وضع داكن
20-04-2024
Logo
الخطبة : 0844 - الخشوع في الصلاة - البطيخ .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:

 الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل لـه، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغـاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسـلم رسول اللـه سـيد الخلق والبشر، مـا اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه، وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين.
 اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

الخشوع في الصلاة :

 أيها الأخوة المؤمنون: هذه الخطبة حول موضوع من أدق الموضوعات إنه الخشوع في الصلاة، لأن الله سبحانه وتعالى حينما أثنى على المؤمنين قال:

﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾

[ سورة المؤمنون: 1-2]

 وقد قال بعض العلماء: الخشوع في الصلاة ليس من فضائلها بل من فرائضها.
 أيها الأخوة الكرام: أنا أخاطب نفسي أولاً والله الذي لا إله إلا هو وأخاطبكم مع مخاطبة نفسي، وأفكر معكم تفكيراً مسموعاً أيعقل أن يكون هذا الفرض الأساسي في الدين يؤدى أداءً شكلياً؟ أيعقل أن هذا الفرض الذي لا يسقط بحال يؤدى أداء شكلياً؟ فالصيام يسقط عن المريض والمسافر، والحج والزكاة يسقطان عن الفقير، والنطق بالشهادتين ينطق بهما مرة واحدة عند الدخول في الإسلام، أما الفريضة الوحيدة التي هي عماد الدين وعصام اليقين وسيدة القربات ومعراج المؤمن إلى رب الأرض والسموات، هذه الفريضة التي وصف الله من يفعلها بأنها تنهاه عن الفحشاء والمنكر.

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾

[ سورة العنكبوت: 45 ]

 والله الذي لا إله إلا هو لو أننا جميعاً في بقاع العالم الإسلامي نصلي الصلاة التي أرادها الله لكنا في حال غير هذا الحال، إنها الفرض المتكرر الذي لا يسقط بحال.
 أيها الأخوة: الخشوع في الصلاة فرض من فرائضها، أساسي فيها، لأن الصلاة بلا خشوع كجسد بلا روح، والشيء الدقيق في هذه الخطبة أن الصلاة على غير الخاشع صعبة جداً وعبء ثقيل، لسان حال من يصلي يقول: أرحنا منها، والدليل على ذلك قول الله عز وجل:

﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ﴾

[ سورة البقرة: 153]

 الصبر مذكر، والصلاة مؤنث.

﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾

[ سورة البقرة: 45]

 هي على الخاشع سهلة ومتعة ويسر، أما على غير الخاشع فثقيلة وعبء وشعور بأنه سيفعل شيئاً لا معنى له.
 الحقيقة أيها الأخوة ملخص الملخص أن الإنسان حينما يقع في مخالفات شرعية دون أن يشعر تكون هذه المخالفات حجاباً بينه وبين الله، هذا الحجاب يجعل صلاته صعبة وثقيلة، يقوم إليها متكاسلاً، أما إذا استقام على أمر الله فالاستقامة التي أرادها الله في وسعه وضمن إمكاناته، والصلاة عندئذٍ تغدو شيئاً آخر.
 أيها الأخوة الكرام: يقول الله عز وجل في الحديث القدسي: عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

((قال الله عز وجل: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل فإذا قال العبد "الحمد لله رب العالمين" قـال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال العبد: "الرحمن الرحيم" قال الله تعالى: أثنى علي عبدي، وإذا قـال العبد: "مالك يوم الدين" قال: مجدني عبدي - وقال مرة فوض إلي عبدي - فـإذا قال: "إياك نعبد وإياك نستعين"، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي مـا سأل، فإذا قال: "اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين" قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل))

[الإمام القرطبي عن أبي هريرة]

الخشوع في الصلاة روح الصلاة :

 أيها الأخوة الكرام: الخشوع في الصلاة روح الصلاة، وقد نفهم أننا إذا اتصلنا الاتصال الحقيقي ينبغي أن نعرف الله من خلال الصلاة، أن نعرفه ونعرف عظمته، ونخشع له، ونقبل عليه، ونتوكل ونثني عليه، وأن نكون مطواعين لأمره ونهيه، بل إن الصلاة فيما يرى بعض العلماء أنها سرّ وجود الإنسان على وجه الأرض، أليست هي العبادة الأولى؟ أليست هي العبادة التي لا تسقط بحال؟ حينما قال الله عز وجل:

﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

[سورة الذاريات: 56]

 ماذا يفعل الناس؟ يعيشون، يأكلون، يشربون، يتزوجون، ينجبون، يعملون ثم يموتون، بخلاف هذه الآية:

﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

[سورة الذاريات: 56]

 أيها الأخوة الكرام: يقول النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح:

(( كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا))

[الترمذي عن أبي مالك الأشعري]

 كل الناس يغدو أي كل إنسان يتحرك، حينما تعبد الله العبادة الحقّة وعلى رأس هذه العبادة الصلاة، لأن أول ما يحاسب عنه المرء يوم القيامة الصلاة، فإن صحت صحّ عمله، وإن لم تصح لم يصح عمله:

((.... كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا))

[الترمذي عن أبي مالك الأشعري]

 أيها الأخوة الكرام: لئلا تنطبق على الإنسان الآية الكريمة:

﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ﴾

[سورة الكهف: 103-104]

((عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ نَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَصِيرٍ فَقَامَ وَقَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوِ اتَّخَذْنَا لَكَ وِطَاءً فَقَالَ مَا لِي وَمَا لِلدُّنْيَا مَا أَنَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا))

[الترمذي عن عبد الله ]

 الإنسان بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه، اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا، الدنيا ساعة اجعلها طاعة.

أقوال بعض العلماء عن الأنس بالله :

 أيها الأخوة الكرام: مع بعض العلماء الذي يقول: "في القلب شعث أي تمزق لا يلمه إلا الإقبال على الله، وفي القلب وحشة لا يزولها إلا الأنس بالله، وفي القلب خوف وقلق لا يذهبه إلا الفرار إلى الله، ففروا إلى الله جميعاً".
 أيها الأخوة الكرام: أنا أخاطب المصلين وأخاطب نفسي أرجو الله سبحانه وتعالى أن يعيننا على أن نرقى بصلاتنا عن صلاة الذين أدوها وقد قال عنهم بعض الفقهاء: سقط الوجوب وإن لم يحصل المطلوب، أن نرتقي بهذه الصلاة إلى صلاة الخاشعين.
 يقول أحد العلماء: "إذا استغنى الناس بالدنيا فاستغن أنت بالله، وإذا فرح الناس بالدنيا فافرح أنت بالله، وإذا أنس الناس بأحبابهم فأنس أنت بذكر الله، وإذا ذهب الناس إلى ملوكهم وكبرائهم يسألونهم حاجاتهم ويتوددون إليهم فتودد أنت إلى الله."
 أيها الأخوة الكرام: يقول بعض العارفين بالله: "لا تسأم من الوقوف على باب ربك ولو طردت"، الذي يحصل أن الإنسان يصلي فلا يشعر بشيء فيظن أن هذا العمل يؤديه لكن لا يحرص على أدائه كما أراد الله، ملول، لأنه لم يقبل على الله في صلاته يؤدي صلواته بشكل مستمر أداءً شكلياً، لذلك يقول ابن القيم: "لا تسأم من الوقوف على باب ربك ولو طردت، فإن لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها"، ويقول أيضاً:" إذا فتح الباب للمقبولين فادخل أنت دخول المتطفلين، احشر نفسك مع المؤمنين، كن معهم في مجالسهم ودروسهم ولقاءاتهم، ابتعد عن أهل الضلال والكفر".
 أيها الأخوة الكرام: تكلمت قبل قليل أن الناس جميعاً يأكلون ويشربون ويتزوجون وينجبون ويموتون ولكنهم ينسون لماذا خلقوا في الدنيا، خلقوا ليعبدوا الله، ويعرفوه، ويطيعوه، ويسعدوا به في الدنيا والآخرة.
 أيها الأخوة الكرام: ذكر أحدهم أنه جلس مع أحد طلاب العلم وسألهم سؤالاً رائعاً: ما أعظم نعمة في نظرك؟ هذا تحدث عن تلك النعمة، وهذا تحدث عن نعمة الصحة، وهذا تحدث عن نعمة الكفاية، وهذا تحدث، وهذا تحدث... فقال أحدهم: أعظم نعمة أنعم الله بها علينا أن ربنا هو ربنا الذي يدير شؤوننا، وبيده مقاليد أمورنا، وبيده كل شيء، وأن الذي في السماء إله وفي الأرض إله هو ربنا الرحمن الرحيم، والطرق إليه سالكة، يكفي أن تستقيم على أمره فصار الطريق سالكاً، يكفي أن تتقرب إليه بإنفاق، أو بعمل، أو بدعوة، أو بنصيحة، فالطريق إليه سالك.

حبّ الله و الإقبال عليه أجمل ما في الدنيا :

 أيها الأخوة الكرام: ألم يقل عليه الصلاة والسلام:

(( تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ))

[البخاري عن أبي هريرة]

 هذا الذي تمتلئ جوانحه بالشهوات ويلهث وراءها هذا من أتعس الناس، إن أسعد الناس في الدنيا أرغبهم عنها، وأشقاهم فيها أرغبهم بها.

((....تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ تَعِسَ وَانْتَكَسَ وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ))

[البخاري عن أبي هريرة]

 وبالمقابل سعد المصلي، والمقبل على الله، وسعد التائب والمتوكل عليه، وسعد الخاشع له في الصلاة.
 أيها الأخوة: ألم يقل أحد كبار العلماء: " مساكين أهل الدنيا خرجوا منها ولم يذوقوا أحلى ما فيها، فقيل له: وما أحلى ما فيها؟ قال: حب الله عز وجل والإقبال عليه."
 أيها الأخوة: سيدنا عمر رأى رجلاً يعبث بلحيته في الصلاة فقال هذا الصحابي الجليل: لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه وقد صدق لأن الجوارح مرآة القلب، وكل إناء بالذي فيه ينضح.

إتقان الصلاة لأنها عماد الدين :

 أيها الأخوة الأحباب: بينما النبي عليه الصلاة والسلام جالس في المسجد ذات مرة وأعيد وأكرر أضع بين أيديكم بعض النصوص وهي مقلقة والله وأنا معكم قلق، وأنا لا أخاطبكم فقط بل أخاطب نفسي معكم، وأفكر معكم تفكيراً مسموعاً.

((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ وَقَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، فَرَجَعَ يُصَلِّي كَمَا صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ ثَلَاثًا، فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ فَعَلِّمْنِي؟ فَقَالَ: إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْدِلَ قَائِمًا ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا))

[ البخاري عن أبي هريرة]

 محور الخطبة الخشوع في الصلاة وإتقانها لأنها الفرض المتكرر الذي لا يسقط بحال، ولأنها عماد الدين، وعصام اليقين، وسيدة القربات، ومعراج المؤمن إلى رب الأرض والسموات.

(( عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: هُوَ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبد ))

[ البخاري عن عائشة ]

 وقال:

(( عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ أَسْوَأَ النَّاسِ سَرِقَةً الَّذِي يَسْرِقُ صَلَاتَهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يَسْرِقُهَا؟ قَالَ: لَا يُتِمُّ رُكُوعَهَا وَلَا سُجُودَهَا ))

[ أحمد عن أبي سعيد الخدري]

 وفي حديث آخر:

((عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَنَمَةَ قَالَ رَأَيْتُ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى فَأَخَفَّ الصَّلَاةَ قَالَ: فَلَمَّا خَرَجَ قُمْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا أَبَا الْيَقْظَانِ لَقَدْ خَفَّفْتَ قَالَ فَهَلْ رَأَيْتَنِي انْتَقَصْتُ مِنْ حُدُودِهَا شَيْئًا قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَإِنِّي بَادَرْتُ بِهَا سَهْوَةَ الشَّيْطَانِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ الْعَبْدَ لَيُصَلِّي الصَّلَاةَ مَا يُكْتَبُ لَهُ مِنْهَا إِلَّا عُشْرُهَا تُسْعُهَا ثُمُنُهَا سُبُعُهَا سُدُسُهَا خُمُسُهَا رُبُعُهَا ثُلُثُهَا نِصْفُهَا))

[ أحمد عن عبد الله بن عنمة]

 

نماذج من خشوع أصحاب رسول الله في صلاتهم :

 إليكم نماذج من خشوع أصحاب رسول الله في صلاتهم، حينما ترضى بصلاة جوفاء لابد من أن تصلي وتؤدي هذا الفرض ولكن ما الذي يمنع أن تقيم الصلاة؟ لأقرب لكم هذا المعنى؛ نقول: أقام منشأة، أقام بناء، إقامة البناء عمل كبير يحتاج إلى رخص وأساسات و هيكل وكسوة وطلاء وأثاث وأجهزة، الأمر بالصلاة في القرآن جاء:

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾

[ سورة العنكبوت: 45 ]

 ليس شيئاً عابراً ولا طارئاً، لعل من إقامة الصلاة أن تستقيم قبلها، وتغض البصر، وتتجنب الغيبة والنميمة والكذب، وأن يكون بيعك مشروعاً، ودخلك مشروعاً، وجوارحك منضبطة بمنهج الله عز وجل، هذا من إقامة الصلاة، لأنك إذا وقفت كي تصلي وهناك مخالفات وتقصيرات وتجاوزات فهناك حجاب بينك وبين الله كيف تخترقه؟ لابد من توبة، فلذلك الصلاة يعد لها قبل الصلاة، هذا معنى إقامة الصلاة، ولم تأت الصلاة من دون إقامة إلا في موضع الذم في آية واحدة:

﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾

[سورة الماعون: 4-5]

 إقامة الصلاة أن تستعد قبلها بالاستقامة، وبترك الظلم والكذب والغش، أما الذي يأكل مالاً حراماً ويتساهل في العبادات التعاملية فأنى له أن يكون مقبلاً على الله في عباداته الشعائرية؟ روي أن سيدنا أبا طلحة الأنصاري رضي الله عنه كان يصلي في بستانه ذات يوم فرأى طائراً يخرج من بين الشجر فتعلقت عيناه بالطائر حتى نسي كم صلى، فذهب إلى الطبيب - رسول الله صلى الله عليه وسلم - يبكي ويقول: يا رسول الله إني انشغلت بالطائر في البستان حتى نسيت كم صليت، فإني أجعل هذا البستان صدقة في سبيل الله فضعه يا رسول الله حيث شئت لعل الله يغفر لي.
 مَن من المسلمين اليوم يحرص على صلاته أن تكون كصلاة أبي طلحة؟ مَن من المسلمين يصلي ولا يفكر في كل موضوع إلا الصلاة؟ أنا أخاطب نفسي معكم وأفكر تفكيراً مسموعاً، لو أن الصلاة التي نصليها كما أراداها الله عز وجل والله الذي لا إله إلا هو لكنا في حال غير هذا الحال.
 يقول أبو هريرة رضي الله عنه: " إن الرجل ليصلي ستين سنة ولا تقبل منه صلاة، قيل له: كيف ذلك؟ قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها ولا قيامها ولا خشوعها ".
 مرة ثانية: الخشوع في الصلاة ليس من فضائلها بل من فرائضها. يقول سيدنا عمر رضي الله عنه: "إن الرجل ليشيب في الإسلام ولم يكمل لله ركعة واحدة‍! قيل: كيف ذلك يا أمير المؤمنين ؟ قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها".
 ويقول الإمام أحمد رضي الله عنه: " يأتي على الناس زمان يصلون وهم لا يصلون، وإني أتخوف أن يكون الزمان هو هذا الزمان" زمان الإمام أحمد بن حنبل !
 ويقول الإمام الغزالي رحمه الله تعالى: " إن الرجل ليسجد السجدة يظن أنه تقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى و والله لو وزّع ذنب هذه السجدة على أهل بلد لكفتهم، سئل: كيف ذلك؟ قال: يسجد برأسه بين يدي مولاه وهو منشغل باللهو والمعاصي والشهوات وحب الدنيا، فأية سجدة هذه؟"
 قبل أن يفوته فرض المغرب والمباراة يشاهدها على التلفاز تبقى عينه على الشاشة وهو في الصلاة ليتابع نتائج المباراة، هكذا يصلي المسلمون.

تحديد المشكلة يجعلنا قبل أن نصلي نفكر :

 الله عز وجل يقول:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾

[ سورة النساء: 43 ]

 فهذا الذي لا يعلم ما يقول هو في حالة سكر شديد، أو هو في حكم السكران.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ﴾

[ سورة النساء: 43 ]

 العلة:

﴿حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾

[ سورة النساء: 43 ]

 فالذي لا يعلم مايقول، اسأل إنساناً صلى المغرب مقتدياً بإمام ماذا قرأ الإمام في الصلاة؟ لعله سؤال محرج جداً لايذكر أبداً، ماذا عقل من صلاته وماذا أخذ منها؟
 الخطبة مقلقة ومزعجة لكل واحد منا في هذا المسجد، لكن ماذا نعمل؟ حينما نحدد المشكلة نحصل على أول طريق لحلها، لعل تحديد المشكلة يجعلنا قبل أن نصلي نفكر.
 أيها الأخوة: هل يخطر في بالك أنك حينما تصلي تلتقي مع الله؟ هل تفكر أنك حينما تقوم لتصلي أنك تدخل على الله؟ هل تفكر قبل أن تصلي أنك بين يدي الله؟ أنت ماذا تفعل بين يدي موظف كبير دعاك لغرفته؟ تجلس بأدب وتنظر إليه بملء عينيك، لا تعبث أمامه بالسبحة، ولا تقرأ جريدة أمامك وأنت في حضرته، أنت مع إنسان قد لا تعظمه لكنك تخافه فتفعل معه هكذا.
 أيها الأخوة الكرام: الصلاة التي تؤدى بحضور قلب وخشوع نفس وقرة عين تعد راحة ما بعدها راحة، وسعادة ما بعدها سعادة، حاول أن تقيم الصلاة قبل الصلاة، حاول أن تعد نفسك للصلاة بغض بصر، وضبط لسان، وتحرير دخل، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر، ثم ادخل لتصلي، تشعر أن الطريق سالك إلى الله، وأن الخط مفتوح بينك وبين الله، وأن هاتفك القلبي فيه ونة تشعرك بأن الخط مفتوح، أما حينما يرتكب الإنسان إثماً أو يطلق بصره أو يتابع مسلسلاً ويملأ عينيه مما لا ينبغي أن يملأ عينيه به فإذا أراد أن يصلي عليه أن يلاحظ كيف تكون صلاته ثقيلة جداً.

الصلاة قرة عين النبي و أصحابه :

 لعل هذه الآية محور الخطبة:

﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾

[ سورة البقرة: 45]

 أيها الأخوة الكرام: حينما يقول عليه الصلاة والسلام:

((عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ قَالَ رَجُلٌ قَالَ مِسْعَرٌ أُرَاهُ مِنْ خُزَاعَةَ لَيْتَنِي صَلَّيْتُ فَاسْتَرَحْتُ فَكَأَنَّهُمْ عَابُوا عَلَيْهِ ذَلِكَ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يَا بِلَالُ أَقِمِ الصَّلَاةَ أَرِحْنَا بِهَا ))

[أبو داود عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ]

 ألست مكلفاً أن تتابع النبي؟ أليست أرحنا بها مشعراً لك أن صلاتك صحيحة ومقبولة؟

((عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حُبِّبَ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ))

[النسائي عَنْ أَنَسٍ]

 أي لا يملأ عيني ولا يريحها حقاً إلا الصلاة، كان عليه الصلاة والسلام إذا حزبه أمر - أي شغله وأحزنه - فزع إلى الصلاة وسارع إلى إقامتها، الآن كم من المشكلات يعاني منها المسلمون؟ يفزعون إلى من؟ إلى قوى أجنبية، ويلتمسون عندها النصرة والحماية، لا يفزعون إلى الله في صلاتهم، هذه صلاة الحاجة، كان إذا حزبه أمر أسرع إلى الصلاة.

((السيدة عائشة رضي الله عنها تقول: كانت تجده طول الليل يصلي وطول النهار يدعو إلى الله، فتسأله يا رسول الله: أنت لا تنام؟ يقول لها: مضى زمن النوم يا عائشة))

[ورد في الأثر]

 طبعاً لا ينام لا أقول واقعاً هو ينام ويقوم، ولكن يقوم من الليل ماشاء له أن يقوم.
 سيدنا ربيعة بن كعب الأسلمي قال: كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنهار وأبيت على بابه بالليل، فما زلت أسمعه كل ليلة وهي يصلي ويقول: سبحان ربي سبحان ربي سبحان ربي، حتى أمل أو تغلبني عيناي فأنام، فأقوم من ليلي فأسمعه يقول: سبحان ربي سبحان ربي! هكذا كانت قرة عين النبي في الصلاة، أنا لا أطالب أخوتي الكرام أن يقوموا الليل كله، لكن أطالبهم أن يتقنوا الصلوات الخمس المفروضة. وما تقرب عبد إلى الله بأفضل مما افترضه عليه.

((عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلْنِي أُعْطِكَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْظِرْنِي أَنْظُرْ فِي أَمْرِي قَالَ فَانْظُرْ فِي أَمْرِكَ قَالَ: فَنَظَرْتُ فَقُلْتُ إِنَّ أَمْرَ الدُّنْيَا يَنْقَطِعُ فَلَا أَرَى شَيْئًا خَيْرًا مِنْ شَيْءٍ آخُذُهُ لِنَفْسِي لِآخِرَتِي فَدَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا حَاجَتُكَ؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اشْفَعْ لِي إِلَى رَبِّكَ عَزَّ وَجَلَّ فَلْيُعْتِقْنِي مِنَ النَّارِ؟ فَقَالَ: مَنْ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ فَقُلْتُ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَمَرَنِي بِهِ أَحَدٌ وَلَكِنِّي نَظَرْتُ فِي أَمْرِي فَرَأَيْتُ أَنَّ الدُّنْيَا زَائِلَةٌ مِنْ أَهْلِهَا فَأَحْبَبْتُ أَنْ آخُذَ لِآخِرَتِي قَالَ: فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ))

[الإمام أحمد عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ]

 لذلك يقول الله عز وجل:

﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً * وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً ﴾

[سورة الإسراء: 78-79]

((عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَكَعَ قَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ وَبِكَ آمَنْتُ خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَعِظَامِي وَمُخِّي وَعَصَبِي))

[النسائي عن علي رضي الله عنه]

 أيها الأخوة الكرام: كان الحسن بن علي رضي الله عنهما إذا دخل في الصلاة ارتعش واصفر لونه، فإذا سئل عن ذلك قال: أتدرون بين يدي من أقوم الآن؟ وكان سيدنا علي كرم الله وجهه إذا توضأ ارتجف وإذا سئل عن ذلك قال: الآن أحمل الأمانة التي عرضت على السماء والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملتها أنا.
 سئل حاتم الأصم رحمه الله كيف تخشع في صلاتك؟ قال: بأن أقوم فأكبر للصلاة وأتخيل الكعبة أمام عيني، والصراط تحت قدمي، والجنة عن يميني، والنار عن شمالي، وملك الموت ورائي، وأن رسول الله يتأمل صلاتي، وأظنها آخر صلاة فأكبر الله بتعظيم، وأقرأ بتدبر، وأركع بخضوع، وأسجد بخشوع، وأجعل في صلاتي الخوف من الله، والرجاء في رحمته، ثم أسلم ولا أدري أقبلت أم لم تقبل؟

 

استجماع القلب في ثلاثة مواضع :

 أيها الأخوة الكرام: آخر آية أختم بها الخطبة:

﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ﴾

[ سورة الحديد: 16 ]

إلى متى أنت باللذات مشغول  وأنت عن كل ما قدمت مسؤول
***

 إلى متى؟ ألم يأن؟

أما تستحي منا ويكفيك ما جرى؟  أما تخشى من عتبنا يوم جمعنا؟
أما آن أن تقلع عن الذنب راجعاً  وتنظـــــــــــر ما بـــــــــه جاء وعدنا؟
***
إلى متى أنت باللذات مشغول  وأنت عن كل ما قدمت مسؤول
***

﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ﴾

[ سورة الحديد: 16 ]

 يقول بعض العلماء: استجمع قلبك في ثلاثة مواضع عند قراءة القرآن، وعند الصلاة، وعند ذكر الموت، فإن لم تجدها في هذه المواضع فاسأل الله جل جلاله أن يمن عليك بقلب فإنه لا قلب لك، إن صليت فلم تشعر بشيء، وإن تلوت القرآن فلم تشعر بشيء، وإن ذكرت الله فلم تشعر بشيء، اسأل الله أن يهبك قلباً فإنه لا قلب لك. والنبي عليه الصلاة والسلام ينصح المؤمنين ويخاطب واحداً منهم فيقول: عَنْ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:

(( يا رسول الله عَلِّمْنِي وَأَوْجِزْ؟ قَالَ: إِذَا قُمْتَ فِي صَلَاتِكَ فَصَلِّ صَلَاةَ مُوَدِّعٍ وَلَا تَكَلَّمْ بِكَلَامٍ تَعْتَذِرُ مِنْهُ وَأَجْمِعِ الْيَأْسَ عَمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ ))

[ ابن ماجة عَنْ أَبِي أَيُّوبَ]

 اجعلها آخر صلاة، بعدها ستغادر الدنيا إلى الله عز وجل.
 أيها الأخوة الكرام: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني.

* * *

الخطبة الثانية :

 

 أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

البطيخ من آيات الله الدالة على عظمته :

 أيها الأخوة الكرام: حينما نتأمل خلق الله عز وجل ونتأمل هذا الطعام يقول الله عز وجل:

﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً ﴾

[ سورة عبس: 24-25]

 اخترت لكم هذه الفاكهة الذي تأكلونها جميعاً بالصيف إنها البطيخ.
 أيها الأخوة: من منكم يصدق أن في هذه الفاكهة تسعين بالمئة من وزنها ماء، وعشرة غرامات من السكر، ونصف غرام بروتين، وميلي غرام دهون، وتسعة ميليغرام كالسيوم، وفي هذه الفاكهة الفيتامين C والحديد والمغنزيوم والفسفور والصوديوم والبوتاسيوم، الإنسان حينما يتأمل صنع الله الذي أتقن كل شيء من يستطيع أن يجمد الماء بلا تبريد؟ هذه الفاكهة كلها ماء، كيف وضع هذا الماء في هذه النسج؟ تسعون بالمئة من البطيخ ماء، إنك تشتري ماء محلى بالسكر ومجمد من دون تبريد.
 أيها الأخوة الكرام: كل ما حول الإنسان ينطق بعظمة الله، وبإتقان صنعة الله، ووحدانيته، وكرمه.

 

سبل الخشوع في الصلاة :

 كلمة قلتها في أثناء الخطبة لكنها خطرة جداً: الحمد لله على أن ربنا هو ربنا، أمورنا لا بيد زيد ولا عبيد، ولا بيد إنسان قابع في آخر الدنيا يتحكم بالقارات الخمس يهدد ويتوعد دائماً، أمورنا بيد الله وحده. الحديث القدسي: " عبدي كن لي كما أريد أكن لك كما تريد، كن لي كما أريد ولا تعلمني بما يصلحك، أنت تريد وأنا أريد، فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد".
 المسلمون في محنة شديدة، وقلق شديد، وتعب طويل، وقهر، وفقر، واقتطاع أرض، ليس لنا إلا الله.
 مرة ثانية: لو أن الصلاة التي يصليها المسلمون في القارات الخمس قبلها الله أو كانت كما أرادها الله لكان المسلمون هم الأوائل في العالم.

﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ﴾

[سورة النساء: 141]

﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

[(سورة الروم: 47]

﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾

[سورة غافر: 51]

﴿وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾

[(سورة الصافات: 173]

﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ﴾

[ سورة محمد: 7 ]

﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً﴾

[ سورة النور: 55 ]

 الطريق إلى الله سالك، وبين أيديكم وفي وسعكم وإمكانكم أقم الصلاة، استعد قبلها باستقامة، وغض بصرك، وحرر دخلك، واضبط لسانك، واضبط الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، عندئذ تخشع في صلاتك.

 

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ماقضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليك، وإنه لايذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك يارب العالمين، اللهم بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداءك أعداء الدين، اللهم اجعل تدميرهم في تدبيرهم، واجعل الدائرة تدور عليهم يا رب العالمين، اللهم انصرنا على أنفسنا حتى نستحق أن تنصرنا على أعدائنا يا قوي يا متين، اللهم وفق ولاة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها لما تحب وترضى، اجمع بينهم على خير يا أكرم الأكرمين، إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير.

تحميل النص

إخفاء الصور