وضع داكن
29-03-2024
Logo
الخطبة : 0841 - حلاوة الإيمان - النظام الاجتماعي في مجتمع النمل .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:

 الحمد لله نحمده ونعوذ به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه، وعلى ذريته، ومن واله، ومن تبعه إلى يوم الدين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وارنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

زوال السموات والأرض أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين :

 أيها الأخوة الكرام، إذا قرأ المسلم القرآن وجد أن وعود الله عز وجل محققة دائماً، بل إن زوال السموات والأرض أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين، وعوده واقعة قطعاً، بينما توعده يقع أو لا يقع رحمة بالعباد، فإذا وجدت في القرآن أن الله عز وجل يقول:

﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة الروم: 47 ]

﴿وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾

[ سورة الصافات: 173 ]

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾

[ سورة النور: 55 ]

 لو قرأت هذه الآيات لأخذك العجب، والله لا استخلاف، ولا تمكين، ولا تطمين، ولا نصر، المشكلة كيف نفسرها ؟ كيف نفسر هذا التباعد بين وعود الله في القرآن الكريم للمؤمنين وبين حالة المسلمين اليوم؟ الحقيقة الذين يعملون في حقل الدعوة يجتهدون، كل يجتهد ليقدم تفسيراً مقنعاً لهذه الظاهرة العجيبة، وعود ضخمة جداً من قبل خالق الأكوان، وواقع سيئ جداً يراه الإنسان كل يوم، أي أن كل ثمار الدين التي وعد الله بها المؤمنين ليست في متناول أيدي المسلمين، لو نظرت إلى حالهم شيء لا يصدق من الضعف، من التمزق، من القلق، من القهر، من الفقر، من الذل أحياناً، وقد يسأل سائل كيف نفسر هذا؟

 

الفرق بين حلاوة الإيمان و حقائق الإيمان :

 أيها الأخوة الكرام، يقول النبي عليه الصلاة والسلام:

((ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان))

[متفق عليه عن أنس ]

 نقف عند كلمة حلاوة، للإيمان حقائق وله حلاوة، حلاوة الإيمان هي التي يفتقدها المسلمون في هذا العصر، حلاوة الإيمان، أي الثمار النفسية للإيمان، حلاوة الإيمان شيء، وحقائق الإيمان شيء آخر، قد تكون حقائق الإيمان في متناول أي مسلم، ولكن حلاوة الإيمان ليست بين يديك، ألا ترى إنساناً قانعاً أشد القناعة أن الدخان يؤذيه، كيف يدخن؟ كيف نفسر أن إنسانًا يعمل في حقل الطب ويدخن؟ وهو يعلم علم اليقين أن هذا الدخان يدمر صحته كيف يدخن؟ قناعته في أعلى مستوى، ولكن إرادته في أدنى مستوى، ما الذي يقوي إرادته؟
 هنا السؤال، ما الذي يقوي إرادته؟ يقول عليه الصلاة والسلام:

((ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان))

[متفق عليه عن أنس ]

 حلاوة الإيمان أيها الأخوة الكرام هي ثمرة الإيمان، أليس من تعريف العبادة أنها طاعة طوعية تسبقها معرفة يقينية تفضي إلى سعادة أبدية، حلاوة الإيمان هي السعادة في الدنيا والآخرة، حلاوة الإيمان هي جنة القرب، حلاوة الإيمان هي السكينة التي تتنزل على قلوب عباده المؤمنين، حلاوة الإيمان هي العناية الإلهية التي تأخذ بيد عباده إلى سعادة الدنيا والآخرة، حلاوة الإيمان هي القوة التي تستطيع أن تتحمل بها الشدائد، حلاوة الإيمان هي القوة التي تدفعك على متابعة السير، حلاوة الإيمان هي الراحة النفسية الحقيقية التي ضلّ طريقها معظم المسلمين، حلاوة الإيمان أن تقول: والله ليس في الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني، حلاوة الإيمان تمنحك سكينة وطمأنينة، حلاوة الإيمان تمنحك أمناً.

﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾

[ سورة الأنعام: 81 ـ 82 ]

 ما من نعمة ينعم الله بها على الإنسان كنعمة الأمن، ألا تتوقع الشر، ألا تتوقع الدمار، أن تكون واثقاً من عناية الله، أن ترى أن المستقبل لصالحك.

﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا﴾

[ سورة التوبة: 51 ]

﴿قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ﴾

[ سورة التوبة: 52 ]

 هذه مشاعر الإيمان، مشاعر الإيمان أقوى من كل مشكلة، مشاعر الإيمان أقوى من كل بلاء، مشاعر الإيمان بها تتخطى العقبات، بها تتجاوز الصعوبات، بها تتحمل التبعات، بها تقوى على عدوك، بها تقارعه، حلاوة الإيمان اجتهاد، نفتقد حلاوة الإيمان، بين أيدينا حقائق الإيمان، ما من مسلم إلا ويصلي الجمعة، لأنها فريضة تعليمية وحيدة في الإسلام، وما من مسلم إلا وبين يديه مئات الحقائق الإيمانية، يعلم أن الجنة حق والنار حق، وأن الله واحد وموجد وكامل، وأن شرعه هو الشرع القويم، وأن قرآنه هو الكتاب الكريم، حقائق الإيمان بين أيدي الناس جميعاً ولكنهم لا يقطفون ثمار الإيمان.

 

السبيل الموصلة إلى حلاوة الإيمان :

 أيها الأخوة، ما السبيل إلى أن نصل إلى حلاوة الإيمان؟ هناك حديثان في الصحاح الحديث الأول:

(( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار))

[متفق عليه عن أنس ]

((... ذاق طعم الإيمان ))

[مسلم عن عبد المطلب ]

 وقد قال شراح الحديث: طعم الإيمان هو حلاوة الإيمان.

((ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا،وبمحمد رسولا))

[مسلم عن عبد المطلب ]

 حديثان يتعلقان بحلاوة الإيمان، حلاوة الإيمان تعطيك القوة، قوة المتابعة، حلاوة الإيمان تعطيك قوة التحمل، حلاوة الإيمان تعطيك سعادة لو اطلع عليها ملوك الأرض لقاتلوك عليها بالسيوف، حلاوة الإيمان أن تقول كما قال بعض العلماء: في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، حلاوة الإيمان كما قال بعض العلماء: بستاني في صدري فماذا يفعل أعداء بي؟ لو أبعدوني فإبعادي سياحة، لو حبسوني فحبسي خلوة، لو قتلوني فقتلي شهادة، فماذا يفعل أعدائي بي؟ يفتقد المسلمون حلاوة الإيمان، يصلون ويصومون ويحجون ويزكون، وقد اختصروا دينهم إلى هذه العبادات الخمس، أما حياتهم في بيوتهم، في أسواقهم، في أعمالهم، في كسب أموالهم، في إنفاق أموالهم، في أفراحهم، في أتراحهم، في حلهم، في ترحالهم، فليست على منهج الله، لذلك حرموا حلاوة الإيمان، يتفلسفون في الدين، يتكلمون، يتصدرون المجالس، مفكر إسلامي فلان ثقافته إسلامية، نزعته إسلامية، اهتماماته إسلامية، خلفيته إسلامية، أرضيته إسلامية، ولكن ليس مسلماً بالتعريف الدقيق الذي جاء في الكتاب والسنة.
 أيها الأخوة الكرام، كيف نصل إلى حلاوة الإيمان؟ حلاوة الإيمان تقوي إرادتك، كأني ألخص المشكلة، أن هناك قناعة لا تكفي كي تطبق ما تعلم، لا بد من إرادة قوية، من الذي يقوي هذه الإرادة؟ حلاوة الإيمان، من الذي يجعلك تقبع في محل تجاري متواضع، قميء، بارد في الشتاء، حار في الصيف إلا ضخامة الغلة التي تأخذها كل يوم، ما الذي ينسي التاجر التعب؟ حينما يرى مبيعاته في أعلى مستوى، حلاوة الإيمان هي التي تقوي الإرادة، المسلمون تنقصهم الإرادة، قناعتهم كثيرة، لأن أمور الدين أصبحت واضحة وضوح الشمس، يتلقاها الإنسان في المسجد، وفي الكتاب، وفي الشريط، وفيما يرى، وفيما يسمع، وكل الأحداث التي تقع تؤكد حقيقة الإيمان، الأمور واضحة وضوح الشمس.

