وضع داكن
25-04-2024
Logo
الخطبة : 0696 - الهجرة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:
 الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنـا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته وإرغامـاً لمن جحد به وكفر. وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر أو سمعت أذن بخبر. اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين.
 اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرِنا الحــق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممــــن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

بطولة الإنسان أن يعمل صالحاً لينجو من عذاب الآخرة :

 أيها الأخوة الكرام: كل عام وأنتم بخير، نحن في مطلع السنة الهجرية الجديدة، والأيام تمضي، والليل والنهار يعملان فينا، فلنعمل فيهما، هذه مقولة سيدنا عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى، يوصف بأنه خامس الخلفاء الراشدين، خاطب نفسه فقال: " الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما" يوم يمضي، وأسبوع يمضي، وشهر يمضي، وفصل يمضي، وعام يمضي، وعقد يمضي، ثم تكون النهاية إما إلى جنة يدوم نعيمها أو إلى نار لا ينفد عذابها.

﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ﴾

[ سورة الكهف: 103-104]

 من الناس من يدري ويدري أنه يدري، فهذا عالم فاتبعوه، منهم من لا يدري ويدري أنه لا يدري، فهذا جاهل فعلموه، ومنهم من لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فهذا شيطان فاحذروه.

﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ﴾

[ سورة الكهف: 103-104]

 أيها الأخوة الكرام: حينما نولد كل من حولنا يضحك، وهذا الطفل الذي ولد حديثاً يبكي وحده، فإذا جاءت ساعة المغادرة كل من حول هذا الإنسان يبكي، فإذا ضحك وحده كان بطلاً، فالبطولة أن تضحك وحدك حينما تغادر الدنيا، من يضحك أولاً يضحك قليلاً، ومن يضحك آخراً يضحك كثيراً.

﴿ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ ﴾

[ سورة المطففين: 34]

الزمن أخطر شيء في حياة كلّ إنسان :

 أيها الأخوة الكرام: مضي الزمن يستهلك الإنسان، أنت بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منك.
 أيها الأخوة الكرام: هذا الزمن الذي هو أخطر شيء في حياتك إنه أنت، إنه رأس مالك الوحيد، لا تملك غيره، إنه وعاء عملك، إما أن تستهلكه استهلاكاً رخيصاً، إما أن تنفقه استهلاكاً وإما أن تنفقه استثماراً، وإلا فالخسارة محققة لا ريب فيها، قال تعالى:

﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾

[ سورة العصر: 1-2]

 لأن مضي الزمن يستهلكه.

﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾

[ سورة العصر: 3]

 أربعة أشياء إن فعلتها تتلافى الخسارة المحققة، وهي أن الزمن يستهلك الإنسان، وهو أنك بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منك.

 

العلم في الإسلام وسيلة و ليس غاية :

 أيها الأخوة الكرام: هذه مقدمة أما الحقيقة الأولى فهي أن العلم في الإسلام وسيلة وليس غاية، تعلموا ما شئتم فوالله لن تؤجروا حتى تعملوا بما علمتم، كل علم وبال على صاحبه ما لم يعمل به، العلم حجة لك إذا عملت به أو عليك، و كما قال سيدنا علي كرم الله وجهه :" قوام الدين والدنيا أربعة رجال؛ عالم مستعمل علمه، وجاهل لا يستنكف أن يتعلم، وغني لا يبخل بماله، وفقير لا يبيع آخرته بدنياه، فإذا ضيّع العالم علمه استنكف الجاهل أن يتعلم، وإذا بخل الغني بماله باع الفقير آخرته بدنيا غيره".
 أيها الأخوة الكرام: العلم ما عُمل به، فإن لم يُعمل به كان الجهل أولى، لأن العلم إن لم تعمل به كان حجة عليك، ألم يقل الله عز وجل:

﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾

[ سورة الفاتحة: 6-7]

 من هم المغضوب عليهم ؟ هم الذين عرفوا وانحرفوا، من هم الضالون ؟ هم الذين لم يعرفوا فانحرفوا، فالعلم لا قيمة له إطلاقاً إلا إن عملت به، هذا الذي أصيب بمرض جلدي وكان دواؤه التعرض لأشعة الشمس مهما أثنى على الشمس، مهما قال: إنها مشرقة، يا لها من ساطعة، إن ضوءها يبهر الأبصار، ولم يتعرض لأشعة الشمس كل هذا الكلام لا يجديه، هذه مقدمة.

