وضع داكن
23-04-2024
Logo
الخطبة : 0804 - مشكلاتنا الراهنة من منظور إسلامي .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:
 الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه، وعلى ذريته، ومن والاه، ومن تبعه إلى يوم الدين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

الموضوعات التي ينبغي أن تطرح في بيوت الله موضوعات من الكتاب والسنة :

 أيها الأخوة الكرام، هناك موضوعات ساخنة جداً، لا يستطيع المرء أن يتجاهلها، بل إن الأخوة المؤمنين ينتظرون أن يتعرفوا إلى المنظور الإسلامي إليها، كيف يفسرها الإسلام؟ نحن أيها الأخوة في بيت من بيوت الله:

﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً﴾

[ سورة الجن: 18]

 لا ينبغي أن يطرح في بيوت الله إلا ما في الوحيين الكتاب والسنة.

﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾

[ سورة النور : 36-38]

 هذه الآيات الكريمة ورد قبلها قوله تعالى:

﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾

[ سورة النور : 35]

 خلق السموات والأرض، ونورها بالكواكب، ونورها بالقرآن، فقرآنه نور، ونبيه نور، ودينه نور، وقد حجب عن خلقه بالنور، الله نور السموات والأرض إن أردت الحقيقة فالتمسها عند الله من خلال الوحي الكتاب والسنة، إن أردت حقيقة أي شيء، إن أردت سر أي شيء فالله نور السموات والأرض، مثل نوره في قلب عبده المؤمن كمشكاة، كصدره، كصدر الإنسان، كمشكاة فيها مصباح شعلة الإيمان، المصباح في زجاجة القلب الذي في الصدر، الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة، من أوجه التفاسير الشجرة المباركة هي الوحي، وهناك تفسير آخر هي رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي تلقى هذا الوحي وبينه للناس، وكأن الله عز وجل علم أن العالم سيكون شرقاً وغرباً، شرق فيه قهر وغرب فيه انحلال، شرق يدعم الجماعة على حساب الفرد فيما مضى وغرب يدعم الفرد على حساب الجماعة.
 هذه الشجرة المباركة لا شرقية ولا غربية، بل علوية من عند خالق الكون، لا يصح أن تقول: في الإسلام ديمقراطية، الإسلام هو الإسلام، والشرع هو الشرع، لا يوازن منهج الله بمناهج الأرض إطلاقاً، شيء نسيج وحده، شيء متميز:

﴿يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ﴾

[ سورة النور : 35]

 قال العلماء: نور الوحي على نور العقل، ونور الفطرة على نور القرآن الكريم، التطابق العجيب بين الوحيين النقل الصحيح والعقل الصريح، وبين الفطرة السليمة والواقع الموضوعي:

﴿نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾

[ سورة النور : 35]

 هنا قال علماء التفسير: يوقد من شجرة مباركة في بيوت، إن أردت الحقيقة الخالصة، إن أردت الحق الذي لا يقبل التبديل، ولا التعديل، ولا الحذف، ولا الإضافة تجدها في بيوت الله، لأن بيوت الله يذكر فيها اسمه بإذنه، إذا أذن الله لهذه البيوت أن يذكر فيها اسمه، عندئذ يأذن لمن في الأرض أن يأذنوا، وإذا لم يأذن الله في عليائه أن يذكر اسمه في بيت لم يأذن أهل الأرض كلهم لهذا الإنسان أن يتكلم كلمة.

﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾

[ سورة النور :36-37]

 أي موضوع ساخن، أي موضوع ملتهب يجب أن تبحث عن سره في الوحيين، ألم يقل الله عز وجل:

﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة النحل: 43]

مهمة المؤمن إرجاع المشاكل إلى أسبابها ومحاولته إزالة الأسباب :

 أيها الأخوة الكرام، حينما يعاني مجتمع ما من مشكلات لا يتفاوت الناس أبداً في معرفة وقوع هذه المشكلة، وفي معرفة حجمها، لأن الأخبار المسموعة والمرئية تطلعهم على أدق التفاصيل، الاختلاف ليس في وقوعها أو عدم وقوعها، ولا في حجمها الكبير، ولا حجمها الصغير، هذا شيء مقطوع به، لأن الأرض أصبحت غرفة واحدة، قالوا: كانت قرية، فأصبحت بيتاً، الآن غرفة واحدة، ما يحدث في أقصى المشرق يصلك في ثوان معدودة بتفاصيله، ولكن أين نختلف؟ نحن لا نختلف في مصداقية وقوع الحدث أو لا، ولكن الناس يختلفون في تحليل هذه الحوادث وإرجاعها إلى أسبابها الحقيقية، الناس كيف يواجهون هذه المشكلة؟ لابد من أن يعيدوها إلى أسبابها.
 أيها الأخوة، إرجاع المشكلة إلى أسبابها، ثم محاولة إزالة هذه الأسباب هو أهم عمل يجب أن يفعله المسلمون اليوم، هناك مشكلات تحيط بهم لا عد لها، كل مشكلة لها سبب، نظام السببية نظام اعتمده الله عز وجل أصلاً من أصول خلقه، قال تعالى:

﴿وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً * فَأَتْبَعَ سَبَباً ﴾

[ سورة الكهف : 84-85]

 كل مهمة المؤمن أن يرجع مشكلةً يعاني منها كبيرةً أو صغيرة، فرديةً أو جماعية إلى أسبابها الحقيقية ومحاولته الناجحة أن يزيل الأسباب حتى تزول المشكلة.

 

بطولة الإنسان معرفة السبب الحقيقي وراء كل مشكلة :

 أيها الأخوة الكرام، منابر البوح والإعلام عديدة جداً لكن منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ينبغي أن ينطق بالحق الذي جاء به النبي صلى الله عليه و سلم، لو أرجعنا مشكلة ضعف المسلمين إلى الاستعمار هذا تحليل غير دقيق، بل إن علة الاستعمار علة في علم المنطق غير كافية، ما كل شيء يعزى للاستعمار، هناك بلاد عمرها الحضاري كعمرنا وقد تجاوزت هذه المشكلة، لو عزونا هذه المشكلة مشكلة ضعف المسلمين إلى الصهيونية أيضاً هذا تحليل غير دقيق، وهذا السبب غير كافٍ، البطولة أن نعيد المشكلة إلى سببها الحقيقي الذي جاء به الوحي، إن عرفنا السبب الحقيقي وجهدنا في إزالة السبب كرمنا الله جل جلاله بإزاحة هذا الكابوس.
 أيها الأخوة الكرام، لو أن الله خلق أقوياء وضعفاء أليس هناك سؤال كبير يا رب لما قويتهم وأضعفتنا؟ لو رجعنا إلى كتاب الله يقول الله عز وجل:

﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾

[ سورة النور: 55 ]

 أين الاستخلاف؟

﴿كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ﴾

[ سورة النور: 55 ]

 أين التمكين؟

﴿وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً﴾

[ سورة النور: 55 ]

 أين التطمين؟ والله ترون بأعينكم لا استخلاف ولا تمكين ولا تطمين، وزوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده بالمؤمنين، قال تعالى:

﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً ﴾

[ سورة النساء: 87]

﴿وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ﴾

[ سورة التوبة: 111]

 زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمسلمين، وعوده محققة بل إن الله عز وجل حينما قال:

﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾

[ سورة النحل: 1]

 الوعد بيوم الدين جاءت عبارته في القرآن الكريم بفعل ماض أتى وكأنه قد أتى وحينما قال الله عز وجل:

﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ﴾

[ سورة الفيل: 1]

 هل رأيتم ما فعل الله بأصحاب الفيل؟ قال علماء التفسير: ينبغي أن تأخذ خبر الله وكأنك رأيته، أنت مع كلام خالق الكون يعد الله المؤمنين أن يستخلفهم في الأرض ثم لا يستخلفهم، يعد الله المؤمنين أن يمكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، ثم لا يمكن لهم هذا الدين، يعد الله المؤمنين أن يبدلهم من بعد خوفهم أمنا ثم يخيفهم، ينبغي أن نفهم كلام الله من دفته إلى دفته، قال تعالى:

﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً﴾

[ سورة مريم: 59]

 أي شهوة يتبعها الإنسان لا ترضي الله عز وجل تسقطه من عين الله، عَنْ ثَوْبَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:

((لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا ؟ جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لا نَعْلَمُ قَالَ أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا))

[ ابن ماجه عَنْ ثَوْبَانَ]

الدين منهج و التزام :

 أيها الأخوة الكرام، الجواب فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة، وقد أجمع العلماء على أن إضاعة الصلاة لا تعني تركها، بل يعني تفريغها من مضمونها، يعني ألاّ تستقيم قبلها، ألاّ تلتزم منهج الله عز وجل، تصلي وأنت لا تصلي، تصلي وأنت محجوب عن الله، لأن الفعل الذي يناقض منهج الله عز وجل هو حجاب بينك وبين الله، إضاعة الصلاة لا يعني تركها. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( هَلْ تَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِسُ ؟ قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، قَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصِيَامٍ وَصَلَاةٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ عِرْضَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا فَيُقْعَدُ فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْخَطَايَا أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ))

[ مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]

 هذا هو فهم الدين، الدين التزام:

((كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأتي الفواحش، ونسيء الجوار، ونقطع الرحم حتى بعث الله فينا رجلاً نعرف أمانته، و صدقه وعفافه فدعانا إلى الله لنعبده ونوحده ونخلع ما كان يعبد آباؤنا من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، والكف عن المحارم والدماء ))

[ أحمد عن أم سلمة]

 أيها الأخوة الكرام:

﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ﴾

[ سورة النور: 55]

 لكن هل وقفتم عند هذه الآية بتأمل بسيط؟ أي دين وعد الله أن يمكنه؟ الدين الذي يرتضيه لنا، فإن لم يمكنا الجواب القطعي أن الدين الذي نتوهمه ديناً لم يرتضه الله لنا، وهذا هو السبب الذي نرى أن الله لا ينصرنا، الدين الذي نتوهمه ديناً لم يرتضه الله لنا، لم يرتضِ الله لنا دين مظاهر، ودين ألقاب، ودين مديح، ودين طرب، ودين ولائم، ودين مؤتمرات، ودين عبادات شعائرية، ودين بناء مساجد مزخرفة، الله عز وجل أراد ديناً، أراد ديناً منهجاً لحياتنا، إذا كانت عباداتنا في واد وحياتنا في واد آخر، إذا كانت بيوتنا ليست إسلامية، وأعمالنا ليست إسلامية، وكسب مالنا ليس شرعياً، وإنفاق مالنا ليس شرعياً، وعلاقاتنا الاجتماعية ليست شرعية، وحلنا وترحالنا ليس شرعياً، وأفراحنا و مآسينا ليست شرعيةً، هذا الدين الذي نحن عليه لم يرتضه الله لنا، لذلك تعطلت وعود الله من أن تتحقق.

 

الغلو في الدين مصيبة كبيرة :

 أيها الأخوة الكرام، يقول عليه الصلاة والسلام:

((يحمل هذا العلم من خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين ))

[البيهقي وابن عساكر عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري]

 هناك غلو في الدين إما تقصيراً أو مبالغةً، هناك تقصير عن تطبيق النص أو تجاوز للنص وكلا الحالين خطير في الدين، الغلو في الدين مصيبة كبيرة قال تعالى:

﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ﴾

[ سورة النساء: 171]

 لا تأخذ فرعاً بسيطاً وتجعله الدين كله وتقاتل من أجله، لا تسفه من حولك، أنت واحد من المؤمنين، أنت جندي من جنود الإيمان، الدين كالهواء لا يستطيع أحد أن يحتكره، ولا جهة، ولا بلد، ولا مصر، ولا عصر، ولا مذهب، ولا طائفة، ولا ملة، هذا الدين كالهواء لا تغلو في دينكمن لا تتوهم أن الله لك وحدك، وأن الله لجماعتك فقط، الله لكل عباده، هؤلاء الذين غالوا في الدين يحرفون الكلم عن مواضعه، يجرون النصوص إلى صالحهم، يؤولونها تأويلاً لمصلحتهم، هؤلاء الذين غالوا في الدين أبعدوا الناس عن حقيقة الدين، هؤلاء تعصبوا، هؤلاء انتماءهم ليس لمجموع المؤمنين.
 شيء آخر ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين، هناك مبطلون، هناك أعداء للدين ألداء تزيوا بزي الدين، نخشى على الدين لا من أعدائه، أعداؤه منكشفون لنا ولكن نخشى على الدين من أدعيائه، نخشى على الدين ممن يفجره من داخله، نخشى على الدين ممن يتزيا وهو يعمل خلاف الدين، نخشى على الدين ممن يحاول أن يميعه، ممن يحاول أن يعطي فتوى لكل معصية على الإطلاق، انتهى الدين حينما تنتهي مبادئه القويمة وقيمه الأخلاقية.
 أيها الأخوة الكرام:

(( يحمل هذا العلم من خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين ))

 والجاهلون لأن يرتكبوا الكبائر أهون من أن يقولوا على الله ما لا يعلمون، وقد صنف الله المعاصي تصنيفاً تصاعدياً ذكر الإثم والمنكر والفحشاء والمنكر والشرك والكفر، وجعل على رأس هذه المعاصي الكبيرة، وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون، هناك من يقول على الله ما لا يعلم، وهناك من يفجر الدين من داخله، وهناك من يغالي، هؤلاء الثلاثة أبعدوا الناس عن حقيقة الدين، الدين مظهر وليس مخبراً، الدين شكل وليس مضموناً، الدين محتوٍ وليس محتوىً.

 

الابتعاد عن التجديد في الدين لأنه دين الله :

 أيها الأخوة الكرام، وتحت اسم التجديد في الدين يذوب الدين، وتحت اسم التجديد في الدين نخرج عن أصول الدين، وتحت اسم التجديد في الدين نبيح كل المحرمات، وتحت اسم التجديد في الدين نبالغ بكل الأشياء التي لا ترضي الله عز وجل، ما هو التجديد؟ كلمة براقة، كلمة لها وهج، الإنسان يحب الجدة، التجديد في الدين لا يمكن أن يزيد عن هذه المقولة أن تنزع عن الدين كل ما علق به مما ليس منه، هذا هو التجديد. لأن الدين دين الله، قال تعالى:

﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً﴾

[ سورة المائدة: 3]

 التمام عددي والكمال نوعي، فعدد القضايا التي عالجها الدين تام عدداً وطريقة المعالجة كاملة نوعاً، مجرد أن تضيف على الدين شيئاً أنت تتهمه بالنقص، إنه دين الله:

﴿لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى﴾

[ سورة طه: 52]

 لمجرد أن تحذف منه شيئاً أنت اتهمته بالزيادة، لذلك لا يفهم التجديد في الدين إلا أن تزيل ما علق به مما ليس منه، أما أن نفهمه تحليلاً محرماً وتحريماً محللاً وفهم الأمور بخلاف منهج الله عز وجل فهذا ليس تجديداً، ولكنه تهديم، وأقول مرةً ثانية: لا نخشى على الدين من أعدائه، ولكن نخشى من أدعيائه.

 

العامل الوحيد الحاسم في النصر هو الله :

 أيها الأخوة الكرام، العامل الحاسم الوحيد من خلال الكتاب والسنة في النصر هو الله عز وجل، يقول سيدنا سعد رضي الله عنه: " ثلاثة أنا فيهن رجل، وفيما سوى ذلك فأنا واحد من الناس، ما سمعت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علمت أنه حق من الله تعالى، وما سرت في جنازة فحدثت نفسي بغير ما تقول حتى أنصرف منها، وما صليت صلاةً فشغلت نفسي بغيرها حتى أقضيها" .
 القرآن الكريم وحي الله، كلام خالق الأكوان، فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على الخلق، يقول:

﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾

[ سورة آل عمران: 126]

 هذه الآية يجب أن تدخل في تركيب دمائنا، ينبغي أن تكون خلية بين خلايا أجسامنا، العامل الوحيد الحاسم في النصر هو الله، هل لهذا النصر قواعد؟ قال تعالى:

﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ﴾

[ سورة محمد: 7]

 إن تنصروا دينه ينصركم، إن تعزوا كتابه ينصركم، إن تعزوا سنة نبيه ينصركم، قال تعالى:

﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾

[ سورة الأنفال: 33]

﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾

[ سورة الأنفال: 33]

 النصر الحاسم بيد الله، وهذا النصر له قواعد، الله عز وجل يتعامل معنا بمنهج، بقواعد، بمبادئ، يقول الله عز وجل:

﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾

[ سورة الروم : 47 ]

 أنشأ الله لنا حقاً عليه، كن مؤمناً كما يريد الله عز وجل وخذ النصر، أنت تريد، وأنا أريد فإذا سلمتني فيما تريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد.
 لا ينبغي أن نتوهم النصر من شرق أو غرب، ولا من شمال ولا من جنوب، ولا من سلاح ولا من شيء إلا أن ننتظر النصر من الله عز وجل وأن نكون له كما يريد.

 

الإيمان المنجي هو الإيمان الذي يحمل صاحبه على طاعة الله :

 أيها الأخوة الكرام:

﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾

[ سورة النور: 47]

 أي إيمان هذا؟ هناك دائرة واسعة جداً كل من في داخلها مؤمن وإبليس في داخلها، ألم يقل ربي:

﴿فَبِعِزَّتِكَ﴾

[ سورة ص: 82]

 ألم يقل:

﴿أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾

[ سورة الأعراف: 14]

 ألم يقل:

﴿خَلَقَنِي﴾

[ سورة الأعراف: 12]

 آمن بالله خالقاً، وآمن باليوم الآخر، وآمن بالله عزيزاً، وآمن به رباً، كل إنسان قال: الله خالق السموات والأرض هذا مؤمن، هل هذا الإيمان يجدي؟ لا والله، هل هذا الإيمان ينجي؟ لا والله، هل هذا الإيمان يعد سبباً للنصر؟ هذا إيمان لا يقدم ولا يؤخر، لكن ضمن هذه الدائرة الكبيرة جداً دائرة أصغر منها الذي حمله إيمانه على طاعة الله هذا ضمن الدائرة الثانية، هذا الإيمان ينجي، هذا الإيمان يعد سبباً للنصر، هذا الإيمان يمكن أن ترى أثره في حياتك اليومية. عَنْ أَنَسٍ عَنْ مُعَاذٍ قَالَ:

((أَنَا رَدِيفُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا مُعَاذُ: قُلْتُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ ثُمَّ قَالَ مِثْلَهُ ثلاثًا هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ ؟ قُلْتُ: لا، قَالَ: حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ثُمَّ سَارَ سَاعَةً فَقَالَ يَا مُعَاذُ قُلْتُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ ؟ أَنْ لا يُعَذِّبَهُمْ ))

[متفق عليه عَنْ مُعَاذٍ]

﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾

[ سورة الأنفال: 33]

 لذلك أيها الأخوة، إذا قال الله عز وجل:

﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾

[ سورة الروم : 47 ]

 أي إن كنا في الدائرة الثانية إن حملنا إيماننا على طاعة الله، إن كنا ملتزمين بمنهج الله، إن كان بيتنا إسلامياً، وخروج زوجاتنا وبناتنا إسلامياً، وكسبنا للمال إسلامياً، وإنفاقنا للمال إسلامياً، وأفراحنا إسلامية، وإقامتنا إسلامية، وسفرنا إسلامياً، إذا طبقنا منهج الله التفصيلي في حياتنا نحن في الدائرة الثانية هذا هو الإيمان الذي عناه الله في هذه الآية، دققوا في هذه الآية:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا﴾

[ سورة النساء: 136]

 معنى ذلك أن إيمانكم ليس كافياً، إيمانكم ليس منجياً، إيمانكم لا يكون سبباً للنصر، مادام النصر من عند الله حصراً وما دام هذا النصر له أسباب في متناول أيدينا.

 

الإيمان المنجي و إعداد القوة المتاحة سببا النصر :

 شيء آخر، أول شرط الإيمان شرط لازم غير كاف، الشرط الثاني: الإعداد وهو شرط لازم غير كاف، نعد ولا نؤمن لا ننتصر، نؤمن ولا نعد لا ننتصر، ينبغي أن نؤمن الإيمان الذي أراده الله، وهذا الإيمان يحملنا على طاعة الله، وأن نعد القوة المتاحة، قال تعالى:

﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾

[ سورة الأنفال: 60]

 أيها الأخوة الكرام، ما استطعتم تعني استنفاذ القوة، أن نعد لهم كل شيء، أن نعد لهم أشياء مادية، وأشياء معرفية، وأشياء علمية وأشياء أخلاقية. عندما جاء ابن رواحة إلى اليهود ليُقَيِّم تمرهم أغروه بحلي نسائهم لعله يقلل التقييم، قال: جئتكم من عند أحب الخلق إلي، ولأنتم عندي أبغض من القردة والخنازير، ومع ذلك لن أحيف عليكم، فقال اليهود: بهذا غلبتمونا بهذا قامت السموات والأرض.
 أيها الأخوة، إن آمنا الإيمان الذي يحملنا على الطاعة، ثم أعددنا الإعداد المتاح لنا، واللهِ الذي لا إله إلا هو زوال الكون أهون على الله من ألاّ ننتصر على أعدائنا مهما تفوقوا في أسلحتهم، ومهما تفوقوا في دعمهم.

 

مواجهة التحديات التي يفرضها الغرب على المسلمين :

 أيها الأخوة، يقول الله عز وجل:

﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾

[ سورة إبراهيم: 46]

 إله عظيم يقول وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال، هم يريدون إفقارنا، يريدون نهب ثرواتنا، يريدون تشريد شبابنا، يريدون أن نعيش الكفاف، أن نكون في خدمتهم، أن تكون بلادنا أسواقاً لهم، هذا مكرهم، يريدوننا أن نكون تحت رحمتهم.

﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾

[ سورة إبراهيم: 46]

 أيها الأخوة الكرام، تحدي الإفقار يجب أن نقابله بعد الإيمان بالله، وبعد الإعداد الكافي، الإعداد المتاح، أن نكسب المال الحلال، ونحل به مشكلات المسلمين، وتأصيل الدين وفق قواعده الصحيحة، وتعزيز القيم الإسلامية ونشرها، والدعوة إليها حتى تحاصر الباطل أو تحاصر تأويل الجاهلين، أو تحريف الغالين، أو انتحال المبطلين، هو الحل الأمثل، أن ندعو إلى الله، أن نبين قواعد الدين، أن نبين أصول الدين، أن نبين مناهج الدين، أن نبين قيم هذا الدين، أن نبين قيم هذا الإسلام العظيم، أيضاً هذا رد على الإضلال، أما إذا أفسدونا عن طريق الغزو الثقافي ماذا نعمل؟ ينبغي أن نرتاد بيوت الله، ينبغي أن نأوي إلى الكهف، وكهفنا بيتنا ومسجدنا لنبتعد عن تيارات الرذيلة والإباحية، ينبغي أن نبتعد عن كل مكان مشبوه، وعن كل مقصف فيه نساء كاسيات عاريات، وعن كل عمل فني يثير بنا الغرائز، ينبغي أن نبتعد عن مجتمعاتهم، وعن أماكن لهوهم، وعن فنونهم التي لا ترضي الله عز وجل.
 الغرب حاربنا بالمرأة، فغدا كل بيت نادياً ليلياً، فلذلك مكر الإفساد يحتاج إلى أن نؤوي إلى الكهف، وكهفنا بيتنا ومسجدنا، وتلاوة قرآننا، وتلاوة سنة نبينا، وأن نكون في الجماعة، قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

((عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ ))

[ النسائي عن أَبي الدَّرْدَاءِ ]

 أما حينما يتحدوننا بالإذلال فينبغي أن نضع كل شيء تحت أقدامنا في سبيل كرامتنا، وفي سبيل اعتزازنا بديننا، سيدنا عمر حينما قال لجبلة: أرضِ الفتى لابد من إرضائه، مازال ظفرك عالقاً بدمائه، أو يهشمن الآن أنفك، وتنال ما فعلته كفك، قال: كيف ذاك يا أمير هو سوقة وأنا عرش وتاج؟ كيف ترضى أن يخر النجم أرضاً؟ قال له: نزوات الجاهلية، ورياح العنجهية قد دفناها وبنينا فوقها صرحاً جديداً وتساوى الناس أحراراً لدينا وعبيدا، قال: كان وهماً ما جرى في خلدي أنني عندك أقوى وأعز، أنا مرتد إذا أكرهتني، قال: عنق المرتد بالسيف تحز، عالَم نبنيه، كل صدع فيه بشبا السيف يداوى، وأعز الناس بالعبد بالصعلوك تساوى.
 إن أرادوا إفقارنا فينبغي أن نكسب المال الحلال لنحل به مشكلات المسلمين، وما أكثرها، إن أرادوا إضلالنا فينبغي أن نؤصل قواعد الدين، وأن نعزز قيم المسلمين، وإن أرادوا إفسادنا فينبغي أن نأوي إلى مساجدنا لا إلى الملاهي والحانات، ولا إلى الأعمال الفنية التي تحيل الإنسان ثوراً هائجاً، وإذا أرادوا إذلالنا فينبغي أن نضع مصالحنا تحت أقدامنا في سبيل كرامتنا، وإن أرادوا اجتياح أرضنا كما يفعلون في فلسطين، يهدمون البيوت، ويقتلعون الأشجار، ويقتلون الأطفال ماذا نفعل؟ ينبغي أن نجاهد في سبيل الله، ولكن دققوا في هذين الحديثين، فقد يقول قائل: إن لم يتح لنا الجهاد ماذا نعمل؟ عن زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا ))

[ متفق عليه عن زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]

 القضية سهلة إن لم يتح لك أن تغزو وأن تحارب وأن تقاوم ادعم هؤلاء الأبطال بمالك فهذا كالغزو في سبيل الله، إن لم يتح لك أن تكون غازياً فارعَ أهل هذا الذي غزا، من خلّف غازياً بأهله بخير فقد غزا، ومن جهز غازياً فقد غزا، نحن مدعوون أيها الأخوة للتبرع للانتفاضة فحينما يدفع الإنسان بعض ماله كأنه قد شارك فيها.
 أيها الأخوة، هؤلاء الذين يدفعون دماءهم في سبيل قضيتهم ألا يجدر بنا أن ندفع بعض أموالنا إليهم؟ ألا يجدر بنا أن نواسي أطفالهم من بعدهم؟ أن نواسي أراملهم من بعدهم؟ ألا ينبغي أن نمدهم بالمال فلعل الله سبحانه وتعالى ينصرهم، وقد يخلق من الضعف قوةً، وقد ينصرهم نصراً تفضلياً أو استحقاقياً.
 أيها الأخوة الكرام، إن لم يتح لنا أن نجاهد فلنجهز غازياً، إن لم يتح لنا أن نقاوم فلنجهز مقاوماً، إن لم يتح لنا أن نجاهد فلنخلف غازياً بأهله بخير، وأرجو الله سبحانه وتعالى واليوم في جميع مساجد القطر تجمع التبرعات من أجل الانتفاضة.
 أيها الأخوة الكرام، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، و زنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، و اعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، و العاجز من أتبع نفسه هواها، و تمنى على الله الأماني.

* * *

الخطبة الثانية :
 أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

من كان مع الله كان الله معه :

 أيها الأخوة، فاتتني نقطة دقيقة جداً في الخطبة الأولى أضيفها إليكم، تصور كتلة من الحديد تتحرك نحوك، وأنت وراءك جدار، ولا تستطيع أن تحيد يمنة ولا يسرة، لابد من أن تسحق سحقاً كاملاً هذا معنى قوله تعالى:

﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾

[ سورة إبراهيم: 46]

 تصور كتلة من الحديد تتحرك نحوك، وأنت وراءك جدار لا تستطيع التحرك لا يمنة ولا يسرة، وهي قادمة نحوك، ثم تبين لك أن هذه الكتلة تتحرك بالقوة الكهربائية، وأنه إلى جانبك زر صغير لو ضغطه لقطعت الكهرباء عن هذه الكتلة ماذا تفعل؟ هل تتردد ثانية في إطفاء هذا الزر؟ إن تركت هذه الكتلة تتحرك سحقتك نماماً:

﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾

[ سورة إبراهيم: 46]

 أي زر هذا؟ قال تعالى:

﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً﴾

[ سورة آل عمران: 120]

 قطعت الكهرباء توقفت، يقف كيدهم، يقف مكرهم، تقف صواريخهم، تقف مروحياتهم المتطورة، تقف طائرات الشبح، تقف القنابل العنقودية، تقف قنابل النابالم، تقف القنابل الذكية، تقف القنابل الانشطارية، كل هذه التي تجعل الحياة دماراً أنت لمجرد أن تتقي الله عز وجل، وأن تصبر أخبرك الله عز وجل وهو أصدق القائلين أن كل كيدهم ينتهي، وأنه يحميك، وأنه ينصرك، وأنه يؤيدك، ألا تحب أن يكون الله معك؟ إذا كان الله معك فمن عليك؟ قوة غاشمة في فلسطين بيد الله عز وجل إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان الله عليك فمن معك؟ ليس معك أحد، ألا تحب أن يكون الله معك، اسمعوا هذه الآية دققوا فيها، وهي بمنزلة كبسة زر ثانٍ:

﴿وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ﴾

[ سورة المائدة: 12]

 إذا كان خالق السموات والأرض كون فيه مليون مليون مجرة، وكل مجرة فيها مليون مليون نجم، وبين بعض المجرات عشرون مليار سنة ضوئية، هذا الخالق العظيم سيكون معك إذا كنت معه، قال تعالى:

﴿وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً﴾

[ سورة المائدة: 12]

 معية الله لها ثمن بين يديك، ألا تحب أن يكون الله معك؟ ألا تحب أن تكون منتصراً؟ قال تعالى:

﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ﴾

[ سورة الروم : 4-5]

 النصر مسعد أيها الأخوة، ألا تحب أن يكيد الله لك لا أن يكيد عليك؟ ألا تحب أن يعطيك الله ولا يحرمك؟ أن ينصرك ولا يخذلك؟ أن يكون معك ولا يكون عليك؟ قال تعالى:

﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً﴾

[ سورة آل عمران: 120]

 ما رأيكم بهذه الآية التي تحل مشكلات العالم الإسلامي كله؟ إذا كنت لست مستعداً أن تغض بصرك عن محارم الله، وأن تدع هذه الملهيات التي تحيل الأسرة كلها إلى كتلة شهوات، إذا كنت لست مستعداً أن تدع هذه البرامج التي تجعل الخطيئة في كل بيت، إذا كنت لست مستعداً أن تحرر دخلك من الحرام فانتظر، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ قَالَ:

(( قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدِّثْنِي بِأَمْرٍ أَعْتَصِمُ بِهِ، قَالَ: قُلْ رَبِّيَ اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقِمْ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَخْوَفُ مَا تَخَافُ عَلَيَّ ؟ فَأَخَذَ بِلِسَانِ نَفْسِهِ ))

[ مسلم عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ]

 والله هذا لسان حال المسلمين نريد أخف من ذلك، إن أردتم أخف من ذلك فاستعدوا للبلاء. كتلة مخيفة تتحرك نحوك تسحقك سحقاً كاملاً، زر إلى جانبك اضغط على هذا الزر تقف هذه الكتلة، قال تعالى:

﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً﴾

[ سورة آل عمران: 120]

﴿وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً﴾

[ سورة المائدة: 12]

 اذهب إلى بيتك، ابحث عن كل معصية، عن كل مخالفة، انظر إلى خروج بناتك، انظر إلى خروج زوجتك، انظر إلى دخلك من أين اكتسبته؟ من حرام؟ بأسلوب حرام؟ من بضاعة محرمة؟ من علاقة محرمة؟ من كذب وغش وتدليس واحتكار؟ انظر حرر دخلك حتى تكون مستجاب الدعوة.

 

الآلام التي نعانيها توقظنا و تدعونا إلى الصحوة المنهجية :

 أيها الأخوة، نحن في أمس الحاجة إلى أن يكون الله معنا لأن العالم كله ضدنا، مؤتمر عقد في جنوب أفريقيا من أجل العنصرية، إذا كان في توصيات المؤتمر كلمة تشير إلى أن إسرائيل دولة عنصرية تنسحب أوربا كلها من هذا المؤتمر، ما شاء الله عنصرية صارخة، إجرام صارخ، تقتيل صارخ، إذا كان في توصيات المؤتمر إشارة إلى أن إسرائيل دولة عنصرية تنسحب المجموعة الأوربية كلها من المؤتمر كما انسحبت أمريكا وإسرائيل قبل يومين، العالم كله ضد المسلمين، ليس لنا إلا الله، لكن إذا كان الله معنا فعلنا كل شيء، إذا كان الله معك فمن عليك؟ كل هذه الدول العظمى بأسلحتها الفتاكة وبحقدها الشديد كن فيكون، زل فيزول، صيحة واحدة تأخذهم.
 أيها الأخوة الكرام، تصور أن رافعة أساسها وشيعة مغناطيسية وهي تحمل آلاف الأطنان لمجرد أن يقطع العامل الكهرباء عنها كل هذه الأطنان تسقط هكذا، ولمجرد أن يلغي الله إمداده إليها تسقط كل هذه القوى، قال تعالى:

﴿مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

[ سورة هود : 55-56]

 أيها الأخوة الكرام، اعتقدوا معي تماماً أن هذه الآلام التي نعانيها جزء من النصر إن شاء الله، إنها توقظنا، إنها تدعونا إلى الصحوة المنهجية، إنها تدفعنا إلى أن نعيد حساباتنا، إلى أن نمحص أعمالنا، إلى أن نفحص دخلنا، نفحص علاقاتنا، آن الأوان أن ننهض نحن أمة شرفها الله بهذا الدين العظيم، وقال عنها:

﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾

[ سورة آل عمران: 110]

 نحن أمة نحتاج إلى أن نصطلح مع الله، إن لم يصطلح الناس جميعاً اصطلح أنت وحدك مع الله ولك معاملة خاصة.

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت، و عافنا فيمن عافيت، و تولنا فيمن توليت، و بارك اللهم لنا فيما أعطيت، و قنا و اصرف عنا شرّ ما قضيت، فإنك تقضي بالحق و لا يقضى عليك، و إنه لا يذل من واليت، و لا يعز من عاديت، تباركت ربنا و تعاليت، و لك الحمد على ما قضيت، نستغفرك و نتوب إليك، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك، اللهم أعطنا و لا تحرمنا، أكرمنا و لا تهنا، آثرنا و لا تؤثر علينا، أرضنا و ارض عنا، اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا و بين معصيتك، و من طاعتك ما تبلغنا به جنتك، و من اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا اللهم بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا و اجعله الوارث منا، و اجعل ثأرنا على من ظلمنا، و انصرنا على من عادانا، و لا تجعل الدنيا أكبر همنا، و لا مبلغ علمنا، و لا تسلط علينا من لا يخافك و لا يرحمنا، مولانا رب العالمين، اللهم صن وجوهنا باليسار و لا تبذلها بالإقتار فنسأل شر خلقك و نبتلى بحمد من أعطى و ذم من منع و أنت من فوقهم ولي العطاء، و بيدك وحدك خزائن الأرض و السماء، اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين، اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب، و ما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب، اللهم إنا نعوذ بك من الفقر إلا إليك، و من الخوف إلا منك، و من الذل إلا لك، نعوذ بك من عضال الداء، و من شماتة الأعداء، و من السلب بعد العطاء، مولانا رب العالمين، اللهم بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق و الدين، و انصر الإسلام و أعز المسلمين، و خذ بيد ولاتهم إلى ما تحب و ترضى، إنك على ما تشاء قدير و بالإجابة جدير.

تحميل النص

إخفاء الصور