الحياة الطيبة التي وعد الله بها المؤمنين لا تتاح إلا لمن استقام على أمره :

 الناس على اختلاف مللهم ونحلهم واتجاهاتهم ونزعاتهم وأجناسهم وطوائفهم ومذاهبهم لا يزيدون على رجلين، إنسان آمن بالآخرة، آمن بالجنة، فاتقى أن يعصي الله، وبنى حياته على العطاء، فلما أعطى سعد بعطائه، وإنسان كفر بالجنة، وآمن بالدنيا فقط، الدنيا هي كل شيء، لذلك استغنى عن طاعة الله، وبنى حياته على الأخذ، مع هذا الأخذ هناك الكآبة، من منكم يصدق أن مرض الكآبة يعم الأرض كلها؟ من منكم يصدق أن الذي يعانون من أمراض نفسية أعدادهم فلكية؟ في كل مجتمع، الكآبة هي عقاب النفس حينما تنحرف عن فطرتها، فطرتك أن تطيع الله، فطرتك أن تلجأ إلى الله، أن تعتمد عليه، أن تتوكل عليه، أن تخلص له، أن تتصل به، أن تناجيه، هذه فطرتك، فإذا ابتعدت عن فطرتك، أول عقاب يعاقب به الإنسان الكآبة، بالتعريف المعاصر، بالتعريف القرآني.

﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾

[ سورة طه: 124 ]

 وهذه الكآبة لا تخص الفقراء تطول الأغنياء، لا تخص الضعفاء تطول الأقوياء، الكآبة مرض العصر، الكآبة عقاب الفطرة، الكآبة نتيجة حتمية للإعراض عن الله عز وجل، إن الله يعطي الصحة والذكاء والمال والجمال للكثيرين من خلقه ولكنه يعطي السكينة بقدر لأصفيائه المؤمنين، قد تملك أطراف الدنيا، وقد تكون أغنى إنسان في الأرض، وقد تكون أقوى إنسان في الأرض، وقد تكون أجمل إنسان في الأرض، ومع ذلك يمكن أن تكون أشقى إنسان في الأرض، لأن الحياة الطيبة التي وعد الله بها المؤمنين هذه لا تتاح إلا لمن استقام على أمر الله.

﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾

[ سورة النحل: 97 ]

 وزوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين.

 

من آثر طاعة الله و رسوله على مصالحه ذاق حلاوة الإيمان :

 أيها الأخوة الكرام:

(( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ...))

[متفق عليه عن أنس ]

 لو سألت ألف مليون مسلم ألا تحب الله ورسوله؟ يقول: بلى، ليس هذا هو الجواب، أن يكون الله في قرآنه، ورسوله في سنته، أحب إلى هذا الذي يذوق حلاوة الإيمان مما سواهما، حينما يتعارض النص الشرعي مع المصلحة فتضع المصلحة تحت قدمك، وتنحاز إلى النص الشرعي، حين تضحي بمصالحك، تضحي بدنياك، تضحي بشهواتك، تضحي بأقرب الناس إليك، حينما يتعارض الأمر الإلهي في القرآن والأمر النبوي في السنة مع مصلحتك المتوهمة القريبة فتؤثر طاعة الله وطاعة رسوله عندئذٍ تذوق حلاوة الإيمان، آية كريمة تؤكد هذا المعنى:

﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ﴾

[ سورة التوبة: 24 ]

 بمعنى أن الأب لو أمرك بمعصية، وهددك إن لم تفعل فسأحرمك من مالي، لو انصعت لأمره وحرصت على ما ينالك من هذا الأب وعصيت الله وأطعت الأب:

﴿قُلْ إِنْ كَانَ ءَابَاؤُكُمْ﴾

[ سورة التوبة: 24 ]

 بهذا المعنى:

﴿قُلْ إِنْ كَانَ ءَابَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ ﴾

[ سورة التوبة: 24 ]

 إذا كان ابنك في أعلى مستوى في الدنيا وليس فيه ذرة من إيمان وأنت راضٍ عنه، وأنت قرير العين به، ولا يعنيك أمر إيمانه إطلاقاً، ولا أمر استقامته، أي آثرت أن تفتخر به على صلاح آخرته هذا هو المعنى الثاني:

﴿قُلْ إِنْ كَانَ ءَابَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ ﴾

[ سورة التوبة: 24 ]

 لو أنك في عمر متقدم وأنت عند ابنك وهو ينفق عليك، وابنك لا يطبق من الدين شيئاً، وأنت راضٍ عنه، بل حملك على أن تعصي الله، بل دفعك إلى معصية، بل أرغمك على معصية، فهذا المعنى مما تعنيه هذه الكلمة.

﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا ﴾

[ سورة التوبة: 24 ]

 تجارة رابحة جداً ولكن البضاعة محرمة، دخل عريض ولكن على حساب استقامتك، كم من مسلم يؤثر كسب المال على طاعة الرحمن؟!

﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا﴾

[ سورة التوبة: 24 ]

 التجارة كاسدة، لابد من طريقة ليست إسلامية في تسويق البضاعة، وهذه الطريقة فيها معصية، آثرت أن تعصي الله، وتسوق تجارتك على أن تطيعه وتكسد تجارتك.

﴿وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا﴾

[ سورة التوبة: 24 ]

 بيت مغتصب لكنه مريح و واسع، في موقع جيد، وأجرته زهيدة جداً، وأنت لست بحاجة أن تغتصب بيتاً، ( وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا ) إن كان الآباء والأبناء والأخوة والأخوات والزوجة والعشيرة والأموال الطائلة والتجارة والمساكن أحب إليكم من الله ورسوله، مرة ثانية عند التعارض.

﴿أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا﴾

[ سورة التوبة: 24 ]

 معنى تربصوا أي الطريق إلى الله ليست سالكة، هذه المؤاثرة مؤاثرة الدنيا على طاعة الله حجاب بينكم وبين الله، وهذا حال معظم المسلمين، آثروا دنياهم على آخرتهم، يصلون ويصومون، يؤتى بأناس يوم القيامة لهم أعمال كجبال تهامة يجعلها الله هباء منثوراً، قيل: يا رسول الله جلهم لنا؟ قال: إنهم يصلون كما تصلون، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها، لابد من أن نذوق حلاوة الإيمان حتى نقوى على الشيطان، لابد من أن نذوق حلاوة الإيمان حتى نقوى على العدوان، لابد من أن نذوق حلاوة الإيمان حتى نقوى على أنفسنا وعلى شياطين الإنس والجن، وعلى مصالحنا المتوهمة، وعلى دنيانا العريضة:

(( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ))

[متفق عليه عن أنس ]

((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده، ووالده، والناس أجمعين ))

[متفق عليه عن أنس ]

 هذا هو الإيمان، لأنك موعود بجنة عرضها السموات والأرض، إنك موعود بجنة فيها ما لا عين رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، هذا هو الإيمان، أدق شيء في الحديث عند التعارض، حينما تتعارض مصالحك المتوهمة مع أمر الله وأمر النبي وتؤثر طاعة الله عز وجل عندئذٍ تذوق حلاوة الإيمان، وعندئذٍ دققوا: تخضع لمنظومة قوانين لا تعلمها، قوانين العناية الإلهية، لا يفوتك من الدنيا شيء إن كانت الحكمة كذلك، تنال رضا الله عز وجل وتنال الدنيا، ولو نلت رضا الله ولم تنل الدنيا فأنت الرابح الأكبر، العبرة أن تكون في طاعة الله، كفاك على عدوك نصراً أنه في معصية الله.

 

الحبّ في الله و الحبّ مع الله :

 البند الثاني أيها الأخوة:

((وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ))

  أن تحب في الله لا أن تحب مع الله، أن تحب من يحب الله، ولو نالك منه الأذى، وأن تبغض من لا يطيع الله، ولو نالك منه الخير، هذا الولاء والبراء، الولاء يعني أن تحب، والولاء يعني أن تتبع، والولاء يعني أن تنصر، والولاء يعني أن تكون مع الذي تحب في المصير، لذلك أحد العلماء الكبار يقول: هناك حب في الله، وحب مع الله، أن تحب رسول الله حب في الله، لأن الأصل أنك تحب الله، وأن تحب المؤمنين، وأن تحب المساجد، وأن تحب القرآن الكريم، وأن تحب كل ما يمت للدين بصلة، هذا حب في الله، وهو عين التوحيد، وأما أن تحب أهل الدنيا لما عندهم من أموال، ولما يتمتعون به من قوة، فهذا حب مع الله وهو عين الشرك.
 فالبند الثاني أن يحب المرء لا يحبه إلا لله، والولاء يعني أن تتولى المؤمنين ولو كانوا فقراء وضعفاء، وأن تتبرأ من المشركين ولو كانوا أغنياء وأقوياء، وكم من المسلمين من يلتصق بأهل الدنيا وهم لا يصلون، يلتصق بهم، يعينهم، أو يستمد من قوتهم قوة، هو يفعل فعلاً هو عين الشرك.

 

امتحان الله عز وجل لمن يعبده على حرف :

 أيها الأخوة الكرام، وأن تكون في الأعماق: وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يلقى في النار، هذا الذي يعبد الله على حرف مادامت الأمور تجري كما يريد هو في طاعة الله، فإذا لم تكن كذلك هو في معصية الله، هذا يعبد الله على حرف، والله سبحانه وتعالى لابد من أن يمتحنه امتحاناً صعباً ولابد من أن يفرزه.

﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾

[ سورة آل عمران: 179 ]

 أيها الأخوة الأحباب:

((وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار))

[متفق عليه عن أنس ]

 هذه الأمور الثلاثة إذا كانت في المؤمن ذاق حلاوة الإيمان، وإذا ذاق حلاوة الإيمان ازداد تمسكاً بالإسلام، ومقاومة للشياطين، ومقاومة للشهوات، ومقاومة للمصالح الضعيفة.
 أيها الأخوة الأحباب، مصلحتك أن تكون مع الله إذا آثرت طاعة الله على مصلحتك قد يكافئك الله برضوانه، وأن تكون في الدنيا من المتفوقين، وإن نالك رضوان الله فأنت الرابح الأول.

 

من رضي بالله رباً و بالإسلام ديناً و بمحمد نبياً فقد ذاق حلاوة الإيمان :

 الحديث الثاني:

((ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً،....))

[مسلم عن عبد المطلب ]

 أي من قنع أن الله هو رب العالمين، خالق السموات والأرض، بيده ملكوت السموات والأرض، واحد لا شريك له، يرفع ويخفض، يعطي ويمنع، يكرم ويهين، يصل ويقطع، الأمر بيده، حينما توحد، حينما ترضى أن الله بيده كل شيء تقنع، وحينما تسلم لهذه القناعة، وحينما تكتفي، ولا تبحث عن جهة أخرى، وحينما لا تطلب غير الله عز وجل ولياً ونصيراً فقد رضيت بالله رباً، وحينما ترضى بالإسلام ديناً أن هذا المنهج منهج كامل صالح لكل زمان ومكان يحقق لك أعلى أنواع السعادة، تكتفي بالإسلام، ولا تتطلع إلى مناهج أخرى، إلى مناهج مادية مستوردة تشقي الإنسان، ينبغي أن ترضى، أي أنك مقتنع ومكتف ولا تتطلع لغير الله عز وجل، قانع فاعلم أنه لا إله إلا الله، ومكتف لا تنظر إلى جهة أخرى، أي رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، عندئذٍ تذوق حلاوة الإيمان، إذا ذقت حلاوة الإيمان قويت إرادتك، لا تكفي قناعتك بل تحتاج إلى إرادة قوية، وما يقوي الإرادة كأن تذوق حلاوة الإيمان، والحديث عن حلاوة الإيمان حديث طويل، وفيه عدة نصوص صحيحة اخترت لكم هذين النصين كي يكونا باعثين لنا جميعاً إن شاء الله تعالى على تقوية إيماننا بأن نذوق حلاوة الإيمان.
 أيها الأخوة الكرام، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه، وعمل لم بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني.

* * *

الخطبة الثانية :

 الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

توافق فطرة الله مع الدّين توافقاً تاماً :

 أيها الأخوة الكرام، حينما يقول الله عز وجل:

﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة الروم : 30]

 فطرة الله جلّ جلاله متوافقة مع الدين توافقًا تاماً، فأنت لمجرد أن تعود إلى الله، وأن ترجع إليه، وأن تستقيم على أمره، وأن تقبل عليه عدت إلى فطرتك، وارتاحت نفسك، وتوازنت، واستقرت، وسعدت، وأمنت، ولكن حينما تنطمس الفطرة، الفطرة قد تنطمس.

﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾

[ سورة المطففين : 14]

 تحتاج إلى ما يقوي إيمانك بعد انطماس الفطرة، نتحدث عن إيمان ضعيف من نتائجه خلل في الاستقامة، أو إيمان قوي من ثماره تمسك قوي بأحكام الدين، فحينما يضعف الإيمان ينبغي أن تعرف من هو الله، لذلك بث الله في قرآنه ما يزيد عن ألف وثلاثمئة آية تتحدث عن خلقه في الآفاق، وفي النفس، وفي الأرض.

﴿وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ ﴾

[ سورة الذاريات : 20]

﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾

[ سورة الذاريات : 21]

﴿قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾

[ سورة يونس : 101 ]

 فحينما تجهد في التعرف إلى الله سبحانه وتعالى فضلاً عن الفطرة، حينما تتعرف إلى الله من خلال خلقه، لا بد من أن تعود بقناعة عالية جداً أن الله واحد وكامل وموجود، وأن الأمر كله بيده، فحينما ترى أن إيمانك لا يحملك على طاعته فهناك ضعف في إيمانك، لا بد من تقوية إيمانك بالتفكر في خلق السموات والأرض لأن الله سبحانه وتعالى حينما يقول:

﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾

[ سورة آل عمران: 190-191]

 ذكر الله من آياته في خلقه النمل:

﴿قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾

[سورة النمل : 18]

النظام الاجتماعي في مجتمع النمل :

 عالم وصل إلى نتائج لا تصدق عن حياة النمل، يقول: إن النمل يعد من أقدر الحيوانات على التكيف مع ظروف البيئة التي يعيش فيها، ويعمل على تحسين حياته بشكل يبعث على الدهشة، كما أن له علاقات اجتماعية حميمة تتجسد هذه الحقائق في تعاون النمل في بناء أحياء سكنية تستوعب أكبر عدد ممكن من الأفراد، الأحياء السكنية التي يبنيها النمل بلا ضجيج، وبلا تلوث، وبلا تصادم في الحركة، تزيد عن خمسين مليون نملة، وكر النمل يستوعب ما يزيد عن خمسين مليون، بلا ضجيج، ولا تلوث، ولا تصادم، ولا مشكلات، نظام النمل الاجتماعي لا يصدق، بل هو من أعلى الأنظمة في الأرض.
 أيها الأخوة الكرام، حقائق كثيرة لا يتسع المجال لذكرها على هذا المنبر، لكن تؤكد أن الله سبحانه وتعالى من الآيات الدالة على عظمته النظام الاجتماعي الذي يعيشه النمل في تناصح، في تجريد، في زراعة، في بناء مساكن.
 هناك نمل يعيش على العمل الدؤوب، ونمل يعيش على العدوان والاغتصاب، والحديث عن النمل يطول، ولكن أريد أن تكون هذه الحقيقة ناصعة، إن النظام الاجتماعي الذي يعيشه النمل هو أمر تكويني، لا اختيار له فيه، بينما النظام الاجتماعي الذي أمرنا به نحن بالكتاب والسنة هو أمر تكليفي قد نطبق وقد لا نطبق، ولكن أتمنى على كل منا أن يجول فكره في هذه الآيات الذي ذكرها الله في القرآن الكريم، والتي تزيد عن ألف و ثلاثمئة آية، لعله بهذا الخلق المبدع المعجز يشعر أن الله جل جلاله ينبغي أن يطيعه، وأن يؤوب إليه، وأن يخلص له.

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارضَ عنا، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق الدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى، إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور