وضع داكن
19-04-2024
Logo
الخطبة : 0714 - الكبائر5 - الكبائر الباطنة4 - أذية أولياء الله ومعاداتهم - استقرار الأرض وهي تسبح في مسارها.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:

 الحمد لله نحمده، و نستعين به و نسترشده، و نعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له و من يضلل فلن تجد له وليّاً مرشداً، و أشهد أن لا إله إلا الله و حده لا شريك له إقراراً بربوبيته، و إرغاماً لمن جحد به و كفر، و أشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه و سلم رسول الله سيد الخلق و البشر، ما اتَّصلت عينٌ بنظر، أو سمعت أذنٌ بخبر، اللهم صلِّ وسلِّم و بارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وعلى ذرِّيته، ومن والاه، ومن تبعه إلى يوم الدين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، وزدنا علمًا، و أرنا الحق حقاً، وارزقنا اتِّباعه، وأرنا الباطل باطلاً، و ارزقنا اجتنابه، و اجعلنا ممن يستمعون القول فيتَّبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

الكبائر الباطنة أخطرُ من الكبائر الظاهرة :

 أيها الأخوة المؤمنون ؛ بدأتُ قبل عدَّة أسابيع سلسلةً من الموضوعات حول الكبائر الباطنة، و بيَّنتُ في كلِّ مرة أن الكبائر الباطنة أخطرُ من الكبائر الظاهرة، الكبائر الظاهرة ظاهرة، و الإنسانُ حينما يعلمها كبيرةً في الأعمِّ الأغلب يتوب منها، أما الكبيرة الباطنةُ فهذه متغلغلةٌ في كيانه و قد لا يتوب منها، بل إن احتمال التوبة منها ضعيف.
 فيا أيها الأخوة الأكارم ؛ كانت أولُ مجموعة من الكبائر الباطنة سوءُ الظنِّ بالله، و الأمن من مكر الله، و اليأس من روح الله، و المجموعة الثانية من الكبائر الباطنة كانت تعلمُ العلم لغير الله، و كتمان العلم، و عدمُ العمل بالعلم.
 و اليوم أيها الأخوة هناك مجموعة أخرى من الكبائر الباطنة المُهلِكة و قبل أن أمضيَ في الحديث عنها؛ الكبيرة الباطنة تصيب القلب، و اللهُ عز وجل يقول:

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾

[ سورة الشعراء:88-89]

 أمراض الجسد تنتهي الموت، و لكنَّ أمراض القلب تبدأ بعد الموت، و تشقي صاحبها إلى أبد الآبدين.

الكبائر الباطنة المهلكة :

1 ـ قسوة القلب :

 أيها الأخوة الكرام ؛ من هذه الكبائر الباطنة قسوةُ القلب، بحيث تحمل صاحبها على منع مساعدة الآخرين، قلبٌ كالحجر، جُلمودٌ كالصخر، لا يلين، لا لبؤسٍ، ولا لحاجة، ولا لضعف.
 أيها الأخوة الكرام؛ إن شئتم أن تعُدُّوا الرحمة التي في القلب مؤشِّراً على عمق إيمان الإنسان، فكلما ازداد الإنسانُ اتِصالاً بالله ازدادت الرحمةُ في قلبه، و كلما ابتعد عن الله عز وجل قسا قلبُه فكان كالجلمود.
 يا أيها الأخوة الكرام ؛ كيف أن في بعض المركبات عدَّادين ؛ في الأعمِّ الأغلب يتحرَّكان معًا، كذلك يمكن أن يكون مقياسُ الإيمان مشابهاً لمقياس الرحمة، فكلما ابتعد الإنسان ابتعد عن الرحمة، و كلما اقترب من الكفر قسا قلبُه، و قد وصف اللهُ عز وجل القلبَ القاسي في آيات كثيرة و توعَّد صاحبَه بالنار، فقال تعالى:

﴿ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴾

[ سورة الزمر: 22 ]

 أيها الأخوة الكرام ؛ أخرج الحاكمُ عن عليِّ بن أبي طالب كرَّم الله وجهه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:

((اطلبوا المعروف من رحماء أمتي، تعيشوا في أكنافهم، و لا تطلبوه من القاسية قلوبهم فإن اللعنة تنزل عليهم))

[الحاكمُ عن عليِّ بن أبي طالب]