 

معاني الهجرة :

 أيها الأخوة الكرام: قال تعالى :

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا ﴾

[ سورة الأنفال: 72]

 الهجرة بين مكة والمدينة انتهت، لا هجرة بعد الفتح، ولكن للهجرة أيها الأخوة معاني واسعة جداً منها أن تهجر ما نهى الله عنه، قال عليه الصلاة والسلام:

(( الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ ))

[البخاري عن عبد الله بن عمرو]

 فمهما استمعت إلى خطب الهجرة، ومهما استمعت إلى أحاديث الهجرة، ومهما شنف سمعك مدائح النبي عليه الصلاة والسلام الذي هاجر، ومهما قرأت من سيرة الهجرة لا تنتفع بها إطلاقاً إلا إذا تركت ما نهى الله عنه. فمن أجل أن نوفر الوقت لو أن ابناً جاهلاً وله أب عالم كبير، لو أن هذا الابن أمضى كل وقته في مدح أبيه، ولم يسلك طريق أبيه يبقى جاهلاً ويدفع ثمن جهله باهظاً، ويبقى الأب عالماً ويجني ثمر علمه كبيراً، فالمديح لا يقدم ولا يؤخر. لو أن هذا الابن في غيبة أبيه جلس في مكان أبيه في مكتبه، والتقط صورة له، يبقى جاهلاً، ولو جلس في مجلس أبيه.

 

الهجرة حركة :

 يا أيها الأخوة الكرام: لابد من عودة إلى الله، لابد من تفكير جديد، لابد من تفكير عميق، لابد من أن تسأل ماذا ينبغي أن أفعل ؟ الهجرة بمعناها الواسع حركة، ماذا فعلت ؟ ما الموقف الذي وقفت ؟ ماذا أعطيت ؟ ماذا منعت ؟ من وصلت ؟ من قطعت ؟ ما الموقف الذي فعلته بناءً على قناعتك أنك مؤمن ؟

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا ﴾

[ سورة الأنفال: 72]

 الهجرة حركة، هل أقمت الإسلام في بيتك وهذا ضمن إمكاناتك لأن الله عز وجل لا يكلف نفساً إلا وسعها ؟ هل استقمت في عملك وهذا ضمن إمكاناتك ؟ لا تقل: لا أستطيع، ما كلفك الله إلا ما تستطيع.

﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها﴾

[سورة البقرة:286]

 إن دخلت إلى بيتك، وأغلقت بابك أليس بإمكانك أن تستقيم على أمر الله في البيت؟ أليس بإمكانك أن تطلب العلم في البيت ؟ أن تقرأ القرآن في البيت ؟ أن تقيم أمر الله في البيت؟ هذا ضمن إمكانك، انتقل إلى عملك، ألا تستطيع أن تكون صادقاً ؟ ألا تستطيع أن تمتنع عن غش المسلمين ؟ والاحتيال عليهم وابتزاز أموالهم ؟ ألا تستطيع أن تنجر ما وعدت ؟ لا تحاسب إلا على ما تستطيع، وبيتك مملكتك، وعملك مملكتك، ولو فعل المسلمون هذا لكنا في حال غير هذا الحال.

 

ثمن السلامة طاعة الله وثمن السعادة العمل الصالح :

 أيها الأخوة الكرام: لو أردت أن تضغط الرسالات السماوية ضغطاً كثيفاً بكلمات، وتلوت قوله تعالى:

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾

[ سورة الأنبياء: 25]

 لا إله إلا الله كلمة التوحيد فاعبدون هل عبدت الله ؟
 أيها الأخوة الكرام: النبي عليه الصلاة والسلام سأل سيدنا معاذ بن جبل وكان رديفه على دابته قال:

(( حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَرَدِيفُهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ لَيْسَ بَيْنَهُمَا غَيْرُ آخِرَةِ الرَّحْلِ، إِذْ قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ قَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْعِبَادِ ؟ قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، قَالَ: فَهَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا هُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ ؟ قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّ حَقَّهُمْ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لا يُعَذِّبَهُمْ ))

[ أحمد عن أنس بن مالك]

 من منا يحب أن يعذب ؟ من منا يحب أن يفقد كرامته ؟ أن يفقد حريته ؟ أن يفقد ماله ؟ ثمن السلامة طاعة الله عز وجل، وثمن السعادة العمل الصالح.

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ﴾

[ سورة الكهف: 110]

 أيها الأخوة الكرام: الله جل جلاله ربط الرجاء بالسعي، ولم يربط الرجاء بالأمل ولا بالتمني، ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب، من يعمل سوءاً يجزى به، الله جل جلاله ربط الرجاء بالسعي وقال تعالى:

﴿ وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا ﴾

[ سورة الإسراء: 19 ]

 لم يقل: وسعى لها، وسعى لها سعيها الذي تستحقه، السعي الذي فرضه الله علينا، السعي الذي يرقى بك إلى الآخرة وأنت في حال طيبة.

 

حجم الإنسان عند الله بحجم عمله الصالح :

 أيها الأخوة الكرام: الإيمان مع السكوت، ومع القعود، ومع الصمت، ومع الانشغال في المصالح الشخصية، ومع الانغماس بهموم الفرد الخاصة، هذا ليس إيماناً، ولا يرقى بصاحبه، ولا يقدم ولا يؤخر، ما لم تحمل همّ المسلمين، ما لم تتحرك لحل مشكلة من مشكلاتهم، ما لم تتحرك لنشر فضيلة بينهم، ما لم تتحرك بتوضيح آية على مسامعهم، ما لم تتحرك لنشر سنّة من سنن النبي عليه الصلاة والسلام فلست مؤمناً، أن تبقى ساكتاً ساكناً صامتاً خاضعاً، وتقول: عليّ بنفسي هذا ليس من الإيمان في شيء، الإيمان ما إن تستقر حقيقته في نفس المؤمن حتى يعبر عن ذاته بحركة نحو الخلق، هل مددت يد المساعدة لفقير ؟ هل واسيت مسكيناً ؟ هل عطفت على يتيم ؟ هل تبنيت طالب علم ؟ هل أنفقت على مريض ؟ هل ربيت ابنك ؟ هل أنفقت من مالك ؟ حجمك عند الله بحجم عملك، قال تعالى:

﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾

[ سورة الأنعام: 132]

 اسأل نفسك كل يوم ماذا قدمت للمسلمين ؟ ماذا قدمت لآخرتي ؟ كيف ألقى الله عز وجل ؟ آلاف النشاطات، أطول السنوات قد يمضيها الإنسان في مصالحه الشخصية وهي عند الموت لا قيمة لها إطلاقاً، ولا تفعل للإنسان شيئاً.
 أيها الأخوة الكرام:

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا ﴾

[ سورة الأنفال: 72]

 بالمعنى الواسع حتى يتحرك لفعل ما، لإقامة أمر الله، لنشر الحق والفضيلة، للإصلاح بين الناس، يجب أن تفعل شيئاً تقدمه لله عز وجل، لو ضاقت بك الأمور علمنا النبي أن تتذكر صالح عملك، هل لك عمل صالح تذكره عند الشدة ؟ تقول: يا رب هذا العمل فعلته في سبيلك ولا أبتغي به سمعة ولا مجداً ولا ثناءً ولا مكانة، أبتغي به رضوانك، ما العمل الذي قدمته في سبيل الله ؟
 أيها الأخوة الكرام: الميل إلى القعود والاسترخاء والراحة، وأن يقول الإنسان: عليّ من نفسي، هذا الذي لم يحمل همّ المسلمين والله ما آمن كما قال عليه الصلاة والسلام: " والله ما آمن، والله ما آمن، من بات شبعان وجاره إلى جانبه جائع".
 أيها الأخوة الكرام: تسمعون وتشاهدون أن معركة المسلمين مع خصومهم معركة مصير، معركة نكون أو لا نكون، لأن العدو شرس جداً، قلبه قدّ من الصخر، يمكن أن يبني مجده على أنقاض الشعوب.
 أيها الأخوة المؤمنون: ما لم نتمسك بديننا، ما لم نتعاون، لن نفوز، لأن الله عز وجل يقول:

﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾

[ سورة المائدة: 2 ]

الهجرة بمعناها الواسع :

 يا أيها الأخوة الكرام: الهجرة بمعناها الواسع أن تهجر ما نهى الله عنه، ورد في الحديث القدسي الصحيح:

(( الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ ))

[ مسلم عن معقل بن يسار]

 إذا فاتك أن تهاجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا فاتك أن تنتقل من مكة إلى المدينة في وقت الدعوة الإسلامية باب الهجرة مفتوح على مصراعيه إلى يوم القيامة بين كل مدينتين يشبهان مكة، يمكن أن تنتقل من دار الكفر إلى دار الإسلام هذه هجرة، يمكن أن تنتقل من دار يعصى الله فيها على قارعة الطريق إلى دار تقام فيها شعائر الإسلام.
 أيها الأخوة الكرام:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً ﴾

[سورة النساء: 97]

 لا شيء يعلو على طاعة الله، اطلبها في أي مكان، لا شيء يعلو في حياة المسلم على طاعة الله، فإذا ذهب إلى بلد ربما زلت قدمه في هذا البلد، فسبب هلاكاً لنفسه دون أن يشعر، النبي عليه الصلاة والسلام علمنا أن إذا أردت إنفاذ أمر فتدبر عاقبته، هذا الذي يبيع دينه، ويبيع أمته ووطنه من أجل دخل كبير في بلد لا يضمن فيه تربية أولاده، ولا يضمن مصير بناته، ولا يضمن أن يبقى ابنه منتمياً إلى أمته ولا إلى دينه، هذا باع النفيس بالخسيس، الله عز وجل يقول:

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾

[سورة الكهف: 28]

 دققوا في هذه الآية:

﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا ﴾

[ سورة الكهف: 28 ]

 لا تستشير أهل الدنيا، لا تستشير الشاردين عن وجه الله عز وجل، لا تستشير البعيدين عن الله عز وجل، لا تستشير الذين أحبوا الدنيا وأعرضوا عن الآخرة، لا تستشير الغافل والجاهل والدنيوي.

﴿ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾

[سورة لقمان: 15]

 أيها الأخوة الكرام: الله عز وجل ينتظر منا أن نستبق إلى الخيرات، والاستباق أبلغ من أن نسير إليها، قد تمشي في طريق، أما إذا دخلت مسابقة جري فلا تبقى ماشياً تهرول ثم تركض ثم تعدو، قال تعالى:

﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً﴾

[سورة البقرة: 148]

﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾

[سورة آل عمران: 133]

 في كلمتي المسابقة والمسارعة ينبغي أن تكون مع المجموع، ومع المسلمين، وأن تكون في المساجد، ينبغي أن يراك الله حيث أمرك، وأن يفتقدك حيث نهاك، ليس الولي الذي يطير في الهواء، ولا الذي يسير على سطح الماء، ولكن الولي كل الولي الذي تجده عند الحلال والحرام، أن يجدك حيث أمرك وان يفتقدك حيث نهاك، وهذا أيضاً أيها الأخوة من معاني الهجرة.

 

موقف المؤمن من الهجرة :

 أيها الأخوة الكرام:

(( الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ ))

[البخاري عَنْ عَبْد ِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو]

 اسأل نفسك هذا السؤال ولو كان حرجاً ما موقفي من يوم الهجرة ؟ يحتفل المسلمون بهذا اليوم، ويهنئ بعضهم بعضاً، وقد تقام احتفالات كثيرة، الجدوى من هذا الاحتفال أن نهجر ما نهى الله عنه.
 أيها الأخوة الكرام: قياساً على هذا الحاج في بعض مناسك الحج يرجم الشيطان، قال الإمام الغزالي رحمه الله تعالى: لا يحصل رجم الشيطان كما أرداه الله إلا بطاعتك لله، فإذا عصيت الله فهو يرجمك ولا ترجمه، فالعبرة لا في الشعائر، العبرة في الحقائق، فأنت إذا احتفلت بيوم الهجرة ما معنى هذا الاحتفال ؟ معنى هذا الاحتفال أن تهجر ما نهى الله عنه، أن تراجع حساباتك، أن تراجع بيتك، هل يعجبك مظهر ابنتك في الطريق ؟ هل أنت راض عن دينها وعن حجابها ؟ هل أنت راض عن علمها الشرعي ؟ هل يعجبك سلوك زوجتك في البيت ؟ هل أنت راض عن استقامتها وعن التزامها وعن تربية أولادها ؟ هل يعجبك تعاملك مع الناس ؟ هل هذا التعامل قائم على طاعة الله على الصدق والأمانة والورع أم على الغش والاحتيال ؟

 

العبادات الشعائرية لا تقطف ثمارها إلا إذا أحسنت العبادات التعاملية :

 أيها الأخوة الكرام: حينما لا نطبق العبادات التعاملية واكتفينا بالعبادات الشعائرية فقد فرغنا الدين من مضمونه وأصبح شيئاً فلكلورياً، أصبح شيئاً من عاداتنا، وأصبح تراثاً، الآن يسمون الدين تراثاً، هو تراث وتقاليد وعادات وسلوك لا معنى له، نفعله لأننا مسلمون، أو لأننا نشأنا في بيئة إسلامية، ولكن الدين شيء آخر، الدين منهج، الدين منهج تفصيلي فيه عبادات تعاملية وفيه عبادات شعائرية، والعبادات الشعائرية لا تقطف ثمارها إلا إذا أحسنت العبادات التعاملية.

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فُلانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا قَالَ: هِيَ فِي النَّارِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ فُلانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلاتِهَا وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالأَثْوَارِ مِنَ الأَقِطِ وَلا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا قَالَ: هِيَ فِي الْجَنَّةِ ))

[البخاري عَنْ أبي هريرة]

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لا دِرْهَمَ لَهُ وَلا مَتَاعَ فَقَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ، فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ ))

[ مسلم عَنْ أبي هريرة]

أيها الأخوة الكرام:

إلى متى وأنت في اللذات مشغول  وأنت عن كل ما قدمت مسؤول
***
تعصي الإله وأنت تظهر حبه  ذاك لعمري في المقال شنيع
لو كان حبك صادقاً لأطعتـــــــه  إن المحب لمن يحب مطيـــع
***

على كلّ مسلم إتقان عمله و لزوم بيوت الله :

 أينما جلست وأينما حللت الشيء الذي يقال في مجالس المسلمين: المسلمون متخلفون غير منضبطين، لا يفعلون شيئاً، يكذبون، لا يتقنون أعمالهم، أمرهم ليس بيدهم، لو ذكرت هذا إلى يوم القيامة ماذا يحصل ؟ ماذا فعلت أنت وماذا قدمت ؟ هذا الذي ينبغي أن نفعله.

(( عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيِّ قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ فَقُلْتُ لَهُ: كَيْفَ تَصْنَعُ بِهَذِهِ الآيَةِ ؟ قَالَ: أَيَّةُ آيَةٍ ؟ قُلْتُ قَوْلُهُ تَعَالَى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ) قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْهَا خَبِيرًا سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: بَلِ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ....))

[الترمذي عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيّ]

 الزم بيوت الله، كن مع إخوانك المؤمنين، كن مع من يلوذ بك من جيرانك وأقربائك، كن مع هؤلاء .
 أيها الأخوة الكرام:

((…. فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ ))

[الترمذي عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيّ]

 أيها الأخوة الكرام: هذا مصداق قول النبي الكريم فيما يرويه عن ربه العظيم:

(( الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ ))

[ مسلم عن معقل بن يسار]

حال المسلم مع بيوت الله عز وجل :

 أيها الأخوة الكرام: إذا شاع الفساد واستيقظت الفتن فالجأ إلى بيتك، فاعبد الله فيه، والجأ إلى مسجدك وتلقى العلم منه، وطبق ما علمت في عملك .
 أيها الأخوة الكرام: مخطئ كثيراً من يظن أنه بمجرد أن أتى إلى المسجد فقد صار ديناً، لا ! إنما تأتي إلى المسجد لتأخذ تعليمات خالقك، قبضت الثمن، كان عليه الصلاة والسلام يقول:

(( إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ...))

[ مسلم عَنْ أبي أسد]

 ادخل إلى المسجد من أجل أن تقبض الثمن، هذا الاتصال بالله، هذه النفحة التي تأتيك وأنت في بيت الله، هذا هو الثمن، المجيء الأول بتلقي التعليمات، كيف أن بعض الشركات يأتيها مندوب المبيعات الساعة الثامنة، يأخذ التعليمات وينطلق، ويعود في آخر اليوم ويقدم كشفاً بالمبيعات، ويأخذ العمولة، وهذا حال المسلم مع بيوت الله عز وجل، أما أن نتوهم أنه لمجرد أن دخلنا المسجد فقد أصبحنا مسلمين، لا والله، كان عبد الله بن أبي يجلس على يسار رسول الله كتفاً بكتف، وهو على فراش الموت قال: ألبسوني قميص رسول الله، فألبسه النبي قميصه بيديه الشريفتين، فلما توفي قال عليه الصلاة والسلام: " ما يغني عنه قميصي من الله "، لا ينفعك إلا طاعتك لله، لا ينفعك إلا عملك.

((إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، وَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فلا يَأْخُذْ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ ))

[ البخاري عن أُمِّ سَلَمَةَ]

تعاون المؤمنين فرض لتعاون الطرف الآخر على إطفاء نور الله :

 أيها الأخوة الكرام: دققوا في هذه الآية:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ﴾

[ سورة الأنفال : 72 ]

 وفي الآية التي تليها:

﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾

[ سورة الأنفال :73 ]

 إن لم تؤمنوا، وإن لم تهاجروا، وإن لم تجاهدوا الجهاد الدعوي الذي أراده الله منكم بأموالكم وأنفسكم، وإن لم تأووا، وإن لم تنصروا دين الله، وإن لم تكونوا أولياء بعضكم بعضاً، فالطرف الآخر يتعاونون على إطفاء نور الله، وعلى إضعافكم، وعلى سلب ثرواتكم، وعلى سحقكم، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير. قال علماء التفسير: الهاء في الآية التالية تعود على الآية الأولى بأكملها:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾

[ سورة الأنفال : 72 ]

 هذه مجتمعة، ولكن:

﴿ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾

[ سورة الأنفال : 73 ]

 لأن الطرف الآخر يخطط لكم، ويأتمر عليكم، يأتمر على إفقاركم، وهذا يقع، ونهب ثرواتكم، وإذلالكم، وسلبكم ما تملكون، وطردكم من أرضكم، وهذا تشاهدونه كل يوم.

﴿ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾

[ سورة الأنفال : 73 ]

عبادة الله في زمن الفتن أعلى أنواع الهجرة إلى الله عز وجل :

 أيها الأخوة الكرام: المعاني كثيرة والمحور واحد، الهجرة أن تدع ما نهى الله عنه وتهجره، وأعلى أنواع الهجرة أن تعبد الله في زمن الفتنة، في زمن نساؤه كاسيات عاريات مائلات مميلات، في زمن كثر المال الحرام، قلّ الحياء من الله، قلّ ماء الحياء فقلّ ماء السماء، رخص لحم النساء فغلى لحم الضأن، اتسعت الصحون على السطوح فضاقت صحون المائدة، إذا عبدت الله في مثل هذا الزمن فهي أعلى أنواع الهجرة إلى الله عز وجل.

 

نور الله باق و سيُغلب الكفار و يحشرون إلى جهنم :

 أيها الأخوة الكرام: بشرى:

﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ﴾

[ سورة التوبة : 32]

 هل تصدق أن إنساناً على وجه الأرض من بين الخمسة آلاف مليون يقتنع أنه إذا توجه نحو الشمس ونفخ نفخة هل تنطفئ الشمس ؟ لسان اللهب طوله مليون كيلو متر، الشمس تتسع لمليون وثلاثمئة أرض، إذا ألقيت الأرض في الشمس تبخرت في ثانية واحدة، درجة حرارتها في باطنها عشرون مليون درجة، على سطحها ستة آلاف، هل بإمكان إنسان أن يقف على سطح الأرض ويتجه إلى الشمس وينفخ؟ إذاً هذا مجنون، قال:

﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ﴾

[ سورة التوبة : 32]

 إذا كنت أنت عاجز مليون مرة عن أن تطفئ نور الشمس بفمك، فهل تستطيع إطفاء نور الله عز وجل ؟

﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾

[سورة آل عمران: 12]

﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾

[سورة إبراهيم: 42]

﴿ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا ﴾

[سورة يونس: 24]

 قادرون على تصوير أي بقعة فيها، ومعرفة دقائق ما على هذه الأرض، وهي تحت مرمى صواريخهم.

﴿ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ﴾

[سورة يونس: 24]

﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ * فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾

[سورة إبراهيم:46- 47]

﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة آل عمران: 139]

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي﴾

[ سورة النور: 55 ]

 أما إذا خلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً، وقد لقي المسلمون في أكثر بقاع الأرض ذلك الغي.
 أيها الأخوة الكرام: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني .

 

تحميل النص

إخفاء الصور