وضع داكن
29-03-2024
Logo
الخطبة : 0724 - سورة الشرح - اللبن آية من آيات الله.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:
 بسم الله نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته وإرغاماً لمن جحد به وكفر. وأشهد أنَّ سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلَّم رسول الله سيِّد الخلق والبشر، ما اتصلت عينٌ بنظرٍ أو سمعت أذنٌ بخبر. اللهمَّ صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه، وعلى ذريَّته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين. اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

المؤمن كلما علت مرتبته اتسعت رقعة اهتمامه :

 أيها الأخوة الكرام... لا زلنا في وقفاتٍ متأنِّية عند السور القصيرة التي كثيراً ما يرددها المسلمون في صلواتهم، سورة اليوم سورة الشَرْح:

﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ * فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ﴾

[ سورة الشرح : 1-8 ]

 أيها الأخوة الكرام... هناك وحدةٌ في الكون، فالقوانين النفسية تُقابلها قوانين مادية، فأنت كلَّما ارتفعت عن سطح الأرض، اتسعت دائرة رؤيتِك، فالذي يجلس في الطابق الرابع يرى ما لا يراه من كان في الطابق الأول، والذي يصعد إلى قمة جبل قاسيون يرى الشام بأكملها، بكل أحيائها وفروعها، والذي يركب الطائرة يرى رُقْعَةً تزيد عن أربعمئة كيلو متر، والذي يصعد إلى القمر يرى الأرض بأكملها ؛ بمحيطاتها وقارَّاتها، فكلما ارتفع الإنسان اتسعت دائرة رؤيته، وكلما ارتقى الإنسان في سُلَّم الإيمان اتسعت دائرة اهتماماته، فالمؤمن يحمل هموم المؤمنين بقدر مرتبته، وكلما علت مرتبته اتسعت رقعة اهتمامه، إن أرحم الخلق بالخلق قاطبةً هو سيِّد الخلق.

﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾

[ سورة التوبة : 128]

 أما أهل الدنيا، أما الكفار، فلا يهتمون إلا بأنفسهم، لا يهتمون إلا بمصالحهم، لا يهتمون إلا بدخْلهم، لا يهتمون إلا بمدى استمتاعهم في متع الحياة، بل إن شراً من هؤلاء من يَبْنون مجدهم على أنقاض الآخرين، يبنون عزهم على ذُلّ الآخرين، يبنون غناهم على فقر الآخرين، يبنون حياتهم على موت الآخرين، وما يجري في العالم اليوم من عدوانٍ على الشعوب الآمنة، ومن سيطرةٍ على ثرواتها، لأكبر دليلٍ على ذلك..

﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ﴾

[ سورة الماعون : 1]

 و نفسه:

﴿فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ﴾

[ سورة الماعون : 2]

﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ﴾

[ سورة القصص: 50]

 كما أنك إذا ارتقيت في سُلَّم الارتفاع المادي تتسع دائرة رؤيتك، كذلك إذا ارتقيت في سُلَّم الإيمان تتسع دائرة اهتمامك.

 

العلاقة الترابطية بين الرحمة و الإيمان :

 أيها الأخوة الكرام... من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، المسلم الحق يحمل هموم المسلمين، لا يحملها عاطفياً كما يفعل بعض المسلمين اليوم، يتعاطفون ؛ تعاطف حديث، تعاطف بث مواجد، لا يتعاطفون بأموالهم، ولا يتعاطفون بجهدهم، ولا يتعاطفون بخبراتهم، يؤثرون السلامة ويتعاطفون في مجالسهم مع المسلمين.
 أيها الأخوة الكرام... النبي عليه الصلاة والسلام سيد الخلق، وحبيب الحق، وكلما ازداد اتصال الإنسان بالله، امتلأ قلبه بالرحمة، وكأن هناك علاقةً ترابطيةً بين الرحمة وبين الإيمان، بقدر اتصالك بالله، يمتلئ قلبك رحمةً تجاه الخَلْق، فإذا كان سيد الخلق هو أشدهم اتصالاً بالله عز وجل، إذاً هو أشدُّهم رحمةً بالخلق، قال تعالى:

﴿وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ﴾

[ سورة الكهف: 58]

 وقال تعالى:

﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾

[ سورة آل عمران: 159 ]

