وضع داكن
29-03-2024
Logo
الخطبة : 0789 - الشرك - أثر الغضب على القلب .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسوله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته، ومن والاه، ومن تبعه إلى يوم الدين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً، وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا مما يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

التوحيد أعظم شيء جاء به الأنبياء و الرسل :

 أيها الأخوة الكرام ؛ لا زلنا في موضوعات تتعلق بحال المسلمين، هناك سؤال كبير: أين الخلل؟ في دروس سابقة، وفي خطب سابقة عالجت هذا الموضوع من بعض الزوايا، واليوم سأعالج الخلل الذي يعيشه المسلمون، و الذي بسببه كانت حالهم التي ترونها في زاوية عقائدية، لأن عقيدة المسلم أصل من أصول دينه، فإذا اختلت أو فسدت انحرف سلوكه.
 أيها الأخوة الكرام؛ لا شك أن أعظم شيء جاء به الأنبياء والرسل هو التوحيد، و التحذير من الشرك، ولا تقبلوا شيئاً إلا بالدليل، قال تعالى:

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾

[ سورة الأنبياء: 25 ]

 أي إن فحوى دعوة الأنبياء جميعاً من دون استثناء، فحوى دعوة الرسل جميعاً من دون استثناء، أن توحّد الله و أن تعبده، و في آية ثانية:

﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾

[ سورة النحل : 36]

 لا تعبد غير الله، لا تهتد بهدي غير الله، لا تسترشد إرشاداً من دون الله عز وجل.
 الآن الله جل جلاله يخاطب حبيبه، يخاطب سيد الخلق، يخاطب حبيب الحق، يقول:

﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾

[ سورة الزمر : 65]

 النبي نفسه سيد الخلق و حبيب الحق إذا وقع فرضاً في نوع من الشرك حبط عمله، فمن نحن؟

﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾

[ سورة الزمر : 65]

 أيها الأخوة الكرام ؛ إذا كان هذا للنبي الكريم وهو ما هو من رفعة المقام عند الله، فكيف بمؤمن واقع إلى قمة رأسه في الشرك؟ لا أقول: الشرك الجلي، هذا لا تجده في العالم الإسلامي، الشرك الخفي أن يعتمد على غير الله، وأن يرجو غير الله، وأن يخاف من غير الله، وأن يعصي الله من أجل إرضاء إنسان، أن يعصي الله من أجل إرضاء زوجته، أن يعقد الأمل على غير الله، هذا هو الشرك، و في آية أخرى:

﴿ وَلَوْ أَشْرَكُوا﴾

[ سورة الأنعام : 88]

 الأنبياء، الحديث عن الأنبياء:

﴿ لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

[ سورة الأنعام : 88]

الشرك يدمر الأعمال و يحبطها :

 أيها الأخوة الكرام ؛ الشرك يدمر الأعمال و يحبطها، قال تعالى:

﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا ﴾

[ سورة الفرقان: 23 ]

 وعَنْ ثَوْبَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:

(( لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَاماً مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضاً فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُوراً قَالَ ثَوْبَانُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ قَالَ أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ))

[ابن ماجه عن ثوبان]

 هم يحافظون على سمعتهم أمام الناس، هم عبدوا الناس و لم يعبدوا الله، و دليل عبادة الناس أنك تظهر أمامهم بأعلى مظهر، فإذا خلوت مع نفسك كنت في الحضيض، و كنت في الوحل، هذا الذي تجد مسافة واسعة بين خلوته و جلوته إنسان يمكن أن يكون مشركاً، أشرك الناس اهتم بسمعته ولم يهتم برضاء الله عنه، من لم يكن له ورع يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بشيء من عمله:

﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً ﴾

[ سورة الفرقان: 23 ]

 لا زلت أيا الأخوة أحاول أن أضع يدي على الخلل الذي أصاب المسلمين والذي أوردهم هذا المورد الصعب.
 أيها الأخوة الكرام، لو أن الله جدلاً يقبل عبادة من دون توحيد لقبل عبادات البوذيين، والهندوس، وهم أكثر الأمم تمسكاً بعباداتهم، ضحوا بدنياهم من أجل طقوس دينهم، هؤلاء الذين سماهم النبي سفهاء الأحلام، الذي يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، هؤلاء تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم، وعبادتكم إلى عبادتهم، ومع ذلك مرقوا من الدين كما يمرق السهم من الرمية.

