
﴿وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بها﴾
﴿
تعريف الأسطورة :
(حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ)
الأسطورة:
مثلاً: الأرض يحملها ثور فإذا نقلها من قرنٍ إلى قرن تزلزلت، هذه أسطورة، شيء مضحك، يعني من هذه الأساطير هناك عدد لا يعد ولا يحصى، والمؤمن عليه أن يُجري جرداً لتصوراته العقدية، هناك خرافات أحياناً، أوهام، تُرهَّات، أباطيل، أما المؤمن الصادق فيجري مسحاً لكل ما يتصوره عن الدين، فإذا كان لكل شيء دليل من الكتاب والسنة قبله ودعا إليه، أما من غير دليل يرفضه، مرة ثانية
أيها الإخوة، الآن المشكلة، يقول الله عز وجل :
﴿ وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ
هؤلاء الذين جلسوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتنصوا ما يتوهمونه أخطاء إذا خرجوا من عنده ﴿يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ﴾
أشقى البشر قاطبةً الذي يستخدم إمكاناته وطاقاته في سبيل ردِّ الحق :
﴿يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾
يعني في موازين القوى في الدنيا، لا يستطيع مواطن أن يتهجم على دولة كبيرة جداً، وبيدها كل شيء، وبإمكانها أن تسحقه في ثانية، يكون جاهلاً، وأحمقاً، ليس هناك توازن، أما إنسان مخلوق ضعيف كن فيكون، زُل فيزول، سمعه، وبصره، ودماغه، وقدراته، وحركاته، وسكناته بيد الله، ثم يجلس في خندق معادٍ للحق؟ كيف؟ يعني أشقى بني البشر من كانوا في خنادق تعادي أهل الحق، قد تكون مُقصّراً، الله عز وجل يعينك على نفسك، قد تكون مذنباً، أما أن تُنصّب نفسك عدواً للحق، عدواً لأهل الحق، هذا هو أشقى البشر قاطبةً الذي يستخدم إمكاناته وطاقاته في سبيل رد الحق ﴿يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ(36) ﴾
﴿ قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ
إذا كنت في خندق معادٍ للحق يجب أن تعلم أنك خاسر لا محال:
﴿ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ(4) ﴾
ما معنى هذه الآية؟ يعني امرأتان انتقدتا النظام، دولة كبيرة جداً، ممكن أن تستنفر قوى البرية والبحرية والجوية، وقوى الأمن من أجل امرأتين؟! في الآية ملمح دقيق جداً، هو أنك إذا وضعت نفسك عدواً للحق، أو في خندق مضاد للحق، يجب أن تعرف من هو الطرف الآخر؟ الطرف الآخر قوي جداً، فهذا الذي ينصب نفسه عدواً للحق، يريد إطفاء نور الله عز وجل .
الآن دقق: لو أن واحداً رأيتموه بأعينكم يقف باتجاه الشمس، وينفخ عليها لعلها تنطفئ، فاحتمال انطفاء الشمس بنفخة من إنسان في الأرض بينه وبين الشمس 156 مليون كيلومتر، ولسان اللهب مليون كيلومتر، لسان اللهب وهي متقدة لخمس مليارات عام قادم احتمال منعدم، والحديث عن الشمس يفوق حد الخيال، إنسان وقف باتجاه الشمس ونفخ من فمه نفخة فلعلها تنطفئ، هذا كلام مقبول؟ قال تعالى :
﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِـُٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ
إذا كان إطفاء الشمس مستحيلاً، فكيف بإطفاء نور الله عز وجل في كل الكون؟ لذلك إذا كنت في خندق معادٍ للحق، يجب أن تعلم أنك خاسر لا محالة، ويجب إذا نُقِل إليك أمر إلهي، أو خبر إلهي أن تتلقاه وكأنك تنظر إليه .
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) ﴾
من الذي رأى؟ ما أحد رأى، لكن مادام خبراً من عند الله يجب أن تأخذه، وكأنك تراه، المعنى الثاني :
﴿ أَتَىٰٓ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ
معناه لم يأتِ بعد، لكن إذا أخبر الله عن شيء يجب أن تستخدم الفعل الماضي وكأنه وقع فعلاً، هذا هو الإيمان .
الآيات التالية تبين أن من أراد الهدى يهتدي ومن لم يرده لا يهتدي :
أيها الإخوة الكرام، هذه الآية والتي بعدها تفسر لماذا يتأثر زيد ولا يتأثر عبيد، لماذا يهتدي فلان ولا يهتدي فلان؟ لأن الذي اهتدى أراد الهدى، والذي لم يهتدِ لم يرد الهدى، لأن الله عز وجل يقول :
﴿ وَقُلِ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلظَّٰلِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍۢ كَٱلْمُهْلِ يَشْوِى ٱلْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ ٱلشَّرَابُ وَسَآءَتْ مُرْتَفَقًاْ (29) ﴾
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً(3) ﴾
والحمد لله رب العالمين