 إذاً بسبب رحمةٍ استقرَّت في قلب النبي صلى الله عليه وسلم عن طريق اتصاله بالله عز وجل الشديد ؛ امتلأ قلبه رحمةً، فانعكست هذه الرحمة ليناً، فكان من أثر هذا اللين التفاف الناس حوله، ما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمدٍ محمداً، فهذا الإنسان الذي هو قِمَّة البشر في رحمته، قبل أن تأتيه الرسالة نظر إلى من حوله، فإذا هم في ضياعٍ فكري، إذا هم في شركٍ ما بعده شرك، إذا هم في انحرافٍ ما بعده انحراف، إذا هم في سقوطٍ ما بعده سقوط، يأكلون الربا أضعافاً مضاعفة، يغرَقون في الخمر، يبيحون لأنفسهم كل ألوان السقوط الجنسي، هذا كان حال العرب قبل الإسلام.
 كان النبي عليه الصلاة والسلام يمتلئ ألماً، يمتلئ حزناً على مصير من حوله، من هؤلاء الشاردين الضالين المنحرفين، فلما جاءته البعثة وعلم أنه نبيٌ مرسل لهذه الأمة المنحرفة، كان يحار ماذا يفعل ؟ ماذا يقول لهم ؟ كيف يهديهم ؟ فلما جاءته البعثة، وجاءته الرسالة، وحُمِّلَ أمانة التكليف انشرح صدره، قال تعالى:

﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾

[ سورة الشرح : 1]

 أيها الأخوة الكرام... حينما جاءته رسالة السماء، دعته السيدة خديجة لأخذ قسطٍ من الراحة فقال لها: انقضى عهد النوم يا خديجة ، قال:

(( لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد ولقد أخفت في الله وما يخاف أحد ولقد أتت علي ثلاثون من بين يوم وليلة ومالي طعام إلا ما واراه إبط بلال))

[الترمذي عن أنس بن مالك]

تكليف النبي الكريم بالرسالة شرح صدره :

 أيها الأخوة الكرام:

﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾

[ سورة الشرح : 1]

 هذه الهمزة اسمها همزة الاستفهام الإنكاري، لو أن أحداً سألك: أفعلت هذا ؟ مستفهماً. تقول: أنا فعلته ؟ منكراً، أأنا فعلته ؟ مُنْكِرَاً، فهذه الهمزة همزة الاستفهام الإنكاري، أي نفي، همزة النفي الإنكاري، فإذا دخلت على نفيٍ آخر صار إثباتاً، فنفي النفي إثبات.

﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾

[ سورة الشرح : 1]

 أيْ لقد شرحنا لك صدرك، حينما كلفناك بالرسالة.

 

الأنبياء والمرسلون همهم الأكبر هداية الخلق :

 أيُّها الأخوة الكرام :

﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ ﴾

[ سورة الشرح : 1-2 ]

 الوزر هو الحمل، قال تعالى:

﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾

[ سورة الأنعام: 164]

 أضرب لكم بعض الأمثلة: لو أن رُبَّان طائرةٍ اكتشف خللاً في الطائرة، وسوف يتفاقم هذه الخلل، وفي الطائرة ستمئة راكب، بماذا يشعر قائد الطائرة مثلاً ؟ لو أن ربان سفينة شعر أن سفينته على وشك الغرق، وأن فيها آلاف الرُكَّاب، بماذا يشعر ؟ لو أن تاجراً - هذه كلها أمثلة مادية من واقع الحياة - توقَّفت مبيعاته وعليه التزاماتٌ للشركات، ماذا يفعل ؟ كيف يدفع ؟ كيف يُغَطِّي ديونه ؟ لو أن إنساناً يعاني من مشكلةٍ في بيته، وهذه المشكلة تتفاقم ؛ ينام بالهم ويقوم بالهم، هذا الوزر. قل لي ما الذي يهمك أقل لك من أنت، هل يهمك دخلك فقط ؟ هل تهمك صحتك فقط ؟ هل تهمك أسرتك فقط ؟ هل يهمك أمر استمتاعك بمباهج الدُنيا فقط ؟ أم أن الإنسان الراقي يشعُر أنه يحمل رسالة عليه أن يؤديها، يشعر أنه خُلِقَ لعمل صالحٍ يرجو أن يمكِّنه الله منه، قل ما الذي يقلقك ؟ ما الذي يهمك ؟ ما الذي يزعجك ؟ ما الذي يؤرِّقك في الليل ؟ أقل لك من أنت.
 هناك من يؤلمه أن صلاته لا ترضيه، هناك من يؤلمه أن الله لم يقدِّر على يديه عملاً صالحاً يجعله يوم القيامة في أعلى عليين، هناك من يشعر أنه يعيش لذاته، هذا ما يقلقه، هناك من لا ترضيه عباداته، هناك من لا يرضيه إنفاقه، هناك من يشعر أنه مُقَصِّر، قل لي ما الذي يقلقك ؟ ما الذي يحزنك ؟ ما الذي يزعجك ؟ ما الذي يؤرقك ؟ ما الذي يملأ قلباً هماً أقل لك من أنت ، هناك همومٌ مقدسة، الأنبياء والمرسلون والصديقون والأولياء الصالحون وكبار المؤمنين هموهم هداية الخلق، همومهم أن يَعُمَّ الخير، أن يعم الفضل، أن يعم الهدى في الأرض.
 يا أيها الأخوة الكرام... لذلك قال تعالى:

﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ ﴾

[ سورة الشرح : 1-2 ]

 صار الطريق واضحاً ، ادعهم إلى الله، وأنت نبيٌ، وأنت رسول، وهذا وحيٌ، وهذا كتابٌ، وتلك معجزاتٌ، ادعُهم إلى الله عز وجل..

 

من معاني قوله تعالى ورفعنا لك ذكرك :

1 ـ المؤمن حديثه في أعلى مستوى فهو لا ينطق إلا بالحق :

 أيها الأخوة الكرام:

﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾

[ سورة الشرح : 1-4 ]

 لهذه الآية معنيان: كل إنسان له ذِكْر، إذا جلس ليتكلَّم في موضوعٍ يهمه، هناك من يتكلَّم عن البيوت، هناك من يتكلم في التجارات، هناك من يتكلم عن النساء، هناك من تعنيه شهوته، وهناك من يتكلَّم عن الله دائماً، لا يرى شيئاً أغلى من أن يُذَكِّرَ الناس بالله عز وجل، لا يرى شيئاً أعظم من أن يكون سبباً في هداية الخَلْق، إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفسافها ودنيَّها.

﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾

[ سورة البقرة: 152]

(( أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ...))

[متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]

﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾

[ سورة الشرح : 4 ]

 حديث النبي في أعلى مستوى، إنه في الأفق الأعلى، إذا كان في الأفق الأعلى كان حديثه في أعلى مستوى، فإذا كان الإنسان في الأفق الأسفل كان حديثه في أسفل مستوى.
 راقب نفسك أيها الأخ الكريم ؛ أنت في جلساتك، في زياراتك، في ندواتك، في ولائمك، في أفراحك، في أتراحك تتكلم عن ماذا ؟ ما الذي يتمحوَر حوله الحديث ؟ الدنيا ؟ الأسعار ؟ أسعار العملات ؟ أسعار البيوت ؟ مشكلات المادة ؟ أم يعنيك أن تصل إلى الله ؟ هذا من معنى قوله تعالى:

﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾

[ سورة الشرح : 4 ]

 وكلما ارتقى الإنسان في سُلَّم الإيمان يرتفع مستوى حديثه، كلما ارتقى الإنسان في مستوى الإيمان لا ينطق إلا بالحق، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم وهو سيّد الخَلق وحبيب الحَق، وصفه الله عز وجل بأنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى.
 يا رسول الله إنك تغضب فهل نكتب عنك إذا غضبت ؟ فأمسك بلسانه وقال: والذي بعثني بالحق هذا اللسان لا ينطق إلا بالحق ، هذا شأن المؤمن لا ينطق إلا بالحق، ليس عنده في حياته كلامٌ فارغ، كلامٌ خاسر، غيبةٌ أو نميمة، لا يتحدَّث حديثاً لا جدوى منه.
 أيها الأخوة الكرام... هذا المعنى الأول من:

﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾

[ سورة الشرح : 4 ]

2 ـ المؤمن حينما يصطلح مع الله ويخطُب ودَّه يرفع الله مكانته في المجتمع :

