وضع داكن
29-03-2024
Logo
موضوعات فقهية متفرقة - الدرس : 33 - آداب السفر وأنواعه.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً ، و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه ، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

السفر :

 أيها الأخوة المؤمنون : تحدثنا في الدرس الماضي عن موضوع دقيق هو موضوع الغناء ، وفي هذا الدرس نتحدث عن موضوع آخر ألا وهو موضوع السفر ، فالسفر نشاط من نشاطات الإنسان ، هناك من يسافر لدنيا يصيبها ، أو امرأة ينكحها ، فيقع في شر عمله ويدفع الثمن باهظاً من دينه وآخرته ، وهناك من يسافر في سبيل الله فيكسب الدنيا والآخرة .
 موضوع السفر هل هو حرام ؟ هل هو حلال ؟ هل هو واجب ؟ هل هو مندوب ؟ هل هو مكروه ؟ وما أهداف السفر ؟ يا ترى ما علاقة السفر بطلب العلم ؟ ما علاقة السفر بالعبادة؟ بالجهاد في سبيل الله ؟ بطلب الدنيا إذا أعسر الإنسان ؟ بهذه الموضوعات الدقيقة التي كثيراً ما يتحدث عنها الناس ويسألون عنها أهل العلم و هم في جهل من دقائقها سنتكلم اليوم .

أنواع السفر :

1 ـ السفر في سبيل الله و أعلاه السفر في طلب العلم :

 لاشك أن هناك سفراً في سبيل الله ، أعلى أنواع السفر في سبيل الله السفر في طلب العلم لماذا ؟ لأن العلم هو الطريق الوحيد إلى الله ، ولأن في الكون حقيقةً واحدة هي وجود الله و وحدانيته وكماله ، وكل شيء يوصل إليه مشروع ، وكل شيء يبعد عنه مذموم ، ومحرم ، ومنهي عنه .
 السفر الأول هو سفر في طلب العلم ، هذا السفر واجب أم نفل ؟ ما ينبغي أن يعلم بالضرورة سفر واجب ، وما كان فرض كفاية سفر مندوب ، وإذا كان السفر ترك الوطن ، وترك الأهل ، وترك الأولاد ن وترك الدنيا ، وترك العمل من أجل طلب العلم ، فما قولك فيمن يقطن في دولة وفيها مجالس علم وقد يكون مجلس العلم إلى جوار بيته وهو يتكاسل أو يعرض عن أن يحضر في الأسبوع مجلساً أو مجلسين ويمضي ساعات طويلة فيما لا يرضي الله عز وجل ؟
 الحديث الآن أن تسافر من بلدك إلى بلد آخر ، أن تقطع الصحارى والفيافي ، أن تدع الأهل والأولاد ، أن تدع مكتبك التجاري ، أن تفقد مركزك المالي ، أن تفقد مركزك الاجتماعي من أجل طلب العلم ، لأن العلم هو الطريق ، وأقول بدقة هو الطريق الوحيدة إلى الله ، وأي حركة قبل العلم حركة عشوائية ، فلذلك إذا كنا في بلدةٍ فيها علم صحيح ، وفيها مساجد ، وفيها دعاة ، فإذا كنت في بلد بعيد بعيد أنت مكلف في نص الأحاديث الشريفة أن تطلب العلم ، طلب العلم فريضة على كل مسلم إذا كان العلم في بلد بعيد عن بلدك ، طلب العلم فريضة على كل مسلم ، تطلبه أينما كان إن كان في بلدتك ، أو في غير بلدتك .
 سيدنا جابر بن عبد الله رحل من المدينة مسيرة شهر في حديثٍ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بلغه عن عبد الله بن أنيس حتى سمعه منه ، الإنسان يقطع بالساعة أربعة كيلو متر ، و بالثماني ساعات خمسة وعشرين كيلو متراً ، وبالعشرة أيام مئتين وخمسين كيلو متراً ، وبثلاثين يوماً سبعمئة وخمسين كيلو متراً ، مسيرة سبعمئة وخمسين كيلو متراً من أجل حديث واحد ، يمكن أخواننا الكرام الذين يسكنون هذه البلدة لا يكلفهم طلب العلم إلا أن يركبوا سيارة واحدة .
 وقال الشعبي : لو سافر رجل من الشام إلى أقصى اليمن في كلمة تدله على هدىً أو ترده عن ردى ما كان سفره ضائعاً ، كلمة حق ، حديث شريف ، فهم آيةٍ ، فهم حكم فقهي ، هذا إذا طبقته سعدت به إلى الأبد .

الحكمة من السفر :

 والحقيقة عندنا علم آخر كل إنسان في بلده ، في بيته ، أموره ميسرة ، حاجاته مؤمنة، الناس يعرفونه فلا تبدو أخلاقه الحقيقية ، لكن الأخلاق الحقيقية تبدو في السفر فما سمي السفر سفراً إلا لأنه يسفر عن أخلاق الرجال ، وما قبل سيدنا عمر من رجل قال : أنا فلان أعرفه ، قال له : هل سافرت معه ؟ هل حاككته بالدرهم والدينار ؟ هل جاورته ؟ أحياناً الإنسان يدعي أنه إنسان طيب ويحب الخير ، لو سافر مع مجموعة أشخاص لظهر على حقيقته ، يحب نفسه فقط ، يحب أن يأخذ كل شيء بلا شيء ، يحب أن يستريح ، يحب أن يأكل دون أن يجهد، يحب أن يخدمه الآخرون ، إذا سافرت ربما تعرفت إلى الله من خلال أهل العلم ، وإذا سافرت ربما تعرفت إلى نفسك ، أخطر شيء في الحياة أن يكون لك حجم ، أن يكون لإيمانك حجم وأنت واقف تظن حجم إيمانك أكبر بكثير ، فالسفر يسفر عن أخلاق الرجال .
 وهناك شيء آخر ، إذا سافر الإنسان رأى آيات الله في الكون ، ربما آيات الله عز وجل تزيده معرفةً بالله ، لذلك قالوا : " هناك سفر استثمار وسفر اعتبار ، سفر الاستثمار أن تبحث عن رزق الله في أرض الله ، أما سفر الاعتبار فربما إذا رأيت مظاهر الطبيعة ، ربما إذا رأيت بعض ما خلق الله عز وجل من آياتٍ بليغة ، من آيات دالة على عظمته ربما ازداد إيمانك".
 على كل إذا سافرت من أجل علم ينبغي أن يعلم بالضرورة فهذا سفر واجب بل هو فرض عين ، إنسان مقيم بقرية لا يوجد في هذه القرية عالم يعطيه العلم الصحيح ، فصار مجيئه إلى بلد فيه علم صحيح فرض عين ليتعلم ما ينبغي أن يعلم بالضرورة ، أما إذا انتقل من بلده إلى بلد آخر ليتبحر في المواريث هذا السفر مندوب ولكن ليس واجباً ، السفر لمعرفة ما يجب أن يعرف فرض ، أما السفر لمعرفة علم هو في الحقيقة فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الكل فهو مندوب ، هذا السفر من أجل طلب العلم ، وما ذكرت هذا الموضوع إلا لأذكركم أنك مأمور أن تسافر من بلدك إلى بلد بعيد إلى بلد في أقصى الدنيا ، أحد العارفين بالله التقى بعالم كبير في الحج وهو فيما أذكر من سكان هذه البلدة فقال : أنا مكاني في الهند يا ولدي ، هنا بالحج ليس هناك مكان لأن أعلمك شيئاً إذا أردتني فالحقني إلى الهند ، فهذا العالم حينما عاد من الحج رحل إلى الهند ليتلقى العلم عن هذا العالم الجليل ، السفر من أجل طلب العلم يقع في الدرجة الأولى ، فما قولك إذا كنت في بلدة فيها علم ما عليك إلا أن تقتطع من وقتك ساعة في الأسبوع مرة أو مرتين .

2 ـ السفر من أجل العبادة :

 الآن عندنا سفر آخر لأجل العبادة من حج أو جهاد ، وقد قال عليه الصلاة والسلام :

(( لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلا إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَسْجِدِ الأقْصَى ))

[متفق عليه عن أبي هريرة ]

 إذا سافرت إلى مسجد بقصد التبرك به لا يمكن أن تستفيد إلا إذا كان أحد هذه المساجد ، قالوا : إن الجامع الأموي بحلب جامع مبارك ، غداً سوف نغادر إلى حلب لنزور هذا المسجد ، نقول له : لا يجوز ، لا يجوز أن تسافر بقصد أن تتبرك بمسجد إلا إلى أحد هذه المساجد الثلاث وما سوى ذلك فلا يسن ولا يشرع أن تزور مسجداً آخر ، لأن كل المساجد سوى هذه المساجد الثلاث سواء عند الله إذا كان القصد زيارة مسجد بالذات ، أما إذا كان القصد زيارة رجل تثق بعلمه وإخلاصه في هذا المسجد فصارت الزيارة لما في هذا المسجد من درس ، من أجل درس علم ، أو من ذكر ، الحج والجهاد هذا سفر عبادة ، والأول طلب علم .

 

3 ـ السفر للهرب من سبب مشوش للدين :

 القسم الثالث أن يكون السفر للهرب من سبب مشوش للدين ، أي أغلى شيء عليك هو دينك ، فإذا كنت في مكان دينك مهدد بالخطر ، أو منعت من ممارسة شعائر دينك ، أو شعرت أن هذا البلد فيه خطر على دين أولادك ، رجل ذهب إلى بلد غربي والأمور ميسرة ، شراء البيت بالتقسيط بسعر زهيد ، الحاجات كلها مؤمنة ، كل شيء على ما يرام إلا أن الفسق والفجور لا يوصف ، لو فرضنا أن الرجل ضبط نفسه ، والزوجة ضبطت نفسها ، فما هي حالة الأولاد ؟ وما هو شعور أب يرى ابنته لها صديق ومستعدة أن تتخلى عن كل أهلها وألا تتخلى عن هذا الصديق وقد يكون هذا الصديق يهودياً وأنت مسلم ؟ هذا سفر في سبيل الشيطان .
 من أقام مع المشركين فقد برئت منه ذمة الله ، تعيش في بلد تبيع الفتاة عرضها بشيء زهيد جداً ، بحبة مسكة ، وأولادك في هذا البلد والبنت التي ليس لها صديق بنت مريضة تحتاج إلى معالجة نفسية ، والشاب إن لم تكن له صديقة يحتاج إلى طبيب نفسي ، وشرب الخمر كشرب الماء ، وأينما ذهب رأيت الفتنة يقظة والجنس كل شيء ، ولا شيء سواه ، مثل هذا البلد إذا سافرت إليه و أردت أن تقيم فيه رغبةً فيما عند هؤلاء من مال وفير ، ومتعة رخيصة ، وحياة آمنة ، وحاجات موفورة ، إذا أقمت في مثل هذا البلد يجب أن تعلم علم اليقين أن النبي عليه الصلاة والسلام أخبر وقال : " برئت منه ذمة الله " يدفع الثمن .
 الآن كم من أسر مسلمة عاشوا في بلاد الكفر وحينما ضيقوا عليهم ، وحينما حملوا بناتهم على أن يدعن أمر الله عز وجل ، وحينما منعوا من ممارسة شعائر دينهم ، تركوا وهاجروا و أغناهم الله في بلد الهجرة .
 والله زرت شخصاً من بلاد تركيا عمره يزيد عن ثمانين عاماً قال : أنا رحلت إلى بلدكم يوم ضيق علينا ، ويوم صارت الصلاة تهمةً خطيرةً يقتل صاحبها ، جئنا إلى بلدكم وأقسم بالله أنه لا يملك أن يشتري نقيراص ، قال لي : عندي خمسة وثلاثون بيتاً في هذه البلدة ، قلت: سبحان الله ! وأراضي وتجارة وهو يغدق على الناس ، كيف أصبح غنياً في هذه البلدة ؟ لأنه هاجر في سبيل الله ، لأنه خاف على دينه .
 لي صديق لفت نظري أنه لما حج قال : حججت عن نفسي حجة الإسلام ثم حججت عن أبي ثم حججت عن أمي لفت نظري الترتيب ، الحديث : أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك ، هو بالعكس حج عن والده أولاً ثم عن والدته ، فلما سألته ما سر هذا الترتيب ؟ قال : كنا في بلد أجنبي وصار الضغط على الدين ضغطاً غير معقول ، فآثر أبي أن يفر بدينه ، وأن يحفظ لنا ديننا ، فجاء بنا إلى هذه البلدة ، قلت : سبحان الله رأى أن قرار أبيه هو الذي حفظ له دينه ، إذاً حج عن أبيه بادئ ذي بدء ثم حج عن أمه ، قال تعالى :

﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً ﴾

[ سورة النساء : 97]

 إذا كنت في الأرض مستضعفاً ولم تستطع أن تقيم شعائر الله عز وجل ، وتركت البلد الذي يظلم فيها المسلم فهذه هجرة في سبيل الله ، فما قولكم في إنسان يقيم في بلدة كلها مساجد ، كلها مجالس علم ، كلها دعوة إلى الله ، فيها خير كثير ، فيها بقية من صالحين ، يدع كل هذا الخير من أجل دريهمات يقبضها في عاجل دنياه .

 

4 ـ السفر هرباً فيما يقدح بالبدن كالطاعون :

 السفر الرابع : السفر هرباً فيما يقدح بالبدن كالطاعون ، أي إذا وجد وباء إلا الطاعون ، يوجد أحاديث متعلقة بالطاعون وهذه الأحاديث أعجب ما في الأمر أن النبي عليه الصلاة والسلام قال :

((الطَّاعُونُ آيَةُ الرِّجْزِ ابْتَلَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ نَاسًا مِنْ عِبَادِهِ فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ فَلا تَدْخُلُوا عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلا تَفِرُّوا مِنْهُ ))

[مسلم عن أسامة بن زيد]

 هذا الحديث ، إذا سمعتم بأرض فيها طاعون لا تدخلوا عليه واضح ، لكن إذا كنت بأرض فيها طاعون لماذا نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن أن تخرج منها ؟ عرضوا هذا السؤال على عالم كبير كبير في علم الجرائيم ، فقال : الأمر بديهي لأن حملة المرض قد يكونوا أصحاء ، إذا كان الإنسان في أرض فيها طاعون قد يحمل هذا المرض وهو صحيح فإذا سافر إلى بلد آخر ينقله للآخرين ، فهذه كشفت حديثاً ، أما أن الرسول عليه الصلاة والسلام أراه الله عز وجل هذه الحقيقة فهذا شيء يلفت النظر ، إذا كنت في مكان فيه هلاك ، هلاك لدينك لابد من السفر ، هلاك لبدنك ولأهلك أيضاً حياة الإنسان غالية جداً ، مثلاً منزل متداع طبعاً نقيس فيه إنذار في الإخلاء ، و أساسه فيه خطأ ، إذا أقمت في هذا البيت فأنت ظالم لنفسك لماذا ؟ لأن رأس مالك حياتك وأنت بهذا كأنك تعرض حياتك للخطر ، أو كأنك تضحي بحياتك ، أو تنتحر ، وهناك قصص كثيرة جداً أن بيوتاً متداعية أمر أصحابها بإخلائها ، أصحابها ما طبقوا هذا الأمر لسبب أو لآخر فإذا هذا المنزل ينهدم عليهم إذاً هناك معصية .
 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من كانت جمله حرون فلا يذهب معنا " تصور صحابياً جليلاً له جمل حرون ركبه في سبيل الله ، هذا الجمل قتل صاحبه ، معنى حرون أي شرس ، النبي عليه الصلاة والسلام أبى أن يصلي عليه ، ماذا فعل هذا الصحابي ؟ عندما الإنسان يعرض حياته للخطر معنى هذا أنه يعصي الله ، العلماء قاسوا على ذلك من نام على سطح ليس له سور فوقع ودقت عنقه مات عاصياً ، يقاس عليها من نزل من مركبة وهي تمشي هناك كثير من الحوادث التي صار فيها دهس عندما نزل وقع تحت العجلة ومات ، أنا أعتقد كل سنة يوجد حادثتين أو ثلاث من هذا النوع ، يقاس عليها من ركب مركبةً ليست جاهزة مكابحها ضعيفة ، الإنسان قبل أن يسافر عليه أن يتأكد من سلامة المركبة ، هذا هو الدين ، وهذه هي السنة ، الدين دقيق جداً ، قال تعالى :

﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾

[ سورة البقرة : 195]

 إذاً هذا السفر صوناً للحياة نسافر ، وصوناً للدين نسافر ، وأداءً للعبادة ، وطلباً للعلم نسافر ، هذه الأنواع التي وردت في إحياء علوم الدين في موضوع السفر .

 

تقسيم آخر للسفر :

 طبعاً يوجد تقسيم آخر للسفر ، يوجد سفر مذموم ، وسفر محبوب ، وسفر مباح ، السفر الجيد المحبوب الذي حث عليه الشرع سفر في طلب العلم ، وسفر في أداء العبادة ، والسفر المذموم سفر من أجل معصية ، والعياذ بالله دول كثيرة من بلدان النفط السفر ميسر جداً إلى الشرق أو إلى الغرب ، لقضاء إجازة سنوية أو شهرية أو أسبوعية ، لا لشيء إلا ليعصي الله في هذه السفرة بألوان من المعاصي لا توصف ، هذا سفر المعصية .
 رجل سافر إلى بلد غربي نزل في فندق يبدو أنه طلب امرأة في الصباح افتقدها ، كتبت له على المرآة : مرحباً بك في نادي الإيدز ، طبعاً هي مصابة بهذا المرض ، مسافر في سبيل الشيطان ، في سبيل الزنا ، مسافر ليفعل كل المعاصي ، مسافر ليغرق في المعصية إلى أذنيه هذا سفره محرم ، بالمقابل سفر في سبيل طلب العلم ؛ سفر للحج ، سفر للعمرة ، حدثني أخ كريم اعتمر وحج وهو مما يكثر السفر لبلاد الغرب ، ذاق من حلاوة القرب الشيء الكثير فأقسم بالله لن يغادر بلده إلا إلى حج أو عمرة ، لشدة ما تجلى الله على قلبه في هذه السفرة ، الحج أنت مسافر إلى الله ، سفرة إلى الله ورسوله ، لو أن هذا المكان جميل جداً ؛ النسمات والجبال الخضراء والأماكن الجميلة والتسهيلات والخدمات والمرافق لاختلط هؤلاء الذين أرادوا وجه الله الكريم في هذه السفرة وهؤلاء الذين قصدوا المتعة والسياحة ، لذلك شاءت حكمة الله أن يكون بلد السفر إليه بلد لا زرع فيه ، ولا نبات ، ولا أي مظهر من مظاهر الجمال الذي يرغبه الناس .
 الحقيقة تروي كتب الفقه أنه يجب أن يكون شغلك الشاغل أن تلتقي بمن في هذه البلدة من أهل العلم ، من أهل الصلاح ، من أهل القرب ، أن تكون مغرماً بزيارة مساجدها ، أماكنها المقدسة لأنها بيوت الله عز وجل ، الإنسان يشعر في بيت الله أنه في بيت طاهر ، ادخل إلى مدينة صاخبة ثم ادخل إلى مسجد كأنك في بلدك ، شوارع وازدحام ونساء كاسيات عاريات وبضائع مغرية جداً شعرت بضيق ادخل فوراً إلى المسجد تشعر براحة ، توضأ وصلّ أصبحت في ذمة الله ، دخلت إلى بيت الله .

آداب المسافر :

1 ـ أن يبدأ بردّ المظالم وقضاء الديون :

 الحقيقة آداب المسافر كثيرة ونحن نعنى بآداب المسافر ، لأن السفر كما قلت نشاط ثابت واجتماعي .
 الأدب الأول ، قال : أن يبدأ برد المظالم ، قلت لكم مرة : رجل يقود سيارته بالحجاز أصابته أزمة قلبية فانكفأ على مقود السيارة وإلى جانبه زوجته ، ومن غرائب الصدف أنه مرّ صديقه فحمله للمقعد الخلفي ، وقاد المركبة إلى المستشفى للعناية المشددة ، وبعد أن صحا قليلاً وصار بإمكانه أن يتكلم طلب آلة تسجيل وقال في صوته : إن المحل الفلاني الذي فروغه تقر بعشرين مليوناً هذا ليس لي وحدي بل هو لي ولأخوتي وكنت أنكر عليهم حقهم فيه ، والدكان الفلاني ، والمكان الفلاني ، عجيب بدأ برد المظالم لأهلها لخوفه أن يموت قبل أن يرد المظالم ، طلب هذه الآلة وبصوته اعترف لأخوته ولمن قد كان قد اغتصب منهم اعترف لهم بحقهم ، هذه القصة مثيرة جداً ، بعد أسبوع شعر وكأن هذه الأزمة قد انزاحت عنه إلى غير رجعة ، فقال : أين الشريط أعطوني إياه ؟ كسره وكأن شيئاً لم يكن ، بعد ثمانية أشهر توفي .
 أحياناً بالقرى الكهرباء تنطفئ الساعة الثانية عشرة ، والقرية الصغيرة لا يوجد فيها كهرباء مستمرة ، إنما الكهرباء مقطعة ، وأنا كنت معيناً في إحدى هذه القرى كي أدرس فيها ، الساعة الثانية عشرة موعد انقطاع التيار الكهربائي كل يوم ينقطع التيار لثانيتين فقط ثم يعود، معنى هذا إنذار هيؤوا أنفسكم ، اجمعوا أغراضكم ، توجهوا إلى الفراش ، وأحياناً تأتي مصيبة قبل الموت مفاجئة تماماً ، أي انتبه آن الأوان ، هذا الحديث : " عبدي كبرت سنك ، وضعف بصرك ، وانحنى ظهرك ، وشاب شعرك ، فاستح مني أنا أستحي منك " ما معنى شيب الشعر ؟ ضعف البصر ؟ ما معنى تقوس الظهر ؟ قال لي رجل : والله يا أستاذ من أربعين سنة أنا أنشط من الآن ، طبعاً ، يقول لك : لا يوجد ميل ، قوة ، هذه الحيوية والتدفق من العشرين للخامسة والثلاثين ، من الأربعين إلى الخمسين وسط ، بعد الخمسين يميل الإنسان إلى الراحة ، الضعف العام في البصر ، شيب الشعر ، انحناء الظهر ، إشارات لطيفة لطيفة من الله أن يا عبدي اقترب وقت اللقاء فهل أنت مستعد ؟ قطع التيار قبل عشر ثواني ، هذا الرجل قبل ثمانية أشهر جاءته هذه الأزمة ليتنبه وتنبه فعلاً وترك كل ما عليه من مظالم ، لكن بعد هذا ندم ، قال تعالى:

﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)﴾

[ سورة آل عمران :175 ]

 فقال : أين الشريط أعطوني إياه ؟ وكسره وكأن شيئاً لم يكن ، بعد ثمانية أشهر توفي.
 أعرف رجلاً مسرفاً على نفسه كثيراً من حفلة إلى حفلة ، ومن نادي إلى نادي ، من ملهى إلى ملهى ، وفي رأس السنة هو و زوجته بالفنادق ورقص وخمر ، وهو في ريعان الشباب في الأربعينات أصابه مرض ، قلت : لعل هذا المرض تذكير من الله عز وجل ، بعد أن شفي من مرضه عاد إلى ما كان عليه ، الله ذكره وهو لم يتذكر .
 يوجد رجل كان مسرفاً على نفسه كثيراً وله جار صالح نصحه ، يا رجل انتبه إلى آخرتك الموت قريب ، الدنيا لا تغني عن الآخرة ، طاعة الله غنى معصيته ندامة ، ومن هذا الكلام فلم يستجب ، توفي رآه أحد أقربائه في المنام وهو يرتدي في اللغة الدارجة - كيس خيش - مربوط بحبلة ، ويدور حول بحرة ويقول على جاره المؤمن : نصحني فلان ولم أنتصح يا ليتني انتصحت .
 أحد أخواننا هنا يحضر معنا قال لي : لي أخ كان ناظر وصية ، يوجد ثمانية آلاف الموصي أمر أن تدفع إلى أعمال البر ، هذا الناظر أخذ هذا المبلغ وأنفقه ولم ينفقه على أعمال البر ، رأته أخته في المنام وقد احترق وألسنة اللهب تتصاعد من حوله ، ويقول لأخته : الثمانية آلاف أحرقتني ، فالإنسان يجب أن يبدأ برد المظالم ، هو سوف يركب طائرة ، ويوجد احتمال أن تسقط هذه الطائرة ، وهم يتناولون الطعام قد يسمعون خبراً : وقد مات جميع ركابها ، أنت انظر أحوال الركاب حينما يشعرون أنه يوجد خطر ، ترى القلوب انخلعت إذا أيقن ركاب الطائرة أن طائرتهم سوف تسقط .
 إذا الإنسان أراد أن يسافر عليه برد المظالم ، وقضاء الديون ، لا أعتقد صحابياً جليلاً جاهد مع رسول الله في بدر و أحد والخندق ثم مات و عليه دين صلى عليه النبي ، يقول عليه الصلاة والسلام أعليه دين ؟ فإذا قالوا : نعم ، يقول : صلوا على صاحبكم .
 أول أدب من آداب السفر أن يبدأ برد المظالم ، وأداء الديون ، طبعاً هذه في الحج أيضاً الحج سفر ، كتاب استعرته ، حاجة ، حساب معلق ، خلاف على حساب ، ذمة لبائع ، اعمل جرداً لكل شيء ، أن يبدأ برد المظالم وقضاء الديون وإعداد النفقة لمن تلزمه نفقته ، وبرد الودائع إن كانت عنده ، عندك وديعة تعلمها أنت إنها لفلان لكن إذا سافرت وحصل أمر تكرهه من يعلم أن هذه لفلان ؟ اكتب ورقة إلى جانبها ، والأكمل أن تردها وإذا أصرّ أن تكون عندك اكتب هذه الحاجة لفلان .

على المسافر أن يكون زاده من الحلال الطيب و زائداً عن حاجته :

 ولا يأخذ لزاده إلا الحلال الطيب ، إن الله طيب ولا يقبل إلا طيباً ، وليأخذ قدراً يوسع به على رفقائه إن استطاع ، أي السفر مظنة حاجة ، شخصان سافرا وأخذ فقط ما يكفيه لوجبة واحدة ، من المواقف المزعجة أن تركب في سيارة عامة تأكل وتخرج الموالح معك ركاب وأولاد صغار يشتهون ، أخذ معه الفواكه والسندويش والموالح والشاي وإلى جانبه ركاب ومعهم أولاد ، السنة أن تأخذ زاداً زائداً عن حاجتك لتنفق منه على رفاقك في السفر .

على المسافر إظهار مكارم الأخلاق :

 ولابد في السفر من طيب الكلام ، وإطعام الطعام ، وإظهار مكارم الأخلاق ، أي المسافر يجب أن يتحلى بالمآثرة ، يوجد مقعدان ، أحدهما على النافذة تقول له : تفضل ، يوجد مسافر أفضل مقعد له ، أفضل سرير في الفندق له ، ويختار ، هذه ليست أخلاق مسافر ، أخلاق المسافر يجب أن تبنى على المآثرة .
 قال : من تمام حسن الخلق الإحسان إلى الرفقاء ، وإعانة المنقطع بمركوب أو بزاد ، أنت مسافر ورجل أشار إليك وهو منقطع بحاجة إلى وقود ، إلى آلة ، إلى حاجة ، إذا أردت أن يعينك الناس إذا انقطعت فأعن الناس إذا انقطعوا ، مرة في سفر رجل أشار إليّ ويبدو أنه مضطر إلى شيء ، بعدما قطعته رجعت إليه وشعرت أنه يقف من ساعة أو ساعتين يحتاج إلى بنزين مقطوع فلما أعطيته كأنه عمل غريب .
 سمعت قصة غريبة جداً أناس يركبون مركبة ولا يملكون آلة الرفع للسيارة ، وعجلة من العجلات انفجرت ، مضى ساعة وساعتان وثلاث ساعات وهم يؤشرون إلى السيارات لا أحد يقف ، بعد ساعتين توقف شخص وقال : ماذا تريدون ؟ قالوا له : نحتاج إلى آلة رفع ، فقال تفضلوا فقال أحدهم : ما شاء الله مازال في الدنيا خير ، بعد أن انتهى قال : اسمحوا لي بخمس ليرات ، فقال له الشخص : والله لو طلب مئة ليرة لأعطيك ولكن ليتك لم تطلبها ، وكنا نعتقدها إغاثة لهفان ، ولكنها مأجورة ، وهذا العمل سقط .
 من آداب السفر أن تعين المنقطع بمركوب أو بزاد ، كنت أركب مع أخ توفي رحمه الله من بلد عربي مجاور ، و أنا راكب معه في دمشق ضرب سيارة ، والذي ضربه سيارة عامة فقلت : لعل هذا السائق يغضب ويثور ، والرجل ضيف ، هذا السائق نظر إليه ولم يتكلم بأي كلمة وقال له : مسامح ، فرأيت دمعة نزلت على خده ، فقلت له : لماذا تأثرت ؟ قال : والله من سنتين جاء رجل من بلدكم إلى بلدنا وضرب لي سيارتي ومعه نساء محجبات ، ولم أحب أن أنزع له نزهته ، فقلت له : الله يسامحك ، وبعد سنتين جاء رجل وعامله المعاملة نفسها ، كله دين و وفاء ، البر لا يبلى والذنب لا ينسى والديان لا يموت ، اعمل كما شئت كما تدين تدان .
في السفر تلبي رجلاً مقطوعاً ، تقرضه مالاً لأنه ابن سبيل ، هذه من آداب السفر.
 وأن يكون الإنسان مرحاً ، يبدو أن السفر فيه مشقة وعبء على الإنسان ، فإذا كان الإنسان لطيفاً فهذا شيء جيد ، فالسفر مع جو عبوس قمطرير شيء يدعو إلى الملل ، ومن السنة في السفر أن يطيب نفس أخوانه وأن يمزح معهم وأن يكون هذا المزاح اللطيف الأديب معوضاً لهم على مشاق السفر .
 أول أدب ردّ المظالم ، قضاء الديون ، إعداد النفقة من الحلال ، ردّ الودائع ، أخذ الحلال ، التوسيع في الإنفاق ، طيب الكلام ، إطعام الطعام ، إظهار مكارم الأخلاق ، وأبرز هذه المكارم إعانة الرفقاء ، إيصال المقطوعين ، البذل ، لين الكلام ، المزاح ، تطييب نفوس الرفقاء ، وكلها تحت الأدب الأول .

2 ـ أن يختار رفيقاً ولا يخرج وحده :

 الأدب الثاني أن يختار رفيقاً ولا يخرج وحده ، في بعض الآثار : " المسافر شيطان" الإنسان إذا سافر تضعف الرقابة عليه ، الناس العاديين في بلدهم منضبطون أما إذا سافروا يتفلتون ، أما المؤمن فالله معه لا يتأثر بأي كلام ، إذا إنسان إيمانه وسط وذهب مع رجل مؤمن يسأله هل صليت الظهر ؟ لا ، هيا لنصلي ، لا يستطيع أن يذهب يميناً ويساراً ، إذا نسي الأول الثاني ذكره ، الأول قدمه زلت الثاني صحاه ، من السنة أن يكون معك رفيق ، وقيل : الرفيق قبل الطريق ، أما الرفيق فيجب أن يعين على الدين لا على المنكر هذه ضعها في عنقي من الذي يرانا هنا ؟ هذا رفيق يجب ألا يرافق ، أنت بحاجة إلى رفيق يعينك على أمر دينك .
 ويعينه ويساعده إذا ذكر ، فإن المرء على دين خليله ولا يُعرف المرء إلا برفيقه :

(( نهَى رسولُ اللهِ صلَى الله عليه و سلم أَنْ يُسَافِرَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ))

[ أحمد عن ابن عباس ]

 و :

(( إذا كنتم ثلاثة في السفر فأمروا أحدكم ))

[ الطبراني عن ابن مسعود]

 أحياناً المصالح تتعارض ، ثلاثة مسافرين سوف ننام هنا يوماً آخر ، لن ننام ، في هذا الفندق لا في هذا الفندق فصار تعارضاً ، لا ، أمروا أحدكم هذا نظام المسلمين ، ثلاثة إذا سافروا يوجد أمير عليهم ، قراره هو النافذ .
 قال : وليأمروا أحسنهم أخلاقاً ، رجل عمل دعوة فقال لأحد الحاضرين : أنت انتبه على أخوانك ضيفهم ، فقال له : أنا آكل عنهم ، هذا السفر لا أن تأكل عن أخوانك بل تطعمهم، أحياناً يكون هناك أخوة مسافرون يوضع الطعام فوراً يأكلون وهو يصنع الشاي ولا يبقى له طعام، السنة لا يؤكل شيء قبل أن يجلس الجميع ، أما موضوع أكل الطعام بسرعة ليس هذا أمر ، هؤلاء مؤمنون .
 يأمروا أحسنهم أخلاقاً ، وأرفقهم بالأصحاب ، وأسرعهم إلى الإيثار ، لا يوجد أروع من كلام سيدنا عمر عندما قال : أريد أميراً إذا كان أميراً عليهم بدا وكأنه واحد منهم ، وإن كان واحداً منهم بدا وكأنه أمير عليهم ، إذا ليس أميراً لشدة حرصه وغيرته عليهم بدا كأنه أمير ، وإذا كان أميراً لشدة تواضعه ومساواته مع الآخرين بدا وكأنه واحد منهم ، من نحن إذا كان سيد الخلق قال : " وعليّ جمع الحطب ، قالوا له : نكفيك ، قال : أعلم ذلك ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه " .
 وفي بدر القصة معروفة عندما قال : " كل ثلاثة على راحلة وأنا وفلان وفلان على راحلة فلما توسلا إليه أن يركب قال : ما أنتما بأقوى مني على السير ولا أنا بأغنى منكما على الأجر "
 من كمال السفر أن تتوزع الأعمال كلها حتى تنظيف الصحون بالدور ، الأمير يقرر، قسم يهيئ الطعام وقسم يجلب الطعام .

3 ـ أن يودع رفقاء الحضر والأهل والرفقاء :

 الأدب الثالث أن يودع رفقاء الحضر والأهل والرفقاء ، إذا سافرت تودع أنت ، وإذا عدت هناك من يهنئك ، تريد أن تذهب إلى الحج يجب أن تزور أقرباءك وتودعهم ، تسافر إلى مهمة طويلة يجب أن تودع ، أحياناً أخ من أخواننا الكرام يأتيه سفر يسافر ، نحن نتشوش من أجله أين فلان يا ترى مريض ؟ يا ترى هل له مشكلة ؟ هل حبسه حابس ؟ منعه مانع ؟ أحد ألقى في قلبه شبهة ؟ عندما نلتقي معه يقول : كنت مسافراً ، أعلمنا هكذا السنة ، أنت عضو بأسرة ، وهذه تقاس على الأسرة أخبرهم .
 وليدع عند الدعاء بقوله لمودعه : أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك ، إذا ودعت أهلك هذا الدعاء المأثور ، ماذا يقول له المقيم ؟ زودك الله التقوى وغفر ذنبك ووجهك للخير حيث توجهت ، هذا كلام لطيف جداً ، أنت تسافر ودعت لما ودعت قلت لهم الدعاء أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك ، ماذا يقول له المقيم ؟ زودك الله التقوى وغفر ذنبك ووجهك للخير حيث توجهت ، قال : وليصلي المسافر قبل سفره ركعتي صلاة الاستخارة .
وإذا وصل إلى باب الدار فليقل : بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ربي أعوذ بك أن أَضل أو أُضل ، أحياناً يذهب مهتدياً ويعود ضالاً ، رجل سافر إلى أوربا أخذ معه السجادة والمصحف رجع بعد أربع سنوات من المطار إلى البيت وقال لهم ثلاثة موضوعات لا تتكلموا بهم إطلاقاً ، الدين والآخرة ولا كلمة كله خرافة ، عاد ضالاً ، أحياناً يعود زانياً ، ملحداً ، أحياناً يقول لك : نحن لا نعيش هم الذين يعيشون نسي إسلامه وآخرته ، والمظاهر ضيعت إيمانه .
 أعوذ بك أن أَضل أو أُضل ، أو أَذل أو أُذل ، أو أَظلم أو أُظلم ، أو أَجهل أو يُجهل علي ، إذا ركب هذه الدابة ، أي الطائرة أو المركبة فليقل : " سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا منقلبون ". رابعاً أن يرفق بالدابة إن كان راكباً فلا يحملها ما لا يطيق ، ولا يضربها في وجهها ، هذه الآن ليست واردة ، فإنه منهي عنه ويستحب أن ينزل عن الدابة أحياناً ليريحها ، والإنسان ليس له حق أن يبقى على الدابة ويتكلم مع صديقه .
رجل سأل ابن المبارك وهو على دابة فقال له : احمل لي هذه الرقعة إلى فلان ، فقال : حتى أستأذن المكاري صاحب الدابة فإني لم أشارطه على هذه الرقعة ، لم يرضَ أن يحمل حاجة على الدابة فوق طاقتها .

4 ـ عدم المشي منفرداً إذ كان في قافلة :

 من الآداب في السفر أنه إذا كان في قافلة فلا يمشي منفرداً ، لقول النبي عليه الصلاة والسلام :

(( عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : خَطَبَنَا عُمَرُ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ : عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الاثْنَيْنِ أَبْعَدُ مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكُمُ الْمُؤْمِنُ ))

[الترمذي عن عبد الله بن عمر]

5 ـ أن يصطحب معه الأشياء الضرورية :

 قال : ينبغي أن تستصحب مرآة ، ومقراضاً ، ومسواكاً ، ومشطاً ، لا تعرف قيمة الإبرة والخيط إلا في السفر ، زر قطع ، لا يوجد حل ولا يوجد خياطين ، وهذه من السنة أن تصطحب هذه الأشياء معك .

6 ـ عدم التنطع بالطهارة :

 قال : وليحذر المسافر التنطع بالطهارة ، قد يكون الماء قليلاً والناس بحاجة إلى الشرب وأنت استهلكته بالوضوء ، أحياناً هذه تصير بالحج ، أنت تستهلك الماء بالوضوء استهلاكاً شديداً هذا ليس من آداب السفر .

7 ـ عند العودة من السفر أن يقول الدعاء التالي :

 أما إذا عدت من السفر فأولاً لك أن تقول : لا إله إلا اله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون ، صدق الله وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده .

8 ـ أن يبشر أهله بقدومه :

 ثم يبشر أهله بقدومه ، الآن يحل محل هذا الاتصال الهاتفي نحن سنأتي في المطار الآن ، وكان ينهى عن أن يطرق أهله ليلاً ، أي الزوجة إذا كان زوجها مسافراً مطمئنة ونائمة الساعة الثانية بعد منتصف الليل طرق الباب ، إذا طرق مشكلة وإذا دخل بمفتاح مشكلة ، فإذا قدم على أهله ليلاً قد يرى ما يكره ، تاركها شهرين وجاء فجأةً وهي تنظف البيت وهي بوضع لا يسر ، هو مشتاق ووجدها هاملة نفسها جداً ، وهذا من أسرار ذكاء الزوجة والسنة النبوية ، فإذا قدم على أهله ليلاً قد يرى ما يكره ، وكان صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد أولاً صلى ركعتين ثم دخل البيت .

9 ـ أن يحمل لأهل بيته و أقاربه تحفة :

 وينبغي أن يحمل لأهل بيته وأقاربه تحفةً من مطعوم أو ملبوس أو غيره على قدر إمكانه ، هدية متواضعة جداً هذه من سنة السفر ، فإن الأعين تمتد إلى القادم من السفر والقلوب تفرح به ، عينه بيديه ماذا أحضر معه ؟

الآداب الباطنة للسفر :

 هذه الآداب الظاهرة ، أما الآداب الباطنة ينبغي ألا تسافر إلا إذا كنت متأكداً أن هذا السفر يزيد في دينك ، ويزيد في علمك ، ويزيد في قربك من الله عز وجل ، إذا دخلت بلدة ينبغي أن تنوي أن تلتقي بشيوخها وعلمائها وأهل الصلاح فيها ومساجدها ، إذا زرت أخاً ببلدة ينبغي ألا تقيم عنده أكثر من ثلاثة أيام ، رجل فقير جداً له قريب يشغل أعلى منصب في استانبول والقصة قديمة فافتقر ، فقال : أذهب لعنده ليبحث لي عن عمل ، فذهب وجلس وعمل استدعاه الصدر الأعظم وقدمه إلى السلطان ، وقع ثلاثين معاملة إلا هذه المعاملة ، ثاني يوم لم يوقعها والثالث والرابع ، أسبوع اسبوعان أدرك أنه توكل عليه ، فأعطى توجيهاً إلى خادمه وقال له : كلمه كلاماً فيه شيء من الإهانة ، فهذا عندما سمع هذا الكلام خرج مزعوجاً جداً وهو يبكي ، في اليوم نفسه وقعها السلطان فلما رجع قال له : أنت كنت توكلت عليّ طيلة هذه الفترة لم توقع المعاملة ، الآن قياساً على هذه القصة أنت تسافر تعمل مراجعة تامة للسيارة ، أحياناً تفاجأ بشيء لم تحسبه ، عندما تقول : أنا كل شيء عملت حسابه وقعت في الشرك ، قل : يا ميسر ، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً ، إذا الله يسر كل شيء سهل ، وأحياناً لشيء تافه جداً يتعطل كل السفر ، أحياناً ينسى الإنسان جواز السفر فيتعطل سفره هذه إن شاء الله مهمة جداً وخاصةً في السفر .
 طبعاً معروف عندكم أن المسافر يجوز له أن يمسح على الخفين ثلاثة أيام وليلتين والتيمم والقصر والجمع ، ويجوز أن يصلي النافلة على دابته ، ممكن وهو راكب في الطائرة أو في السيارة وجهة المسافر جهة دابته ، والنافلة في السفر يجوز أن تصلى على دابته ، هذه من رخص السفر أن استقبال القبلة غير ضروري ، ولك أن تجمع ، وأن تقصر ، والتيمم ، والمسح على الخفين ، طبعاً والصيام لك أن تفطر ، أجمل ما في هذا الدرس أن المؤمن الصادق لا يسافر إلا إذا تأكد أن سفره يزيده قرباً من ربه ويزيده عملاً صالحاً .

تحميل النص

إخفاء الصور