 و نُقِل عن الإمام عليٍّ كرَّم الله وجهه أنه يقول: " و اللهِ و اللهِ - مرَّتين - لحفرُ بئرين بإبرتين، و كنسُ أرض الحجاز في يوم عاصف بريشتين، و نقل بحرين زاخرين بمنخَلين، و غسلُ عبدين أسودين حتى يصيرا أبيضين، أهونُ عليَّ من طلبِ حاجة من لئيم لوفاءِ دَيْن"، اطلبوا الحوائج بعزَّة الأنفس، واطلبوا الحوائج عند رُحماء القلوب، و لا تطلبوا الحوائج من القاسية قلوبهم، يا عليُّ إن الله خلق المعروف، وخلق له أهلاً، فحبَّبه إليهم، و حبَّب إليهم فِعالَه، ووجَّه إليهم طلاَّبَه، كما وجَّه الماءَ إلى الأرض الجَدبة ليحيِيَ به أهلها، و إن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة..
 أيها الأخوة الكرام ؛ في مكارم الأخلاق: اطلبوا الحوائج عند الرحماء من أمَّتي، تعيشوا في أكنافهم، لأن فيهم رحمتي، ولا تطلبوها من القاسية قلوبهم، فإنهم ينتظرون سخطي.
 أيها الأخوة الكرام ؛ الوعيدُ بلعنة الله و سخطه يجعل هذا الشيءَ من الكبائر، من دون مجاملة، امتِحنْ إيمانَك بقدر رحمتك للخلق، و بالمناسبة يجب أن أنوِّه إلى أن رحمة الإنسان بأولاده هذه رحمةٌ فطرية ليست كسبية، و لكنَّ الرحمةَ التي يُعوَّل عليها في مقياس الإيمان هي الرحمة العامة، أما أن ترحم أولادَك فهذا شيء فُطِر عليه كلُّ إنسان، و أوضحُ دليل أن المرأة التي امتلأ قلبُها رحمةً على أولادها لو كان في بيتها ابنُ زوج تعامله أقسى معاملةً، لا ترحمه، ولا ترحم ضعفَه، ولا تلتمس له العذرَ، بل إنها تشكوه لأبيه حتى ينزل به ضربًا مبرِّحًا، إذًا هذه الرحمة التي في قلوب الأمهات و في قلوب الآباء هي رحمةٌ فطرية و ليست كسبية، و البطولة أن يستقرَّ في قلبك رحمةٌ كسبية عن طريق اتِّصالك بالله عز وجل، و هذه الرحمة ترحم بها عامةَ الناس، ترحم القريبَ و البعيدَ، و ترحم بها الصغيرَ و الكبيرَ، ترحم بها من كانت لك معه مصلحة و من لم تكن لك معه مصلحة، إنها رحمةُ الله.

التقرب من الله لا يكون إلا إذا اتصف الإنسان بكمال مشتق منه :

 أيها الأخوة الكرام ؛ أمراضُ القلب خطيرةٌ، و على المرءِ أن يعالج قلبَه، إذا كان في قلبه قسوة، و إذا كان قلبُه لا يلين، لا يتحرَّك ولا يتأثَّر، و لا تدمع عيناه، فهذا مؤشِّر خطير على أن القلبَ قاسٍ، و القلبُ القاسي هو القلبُ البعيدُ عن الله عز وجل، قضيَّة كمعادلة رياضية كلما اقترب القلب من الله امتلأ رحمةً، و كلما ابتعد عن الله امتلأ قسوةً إنها مؤشِّر دقيق.
 يا أيها الأخوة الكرام ؛ من دقائق معنى قوله تعالى:

﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾

[ سورة الأعراف: 180]

 أي أنت لا تستطيع أن تتقرَّب إلى الله عز وجل بكمال مشتقٍّ منه، اللهُ عز وجل رحيم لا يقرِّب إلا الرُحماء، و الله عز وجل كريم لا يقرِّب إلا الكرماء، و الله عز وجل عادل لا يقرِّب إلا المنصفين، و كمالُ الله يقتضي ألاَّ يقرِّب مخلوقا ًإلا إذا اتَّصف بكمال مشتقٍّ من كمال الله عز وجل، قال تعالى:

﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾

[ سورة الأعراف: 180]

 أما أشخاص كثيرون فيكفي أن تعلن ولاءك لهم حتى يقرِّبوك، و لا يعبأ بعملك، بينما عظمة هذا الدين أن الإنسان المؤمن لا يستطيع أن يقترب من الله شعرةً إلا بكمال مشتقٍّ منه، فإن أردتم رحمتي فارحموا خلقي.

 

2 ـ كفران نعمة المحسن :

 أيها الأخوة الكرام ؛ كبيرةٌ ثانية من الكبائر الباطنة قد لا يلتفت الناسُ إليها، إنها كفرانُ نعمة المحسِن، بعضُهم قال: المحسن الحقيقي هو الله عز وجل، فالذي يكفر نعمةَ الله عز وجل وقع في كبيرة، و لكن بعضهم يقول: الإنسان الذي أسدى إليك معروفاً ينبغي ألا تنكر هذا المعروف، و ينبغي ألا تجحد هذا المعروف، ينبغي ألا تسكت عن هذا المعروف، عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((مَنْ اسْتَعَاذَ بِاللَّهِ فَأَعِيذُوهُ وَمَنْ سَأَلَكُمْ بِاللَّهِ فَأَعْطُوهُ وَمَنْ اسْتَجَارَ بِاللَّهِ فَأَجِيرُوهُ وَمَنْ آتَى إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَعْلَمُوا أَنْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ))

[ النسائي عَنْ ابْنِ عُمَرَ]

(( لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر زوجها و هي لا تستغني عنه ))

[ النسائي عَنْ عبدالله بن عمروَ]

 وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((أُرِيتُ النَّارَ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ يَكْفُرْنَ قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟ قَالَ: يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ وَيَكْفُرْنَ الْإِحْسَانَ لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ ))

[ البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ]

 هذا الذي لا يشكر الناس لا يشكر الله عز وجل، وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((مَنْ لَمْ يَشْكُرْ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرْ اللَّهَ))

[الترمذي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ]

 يجب أن تشكر الله أولاً لأن هذا الذي أحسن إليك من أوجده؟ الله، ومن سمح له؟ الله، و من ألهمه؟ الله، ومن مكَّنه فأعطاك؟ الله عز وجل، فالشكر لله أولاً، الذي أحسن إليك فاختارك، إذًا ينبغي أن تشكره شكراً ثانياً، فلذلك عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((مَنْ لَمْ يَشْكُرْ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرْ اللَّهَ))

[الترمذي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ]

 و جنسُ الإحسان ينبغي أن تشكره فلذلك عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((مَنْ لَمْ يَشْكُرْ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرْ اللَّهَ))

[الترمذي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ]

 وعَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((مَنْ أُعْطِيَ عَطَاءً فَوَجَدَ فَلْيَجْزِ بِهِ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُثْنِ فَإِنَّ مَنْ أَثْنَى فَقَدْ شَكَرَ، وَمَنْ كَتَمَ فَقَدْ كَفَرَ، وَمَنْ تَحَلَّى بِمَا لَمْ يُعْطَهُ كَانَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ))

[الترمذي عَنْ جابر]

 أُعطيَ عطاء ثم أصبح غنيًّا، ملَك شيئاً فليُجِز به، أي لِيَرُدَّ هذا المعروف معروفاً، فمن لم يجد فليُثنِ به، فمن أثنى به فقد شكره، و من كتمه فقد كفره.
 أيها الأخ الكريم ؛ عوِّد نفسَك ألا تنسَى معروفاً أُسدِيَ إليك مدى الحياة، و عوِّد نفسك أيضاً أن تنسى معروفاً أسديتَه للآخرين، بهذا يحبُّك اللهُ عز وجل لأنك شكرتَ الناسَ، و بهذا يحبُّك اللهُ ثانية لأنك فعلتَ عملاً تبتغي به وجه الله، و لا تبتغي به السُّمعة و المكانة.

من يمنع المعروف يبطل الخير بين الناس :

 أيها الأخوة الكرام ؛ نقطة دقيقة جدًّا، الله جلَّ جلاله وصف الكفَّارَ بأنهم يمنعون الماعون، كيف يمنع الإنسانُ الماعون - المعونة-؟ كيف يقطع الخير بين الناس؟ حينما لا يشكر المعروف الذي أسدِي إليه، تروي كتبُ الأدب أن رجلاً كان يمتطي صهوةَ حصانه يقطع الصحراءَ في أيام الحرِّ الشديد، وجد رجلاً ينتعل رمالَ الصحراء المحرِقة، فعطف عليه و رقَّ قلبُه له و دعاه إلى ركوب الخيل، فلما اعتلى ظهرَ الخيل دفع صاحبها إلى الأرض و عدا بالخيل لا يلوي على شيء، فقال له صاحبُ الفرس: يا هذا لقد وهبتُ لك هذه الفرس و لن أسأل عنها بعد اليوم، و لكن إياك أن يشيع هذا الخبرُ في الصحراء، فتذهب منها المروءةُ، و بذهاب المروءة يذهب أجملُ ما فيها، و الآن إنسان أقرض إنساناً قرضاً، حينما لا يُسدَّد هذا القرض قد يحلف جهلاً ألاّ يقرض أحداً، لماذا فُقِد المعروف بين الناس؟ لأن الناس يردُّون على المعروف بالإساءة، أو يردُّون على المعروف بالجحود، حينما يُردُّ على المعروف بالإساءة و بالجحود ينقطع المعروفُ بين الناس، لذلك يمنعون الماعون، أي يبطلون الخير بين الناس.

3 ـ محبَّةُ الظلمة و الفسقة و بغض الصالحين :

 أيها الأخوة الكرام ؛ من الكبائر الباطنة التي قد لا ينتبه إليها الإنسان محبَّةُ الظلمة و الفسقة، بأيِّ نوع كان فسقُه، و بغضُ الصالحين.
 أيها الأخوة الكرام ؛ حينما يحبُّ الإنسانُ الفسقةَ أو الظلمةَ، هو لا يدري لأنهم معهم في خندق واحد، قال تعالى:

﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾

[ سورة النور : 19 ]

 ما فعلوا شيئاً، وما تكلَّموا و لا كلمة، و لكنهم ارتاحوا حينما شاعت الفاحشةُ في الذين آمنوا، إذًا هم ليسوا مؤمنين، هم في الخندق الآخر مع المنافقين، قال تعالى:

﴿إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ﴾

[سورة التوبة : 50]

 فالإنسان يعيش حالتي الولاء و البراء، الولاء والبراء من صُلب الدِّين فيجب أن تواليَ المؤمنين، وأن تتبرَّأ من الكفار و المشركين، فإذا أحبَّ الإنسانُ ظالماً أو فاسقاً و أبغض الصالحين لفقرهم أو لضعفهم، و أحبّ الفسقة لقوَّتهم و لغناهم، هذا مؤشِّر إذْ وقع في الكبيرة، لأنه مع من أحبَّ، هذا القلب ينصرف إلى من تحبُّه، فإذا أحببتَ مؤمناً ارتقى بك هذا المؤمن، و إن أحببت فاسقاً سقط بك هذا الفاسق، و قد ورد عن رسول الله صلى الله عليه و سلم:

((من أحب قوما حشره الله في زمرتهم))

[ الطبراني والضياء عن أبي قرصافة]

 من هويَ الكفرةَ حُشِر معهم، و لا ينفعه عملُه شيئاً، وفي بعض الأحاديث:

((لا يحب الرجلُ قوماً إلا جعله الله معهم))

[ الطبراني في الكبير عن ابن مسعود ]

 و قد ورد أيضا عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ:

((أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا هَذَا الشِّرْكَ فَإِنَّهُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ فَقَالَ لَهُ مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ وَكَيْفَ نَتَّقِيهِ وَهُوَ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ نُشْرِكَ بِكَ شَيْئًا نَعْلَمُهُ وَنَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا نَعْلَمُ))

[أحمد عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ]

 إن الشرك أخفى من دبيب النملة على الصخرة في الليلة الظلماء، و أدناه أن يحب على شيء من الجور، وأن يبغض على شيء من العدل، أي إذا أحببت إنساناً وهو على جور أو على شيء من الجور، أو كرهتَ إنساناً ينصحك وهو على شيء من العدل، فهذا نوع من أنواع الشرك الخفيِّ، الشرك أخفى من دبيب النملة على الصخرة في الليلة الظلماء، وأدناه أن يحب على شيء من الجور، وأن يبغض على شيء من العدل، و هل الدين إلا الحبُّ في الله و البغضُ في الله؟ قال تعالى:

﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

[ سورة آل عمران: 31]

 من هنا قال عليه الصلاة و السلام:

(( لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِناً، ولا يأكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيّ ))

[أبو داود والترمذي عن أبي سعيد الخدري ]

 الودُّ البالغُ بين شخصين يجعل القيمَ بينهما مشتركة، و الأحوال مشتركة، و المبادئ مشتركة، فمن أحبَّ قوماً حُشِر معهم.

 

الولاء و البراء :

 أيها الأخوة الكرام، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ ))

[الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

 فلا بدَّ من أن تكون مع المؤمنين، و هذا يؤكِّده قولُه تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾

[ سورة التوبة: 119]

 يجب أن تعيش مع المؤمنين، في قيمهم، و في مبادئهم، وفي محبَّتهم للخير، وفي بُعدهم عن الشرِّ، وفي حبِّهم للعطاء، وفي بغضهم للمنع، إذا كنتَ مع هؤلاء أخذتَ من صفاتهم و أخلاقهم و أحوالهم الشيء الكثيرَ، لذلك عَنْ أَبِي سَعِيد الخُدْرِيٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

(( لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِناً، ولا يأكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيّ ))

[أبو داود والترمذي عن أبي سعيد الخدري ]

 المؤمن الصادق أيها الأخوة لا يقيم علاقةً مع غير المؤمنين، إلا إذا ابتغى بها وجهَ الله، ابتغى بهذه العلاقة لا أقول الحميمة، أن ينفع المؤمنين أو أن يدرأ عنهم الخطر.
 يا أيها الأخوة الكرام ؛ كما ورد أيضاً في الحديث الصحيح قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:

((يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَقُولُ فِي رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْمًا وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ))

[البخاري عن عبد الله بن مسعود]

 وفي رواية، عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ قَالَ:

((يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ يُحِبُّ الْقَوْمَ وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَعْمَلَ كَعَمَلِهِمْ قَالَ: أَنْتَ يَا أَبَا ذَرٍّ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ قَالَ: فَإِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قَالَ: فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ قَالَ: فَأَعَادَهَا أَبُو ذَرٍّ فَأَعَادَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ))

[أبو داود عَنْ أَبِي ذَرٍّ]

 امرأة لوط لماذا أهلكها اللهُ عز وجل؟ لم تعمل عمل قوم لوط، و لكنها أحبَّت قومها ووالتهم و مالت إليهم، فمن غاب عن معصية فأقرَّها كان كمن شهدها، ومن شهد معصيةً فأنكرها كان كمن غاب عنها، قضيةُ الولاء و البراء قضية دقيقة جدًّا، المؤمن يوالي أهل الحق، يوالي المؤمنين و لو كانوا ضعافاً، و لو كانوا فقراءَ، و لا يوالي و يتبرَّأ من الكفار و لو كانوا أقوياء، و لو كانوا بمركز أغنياء.

من أحبّ الفاسقين لفسقهم وأبغض الصالحين لصلاحهم فهذه كبيرة من أكبر الكبائر :

 أيها الأخوة الكرام؛ من أحب الفاسقين لفسقهم، ومن أبغض الصالحين لصلاحهم فهذه كبيرة من أكبر الكبائر، هذه تخرجه من الدين، هذه تجعله في الخندق الآخر، خندق الكفار و المنافقين، وبالمقابل: قال عليه الصلاة و السلام عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ))

[البخاري عن أنس بن مالك]

 و في رواية و أن يحب المرء في الله و يبغض في الله، و إن الله تعالى يقول يوم القيامة:

(( أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِي؟ الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي))

[مسلم عن أبي هريرة]

 يا أيها الأخوة الكرام ؛ يُستنبط أن من الإيمان أن يحبَّ الرجلُ رجلاً لا يحبُّه إلا لله، من غير مال أعطاه إياه، فهذا هو الإيمان، ما تحاب رجلان في الله إلا كان أحبهما إلى الله أشدهما حباً لصاحبه .
 وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((خَيْرُ الْأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ وَخَيْرُ الْجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ))

[ الترمذي عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو]

 يقول الله تبارك و تعالى في الحديث القدسي:
 عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ مَسْجِدَ دِمَشْقِ الشَّامِ فَإِذَا أَنَا بِفَتًى بَرَّاقِ الثَّنَايَا، وَإِذَا النَّاسُ حَوْلَهُ، إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَسْنَدُوهُ إِلَيْهِ، وَصَدَرُوا عَنْ رَأْيِهِ فَسَأَلْتُ عَنْهُ، فَقِيلَ: هَذَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ هَجَّرْتُ فَوَجَدْتُ قَدْ سَبَقَنِي بِالْهَجِيرِ وَقَالَ إِسْحَاقُ بِالتَّهْجِيرِ وَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي فَانْتَظَرْتُهُ حَتَّى إِذَا قَضَى صَلَاتَهُ جِئْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ: أَاللَّهِ؟ فَقُلْتُ: أَاللَّهِ، فَقَالَ: أَاللَّهِ؟ فَقُلْتُ: أَاللَّهِ، فَأَخَذَ بِحُبْوَةِ رِدَائِي فَجَبَذَنِي إِلَيْهِ وَقَالَ: أَبْشِرْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:

((وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ، وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ، وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ))

[ أحمد عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ]

 وجبت محبتي للمتحابين في، و للمتجالسين في، وللمتزاورين في، و للمتباذلين في، و في رواية أخرى عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:

((الْمُتَحَابُّونَ فِي جَلَالِي لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ يَغْبِطُهُمْ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ))

[الترمذي عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ]

 أيها الأخوة الكرام ؛ لهذا الحديث روايات كثيرة، أكتفي ببعضها لكن النبيَّ عليه الصلاة و السلام في حديث آخر عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ لَأُنَاسًا مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَغْبِطُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَكَانِهِمْ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ تُخْبِرُنَا مَنْ هُمْ قَالَ هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا بِرُوحِ اللَّهِ عَلَى غَيْرِ أَرْحَامٍ بَيْنَهُمْ وَلَا أَمْوَالٍ يَتَعَاطَوْنَهَا فَوَاللَّهِ إِنَّ وُجُوهَهُمْ لَنُورٌ وَإِنَّهُمْ عَلَى نُورٍ لَا يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ وَلَا يَحْزَنُونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسُ وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ))

[أبو داود عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ]

على الإنسان أن يجعل الولاء و البراء مقياساً لإيمانه :

 يا أيها الأخوة ؛ ظاهرة خطيرة أن تحبَّ أهلَ الدنيا، أن تحبَّ الذي لا يصلي، و أن تحبَّ الذي يشرد، أن تحبَّ الذي يُعادي الدينَ، ظاهرة خطيرة جدًّا، معنى ذلك أنك لستَ من المؤمنين، افحَص قلبك و راقب نفسك، اجعل مقياس الولاء و البراء مقياساً لإيمانك، هل توالي أهل الحق و لو كانوا ضعافاً؟ و لو كانوا فقراء؟ هل تبغض أهل الباطل و لو كانوا أقوياء؟ و لو كانوا أغنياء؟ هل تلبِّي دعوةَ الفقير؟ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((لَوْ دُعِيتُ إِلَى كُرَاعٍ لَأَجَبْتُ وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ))

[البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

 أم تلبِّي دعوة القوي و الغني؟ تلبية دعوة الفقير من عمل الآخرة، و تلبية دعوة الغني القوي من عمل الدنيا.
 يا أيها الأخوة الكرام ؛ في بعض روايات هذا الحديث:

((هم أناسٌ من أفناء الناس، وأوزاع القبائل، لم تصل بينهم أرحام متقاربة، تحابوا في الله وتصادقوا، يضع الله لهم يوم القيامة منابر من نور، فيجلسهم عليه فيجعل وجوههم نوراً و ثيابهم نوراً، يفزع الناس يوم القيامة و لا يفزعون ))

[مسند عبد الله بن المبارك عن أبي مالك الأشعري ]

 هم أولياء:

﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾

[ سورة يونس: 62]

على الإنسان أن يواليَ أهل الإيمان و يرجو رحمة الله بصحبتهم :

 أيها الأخ الكريم؛ من طبيعة النفس أن تحبَّ من أحسن إليها، و لكن من طبيعة الإيمان أن تحب المؤمن دون أن تقوم بينك و بينه مصلحة، و لا عطاء ولا أخذ، ولا بيع ولا شراء، محبَّة خالصة لله عز وجل.
 يا أيها الأخوة ؛ من أسماء الله تعالى الودود، فالله جلَّ جلاله تودَّد إلينا بنِعم لا تُعدُّ ولا تُحصى، و خلق بيننا وُدًّا، كما هو الودُّ بين الرجل و زوجته، والودُّ بين الأخ وأخيه في الإيمان، والودُّ بين الأب و ابنه، تودَّد إلينا وخلق الودَّ بيننا وخطَّ طرائقَ إلى كسب مودَّته بعدد أنفاس الخلائق، فجاءت الموَّدةُ منه أوَّلاً، و خلق الودَّ بيننا ثانياً، و انتظر منا أن نقابل ودَّه بودٍّ ثالثاً، أن تخطب ودَّ الله عز وجل هذا أعظم عمل تفعله على الإطلاق، أن تخطب ودَّ الله، و أن تطلب رضاه، و أن تسعى لخدمة خلقه، و أن ترجوَ ما عنده، و تخاف عقابَه هذا هو التوحيد.
 أعرابيٌّ سأل النبيَّ صلى الله عليه سلم، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ السَّاعَةِ فَقَالَ:

((مَتَى السَّاعَةُ ؟ قَالَ: وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا ؟ قَالَ: لَا شَيْءَ إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ قَالَ أَنَسٌ فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ قَالَ أَنَسٌ فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ))

[البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]

 قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

((جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَقُولُ فِي رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْمًا وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ))

[البخاري عَنْ عبد الله بن مسعود]

 شيء رائع أن تحب أهل الإيمان، أن تواليَ أهل الإيمان، و أن تكون معهم، أن تقتبس منهم، و أن تتعلَّم منهم، و أن ترجو رحمة الله بصحبتهم.

 

4 ـ أذية أولياء الله ومعاداتهم :

 أيها الأخوة الكرام ؛ لا زلنا في الكبائر، و الكبيرة التي تلي أذية أولياء الله ومعاداتهم، من هو الوليُّ؟ بالتعريف القرآني قال تعالى:

﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾

[ سورة يونس: 62-63]

 أيّ مؤمن بالله موجوداً وواحداً و كاملاً، خالقاً و مربَّياً و مسيِّراً، ذو الأسماء الحسنى و الصفات الفضلى، الذي آمن بالله و اليوم الآخر و الملائكة و الكتاب و النبيِّين و آتى المال على حبه ذوي القربى و اليتامى و المساكين، هذا الذي آمن و عمل وفق إيمانه هذا وليٌّ من أولياء الله و لو كان زيُّه كزيِّ بعض الناس، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ))

[مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

 و أشار إلى صدره الشريف، أن تنطويَ على قلب لا يحمل غلاًّ لأحد، أن تنطوي على قلب يحبُّ الخلق جميعاً، أن تنطوي على قلب يخاف الله و يرجو رحمة الله.
 أيها الأخوة الكرام ؛ من أكبر الكبائر أن تؤذيَ أولياءَ الله و أن تعاديَهم، قال تعالى:

﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً ﴾

[سورة الأحزاب: 58]

 و قال تعالى:

﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ * وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة الشعراء: 213-215]

مقياس المعرفة و الطاعة مقياس الله عز وجل للترجيح بين البشر :

 هذا المؤمن وليٌّ من أولياء الهل، و لو كنت مدير مؤسسة و هو خادم عندك، و حاجب على باب دارك، قد تكون قُلامةُ ظفره أفضل عند الله منك، مقياس ربنا عز وجل مقياس آخر، مقياس المعرفة و الطاعة، بل إن كلَّ المقاييس التي افتعلها الناس للترجيح بين بعضهم بعضاً كمقياس القوة، والوسامة، والذكاء، والمراتب العلمية العالية، لم يذكرها القرآن إطلاقاً، ذكر قيمتين فقط، و جعلهما أساساً للترجيح بين خلقه، قيمة العلم، قال تعالى:

﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾

[سورة الزمر: 9]

 و قال تعالى:

﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾

[ سورة المجادلة: 11 ]

 و قيمة العمل، قال تعالى:

﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾

[ سورة الأنعام: 132 ]

 و لن ننهض كأفراد و جماعات إلا إذا كان مقياس العلم و العمل مقياساً وحيداً للترجيح بين الناس، بل إن البلاد التي لا تؤمن بالله حينما اعتمدت هذا المقياس ملكت ناصية العالم كله، قيمةُ العلم و قيمة العمل.
 أيها الأخوة الكرام ؛ يقول عليه الصلاة و السلام :

((من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة))

[البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]

 أيْ أيُّ مرض اللهُ عز وجل جعل له دواءً، ما من داء إلا و له دواء إلا مرض الموت لو نزل هذا المرض بوليٍّ من أولياء الله لا بدَّ من أن يتفاقم حتى ينتهي بالموت، مرض الموت بابُ المغادرة، في المطارات بوابات للمغادرة (بوابة 14- بوابة 15) كل إنسان له بوابة مغادرة يغادر منها الحياة، والبوابة التي يغادر منها الحياة الدنيا هي مرض الموت، لذلك:

((من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة))

[البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]

 حديث برواية أخرى، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ))

[البخاري عَنْ أبي هريرة ]

 أي أعلمته أني محارب له.

 

تلخيص لما سبق :

 أيها الأخوة الكرام ؛ ملخَص هذه الخطبة، أذية أولياء الله و الطعن بهم وهزُّ مكانتهم بلا دليل تشفِّياً للباطل هذه من أكبر الكبائر، و أن تحبَّ أهل الفسق و العصيان أيضاً من أكبر الكبائر، و من أكبر الكبائر أن يكون القلبُ قاسياً فإن القلب القاسي بعيدٌ عن الله عز وجل، و من الكبائر كفرانُ نعمة المحسِن، عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((مَنْ اسْتَعَاذَ بِاللَّهِ فَأَعِيذُوهُ وَمَنْ سَأَلَكُمْ بِاللَّهِ فَأَعْطُوهُ وَمَنْ اسْتَجَارَ بِاللَّهِ فَأَجِيرُوهُ وَمَنْ آتَى إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَعْلَمُوا أَنْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ))

[النسائي عَنْ ابْنِ عُمَرَ]

 أيها الأخوة الكرام ؛ أختم هذه الخطبة، هذه السلسلة من الخطب هي طويلة جداً قد تستغرق سنوات، و لكن لا بدَّ من أن أنوِّه إلى أن من هذه الكبائر عدمُ الوفاء بالعهد، و عدم تنفيذ العقد، و العقد أبلغُ من العهد، فيه إلزام و إحكام.
 أيها الأخوة الكرام ؛ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ مَا خَطَبَنَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا قَالَ:

((لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ))

[ أحمد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ]

 أيها الأخوة الكرام ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، و زنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، و اعلموا أن ملك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا و سيتخطَّى غيرنا إلينا، فلنتَّخذ حذرنا، الكيِّس من دان نفسه و عمل لما بعد الموت، و العاجز من أتبع نفسه هواها و تمنى على الله الأماني، و الحمد لله رب العالمين.

* * *

الخطبة الثانية :
 أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

استقرار الأرض و هي تسير في مسارها :

 أيها الأخوة الكرام ؛ آية في القرآن الكريم هي قوله تعالى:

﴿ أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً ﴾

[ سورة النمل: 61 ]

 من هذا الذي جعلها مستقرةً يستقرُّ عليها البناءُ و لا يتداعى؟ من هذا الذي جعلها مستقرَّة؟ الأرض تتحرَّك، تسير في الثانية الواحدة ثلاثين كيلو متراً، نحن بدأنا الساعة الواحدة، الآن قطعنا أربعة وخمسين ألف كيلو متر، منذ أن بدأت فقلت الحمد لله رب العالمين، قطعنا أربعة وخمسين ألف كيلو متر، ثلاثون كيلو في الثانية و مع ذلك مستقرةٌ استقراراً مطلقاً، فلو اهتزَّت ما بقي عليها بناءٌ، اللهم أرِنا نعمك بوفرتها لا بفقدها، قال تعالى:

﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ﴾

[ سورة النمل: 88 ]

 تظن أن هذا الجبل ثابت يمرُّ مرَّ السحاب لأنه يدور مع الأرض.
 أيها الأخوة الكرام ؛ الدليل أن الزلازل هي اهتزاز للأرض، ماذا يحدث؟ الحلف الذي قصف دولة من دول البلقان ستَّة أشهر بأكملها، بأشدِّ أنواع الأسلحة تطوُّراً، بطائرات الشبح، و باستخدام أشعَّة الليزر، وباستخدام الحواسيب، وباستخدام الـأقمار الصناعية، أحدث أسلحة تمَّ القصفُ بها ليلاً و نهاراً، في اليوم الواحد أربعمئة طلعة للطائرات، إحكام القصف مُتقن إلى درجة مذهلة، تنزل القنبلة في غرفة النوم، و في مدخنة المصنع، خلال ستة أشهر من القصف المستمر كانت الكلفة تزيد تقريباً عن ثلاثمئة ألف مليون دولار، ما فعله هذا القصفُ في ستة أشهر بنفقة فلكية يعادل ما فعله زلزال في خمس وأربعين ثانية:

﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ﴾

[سورة البروج: 12]

 قال تعالى:

﴿ أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً ﴾

[ سورة النمل: 61 ]

 إننا لا نملك شيئاً، من يدري أن الأرض إذا اهتزَّت ثمانيَ هزَّات بمقياس ريختر 4،8 لا يبقى بناء، بل إن الإنسان يصبح تحت الأنقاض يئِنُّ، ولا أحد يستمع له.
 يا أيها الأخوة الكرام، قال تعالى:

﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾

[ سورة الأنعام: 65 ]

 الزلازل، الألغام، من فوقكم - الصواريخ و الصواعق - :

﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ﴾

[ سورة الأنعام: 65 ]

 و قال تعالى:

﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾

[ سورة النحل: 112]

 أيها الأخوة الكرام ؛ شيء آخر: الأرض في مسارها حول الشمس، مسارها إهليلجي، و القطران الأصغري والأعظمي لهذا الشكل معروفان عندكم، فإذا وصلت إلى القطر الأصغر، المسافة قلَّت بينها و بين الشمس، هناك احتمال أن تنجذب إلى الشمس، تتبخَّر في ثانية واحدة، الأرضُ هنا تزيد سرعتها، أما إذا وصلت إلى القطر الأعظم فهناك خطر أن تتفلَّت من مسارها حول الشمس، فتخفض من سرعتها، و ليس هذا هو الذي يعنينا في هذه الخطبة، الذي يعنينا أن رفعَ السرعة هو التسارع، و أن خفض السرعة هو التباطؤ، التسارع بطيء، و التباطؤ بطيء، و لولا أن التسارع بطيء و التباطؤ بطيء لانهدم كلُّ ما على الأرض، قال تعالى :

﴿ أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً ﴾

[ سورة النمل: 61 ]

 هذا هو المعنى الثاني.
 أيها الأخوة الكرام ؛ المعنى الثاني، من خلق نظام الجاذبية و إن كل شيء على سطح الأرض ينجذب إليها؟ هذا هو الوزن، روادُ الفضاء ينامون على فُرشهم، فإذا وصلوا إلى نقطة انعدام الجاذبية يستيقظون و هو في سقف المركبة، ليس له وزن، و الحياة بلا وزن لا تُطاق أبداً، أيُّ شيء يذهب من بين يديك من جعل هذا الشيء يستقرُّ على سطح الأرض؟ ومن خلق نظام الجاذبية؟ اللهُ عز وجل، هذا المعنى الثاني، قال تعالى :

﴿ أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً ﴾

[ سورة النمل: 61 ]

 المعنى الثالث، من جعل في الأرض كلَّ حاجاتك حتى أنت مستقرٌّ بها، هل تستقرُّ في مكان ليس فيه ماء؟ أنت لا تستقرُّ إلا في مكان فيه بناء و ماء و فيه غذاء و فيه لحم و فيه خضروات و فواكه و طبيب و كل مرافق الحياة، و المعنى الثالث، الذي جعل الناسَ يستقرون على سطح الأرض أن فيها كل حاجاتهم، و قد عدَّ بعض العلماء أن في الأرض مئتين و خمس و ثمانين ألف مادة غذائية يأكلها الإنسان منوَّعة.

 

من هان أمر الله عليه هان على الله :

 فيا أيها الأخوة الكرام ؛ آيات الله بين أيدينا، و لكن السعيد من يتَّعظ بغيره، و الشقيُّ من اتَّعظ بنفسه، إذا هان أمرُ الله على الناس هانوا على الله، فكانوا تحت الأنقاض، إذا هان أمر الله على الناس، قال تعالى:

﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

[سورة السجدة:21]

 يا أيها الأخوة الكرام ؛ قال تعالى:

﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

[ سورة الروم: 41]

 وقف رجلٌ و ألقى محاضرةً عن أحداث تركيا، قال: حاربنا الله و رسوله و حاربنا الحجاب، و اتَّفقنا مع اليهود ضدَّ المسلمين، و أبحنا لهذه المحطَّات الفضائية أن تبثَّ سمومها بين الناس، فعاقبنا اللهُ عز وجل هذا كلام قاله أحد زعمائهم في محطة فضائية.
 أيها الأخوة الكرام ؛ اللهُ عز وجل رحيم بنا، و لكن إن لم نرحم أنفسنا فاللهُ عز وجل لا بدَّ من أن يعالجنا، لأنه طبيب، إن تابوا فأنا حبيبهم، و إن لم يتوبوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأطهِّرهم من الذنوب والمعايب، الحسنة بعشرة أمثالها و أزيد، و السيئة بمثلها و أعفو، و أنا أرأف بالعبد من الأم بولدها.

 

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت، و عافنا فيمن عافيت، و تولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شرّ ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يُقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربَّنا وتعاليت، و لك الحمد على ما قضيت، نستغفرك و نتوب إليك، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقرِّبنا إليك، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا و لا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، اللهم صُن وجوهنا باليسار، ولا تبذلها بالإقتار فنسأل شر خلقك، ونُبتلى بحمد من أعطى و ذم من منع، و أنت من فوقهم وليُّ العطاء، و بيدك وحدك خزائن الأرض و السماء، اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا ربَّ العالمين، اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، و أصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، و أصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، و اجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، و بطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك علينا سترك، و لا تنسنا ذكرك، يا رب العالمين، اللهم بفضلك رحمتك أعلِ كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، و خذ بيد ولاتهم إلى ما تحب و ترضى، إنك على ما تشاء قدير، و بالإجابة جدير.

تحميل النص

إخفاء الصور