 أما المعنى الثاني فأنت أيها المؤمن حينما تصطلح مع الله، وحينما تخطُب ودَّه يرفع الله عز وجل مكانتك في المجتمع، وهذا ميلٌ فِطْرِيّ، الإنسان فيه دوافع ثلاثة ؛ فيه دافعٌ إلى الطعام والشراب، حفاظاً على الفرد، و دافعٌ إلى الجنس الآخر حفاظاً على النوع، ودافعٌ إلى إثبات الذات حفاظاً على الذِكْر. فما من طريقٍ سليمٍ واضحٍ سالكٍ لتكون في أعلى مكان إلا إن كنت مع الله، كن مع الله تر الله معك، إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك؟.
أيها الأخوة الكرام:

﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾

[ سورة الشرح : 1-4 ]

 وكل مؤمنٍ له من هذه الآية نصيب، من دون استثناء، لك نصيبٌ منها يرفع الله لك شأنك، بقدر إخلاصك، وبقدر طاعتك، وبقدر عملك الصالح.

﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾

[ سورة الشرح : 4 ]

 هناك من يطلب العلو في الأرض عن طريق المعاصي والآثام، هناك من يطلب العلو في الأرض عن طريق إيقاع الأذى بالناس، والمؤمن بدافعٍ أودعه الله فيه يعلو ذِكْرُهُ بسبب طاعته لربِّه. امرأةٌ جاريةٌ في قصر ملك مصر رأت يوسف عليه السلام عبداً في القصر، ثم رأته عزيز مصر وهو يمشي في موكبه، فقالت: سبحان من جعل العبيد ملوكاً بطاعته ، كل مؤمن له نصيب من هذه الآية، إنك إن خطبت ودّ الله عز وجل، إنك إن بذلت الغالي والرخيص، والنفس والنفيس من أجل أن يرضى الله عز وجل يرفع الله لك ذكرك في الأرض، والذِكْر الحَسَن من أجل العطاءات الإلهية، هناك من إذا ذُكِرَ في مجلسٍ تعطرت المجالس بذكره، وهناك من إذا ذكر بمجلسٍ لعنه كل من في المجلس.
 أيها الأخوة الكرام :

﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾

[ سورة الشرح : 1-4 ]

أيّ عسر هو سبب ليسر قادم :

 الآن دققوا:

﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ﴾

[ سورة الشرح : 5 ]

 كلمة: " العسر " جاءت مُعَرَّفَةً قال: هذا تعريف الجنس، أي أيّ أنواع العُسر في الأرض، كأن تقول: الحديد. وتقصد كل أنواع الحديد من دون استثناء، أل الجنس.

﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ﴾

  أيُّ أنواع العسر، القليل والكثير، الصغير والكبير، المادي والمعنوي، المؤقت والمستمر، أيُّ أنواع العسر ؛ ضيق نفسي، هم، حزن، فقر، قهر، مرض، قلق، أيُّ أنواع العسر، هذا العُسر معرف بأل، وهذه أل هي أل الجنس، أي كل أجناس العسر في الأرض.

﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ﴾

[ سورة الشرح : 5 ]

 اليسر جاءت مُنَكَّرَة تنكير تعظيم، وكان بحسب لغة البشر أن نقول: إن بعد العسر يُسراً. ولكن الله طمأن عباده أن هذا العُسر الذي أنت فيه، فيه أسباب اليسر لك، فالله عز وجل يضيِّق ليوسِّع، ويخفض ليرفع، ويضرُّ لينفع، ويقبض ليبسط، ويعسّر في الدنيا لييسر لك طريق الجنة، هذا العسر عسر تربوي، عسر هادئ، لأن الشر من أجل الشر لا وجود له في الكون، إنه يتناقض مع وجود الله، الشر المُطْلَق يتناقض وجوده مع وجود الله، هذا العُسر الذي أنت فيه ضيقٌ مادي، مشكلةٌ أُسَرِيَّة، قضيةٌ في عملك، مشكلةٌ في صحتك، هذا عسر، هذه كلمة واسعة جداً.

﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ﴾

 هذا العسر الذي أنت فيه، فيه بذور الرخاء بعد قليل، أصحاب الجنة رأوا جنتهم خاويةً على عروشها..

﴿فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ * فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ * أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ ﴾

[ سورة القلم : 20-22]

﴿فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ﴾

[ سورة القلم : 26-27]

 إلى آخر القصة، ثم..

﴿قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ * قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾

[ سورة القلم : 28-29]

 قال تعالى:

﴿كَذَلِكَ الْعَذَابُ﴾

[ سورة القلم : 33]

 كل عذابٍ أسوقه لعبادي في الدنيا من هذا النوع.

﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

[ سورة السجدة : 21]

 فما أنت فيه من عُسْرٍ هو سبب اليُسر القادم، بل إن اليُسر معه وليس بعده.

 

بعد الشّدة فرج و بعد الضيق انفراج :

 أيها الأخوة... الكلمة المعرفة " بأل " إذا كُرِّرَت أعطت معنىً واحداً، أما الكلمة إذا كانت مُنَكَّرَةً وكررت فيختلف معناها، والدليل:

((للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه))

[أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ ]

 هذه الفرحة غير هذه الفرحة. فقال العلماء: إن مع العسر الذي يستغرق كل أنواع العسر في الدنيا يسراً في الدنيا، إن مع العسر يسراً في الآخرة، فأنت أمام يُسْرَيِن لعسرٍ واحد، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم المَعْنَيَان، فقال عليه الصلاة والسلام فيما يرويه بعضهم عنه: " لن يغلب عسرٌ يسرين يسرٌ في الدنيا ويسرٌ في الآخرة " أيْ أنَّ بعد هذه الشدة هناك فَرَج، بعد هذا الضيق هناك انفراج، بعد الفقر هناك غنى، بعد المرض هناك صحة، بعد القهر هناك عِز، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام في بعض خطبه:

((يا أيها الناس إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء، ودار ترح لا دار فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشدة، ألا وإن الله تعالى خلق الدنيا دار بلوى، والآخرة دار عقبى، فجعل بلوى الدنيا لثواب الآخرة، وثواب الآخرة من بلوى الدنيا عوضا، فيأخذ ويبتلي ليجزي ))

[ كنز العمال عن ابن عمر ]

شرح لمعاني فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ :

 ثم يقول تعالى :

﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ﴾

[ سورة الشرح : 7 ]

 قال علماء التفسير: لهذه الآية معنيان معنىً يأخذ به أصحاب الهمم العَلِيَّة، ومعنىً يأخذ به الناجون، هناك أصحاب اليمين، وهناك السابقون السابقون.
 المعنى الأول: يأخذ به السابقون السابقون، إذا فرغت من عملٍ فانصب إلى عملٍ آخر، إذا فرغت من عملٍ صالحٍ فانصب إلى ذِكْرٍ، لأنك بالذِكْرِ تُشْحَن شحنةً روحيةً تعينك على عملٍ صالحٍ آخر، كما كان عليه الصلاة والسلام طوال النهار في جهادٍ وبذلٍ وعطاءٍ ودعوةٍ، وفي الليل يصلي قيام الليل حتى تتورم قدماه، تقول له السيدة عائشة رضي الله عنها: ألم يغفر لك يا رسول الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول:

(( ... أَفلا أُحِبُّ أن أَكُونَ عبداً شكوراً ))

[ متفق عليه عن عائشة ]

 فالمؤمن الصادق لا يمل من العمل الصالح، من عملٍ، إلى صلاةٍ، إلى دعوةٍ، إلى ذِكْرٍ، إلى طلب علمٍ، إلى خدمة أخٍ، إلى تفريج كربٍ، إلى تفريج عسرٍ، هكذا وهب روحه..

﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[ سورة الأنعام : 162-163]

﴿ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ﴾

[ سورة الشرح : 6-7 ]

 من عملٍ ،

﴿فانصب﴾

 إلى ذكرٍ، إذا فرغت من ذكرٍ

﴿ فانصب﴾

 إلى عملٍ، إذا فرغت من صلاةٍ

﴿فانصب﴾

 إلى عملٍ صالح.
 والمعنى الثاني الذي يسع عامة الناس: إذا فرغت من زواجٍ التفت إلى الله التفاتاً كافياً يعوض ما قصَّرت، إذا فرغت من تأسيس عملٍ، فأنت في أثناء تأسيس العمل تقوم بالحد الأدنى من الفرائض، أما إذا انتهيت من تأسيس هذا العمل فابحث عن النوافل، لك حدٌ أدنى، لن تضيّع أي فرضٍ إلهيٍ فرضه عليك، ولك حدٌ أقصى؛ حينما تكون فارغ البال، ليس عندك مشكلة لا في الأسرة ولا في العمل خذ الحد الأعلى.

﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ﴾

[ سورة الشرح : 7-8 ]

 كن راغباً في الله عز وجل، هو الأول والآخر والظاهر والباطن.
 أيها الأخوة الكرام... هذه السورة الكريمة على قصرها فيها معاني جليلة:

﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ * فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ﴾

[ سورة الشرح : 1-8 ]

 أيها الأخوة الكرام... حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا وسيتخطَّى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع هواها وتمنى على الله الأماني.

* * *

الخطبة الثانية :
 أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللبن آية من آيات الله الدالة على عظمته :

 أيها الأخوة الكرام... موضوع دقيقٌ جداً سوف أعرضه عليكم، مع أنه موضوعٌ قريبٌ منكم قُرْبَاً شديداً، حينما يقول الله عز وجل متحدثاً عن هذا اللبن السائغ الذي يخرجه الله من بين فرثٍ ودمٍ لبناً خالصاً للشاربين، هذه آيةٌ ذَكَّرنا الله بها، هذا اللبن السائغ طعامه يحتوي على الدَسَم، والسكريات، والبروتينات، والمعادن، والفيتامينات، ويحتوي على غازاتٍ مُنْحَلَّة، هو غذاءٌ كاملٌ فيه كل حاجات الإنسان، وكان عليه الصلاة والسلام إذا شرب الحليب يقول: " اللهم زدنا منه " والآية الدقيقة:

﴿مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خَالِصاً سَائِغاً لِلشَّارِبِينَ ﴾

[ سورة النحل : 66]

 العلماء قالوا أيها الأخوة إن في البقرة غدةً ثديية، هذه الغدة الثديية مقسمةٌ إلى فصوص، وهذه الفصوص مقسمةٌ إلى فُصَيْفِصات، وهذه الفصيفصات مقسمةٌ إلى أجوافٍ صغيرة هي الأسناخ، وهذه الأسناخ محاطةٌ بغشاءٍ من الخلايا، حول هذه الخلايا شعرياتٌ دمويةٌ، تأخذ الخلايا من الدم ما تحتاج، وتفرز الحليب في جوف هذا التجويف، وينتهي هذا الجوف بقناةٍ إلى حوض الغُدَّة، ثم إلى حوض ثديي البقرة، ثم إلى حُلمتها، حتى هذه الساعة لا تعرف طبيعة عمل هذه الخلايا الثديية، محاطةٌ بأوعيةٍ شعريةٍ دمويةٍ دقيقة على شكل قُبَّة، ومجوفةٌ من الداخل، فهذه الخلية الصمَّاء، الخلية الثديية تأخذ حاجتها من الدم، وفي الدم حمض اللبن وهو الفرث السائل، هناك فرثٌ صُلب هو البراز، وهناك فرثٌ سائل هو حمض اللبن ، وهناك فرثٌ غازي هو غاز الفحم الذي يلفظه الإنسان من فمه، هذه ثلاثة أصناف. فالخلية الثديية تأخذ حاجتها من الدم الذي فيه فرث سائل، وتكوِّن حليباً نقياً طاهراً سائغاً للشاربين، هو غذاءٌ أساسيٌ جداً في حياتنا.
 أيها الأخوة الكرام... الذي يحيِّر العقول أن أربعمئة حجمٍ من الدم يجول في هذه الغُدَّة الثديية من أجل حجمٍ واحدٍ من الحليب، كل لتر حليبٍ تصنع البقرة في غددها الثديية مُحَصِّلة أربعمئة لترٍ من الدم يجول حول هذه الغُدَدِ الثديية، والذي يدهش أنه حتى الآن لا يعرف أحدٌ كيف تعمل هذه الخلية ؟ وفيها من العقل ما لا يوصف، تقدم لك غذاءً كاملاً يتناسب مع أجهزتك وأعضائك ونسجك وخلاياك، وهي تختار ما تحتاج من معادن وفيتامينات ومواد دسمة وسكريات من الدم الذي فيه فرث.
 أيها الأخوة الكرام... من يعطي الأوامر ؟ من ينظِّم ؟ من ينسِّق؟ من يعطي هذه الخلية أمراً بأخذ البوتاس والفسفور والكالسيوم والفيتامينات والمعادن وأشباه المعادن والغازات والسكريات والمواد الدسمة ؟ كيف تختلط هذه المواد ؟ وكيف تُمْزَج حتى تصبح حليباً ناصع البياض خالصاً من كل شائبة لا أثر للدم فيه ولا أثر للفَرْثِ فيه ؟ هذه يد الله تعمل في الخفاء.
 أيها الأخوة الكرام... هذا موضوعٌ من موضوعات التفكُّر، هذا موضوع من موضوعات وسائل معرفة الله عز وجل، إليكم الآيات القرآنية في هذا الموضوع.

 

تذليل البقرة للإنسان معجزة علينا التفكر بها لنزداد تعظيماً لله :

 أيها الأخوة الكرام... يقول الله عز وجل:

﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ﴾

[ سورة يس: 71-72]

 حينما جَنَّتِ البقر في بريطانيا، اضطروا إلى حرق ثلاثة عشر مليون بقرة، ثمنها ثلاثة وثلاثون مليار جنيه إسترليني، حينما جَنَّ البقر، حينما غيَّروا خلق الله، حينما أطعموا البقر مسحوق اللحم المُجَفَّف.

﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ﴾

[ سورة يس: 71-72]

 جعلناها مُذَلَّلة، طفلٌ صغير يحلب ثدي البقرة، طفلٌ صغير يقود بقرةً، فلو توحَّشت لقتلت العَشرات، فالذي ثبت أنه حينما تتوحش بقرةٌ قد تقتل بضعة أشخاص.

﴿وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ * وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ ﴾

[ سورة يس: 72-73]

 يا أخوة الإيمان... إذا كان على مائدتك كأس حليبٍ ينبغي أن تذكر هذه الآية، إذا كان على مائدتك كأس حليبٍ أو قطعة جبنٍ أو سمن أو زبدة أو قشطة، أو أي شيءٍ من مشتقات الحليب، يجب أن تذكر أن كل لتر حليبٍ يصنعه أربعمئة لترٍ من الدم، وأن عمل هذه الخلية معجزة بحدّ ذاتها، وقد ورد في الأثر: " حسبكم الكون معجزة " الكون بوضعه الراهن كله معجزات، تأكل هذه البقرة حشيشاً وتعطيك الحليب سائغ الطعم من دون صوتٍ، ولا ضجيج، ولا جلبةٍ، وقد جعل الله هذا العمل اقتصادياً فهي تعطي أكثر مما تأخذ، ولو كان العكس لما ربى أحدٌ بقرة، تعطي أكثر ما تأخذ، وهي مذللة..

﴿وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ﴾

[ سورة يس: 72]

 خصيصاً لكم..

﴿فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ * وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ ﴾

[ سورة يس: 72-73]

 أيها الأخوة الكرام.. لأن الله عز وجل يقول:

﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ﴾

[ سورة عبس: 24]

 إلى طعامه الذي يأكله، كلما أكلت قطعة جبنٍ، أو احتسيت كأس حليبٍ، أو أكلت لبناً مع أكلتك المُفضلة، أو أكلت زبدةً أو قشطةً، أو ما سوى ذلك، يجب أن تعلَم أن هذا من صنع الله تفضلاً ومنةً علينا، ينبغي أن تشكره، فكلما ازددت تفكراً في آيات الله ازددت تعظيماً له. آيةٌ ثانية:

﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خَالِصاً سَائِغاً لِلشَّارِبِينَ ﴾

[ سورة المؤمنون : 66]

 الآية الأولى:

﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ * وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ ﴾

[ سورة يس: 71-73]

الدعاء :

 اللهمَّ اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولَّنا فيمن توليت، وبارِك اللهمَّ لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شرَّ ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعزُّ من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك. اللهمَّ هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا. أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردُّنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر، مولانا رب العالمين. اللهمَّ اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمَّن سواك. اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، ولا تهلكنا بالسنين، ولا تؤاخذنا بفعل المسيئين يا رب العالمين. اسق عبادك العطشى يا رب العالمين، اسقنا سُقيا رحمة ولا تجعلها سقيا عذاب يا أكرم الأكرمين، اللهمَّ بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام وأعزَّ المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير.

تحميل النص

إخفاء الصور