 

العقيدة أخطر شيء في الدين :

 يا أيها الأخوة الركام ؛ أخطر شيء في الدين العقيدة، إن صحت صحّ التوحيد، و إن صحّ التوحيد صحت العبادة، إن صحت العبادة صحت الوجهة، تصحيح الاعتقاد، و تصحيح أصل الإيمان، و تصحيح أصل الدين هو الأساس الذي ينبغي أن تبنى عليه حياة المسلمين، صحّح عقيدتك، راجع حساباتك، هذه العقائد الزائغة الفاسدة التي تسربت إليك دون أن تمحص، دون أن تدقق هي سبب فساد حال المسلمين، يقول الله عز وجل، دققوا في هذا الحديث القدسي عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:

((يَا بْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي يَا بْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي يَا بْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً))

[ الترمذي عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ]

 أي أهون ألف مرة تذنب من أن تشرك، الأكمل ألا تشرك وألا تذنب، لكن أيهما أخطر ؟ أن تشرك:

﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾

[ سورة النساء : 48]

 ذنب لا يغفر هو الشرك، وذنب لا يترك ما كان بينك وبين العباد، و ذنب يغفر ما كان بينك و بين الله.

 

التوحيد سبيل النجاة :

 أيها الأخوة الأكارم ؛ التوحيد كلما قوي امتلأ قلب الإنسان يقيناً، وسعادة، وأمناً، وطمأنينة، وقوة اندفاع، إن التوحيد سبيل النجاة، لأن الله عز وجل يعتب على هؤلاء المؤمنين المقصرين، يقول:

﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾

[ سورة يوسف: 106]

 ترتفع حرارة ابنه إلى ما فوق الأربعين، يختل توازنه، يأخذه إلى طبيب يعطيه دواء بمشيئة الله فعّالاً فينسى فضل الله عليه، و يعزو شفاء ابنه إلى الطبيب، و ينسى أن الله لولا أنه سمح لهذا الدواء أن يفعل فعله، و لولا أنه سمح لهذا الطبيب أن يرى حقيقة المرض، ولولا أن سمح لهذا الطبيب أن يلهمه الدواء المناسب لما شفي الابن، أنا لا أنكر أن تشكر الناس، لأنه من لم يشكر الناس لم يشكر الله، لا أنكر أن تثني على الطبيب، لا أنكر أن تكتب له رسالة، لا أنكر أن تنوّه له في صحيفة، ليس معنى هذا أنه هو الذي شفى ابنك، إن الله هو الشافي، من لم يشكر الناس لم يشكر الله، ومن لم يشكر القليل لم يشكر الكثير.
 أيها الأخوة الكرام ؛ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ ))

[ متفق عليه عن ابن عمر]

 هذا في الدنيا، أي لمجرد أن تؤمن بالله، وأن توحده، وأن تؤدي العبادات، و أن تتبع منهج الله في المعاملات، فقد نجوت في الدنيا، أما في الآخرة فالنجاة من عذاب الله تحتاج إلى ثمن باهظ، ما هو الثمن؟ قال تعالى:

﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾

[ سورة الأنعام82 ]

 ثبت هذا في صحيح البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:

((لَمَّا نَزَلَتْ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ شَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّنَا لَا يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟ قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ أَلَمْ تَسْمَعُوا مَا قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ: لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ))

[ البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ]

 إذًا مضمون الآية: الذين آمنوا و لم يلبسوا إيمانهم بشرك، بشرك خفي:

﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾

[ سورة الأنعام82 ]

 اجعل هذه الآية شعاراً لك، آمنت بالله الإيمان الحق، ولم يشب هذا الإيمان شرك خفي، والشرك أخفى من دبيب النملة السمراء، على الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء، وأدناه أن تحب على جور، وأن تبغض على عدل. ثبت من حديث البطاقة عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((إِنَّ اللَّهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًّا كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ مَدِّ الْبَصَرِ ثُمَّ يَقُولُ: أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ؟ فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: أَفَلَكَ عُذْرٌ؟ فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: بَلَى إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً فَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ فَتَخْرُجُ بِطَاقَةٌ فِيهَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَيَقُولُ: احْضُرْ وَزْنَكَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ؟ فَقَالَ: إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ، قَالَ: فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كَفَّةٍ وَالْبِطَاقَةُ فِي كَفَّةٍ فَطَاشَتْ السِّجِلَّاتُ وَثَقُلَتْ الْبِطَاقَةُ فَلَا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَيْءٌ))

[الترمذي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ]

 أي فيها توحيد، أي كان موحداً و له ذنوب، فينجو هذا الرجل بفضل الله عز وجل، ويصبح من أهل الجنة، أنا أؤكد في هذه الخطبة على التوحيد، ألا ترى مع الله أحداً، أن تعتقد أن يد الله تعمل وحدها في الكون:

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ ﴾

[ سورة هود: 123 ]

 ما أمرك أن تعبده إلا بعد أن طمأنك أن الأمر كله بيده، أصغر شيء بيده، سقوط ورقة من الشجرة في الخريف:

﴿وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا﴾

[ سورة الأنعام : 59]

 وزلزال أطاح بمئات الألوف، حروب كالحرب العالمية الثانية، دمرت خمسين مليوناً، بدءاً من سقوط ورقة و انتهاء بحرب أحرقت الأخضر و اليابس، لا ترى مع الله أحداً، لا ترى فاعلاً إلا الله، لا ترى معزاً إلا الله، لا ترى مذلاً إلا الله، لا ترى موفقاً إلا الله، لا ترى مسعداً إلا الله، لا ترى مشقياً إلا الله، لا ترى رافعاً إلا الله، لا ترى خافضاً إلا الله، هذا هو التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد.

 

المعاصي شيء و الكفر شيء آخر :

 أيها الأخوة الكرام بين أهل النار ومن دخل النار، أهل النار هم الكفار الذين أشركوا، هم فيها خالدون مخلدون، وقالوا:

﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ﴾

[ سورة الزخرف : 77]

 لكن العصاة لهم نار أحياناً، لكنهم يخرجون منها.
 أيها الأخوة الكرام، يقول الله عز وجل:

﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾

[سورة المائدة : 72]

 الآية الثانية:

﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾

[ سورة النساء : 48]

 الكفر و الشرك إذا مات الإنسان عليهما فهو خالد مخلد في النار، ولو كان من أقرب الناس إلى رسول الله، عمه أبو طالب، ولو كان أقرب الناس إلى رسول الله.
 أيها الأخوة ؛ لكن من دخل النار عاصياً أشار النبي إلى هذه الحقيقة الثانية يخرج من النار من كان في قلبه أدنى أو وزن ذرة من الإيمان، من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، يخرج من النار، لا يبقى فيها خالداً مخلداً، لذلك المعاصي شيء و الكفر شيء آخر، الشرك أن تتجه إلى غير الله، أما التوحيد فأن تتجه إلى الله.
 مرة ضربت مثلاً لتوضيح الحقيقة ؛ لو أن لك مبلغاً ضخماً جداً في مدينة في الشمال، ركبت القطار، وارتكبت في هذا القطار أخطاء كثيرة، قطعت بطاقة من الدرجة الأولى وقعدت في الدرجة الثانية، ضيعت الفرق بين البطاقتين، جلست في غرفة فيها شباب ليسوا في مستواك، فأزعجوك، هذا خطأ ثان، ركبت عكس اتجاه القطار فأصابك دوار، هذا خطأ ثالث، تلويت من الجوع ولم تعلم أن في القطار مقطورة طعام، مطعم صغير، هذا خطأ رابع، ولكن مع كل هذه الأخطاء القطار متجه إلى هدفك، وسوف تأخذ المبلغ الكبير، لكنك إذا ركبت قطاراً من الدرجة الأولى، مكيف، فيه ما لذّ وطاب من الطعام والشراب، كل شيء مريح، لكنه يتجه عكس اتجاهك المطلوب، إلى الجنوب، هذا هو الشرك، حينما تتجه إلى غير الله، حينما تعتمد على المال، إنسان في جلسة من جلساته قال: الدراهم مراهم، تحل بها أية مشكلة، بقي أكثر من ستين يوماً في المنفردة، وتأتيه هذه الخواطر، أتحل الدراهم كل المشكلات؟ أبداً، أحياناً المال لا قيمة له أبداً، إن اعتمدت على المال فقد أشركت، إن اعتمدت على أهلك فقد أشركت، إن علقت الأمل بأولادك، يذهبون، ويقيمون، و يتجنسون، ولا يتكلفون أن يتصلوا بك في السنة مرة، ربيتهم، و اعتنيت بهم و خسرتهم، حينما تعتمد على ما سوى الله، هذا خلل كبير في حياة المسلمين، حينما تعتمد على مالك فقد أشركت، حينما تعتمد على ذكائك فقد أشركت، لأن خثرة دم في إحدى شرايين الدماغ لا تزيد على رأس دبوس تفقدك ذاكرتك، وكل معلوماتك، والإنسان تحت ألطاف الله.

 

الإسلام عقيدة و عمل :

 أيها الأخوة الكرام ؛ الموضوع الدقيق هو أن الإيمان بالله خالقاً، أن الله خلق هذا الكون، تأكد أن البشر من آدم إلى يوم القيامة قلّما ينكر أحد منهم الإيمان بالله خالقاً، ولو كانوا كفاراً أو مشركين، لأن الله عز وجل يقول:

﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾

[سورة العنكبوت : 61]

 فالقارات الخمس وشعوب الأرض في غفلة من الزمن، أنكر أناس وجود الله، هؤلاء لا يعتد بهم لأنهم الآن في مزابل التاريخ، لكن بشكل عام الناس جميعاً يعتقدون بوجود الله، والكون أمامهم، فهؤلاء الذين ينكرون الخالق، يقول الله لهم:

﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ﴾

[ سورة الطور: 35 ]

 قال :إذا ادّعى عقلك إنكاره فأنكر العقل و دعواه، أن تؤمن بالله خالقاً شيء طبيعي جداً يتأصل في فطرة الإنسان لا يقدم ولا يؤخر، لا تنجو من عذاب الله مع هذا الإيمان، وهذا الإيمان كان عند إبليس، آمن بالله خالقاً، ورباً، وعزيزاً، وآمن باليوم الآخر، ومع ذلك فهو إبليس، لكن الذي نعلق عليه الآمال ليس أن تؤمن بالله خالقاً، أن توحده، وأن تعبده، هذا الذي يعول عليه، أن توحده وأن تعبده، لذلك:

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾

[ سورة الأنبياء: 25 ]

 إن أردت أن تضغط الدين كله في كلمتين ؛ توحيد و عبادة، التوحيد اعتقاد، و العبادة سلوك، التوحيد عقيدة، والعبادة عمل، الإسلام عقيدة وعمل.
 أيها الأخوة ؛ المشركون الذين بعث النبي فيهم ما أنكروا وجود الله عز وجل، بل كلهم يصرح بشكل واضح أن الله خلق السموات والأرض، إن سألتهم:

﴿وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴾

[ سورة يونس : 31]

الإيمان المطلوب توحيد الله و عبادته :

 أيها الأخوة الكرام ؛ هناك مشكلة، الحقيقة أن في عالم الغرب المذاهب الدينية القائمة لا تتفق مع العقل ولا مع المنطق ولا مع الفطرة، فلذلك رُفضت هذه المذاهب في الغرب رفضاً كلياً، وحُمل على هذه المذاهب جميع الأديان، فلذلك كل إنسان مستغرب درس هناك يأتي بفكر إلحادي دون أن يشعر، وهذا الذي يظنه الناس مؤمناً من غير دين الإسلام هو في الحقيقة في أغلب الظن أنه ملحد.
 أيها الأخوة الكرام ؛ الإيمان المطلوب أن توحد الله وأن تعبده، قال تعالى:

﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِين﴾

[ سورة البقرة : 213]

 انزلق الناس في عصور سابقة إلى عبادة غير الله، ظناً منهم أنهم يتقربون إلى الله، فالصنم ود و سواع و يغوث ويعوق و نسر هذه أصنام عبدها العرب من دون الله، و كانت لأناس صالحين، رجال صالحون مؤمنون، فقدّسوهم و قدسوهم وعظّموهم وعظموهم، ثم عبدوهم من دون الله، لذلك ماذا فعل الصدِّيق رضي الله عنه حينما مات النبي عليه الصلاة و السلام وانتقل إلى الرفيق الأعلى؟ قال: "من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌّ لا يموت "، أخطر شيء أن ينزلق موحِّد إلى الشرك.
 أيها الأخوة، هل تصدقون أن طواغيت الكفر في أوروبا في حروبهم الطاحنة كانوا في ساعات ضعفهم يلجؤون إلى الله، وأن زعيم المعسكر الشرقي أيضاً في الحروب العالمية كان يسمح بفتح الكنائس كي يبتهل الناس إلى الله، هذا شعور الإنسان، الإحساس بالضعف من جبلة الإنسان، قال تعالى:

﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً ﴾

[سورة النساء: 28]

 هذا الضعف هو سبب التدين الحقيقي، حتى لو كانت عقيدة المرء فاسدة، سبب التدين الحقيقي في العالم كله أن الإنسان ضعيف، يقلقه أيّ شيء، و يخيفه أيّ شيء، يحرص على سلامته، وعلى سعادته، و على ماله، و على صحته، وعلى أهله، ولا سبيل أن تكون آمناً إلا إذا كنت مع الله، لا سبيل إلى أن تشعر بالأمن وهي نعمة لا تقدر بثمن إلا إن كنت مع الله:

﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾

[سورة الأنعام : 81-82]

 هؤلاء يستحقون نعمة ينفرد بها المؤمن، يشعر أنه في ظل الله، وفي رعاية الله، وفي حفظ الله، وفي توفيق الله، وأن الله معه، وأن الله أكبر من أكبر أعدائه، وأنه إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان الله عليك فمن معك؟ ويا ربّ ماذا فقد من وجدك؟ وماذا وجد من فقدك؟
 أيها الأخوة ؛ ماذا ينتج عن الإيمان بالله؟ أن تقول: لا إله إلا الله، أي لا متصرف، ولا معز، ولا معطي، ولا مذل، ولا مانع، ولا خافض، ولا رافع، ولا مسعد، ولا مشقي إلا الله، ثم تقول: وأشهد أن محمداً رسول الله، هذا النبي الكريم المعصوم جاءك بمنهج إلهي.

 

المشرك من قبِل من الله وجوده و عبده و لكنه رفض منهجه :

 الآن دققوا دخلنا في منطقة صعبة في الخطبة ؛ أنت إذا آمنت بالله موجوداً و كاملاً وواحداً، وعبدته ؛ صليت و صمت وحججت وزكيت، لكنك في شؤونك المالية اتبعت منهجاً أرضياً، هذا النظام الفرنسي جيد جداً في التعامل المالي، وفي علاقاتك الاجتماعية اتبعت منهجاً آخر حديثاً جاءك من أمريكا، بروتوكولات حديثة جداً، في الحفلات، تقديم النساء، الاختلاط، هذا كله حضارة ‍‍‍‍!! أنت حينما تتبع منهجاً أرضياً في شؤون حياتك الخاصة فأنت مشرك، لأنك قبلت من الله وجوده، و عبدته عبادات شعائرية، و رفضت منهجه، و أحللت منهجاً آخر، إليكم الآيات، قال تعالى:

﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾

[سورة النساء: 65]

 تستحق المرأة عند الطلاق مهرها، أما في عالم الغرب فالمرأة المسلمة الملتزمة المثقفة ثقافة إسلامية، بل و الداعية تحتكم إلى قاض أمريكي كي يعطيها نصف أملاك زوجها عند الطلاق، هي والله مشركة، لأنها رفضت حكم الله، وتراءى لها أن حكم العالم الغربي أقوى للمرأة، الأمر دقيق جداً، هذه خطبة من القلب إلى القلب، فيها مصارحة أيها الأخوة، المسلمون يرتادون المساجد، ويصلون ويصومون ويحجون حججاً متوالية، و يعتمرون كثيراً، و يقيمون موالد واحتفالات، و كل مظهرهم إسلامي صارخ، لكن في علاقاتهم المالية، وفي علاقاتهم الاجتماعية، وفي أفراحهم، وفي أتراحهم لا يطبقون منهج الله، يحلون مكانه منهجاً آخر:

﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾

[سورة النساء: 65]

 استمعوا إلى آية ثانية:

﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالاً بَعِيداً ﴾

[سورة النساء: 60]

 أنت حينما تحتكم إلى كافر، حينما تحكم شريعة كافر في حياتك، حينما تقلد كافراً في حياتك، حينما يروق لك نموذج حياة الكافر، حينما تعتز بطريقة الكافر، حينما تهتدي بهدي الكافر، حينما تعظم الكافر، أنت وقعت في شرك خطير، هذه حقيقة دقيقة أيها الأخوة.
 آية ثالثة، قال تعالى:

﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾

[سورة المائدة : 44]

﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾

[سورة المائدة : 45]

﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾

[سورة المائدة : 47]

 وقال تعالى:

﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾

[سورة المائدة : 50]

 أدنى أنه في حالات الفرح يقلد الأجانب- في الاختلاط- ويعتز بهذا التقليد، ولا نرضى أن يستمر الزواج إلا إذا فعلنا ما يفعل الكفار في احتفالاتهم، هذا هو الشرك، ينبغي أن تعتز بدينك، أن تعظم دينك، أن تقدم منهج الله على كل شيء، إذًا لا يكفي أن تشهد أنه لا إله إلا الله، ينبغي أن نرى في حياتك ما يؤكد أن محمداً رسول الله، وأنه إذا حكم الله في شيء من خلال قرآنه، أو من خلال سنة نبيه ولم تقبله فأنت مشرك، مرة ومرة أقول: الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من وهم مريح.
 سمعت أن زواجاً انتهى إلى الفسخ لأن الخاطب رفض أن تصور الحفلة بالفيديو، والحفلة مختلطة، نساء و رجال، يلغى الزواج كله إذا لم نؤكد تقاليد الغرب في حياتنا، هذا هو الشرك أيها الأخوة، قال تعالى:

﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾

[سورة المائدة : 50]

 وقال عز وجل:

﴿أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً﴾

[سورة الأنعام : 114]

 أما هذه المقولة التي جاءتنا من الغرب " ما لله لله، وما لقيصر لقيصرَ "، أي الدين فقط أن تصلي و تصوم وتحج وتزكي فقط، أما في علاقاتك، في نشاطاتك، في سفرك، في إقامتك، في زواجك، في أفراحك، في أتراحك، لك أن تكون حضارياً، لك أن تكون مستغرباً، لك أن تفعل كل شيء وأنت تحت مظلة الإسلام.

 

الإسلام و الإيمان و الإحسان :

 أيها الأخوة الكرام

﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾

[سورة النساء: 64]

﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا﴾

[سورة المائدة : 92]

﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾

[ سورة الحشر: 7 ]

﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ﴾

[ سورة آل عمران: 31 ]

 أيها الأخوة الكرام ؛ هذه:

﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾

[سورة النساء: 65]

 للعلماء تعليق لطيف عليه، قال: في هذه الآية إشارة خفية إلى الإسلام و الإيمان والإحسان:

﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ﴾

[سورة النساء: 65]

 حينما ينصاع إلى حكم الله فهو مسلم:

﴿ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ ﴾

[سورة النساء: 65]

 حينما يطمئن الإنسان إلى حكم الله و يفرح به و يرضاه، هذا هو الإيمان، وحينما يسلم تسليماً مطلقاً فهذا هو الإحسان :

﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾

[سورة النساء: 65]

القلب السليم :

 أيها الأخوة الكرام ؛ الموضوع طويل جدا أكتفي بهذا القدر، و لكن أرجو الله عز وجل أن تترك هذه الخطبة في نفوسنا جميعاً وأنا معكم أثراً في التوحيد، أن توحده، ما معنى التوحيد بعمق؟ أن قلبك ينبغي أن يكون سليماً، والقلب السليم هو القلب الذي لا يشتهي شهوة محرمة، ولا يقبل مناقضاً للوحيين، ولا يحتكم لغير شريعة الله، ولا يعبد غير الله:

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾

[ سورة الشعراء:88-89]

 أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين، أستغفر الله.

* * *

الخطبة الثانية :

 أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أثر الغضب على القلب :

 في صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((أَوْصِنِي؟ قَالَ" لَا تَغْضَبْ، فَرَدَّدَ مِرَارًا قَالَ: لَا تَغْضَبْ))

[البخاري عن أبي هريرة]

 أما الشيء العلمي كصور من صور الانفعال النفسي فيؤثر على قلب الرجل الذي يغضب، يشبه تأثير العدو أو الجري، انفعال الغضب يرفع ضربات القلب وانقباضاته في الدقيقة الواحدة أضعافاً، تضاعف كمية الدم الني يدفعها القلب إلى الأوعية، القلب حينما يخفق بجهد استثنائي، ويستمر هذا الخفقان الاستثنائي يضعف، و قد يتضخم.
 أيها الأخوة ؛ هناك أمراض كثيرة، أمراض الشريان التاجي، وأمراض ضغط الدم، وأمراض الأوعية، وأمراض الدسامات، أكثرها تأتي عقب انفعال شديد جداً، كلكم يعلم أن الإنسان مجهز بآلية عجيبة، حينما يرى شيئاً مخيفاً أو يرى حشرة قاتلة، تنطبع صورتها في شبكية العين، وهذه الصورة تنتقل إلى الدماغ إدراكاً، و الدماغ ملك الجهاز العصبي، و هناك جهاز هرموني له ملكة، هي الغدة النخامية، يجري اتصال بين الدماغ و بين الغدة النخامية أن هناك خطراً تصرفي، هي ملِكة، ترسل أمراً إلى وزير الداخلية عندها وهو الكظر، ليقمع هذه الفتنة، ماذا يفعل الكظر؟ يرسل أمراً إلى القلب فيرفع نبضاته، فلو فحصت قلب خائف ترى نبضه متسارعاً، يرسل أمراً آخر إلى الرئتين ليرتفع وجيبهما، فلو رأيت رئتي خائف لرأيتهما يخفقان سريعاً، يرسل أمراً ثالثاً إلى أوعية الدم، تضيق لمعتها، ليوفّر الدم من المحيط إلى العضلات، لو نظرت إلى وجه خائف تراه مصفراً، ثم لو فحصت دم خائف لوجدت فيه هرمون التجلط بأعلى مستوى، ولوجدت فيه كميات من السكر الإضافية، كل هذا يجري في لمح البصر، حينما ترى أفعى في الطريق، أو حيواناً مخيفاً، أو حينما يوشك الإنسان أن يقع في مشكلة، تتبدل هذه الأعضاء، الغضب يشبه الخوف في إحداث هذا التأثير، فدائما القلب بحال انقباض مرتفعة، والضغط مرتفع، وهرمون التجلط مرتفع، و السكر مرتفع، وهذا من نتائج الغضب، بالمناسبة آثار النيكوتين الذي في الدخان، و آثار الخوف وآثار الغضب واحدة، فلذلك الذي يغضب كثيراً، والذي هو بعيد عن التوحيد، اخترت هذا الموضوع لعلاقته بالخطبة، أنت حينما توحِّد ترتاح أعصابك، الأمر كله بيد الله، الله كامل، كان عليه الصلاة والسلام إذا ألمّ به مكروه يقول: " لا إله إلا الله العليم الحكيم، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم "، فالتوحيد يريح الأعصاب، قال تعالى:

﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴾

[سورة الشعراء: 213]

 الغضب و القلق و الخوف، بل إن جهاز المناعة المكتسب الذي هو أخطر جهاز في الجسم البشري يقويه الأمن و الحب، و يضعفه القلق و الخوف، و حينما يشرك الإنسان يلقي الله في قلبه الخوف، قال عز وجل:

﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا ﴾

[ سورة آل عمران: 151]

 أبداً، فردا أو أمة، حينما نشرك نقع في خوف شديد، و الخوف عدو الإنسان الأول، عدو جسمه، عدو قلبه، عدو ضغطه، عدو دساماته، عدو شرايينه، عدو شريانه التاجي، هذا هو الخوف، الخوف يناقض الإيمان، لا تنسوا هذه الآية:

﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾

[ سورة الأنعام: 81-82]

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك اللهم لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليه، وإنه لا يذل مَن واليت، ولا يعز مَن عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تُهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، أصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، أصلح لنا آخرتنا التي إليها مردّنا، اجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمَّن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين، اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم، فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين، اللهم صُن وجوهنا باليسار، ولا تبذلها بالإقتار، فنسأل شر خلقك ونبتلى بحمد مَن أعطى وذم مَن منع، وأنت من فوقهم ولي العطاء وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء، اللهم إنا نعوذ بك من الفقر إلا إليك، ومن الخوف إلا منك، ومن الذل إلا لك، نعوذ بك من عضال الداء، ومن شماتة الأعداء، ومن السلب بعد العطاء مولانا رب العالمين.

تحميل النص

إخفاء الصور