وضع داكن
29-03-2024
Logo
حديث الجمعة الديني - الحلقة : 5 - تفسير يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ .
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

تلاوة القرآن حق تلاوته تكون بـ:

1 ـ قراءته وفق قواعد اللغة العربية:

أيها الأخوة المشاهدون، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الله عز وجل يصف المؤمنين حينما يقرؤون القرآن، يصفهم ويقول:

﴿ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ ﴾

[سورة البقرة الآية:121]

ما معنى حق التلاوة؟ كيف نتلو القرآن حق تلاوته؟ العلماء يقولون: حق التلاوة أن تقرأه وفق قواعد اللغة العربية، لأن القرآن عربي، ولأن لغة أهل الجنة هي العربية كما ورد في بعض الآثار، وحق التلاوة يعني أن تتعلم العربية، ويقول سيدنا عمر رضي الله عنه: "تعلموا العربية فإنها من الدين".
فمن حق تلاوة القرآن أن تقرأ القرآن وفق قواعد اللغة العربية، إذا قرأت قوله تعالى مثلاً:

﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾

[سورة فاطر الآية:28]

لو رفعت لفظ الجلالة لوقعت في خطأ كبير جداً، العلماء يخشون الله وليس العكس،

﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ﴾

لفظ الجلالة: مفعول به مقدم،

﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾

فاعل مؤخر، فلابدّ من متابعة دقائق اللغة العربية كي تتلو القرآن،

﴿حَقَّ تِلَاوَتِهِ﴾

2 ـ قراءته وفق قواعد التجويد:

وبعد أن تقرأه وفق قواعد اللغة العربية، ينبغي أن تقرأه إن أمكن وفق قواعد التجويد، فتأتي بالإدغام، بالإقلاب، وبالإظهار، وبالمدود، وهذا من كمال قراءة القرآن.

3 ـ فهمه:

شيء آخر: معنى

﴿ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ ﴾

أن يفهموه، إن هذا القرآن نزل إلى البشر ليفهموه وليكون منهجاً لهم، ليكون سبب سلامتهم وسعادتهم، ليكون سبب رقيهم عند ربهم، إنه كتاب خالق الأكوان، وفضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه، لأن هذا الكون قرآن صامت، والقرآن كون ناطق، والنبي عليه الصلاة والسلام الذي شرح هذا القرآن بأحاديثه الشريفة قرآن يمشي، فلما سُلت السيدة عائشة عن خلق النبي الكريم قالت: "كان خلقه القرآن".

 

4 ـ تدبره:

إذاً 

﴿ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ ﴾

يتلونه وفق قواعد اللغة العربية، ووفق علم قواعد التجويد إن أمكن، ثم يفهمونه، لكن يشير علماء التفسير إلى شرط آخر هو التدبر، أخذاً من قوله تعالى: 

﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾

[سورة محمد الآية:24]

ما معنى التدبر؟ أنك إذا قرأت هذه الآية أين أنت منها؟ هل أنت مطبقٌ لها؟ هل أنت لا تعنيك هذه الآية لا سمح الله؟ هل تعنيك؟ هل أنت في مستوى هذه الآية؟ هل أنت مطبق لها جزئياً أم كلياً؟ هل أدخلت هذه الآية في برنامجك اليومي؟ أين أنت من هذه الآية؟ هذا هو التدبر.

على كلّ إنسان أن يقف من كل آية موقفاً وهذا الموقف هو ثمرة تلاوة القرآن:

لذلك أقول لكم أيها الأخوة الكرام: ما من آية تقرأها في القرآن الكريم إلا وينبغي أن يكون لك موقف، هذا الموقف هو ثمرة تلاوة هذا القرآن، لذلك:

((مَا آمَنَ بالقرآنِ مَن استحلَّ مَحَارِمَهُ ))

[أخرجه الترمذي عن صهيب الرومي]

رب تال للقرآن والقرآن يلعنه،

((مَا آمَنَ بالقرآنِ مَن استحلَّ مَحَارِمَهُ ))

هذا القرآن كلام خالق الأكوان، هذا القرآن منهج الرحمن، هذا القرآن دستور الإنسان، هذا القرآن فيه افعل ولا تفعل، هذا القرآن سبب سعادة الإنسان، بل سبب سلامته، وعلى وجه الأرض ستة آلاف مليون إنسان، ما منهم واحد من دون استثناء إلا وهو حريص حرصاً لا حدود له على سلامته، وعلى سعادته، حرصه على سلامته يقتضي أن يتبع تعليمات الصانع، فالإنسان أعقد آلة في الكون، وله صانع حكيم هو خالق الأكوان، ولهذا الصانع الحكيم تعليمات التشغيل والصيانة.
إذاً القرآن الكريم يتلوه المؤمن

﴿حَقَّ تِلَاوَتِهِ﴾

يتلوه وفق قواعد اللغة العربية، ويتلوه وفق قواعد علم التجويد إن أمكن، ثم يفهمه فهماً دقيقاً من خلال أقوال النبي الكريم، ومن خلال فهم الصحابة الكرام له، ويفهمه أيضاً فهماً آخر بمعنى أنه يراجع نفسه مع كل آية أين هو منها؟ هذا هو التدبر، فالتدبر أن تقف من كل آية موقفاً، إذا أمرك الله أن تكون صادقاً ينبغي أن تكون صادقاً، إذا أمرك أن تكون أميناً ينبغي أن تكون أميناً، إذا أمرك أن تصلي ينبغي أن تصلي، كل أمر في القرآن يقتضي الوجوب.

الدين منهج تفصيلي يسير مع الإنسان في كلّ أمور حياته:

أحياناً يتوهم بعض المسلمين أن الدين خمس عبادات، صلاةٌ، وصيامٌ، وحج، وزكاة، والحقيقة التي تعد ثابتة حقاً أن الدين منهج تفصيلي، يبدأ من أخصّ خصوصيات الإنسان، من فراش الزوجية، وينتهي بالعلاقات الدولية، منهج لكل شؤون حياتك، يكون معك في السراء وفي الضراء، في كل أحوالك، هذا المنهج التفصيلي لا بدّ من أن تجعله منهجاً في حياتك.

لذلك قيل: الكون قرآن صامت، والقرآن كون ناطق، و النبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي، فلذلك حينما نقرأ هذا القرآن لا بدّ من موقف تجاه أي آية.

كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب وكل نهي يقتضي الترك:

الآن إذا قرأنا آية فيها أمر إلهي:

﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ﴾

[سورة البقرة الآية:83]

أمر، وكل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، فهذه الآية تقتضي أن نقول للناس حسناً، فإذا قرأنا آية فيها نهي:

﴿ لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً ﴾

[سورة الحجر الآية:88]

ينبغي ألا تمد عيناك إلى من لا تحل لك، هذه آية قرآنية.
أيها الأخوة، كل أمر يقتضي الوجوب، وكل نهي يقتضي الترك، فاسأل نفسك مع كل آية تقرأها أين أنت منها؟ واسأل نفسك مع كل نهي نهى الله عنه:

﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ﴾

[سورة الإسراء الآية:36]

أين أنت من هذه الآية؟ هذا هو التدبر، وهذا معنى قوله تعالى:

﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾

هذا هو التدبر، إذا قرأت آية فيها وصف لحال أهل الجنة ينبغي أن تسعى لبلوغ الجنة، وإذا قرأت آية فيها وصف لحال أهل النار نعوذ بالله من أهل النار، ينبغي أن تفر من النار، أن تبتعد عنها بالطاعة، بالعمل الصالح، وإذا قرأت آية تتحدث عن أقوام سابقين أهلكهم الله عز وجل ينبغي أن تتعظ.

لتفكر في خلق السماوات والأرض أرقى عبادة يتعبد بها الإنسان ربه:

لكن سؤالي اليوم يتوجه إلى موضوع خاص، في القرآن ألف وثلاثمئة آية تتحدث عن الكون والإنسان، ما موقفك من هذه الآيات؟ آية الأمر تأتمر، آية النهي تنتهي، آية الجنة تسعى إلى الجنة، آية وصف أحوال أهل النار تفر من النار، آية الأقوام السابقين تتعظ، إذا قرأت آية كونية:

﴿وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ ﴾

[سورة الفجر]

﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ﴾

[سورة الشمس الآية:1]

هذه الآيات الكونية التي تزيد عن ألف وثلاثمئة آية وردت في القرآن الكريم ما موقفك منها؟ الموقف تذكره آية كريمة هي قوله تعالى:

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾

[سورة آل عمران]

الآن أيها الأخوة المشاهدون دققوا:

﴿وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾

فالتفكر في خلق السماوات والأرض أرقى عبادة يتعبد الإنسان بها ربه، لأن هذه العبادة تضعه وجهاً لوجه أمام عظمة الله، لأن هذه العبادة تعد أوسع طريقٍ تدخل به إلى الله، وتعد أقصر طريق تصل من خلالها إلى الله،

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾

أيها الأخوة المشاهدون، حينما تفتحون القرآن لتقرؤوه ـ ونحن على مشارف رمضان ـ حينما تفتحون القرآن لتقرؤوه وصلتم إلى آيات كونية، ينبغي أن تكون هذه الآيات الكونية منهجاً لكم في التفكر في خلق السماوات والأرض، لأن التفكر في خلق السماوات والأرض أقرب طريق إلى الله، وأوسع بابٍ ندخل منه على الله، لأنه يضعكم وجهاً لوجه أمام عظمة الله.
وإلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور