وضع داكن
18-04-2024
Logo
أحاديث قدسية - الدرس : 13 - حديث الكبرياء
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

تناقض الكبرياء مع العبودية :

أيها الأخوة الكرام، أخرج الأمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

((العزة إزاره، والكبرياء رداءه، فمن ينازعني عذبته))

[مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما]

وفي رواية أخرى وردت عند أبي داود قال الله عز وجل:

((الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحد منهما قذفته في النار))

وفي رواية ابن ماجه:

((من نازعني واحد منهما ألقيته في جهنم))

يبدو أيها الأخوة أن الكبرياء تتناقض مع العبودية، فمن تكبر واستعلى فقد ألغى عبوديته لله عز وجل:

((الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري فمن نازعني منهما شيئاً أذقته عذابي ولا أبالي " أو " ألقيته في النار " أو " ألقيته في جهنم))

كنت أضرب مثلاً: أنه يمكن أن يأتيك ضيوف وليس عندك شيء إلا كوب لبن واحد، يمكن أن تمدده بخمسة أضعافه ماء، ويكون شراباً مستساغاً طيباً رائعاً، أما إن أضفت إلى اللبن قطرة من النفط، قطرة واحدة ينتهي، قطرة أفسدته وخمسة أضعاف حجمه ماء طيبته، فالعبد عبد والرب رب، فشأن الله أنه إله، له الكبرياء في السموات والأرض، هو العزيز الجبار المتكبر، متكبر أي كبير بالحق، بينما العبد مفتقر، فكلما بالغت بالافتقار إلى الله أعزك الله، ونصرك الله، ورفعك الله، وأعلا شأنك، وحفظك، وأيدك، ونصرك، ووفقك، وكلما قلت: أنا، أوضح مثل أيها الأخوة أن النبي صلى الله عليه وسلم وسيد الخلق وحبيب الحق، وأن أصحابه قمم البشر في بدر:

﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾

[ سورة آل عمران: 123 ]

بمعنى مفتقرون إلى الله، في حنين:

﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ﴾

[ سورة التوبة: 25]

نخبة البشر مع سيد البشر، حينما اعتدوا بعددهم، واعتدوا بقوتهم، خذلهم الله عز وجل، ماذا نستنبط؟ أنه في اليوم الواحد قد تمر عليك ظروف عدة، حينما تقول: أنا بما تعني، أنا بقوتي، أنا بعلمي، أنا بمالي، أنا بنسبي، أنا بعلاقتي بفلان، أنا بأبي، حينما تقول: أنا بشهادتي، أنا باختصاصي، أنا بأسرتي، حينما تقول: أنا يتخلى الله عنك، وحين تقول: الله يتولاك، أنت بين التولي والتخلي، يتخلى عنك إذا قلت: أنا، ويتولاك إذا قلت: الله.

 

المؤمن يأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم يتوكل على الله وكأنها ليست بشيء :

أيها الأخوة، أنت حينما تأخذ بالأسباب هناك مزلق خطير، لابد من أن تأخذ بالأسباب، وإلا أنت عاص لله، ولكن حينما تأخذ بالأسباب هناك مزلق أن تعتمد عليها وتنسى الله عز وجل.

﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ﴾

[سورة العلق: 6-7 ]

حينما تأخذ بالأسباب هناك منزلق خطير أن تعتمد عليها، وأن تركن إليها، وأن تعتد بها، عندئذ يتخلى الله عنك، وإن لم تأخذ بها فقد عصيته، إذاً ما الحل؟ الحل أن تأخذ بها وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء.
أنت في طريق عن يمينه واد سحيق، وعن شماله واد سحيق، إن أخذت بالأسباب واعتمدت عليها وقعت في وادي الشرك، وتخلى الله عنك، - أيها الأخوة هذا درس بليغ.- وإن لم تأخذ بها فقد عصيت وتخلى الله عنك، ماذا ينبغي أن أفعل؟ ينبغي أن تأخذ بها وكأنها كل شيء، وأن تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء.
حينما تعتد بعلمك، أو بخبرتك، أو بتفردك باختصاص معين، وتنسى أن الله وهبك هذا العلم، وأن الله وفقك لهذا الاختصاص، حينما تعتد باختصاصك يتخلى الله عنك، وحينما تفتقر إلى الله وفي كل حركاتك وسكناتك تقول: "اللهم إني تبرأت من حولي وقوتي والتجأت إلى حولك وقوتك يا ذا القوة المتين"، عندئذ توفق.

 

أنا ونحن ولي وعندي كلمات مهلكات :

الآن: حينما تعتد بنفسك، تقول: أنا- وأنا، ولي، وعندي، ونحن أربع كلمات مهلكات- قال إبليس:

﴿ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ ﴾

[سورة ص:76 ]

فأهلكه الله، قالت بلقيس:

﴿ نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ ﴾

[سورة النمل:33 ]

قال قومها، فأهلكهم الله عز وجل، وقال فرعون:

﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي ﴾

[سورة الزخرف:51 ]

وقال قارون:

﴿ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ﴾

[سورة القصص:78 ]

فأنا ونحن ولي وعندي كلمات مهلكات.

 

من يشرك مع الله نفسه أو غيره يستحق التأديب :

أنت أيضاً حينما تقول: زيداً، أو عبيداً، أو فلاناً، أو علاناً، يا أخي فلان بيده كل شيء، وتنسى الله عز وجل، ما الذي يحصل؟ الذي يحصل أن الله يؤدبك، الذي يشرك نفسه مع الله، فيقول: أنا، والذي يشرك غيره مع الله فيقول: فلان، هذا يستحق التأديب، نوع التأديب مناسب جداً، هذا الذي اعتمدت عليه يخيب لك ظنك فيه، وأنت حينما تعتمد على نفسك يكلك الله إليها، وقد يسلبك خبرتك، وقد تقع في خطأ كبير، وفي حمق شديد، وكم من ذكي قوي وقع في شر عمله، وكم من معتد يبدو أنه ممسك للأمور من كل أطرافها أوتي من حيث لا يشعر، أوتي من مأمنه، فليس مع الله ذكي، ولا قوي، ولا غني، ولا خبير، مثلاً: إنسان - والله أظنه صالحاً ولا أزكي على الله أحداً- لكن تكلم كلمة فيها غلط كبير، قال: الدراهم مراهم، تحل كل مشكلة، وقع في مشكلة بقي بالمنفردة ثلاثاً وستين يوماً، فكان تأتيه الخواطر كل ساعة ادفع، حل هذه المشكلة بالدراهم التي هي مراهم، اعتد بماله فأدبه الله، قد تعتد بنسبك فيؤدبك الله، قد تعتد بقوتك فيؤدبك الله، قد تعتد بمنصبك فيؤدبك الله، وقد تعتد بإنسان قوي يحبك وتحبه، قد تقع في مشكلة يتخلى عنك، وتخليه عنك لا يصدق بإلهام من الله عز وجل، ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، التوحيد هو كل شيء في هذا الموضوع:

(( الكبرياء ردائي والعظمة إزاري، فمن نازعني منهما شيئاً فأذقته عذابي ولا أبالي))

فالتوحيد التوحيد.

 

الإيمان أن ترى أن الله وحده يتصرف بكل شيء :

الإيمان بالخالق إيمان متوافر عند جميع الناس، وعند معظمهم، وهذا لا يقدم ولا يؤخر، بل إن إبليس مؤمن بالخالق:

﴿ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ ﴾

[سورة ص:76 ]

مؤمن بالرب:

﴿ قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾

[سورة ص:79 ]

مؤمن بالعزيز:

﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾

[سورة ص:82 ]

مؤمن باليوم الآخر:

﴿ قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾

[سورة ص:79 ]

وهو إبليس، فأن تقول: الله خلق الكون، هذا إيمان لا يقدم ولا يؤخر، أما أن ترى أن الله وحده يتصرف، أن ترى أنه:

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾

[ سورة هود: 123 ]

أن ترى أنه:

﴿ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا ﴾

[ سورة الكهف: 26 ]

أن ترى أنه:

﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾

[ سورة فاطر: 2 ]

أن ترى أنه:

﴿ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾

[ سورة محمد: 19 ]

لا رافع، ولا خافض، ولا معز، ولا مذل، ولا قيوم، ولا حافظ، ولا مؤيد، ولا ناصر إلا الله، هذا هو الإيمان.

 

الإسلام دين التوحيد :

حينما تتجه إلى الله تزاح عن كاهلك الجبال، انتهيت من الخوف، انتهيت من القلق، انتهيت من النفاق، انتهيت من التشاؤم، انتهيت من السوداوية:

(( الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني منهما شيئاً أذقته عذابي ولا أبالي))

والقصص التي تؤيد ذلك لا تعد ولا تحصى، القصص التي تؤيد أنه من وحد الله تولاه الله، ومن أشرك نفسه أو غيره مع الله تخلى الله عنه، قل هذه الكلمة بشكل مضغوط، إن قلت: أنا، تخلى الله عنك، وإن قلت: الله، تولاك، ففي اختصاصك، في تعليمك، في تدريسك، في صناعتك، في زراعتك، في تجارتك، في طبك، في هندستك، في مرافعاتك أمام القضاة، في كل اختصاصات الأرض، لا تقل: أنا، قل: يا رب وفقني، وأقول لكم أيها الأخوة خذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم توكل على الله وكأنها ليست بشيء، لو أنك تملك أرقى مركبة في الأرض ولم تتوكل على الله ربما قطعتك في الطريق، ولو ركبت أسوأ مركبة و أخذت بالأسباب وتوكلت على الله ربما نجوت بها من كل شيء، في التوكل على الله تسعد بزوجة من الدرجة الخامسة، ومن دون التوكل على الله تشقى بزوجة من الدرجة الأولى، بالتوكل على الله تجمع الأموال، ومن دون التوكل على الله تبدد الأموال، بالتوكل على الله يلهمك الله تربية أولادك التربية الصحيحة، ومن دون التوكل على الله قد يكون الولد غيظاً لوالديه، فالقضية قضية توحيد، ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، والإسلام دين التوحيد.

 

الدعوة إلى عبادة الله وحده :

لذلك سيدنا الصديق- ألم تنتبهوا لهذه النقطة؟- لما توفي النبي عليه الصلاة والسلام قال: من كان يعبد محمداً، كل حياته كان يقول: رسول الله، كل حياته، وما من إنسان يحب إنساناً على وجه الأرض كمحبة الصديق لرسول الله، ومع ذلك لئلا يُعبد من دون الله، قال: من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، هذا المحب، هذا المخلص، هذا الذي ذابت نفسه حينما توفي رسول الله، لكن أنقذ الناس من الشرك، قال: من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيّ لا يموت، حتى في العلاقات الدينية أيها الأخوة:

﴿ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً ﴾

[ سورة الفرقان: 27 ]

الشيخ، المرشد، العالم، الداعي، رفيق في الطريق، لكن لا يعبد من دون الله، هذا الذي قال لإخوانه: أضرموا ناراً عظيمة -من أصحاب رسول الله وكان ذا دعابة- واقتحموها، قال: كيف نقتحمها وقد آمنا بالله فراراً منها،؟ قال: ألست أميركم؟ أليست طاعتي طاعة رسول الله؟ فسألوا النبي الكريم قال: والله لو اقتحمتموها لا زلتم فيها إلى يوم القيامة، إنما الطاعة في معروف، فأنت وحد الله عز وجل، هناك مزلق في حلقات العلم وعند الجماعات الدينية أن الإنسان يكرم شيخه أبلغ التكريم ويسيء إلى البقية، هذا مشرك، هذا يتوهم أن رضاء الشيخ يكفي، لا! ينبغي أن يرضى الله عنك.
يروى أن أحد الولاة سأل سيدنا عمر رضي الله عنه: إن هناك رجالاً اغتصبوا أموالاً ليست لهم، هل تأذن لي في أن أمسهم بالعذاب؟ قال: ويحك ويحك أتستأذنني في تعذيب بشر؟ وهل أنا لك حصن من عذاب الله؟ وهل رضائي عنك ينجيك من سخط الله؟ أقم عليهم البينة، فإن قامت فخذهم بالبينة، فإن لم تقم، فادعهم لحلف اليمين، فإن حلفوا فأطلق سراحهم، وإن أتوا بشهود فاقبل شهودهم، هذا هو العدل عند عمر، يجب أن نوحد الله عز وجل.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور