وضع داكن
19-04-2024
Logo
أحاديث قدسية - الدرس : 21 - لما خلق الله الخلق كتب في كتابه... إن رحمتي تغلب غضبي
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

معرفة أسماء الله الحسنى جزء أساسي من عقيدة المسلم :

أيها الأخوة، أخرج الإمام البخاري في كتاب التوحيد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ :

((لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ وَهُوَ يَكْتُبُ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ وَضْعٌ عِنْدَهُ عَلَى الْعَرْشِ إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي ))

[البخاري عن أبي هريرة]

أيها الأخوة، معرفة أسماء الله الحسنى جزء أساسي من عقيدة المسلم، لأنك لا تقبل صديقاً إلا أن تعرف عنه كل شيء، أنت حينما تقول: الله خلق السموات والأرض هذا لا يكفي، يجب أن تعلم المزيد عن رحمته، وعن حلمه، وعن عدله، وعن رأفته، وعن قوته، وعن بطشه، حينما قال الله عز وجل:

(( يا داود ذكرهم بآلائي ونعمائي وبلائي ))

[ البيهقي عن ابن عباس]

ذكرهم بآلائي كي يعظموني، وبنعمائي كي يحبوني، وببلائي كي يخافوني، الحقيقة رحمة الله يصعب أن نعرفها بشكل مجرد إلا عن طريق الأمثلة، انظر إلى قلب الأم تعيش لابنها، تموت من أجله، تطعمه ولا تأكل، تلبسه ولا تلبس، هو شغلها، هو هدفها، يتقطع قلبها إن أصابه مكروه، وهي مخلوقة من مخلوقات الله من الذي أودع فيها هذه الرحمة؟
أخوتنا الكرام، هناك أمثلة من عالم الحيوان لها معنى كبير، الأمومة في أي مخلوق متميزة بالرحمة، لكن يعلمنا الله عز وجل أن بعض المخلوقات ترحم أولادها إلى حين ثم تؤكلهم، من هذا القبيل سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام كان يمشي مع أصحابه فرأوا أماً تُقبّل ابنها وتخبز على التنور فقال عليه الصلاة والسلام:

((أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟ قُلْنَا: لاَ وَاللَّهِ وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لاَ تَطْرَحَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُ أَرْحَمُ بِعَبْدِهِ مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ بِوَلَدِهَا))

[مسند البزار عن عمر بن الخطاب]

خلق الإنسان من آيات الله الدالة على عظمته :

أقدم لكم بعض الأمثلة، الإنسان جاء من أم وأب، ونشأ وترعرع، وأصبح شخصاً سوياً، كيف يعرف طريقة الخلق؟ من ابنه، قال تعالى:

﴿ وَبَنِينَ شُهُودًا ﴾

[ سورة المدثر : 13 ]

أي البنون الذين أنجبهم يشهدون له كيف أن هذا الكائن، هذا الطفل الصغير الذي يملأ البيت بهجةً، هذا الطفل الذي في دماغه ما يقدر بمئة وأربعين مليار خلية استنادية سمراء لم تعرف وظيفتها بعد، وعلى قشرة الدماغ أربعة عشر مليار خلية قشرية يتم فيها وظائف التفكير، والمحاكمة، والاستنباط، والتذكر، والتخيل، وأن في شبكية العين مئة وثلاثين مليون عصية ومخروط، الحديث عن الجسم لا ينتهي.
هذا المخلوق كيف كان؟ نقطة من ماء مهين، في اللقاء الزوجي يخرج من الرجل ثلاثمئة بليون حوين، والبويضة بحاجة إلى واحد، إذا دخل هذا الواحد لقحت البويضة ثم انقسمت، وبعد تسعة أشهر ترى طفلاً يمص الحليب، ويتثاءب، ويبكي، ويتحرك، له دماغ، له عينان، له أذنان، له لسان، له فم، له بلعوم، له مري، له قصبات، له جهاز هضمي، له قلب، له رئتان، شيء لا يصدق، يد من صنعت؟ قال تعالى:

﴿ وَبَنِينَ شُهُودًا ﴾

[ سورة المدثر : 13 ]

الله عز وجل يعلمنا أن تشتري اللحم، لماذا جعل الله تشريح الأنعام مشابهاً تماماً لتشريح الإنسان؟ ترى الكلية، والقلب، والرئتين، والرغامى، والقصبة، والعظام، والعضلات، والدماغ كله تراه بعينك كل يوم عند القصاب إذاً هذا تعليم.

 

الله عز وجل أراد أن يعرفنا بذاته العلية من خلال نظام الأب والأم :

ننتقل إلى موضوع آخر متعلق بدرس اليوم، قال تعالى:

﴿ لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ ﴾

[ سورة البلد: 1-3 ]

كأن الله أراد أن يعرفنا بذاته العلية من نظام الأب والأم، أكثركم آباء لا يريد الأب من ابنه شيئاً إلا أن يكون سعيداً، حينما يسمع أنه نجح في الشهادة، أو تسلّم وظيفةً، أو تزوج، أو كان حسن السيرة، يمتلئ قلبه فرحاً، كأن الله جل جلاله أراد أن يعرفنا بذاته عن طريق نظام الوالد والولد.
كنت مرةً في الخليج عند مدير مؤسسة ضخمة جداً، فجاءه اتصال هاتفي استمع إليه ثم قال لي: لي ابن صغير جداً قال لي: تعال خذني لعند رفيقي، وهذا المدير يحكم مئات الموظفين وكلهم يهابونه، أما ابنه فتعال أوصلني إلى عند صديقي، سبحان الله قال تعالى:

﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ﴾

[ سورة النساء: 1 ]

لولا هذه الرحمة التي أودعها الله في قلب الأب ما كان يجرؤ هذا الطفل على أن يطلب من أبيه بقسوة أن يوصله إلى عند صديقه، فحينما يسأل الابن أباه أو يسأل الابن أمه بقوة وبتحكم، ألم يقل بعض الأباطرة: إنني أحكم أباطرة، وأباطرة تحكم العالم، وأمك تحكمني وأنت تحكم أمك، أي ابن يحكم أمه، والأم تحكم الإمبراطور، والإمبراطور يحكم أثينا، وأثينا تحكم العالم.

 

نظام الأبوة و نظام الأمومة أكبر دليل على رحمة الله عز وجل :

الطفل له شأن كبير لأن الله عز وجل يقول:

﴿ وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ ﴾

[ سورة البلد: 3 ]

نظام الأبوة، نظام الأمومة، أكبر دليل على رحمة الله عز وجل، مرةً جاء أخ قال لي: لا يسأل عما يعمل ما معناها؟ قلت له: عدله المطلق يسكت الألسنة، قال: لا ليس هذا هو المعنى، المعنى أنه يمكن أن يضع الذي أفنى حياته في طاعته في جهنم، أو أن يضع الذي ناصبه العداء في الجنة هكذا، لا يسأل عما يفعل، قلت له: لا ليس هذا هو المعنى، الله عز وجل قال:

﴿ إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾

[ سورة هود الآية : 56 ]

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ﴾

[ سورة الزلزلة : 7 ]

وذكرت له عشرات الآيات التي تبين رحمة الله، لكن ضربت له مثلاً: أن إنساناً لا ينجب، بعد عشر سنوات أنجب طفلاً آية في الجمال، لا ينام الليل من تعلقه به، يستيقظ في الليل عدة مرات ليطمئن عليه، كان يختل توازن الأب من هذا الولد، من حيث القدرة العضلية يستطيع أن يذبحه؟ من حيث القدرة العضلية فقط، الأب عنده عضلات وهناك سكين حادة أيستطيع من حيث القدرة أن يذبحه؟ نعم، أيفعلها؟ مستحيل فإذا قال الله عز وجل:

﴿ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ﴾

[ سورة الأنبياء: 23 ]

من حيث القدرة، أما من حيث الكمال فالله عز وجل إذا رأى في الإنسان ذرة كمال واحدة هذه تنمو وتنمو وتنمو فلذلك:

((...إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي ))

[البخاري عن أبي هريرة]

علامة المؤمن أن قلبه رحيم و يرحم عباد الله :

ومعنى

﴿ كَتَبَ رَبُّكُمْ﴾

لا يكتب ولكن ليطمئننا نحن كبشر، إذا إنسان معه عقد يقول: أنا معي عقد، أنا معي إيصال، أنا معي سند، أنا معي اتفاقية مصدقة، طبيعة البشر تثق بالكتابة، فالله سبحانه وتعالى تمشياً مع طبيعة الإنسان المادية قال تعالى:

﴿ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ﴾

[ سورة الأنعام: 54]

﴿ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ﴾

[ سورة المجادلة: 21]

إذاً رحمة الله شيء لا يصدق، سيدنا عمر قال له أحدهم: إن الناس هابوا شدتك، قال: والله لو يعلم الناس ما في قلبي من الرحمة لأخذوا عباءتي هذه، ولكن الأمر لا يناسبه إلا كما ترى.
علامة المؤمن أن قلبه رحيم، علامة المؤمن أنه يرحم عباد الله، يرحم المؤمنين، ويرحم المسلمين، ويرحم البشر أجمعين، ويرحم الدواب، دخل النبي على بستان لأنصاري رأى فيه جملاً، لما رأى الجمل النبي حن وذرفت عيناه، فجاء النبي الكريم ومسح ذفريه وقال:

((من صاحب هذا الجمل؟ قال فتى من الأنصار: هو لي يا رسول الله، قال له النبي الكريم: ألا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه))

[الطبراني عن عبد الله بن جعفر]

الله عز وجل رحيم عليم :

يكاد يكون نظام الأبوة والبنوة دالاً على رحمة الله، كل هؤلاء الناس يسعون من أجل أولادهم، والابن مرتاح، الأب يعمل ليلاً نهاراً ليهيئ لأولاده الطعام والشراب واللباس، إذا ابتسم الابن يكون عند الأب عيد، قد يكون دكتوراً في الجامعة يحمل دكتوراه في الآداب يقول له ابنه: أنا صليت كرعة عوض ركعة يبقى يعيدها مئة مرة يترنم بها، عوض ركعة كرعة، ما هذه المحبة؟ هذا من آيات الله أيها الأخوة.
إذا كان الأب والأم قد أودع فيهما بعض الرحمة فكانت هذه الرحمة، فكيف رحمة الله عز وجل؟ يجب أن نثق برحمة الله، سبقت رحمتي غضبي، وسعت رحمتي كل شيء.
لكن رحمة مع علم، الأم ترحم، الأم الجاهلة يكون مع ابنها التهاب معدة حاد، وإذا أكل طعاماً حفيفاً يتفاقم مرضه، تقول له: كُلْ ما تريد، لأنها جاهلة، الأم المتعلمة تمنع عنه هذا الطعام ولو بكى، هناك رحمة مع علم ورحمة من دون علم، الله عز وجل رحيم مع علم، أحياناً يسوق شدة لعباده لعل هذه الشدة تحملهم على التوبة، يسوق لعباده القهر، أحياناً الفقر، هناك فقر، وهناك زلازل، وهناك براكين، وصواعق، و بأس بشري، يذيق الله بعضهم بأس بعض، هذه كلها أدوية لأن الله رحيم وعليم، أما الناس بسذاجة فيرحمون بلا علم، فرحمتهم سبب، أم كلما جاء ابنها ببيضة مسروقة ترحب به، انتهى به الأمر إلى أن أصبح مجرماً، هي مسرورة به، صار ابنها شاباً، فلما حكم عليه بالإعدام طلب أمه جاؤوا له بأمه قال: مدي لسانك كي أقبله فلما مدت لسانها قطعه، قال: لو لم يكن هذا اللسان مشجعاً لي على الجرائم ما فقدت حياتي.

بطولة الإنسان أن يجمع بين الثقة برحمة الله والخوف من عدل الله :

هناك رحمة من دون علم، لكن الله رحمن رحيم، وعليم قدير، فقد يسوق الشدة بعلمه، لذلك يوجد آية دقيقة:

﴿فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِين﴾

[سورة الأنعام:147]

عجيبة هذه الآية، أي تقتضي رحمته الواسعة ألا يرد بأسه عن القوم المجرمين، الأب العالم الرحيم يؤدب ابنه، تجد ابنه مهذباً، منضبطاً، حصّل درجة عليا، الأب الرحيم من دون علم يسمح لابنه أن يفعل ما يشاء، قد ينتهي به الأمر إلى السجن، فلذلك أيها الأخوة:

((لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ وَهُوَ يَكْتُبُ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ وَضْعٌ عِنْدَهُ عَلَى الْعَرْشِ إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي ))

[البخاري عن أبي هريرة]

رواية ثانية:

((إن رحمتي سبقت غضبي))

[أخرجه الطبراني والبيهقي في شعب الإيمان ]

رواية ثالثة:

((إن رحمتي غلبت غضبي))

[البخاري عن أبي هريرة]

أيها الأخوة، يجب ألا نطمع برحمة الله، وألا نيأس من روح الله، البطولة أن نجمع بين الثقة برحمة الله والخوف من عدل الله.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور