وضع داكن
18-04-2024
Logo
الخطبة : 0640 - من نفس عن مؤمن كربة2 - الإعانة - ليلة النصف من شعبان.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:
 الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنـا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته وإرغامـاً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر أو سمعت أذن بخبر. اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين. اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحــق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممــــن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

الإعانة :

 أيها الأخوة الكرام: في الخطبة السابقة بدأت في شرح حديث شريف، يقول عليه الصلاة والسلام:

((مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ ))

[ مسلم عن أبي هريرة]

 وبينت بفضل الله عز وجل أن هناك قانوناً هو قانون الجزاء الرباني، والجزاء من جنس العمل، ولهذا الحديث تتمة، ثم يقول عليه الصلاة والسلام:

((..وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ ))

[ مسلم عن أبي هريرة]

 الإعانة أيها الأخوة المطلوبة هي الإعانة على تحصيل أمر مأذون به شرعاً، أو تحصيل أمر فيه طاعة لله عز وجل، الإعانة تدخل تحت قوله تعالى:

﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾

[سورة المائدة: 2]

 لابد من جمع النصوص، أن تأخذ حديثاً بمفرده، وأن تفهمه من دون استهداء بفهم العلماء العاملين المخلصين، الفهم القاصر، أن تطلقه إطلاقاً وقد قيد بأحاديث أخرى، فهذا فهم لا يُقبل، لذلك قال تعالى:

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة النحل: 43]

﴿ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً ﴾

[ سورة الفرقان: 59]

 الإعانة المطلوبة، المقيدة بآية كريمة - وتعاونوا على البر والتقوى - هي الإعانة على تحصيل أمر مأذون به شرعاً، أو تحصيل أمر في طاعة لله عز وجل، هذا هو القيد الذي لابد من أن نلحظه من خلال نصوص كثيرة، آيات وأحاديث.

 

البر و التّقوى :

 أيها الأخوة الكرام: وتعاونوا على البر والتقوى؛ البرُّ بشكل تفصيلي صلاح الدنيا، والتقوى صلاح الآخرة، التقوى أن تتقي غضب الله، أن تتقي سخط الله، أن تتقي عقاب الله، أن تتقي النار، كيف تتقي العقاب والسخط والنار؟ بطاعته، فالتقوى تقابل الطاعة.
 والبر أن تعمل على صلاح حال المسلمين؛ إنشاء المستشفيات، المدارس، المعاهد، المياتم، الضمانات الصحية، أي شيء يصلح حال المسلمين، يرفع من شأنهم، يقوي جمعهم، يحل مشكلاتهم، يطعم فقراءهم، يؤوي أيتامهم، أي شيء من هذا القبيل ينضوي تحت كلمة وتعاونوا على البر والتقوى.
 أيها الأخوة الكرام: ماذا تنتظر من الله إذا أعنت مؤمناً؟ إذا أعنت مسلماً؟ إذا أعنت أخاً لك في الإنسانية؟ ماذا تنتظر؟.. انطلاقاً من أن الجزاء من جنس العمل، أنت حينما تعين أخاً بمبلغ من المال، حينما تذهب إلى إنسان قوي فتشفع له في أمر مأذون به شرعاً، حينما ترد له حقه، حينما تعينه على النجاة من مرض عضال، حينما تنفق عليه، حينما تصلح شأنه، حينما توفق بينه وبين أهليه، حينما تعينه على قضاء حاجاته، أنت حينما تعين أخاً- إن شئت أن تقول في الإنسانية، المطلق على إطلاقه، أو أن تعين أخاً مؤمناً مقرباً إليك، أو أن تعيــن مسلماً من جموع المسلمين - أنت حينما تعين أخاً لك، ماذا تحقق لك؟.. شيء لا يُصدق، خالق السموات والأرض يعينك، المطلق بقدرته، بعلمه، بغناه، برحمته، يعنيك، أنت أعنت أخاك بمبلغ من المال، أعنته بجاهك، وقد كلفك هذا ساعات معدودات، أعنته بعلمك، أعنته بخبرتك، أعنته بعضلاتك، لكنك حينما تفعل هذا مع عبد من عباد الله، مع أخٍ لك في الإنسانية، أو مع أخ مؤمــــن مقرب إليك، أو مع مسلم من عداد المسلمين، ماذا حصلت؟.. حصلت شيئاً لا يقدر بثمن، حصلت مكسباً عظيماً جداً، حصلت أن خالق السموات والأرض الذي بيده كل شيء، والذي إليه يُرجع الأمر كله، والذي إذا قال لشيء كن فيكون، خالق السموات والأرض في عونك:

((..وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ ))

[ مسلم عن أبي هريرة]

الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه :

 أيها الأخوة الكرام: من عون الله لهذا المؤمن أن يُخلفه في تجارته، فيصرف عنه الصفقات التي تنتهي بإفلاسه، ويوفقه إلى صفقات يربح منها، ويعيش حياةً كريمة.
 يُخلفه في زراعته، يصرف عنه الكوارث الطبيعية، يخلفه في بيته.. كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا أراد سفراً يدعو بهذا الدعاء:

(( اللهم أنت الرفيق في السفر والخليفة في الأهل والمال والولد ))

[ورد في الأثر]

 إذا كان الله في عونك في بيتك، مع أولادك، مع زوجتك، مع مالك، مع تجارتك، إذا كان الله في عونك، في المستودعات التي تضع فيها بضاعتك، والله في عون العبد، يعينك في صحتك، في كل شؤون حياتك، يخلفك في تجارتك، في زراعتك، في صناعتك، في وظيفتك، يدافع عنك في غيبتك:

(( وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ ))

[ مسلم عن أبي هريرة]

 ألا تتمنى أن تكسب عون الله عز وجل؟ ألا تتمنى أن تخضع لهذا الحديث؟ ألا تتمنى أن يشملك هذا الحديث؟

(( وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ ))

[ مسلم عن أبي هريرة]

 لو أردت أن تطلق هذا الموضوع في أي أمر من أمور عباد الله، في أي شيء يخصه، يصنع الله له الخيرات، يرفعه إلى أعلى الدرجات، يحفظه، ينمي مكتسباته، فوق ما كان يصنع لنفسه. أي إذا إنسان قوي أراد أن يعينك شيء لا يصدق، إنسان من بني جلدتك، فإذا كان خالق الأكوان أراد أن يعينك في كل شؤون حياتك ثمن هذه المعونة أن تعين أخاً في الله، أن تفرج عنه كربة، أن تيسر على معسر، أن تستر مسلماً:

(( وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ ))

[ مسلم عن أبي هريرة]

معونة الله لا تُقدر بثمن و لا ينالها إلا المؤمن :

 أيها الأخوة الكرام: في هذا الحديث لفتة بلاغية رائعة (ما كان) هذه ما عند علماء النحو مصدرية ظرفية، أي أنت تستحق معونة الله مدة كونك تعين أخاك، فما كنت في عون أخيك فأنت خاضع لمعونة الله، فإذا تخليت عن هذه المعونة تخلى الله عنك، أنت حينما تعين أخاك أنت مشمول بمعونة الله، ومعونة الله لا تُقدر بثمن، ولا ينالها إلا المؤمنون، وإذا نالها المؤمن فشيء لا يصدق، خالق الأكوان بيده كل شيء، بيده أدق أجهزة جسمك، بيده كل الخلايا التي تعمل في جسمك، بيده كل الحواس الخمس، كل الأجهزة، بيده من حولك، بيده من دونك، بيده من فوقك، بيده رزقك، بيده سلامتك، بيده سعادتك، بيده قلبك، بيده طمأنينتك، فإذا أنت أعنت أخاً مسلماً، أو أخاً في الإنسانية، أو مخلوقاً أعنته، فقد استحققت معونة الله عز وجل. هناك أناس خصهم الله بالنعم، ربنا جل جلاله يثبتها بين أيديهم ما بذلوها، فإذا امتنعوا عن بذلها أخذها منهم وحولها إلى غيرهم. فالذي يعطي، والذي ينفق، والذي يعين، هذا من فضل الله عليك، إذا أراد ربك إظهار فضله عليك خلق الفضل ونسبه إليك. إن أعطاك الله مالاً، إن أعطاك الله صحة، إن أعطاك الله قوة، إن أعطاك الله علماً، إن أعطاك الله حكمةً، إن أعطاك الله طلاقة لسان، فهذه من فضل الله عز وجل، فإذا وظفتها بالحق استحققت معونة الله عز وجل، وشيء لا يُصدق ولا يُقدر بثمن أن تكون خاضعاً لرحمة الله، أن تكون مشمولاً بعناية الله، أن تكون مشمولاً بتوفيق الله، أن تكون مشمولاً بحفظ الله " وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ" أي مُدة كونه في عون أخيه فهو مشمول بعون الله عز وجل، فإذا أعطاك من يمنعه ثم من يعطي إذا ما منعك؟

﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾

[سورة فاطر: 2]

﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ﴾

[سورة الرعد: 11]

﴿ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ﴾

[سورة الحج: 18]

المؤمن يعيش للعمل الصالح :

 لذلك المؤمن ينطلق من شيء أساسي في حياته، هو أنه يعيش للعمل الصالح، بدليل أن الإنسان حينما يلقى الله عز وجل لا يندم إلا على تفريطه بالعمل الصالح:

﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾

[ سورة المؤمنون: 99-100]

 أيها الأخوة الكرام: هذه فقرة ثالثة من الحديث:

(( وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ ))

[ مسلم عن أبي هريرة]

 المنطلق منطلق تعاون، المنطلق إحسان، المنطلق أن تشيع الأمن بين الناس، أن تشيع الخير، أن تشيع الفضيلة، أن تعطي لا أن تأخذ، أن تكون عنصر أمان للناس، عنصر خير، عنصر بر، عنصر إسعاد، هذا هو المؤمن، مسعد، بنى حياته على العطاء، بينما غير المؤمن بنى حياته على الأخذ، بحق أو بغير حق، بشكل شرعي أو بشكل غير شرعي.

 

المؤمن يسعى إلى معرفة الله و تعلم القرآن وتعليمه :

 أيها الأخوة الكرام :

(( وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ))

[ابن ماجه عن أبي هريرة]

 سلك طريقاً، طريق الإيمان، طريق معرفة الواحد الديان، طريق معرفة كتاب الله، طريق معرفة سنة رسول الله، طريق معرفة الأحكام الفقهية، السيرة النبوية، طريقة معرفة ما يسعدك وما يشقيك، طريق معرفة وسائل الخلاص من هلاك الدنيا وهلاك الآخرة.
 وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا .. الإنسان حينما يكون قابعاً في بيته، ثم يرتدي ثيابه ويذهب إلى الطريق ليحضر مجلس علم، ليس في هذا المجلس لا ضيافة، ولا تعويض، ولا عطاء، ولا أي شيء من الدنيا، إنما يبتغي ليطلب علماً لله عز وجل، يعرف من هو؟ ولماذا خلقه؟ وما علة وجوده؟ وما غاية وجوده؟ وما المنهج الذي ينبغي أن يسير عليه؟.. وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا؛ كل الناس غادٍ ورائحٍ، انظر إلى الطريق صباحاً، كل الناس يسعى إلى هدف من أهداف الحياة، أما المؤمن فقد يسعى إلى معرفة الله، إلى طلب العلم، إلى تعلم القرآن وتعليمه:

(( وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ))

[ابن ماجه عن أبي هريرة]

 كلمة سهل، الله عز وجل ينتظر منك الخطوة الأولى، وعلى الله الباقي، ينتظر أن تبادل هذه المبادرة، ينتظر أن تقول: يا رب أريد أن أعرفك، يا رب عرفني بمن يعرفك، الإنسان خُلق ليعرف الله، خُلق ليسعد بقربه، فإذا سلك طريقاً يلتمس فيه علماً، والعلم أساس النجاح، أساس الإيمان، أساس الاستقامة، أساس العمل الصالح.. إن أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإن أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإن أردتهما معاً فعليك بالعلم. "

(( وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ ....))

[ابن ماجه عن أبي هريرة]

 على الله أن يسهل، أن يقرب البعيد، أن يذلل الصعب، أن يقدم لك ما تريد من معرفته. :

(( وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ))

[ابن ماجه عن أبي هريرة]

 العلماء قالوا: الالتماس التحسس المبالغ فيه للتعرف على الشيء.. معنى الالتماس أي تحسسته وبالغت في التحسس حتى تصل إليه.. إذاً ينبغي أن تفحص مصادر العلم، " إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم..". " ابن عمر دينك دينك إنه لحمك ودمك، خذ عن الذين استقاموا ولا تأخذ عن الذين مالوا ". يجب أن تتفحص، قال تعالى:

﴿ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾

[سورة يس: 21]

﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً ﴾

[سورة الأحزاب: 39]

 هذه علامة ثانية..

﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾

[سورة آل عمران: 18]

 هذه علامة رابعة..

﴿ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾

[سورة البقرة: 124]

 هذه علامة خامسة..

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[سورة فصلت: 33]

 هذه علامة سادسة.. الالتماس ؛ التحسس المبالغ فيه بالتعرف على الشيء.

 

الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق :

 أيها الأخوة الكرام: يجب أن تلتمس كل الطرق إلى الله عز وجل، طريق العلم.. العلم طريق، والتوبة طريق، والعمل الصالح طريق، وأداء العبادات طريق، وأداء الأذكار طريق " الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق " بالتوبة تصل إلى الله، وبأداء العبادات المتقنة تصل إلى الله، وببذل المال والوقت والجهد تصل إلى الله، وبطلب العلم تصل إلى الله..

(( وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ))

[ابن ماجه عن أبي هريرة]

 شيء آخر أيها الأخوة: إضافة إلى تعدد الطرق إلى الله هناك الوسائل قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾

[سورة المائدة: 35]

 أي شيء يقربك من الله فهو من الوسيلة، فالعمل الصالح وسيلة.

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ﴾

[سورة الكهف : 110]

 طلب العلم وسيلة، الاستغفار وسيلة، التوبة وسيلة..

 

الإنسان بقدر علمه وإخلاصه يصل إلى الدرجات العلى في الجنة :

 أيها الأخوة الكرام: بقي شيء في هذه الفقرة من الحديث هو أن الجنة درجات، قال تعالى:

﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾

[سورة الأنعام: 132]

 فأنت بقدر علمك، وبقدر إخلاصك، وبقدر سعيك، لبلوغ الدرجات العلى، تصل إلى الدرجات العلى في الجنة، علو الهمة من الإيمان.

﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾

[سورة التوبة: 100]

 قال تعالى:

﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾

[سورة الزمر: 9]

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾

[سورة المجادلة: 11]

 فبالعلم تصل إلى الإيمان، وبالعلم تبلغ أعلى درجات الإيمان، وبالعلم تصل إلى العبودية للواحد الديان، وبالعلم تبلغ مراتب الكمال، وبالعلم تبلغ درجة الخشية، وبالعلم تصل إلى التقوى.

 

إكرام الله تعالى لرواد المساجد ولزوار بيوته :

 الفقرة الأخيرة من الحديث وهذه تعنينا جميعاً:

((.. وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فيمن عِنْدَهُ.. ))

[ مسلم عن أبي هريرة]

 هذا بيت الله.. إن بيوتي في الأرض المساجد وإن زوارها هم عمارها، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني، قد لا تجد ضيافة في المسجد ولكن تجد فيه الأمن والطمأنينة، تجد فيه العلم والرضا والسعادة، هذه من إكرام الله تعالى لرواد المساجد ولزوار بيوت الله في الأرض.

((.. وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ .. ))

[ مسلم عن أبي هريرة]

 قال تعالى:

﴿ لَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾

[سورة البقرة: 121]

 وقد فسر بعض العلماء هذه التلاوة الحقة بأن تتلوه تلاوة صحيحة وفق أحكام التجويد، وأن تفهمه، وأن تتدبره، وأن تعمل به، فإذا تلوته تلاوةً صحيحة، وفهمته، وتدبرت عواقب كل آية وكل أمر ثم عملت بما أمرك الله عز وجل فقد تلوته تلاوة صحيحة، رب تالٍ للقرآن والقرآن يلعنه ، يجب أن تُحل حلاله، وأن تحرم حرامه، وأن تقف عند أحكامه.. سيدنا عمر كان وقافاً عند كتاب الله..

((.. وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ..))

[ مسلم عن أبي هريرة]

 يفهمون الأمر والنهي، والمحكم والمتشابه، يفهمون آيات الحلال والحرام، يفهمون الآيات الكونية، يفهمون قصص الأمم السابقة، يفهمون مشاهد يوم القيامة..

((.. وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ .. ))

[ مسلم عن أبي هريرة]

عطاء الله عز وجل لمن يجتمع لتلاوة القرآن و مدارسته :

 التلاوة شيء والمدارسة شيء آخر:

((..بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فيمن عِنْدَهُ.. ))

[ مسلم عن أبي هريرة]

 ما اجتمع قوم: قال بعض العلماء: الرجال.. وقال علماء آخرون تعني الرجال والنساء معاً، والبيت من بيوت الله هو المسجد.
 يتلون القرآن حق تلاوته ويتدارسونه.. قال بعض العلماء يقرؤونه كثيراً، يحفظونه، يذللون صعابه، يفهمونه، يعملون به .

((..إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ .. ))

[ مسلم عن أبي هريرة]

 من اسمها، شيء تسكن له النفس، شيء ترتاح له النفس، تصور أيها الأخ الكريم إنساناً جائعاً جوعاً شديداً، هو في اضطراب وهيجان، فإذا أكل أطيب الطعام سكت، وأخلد إلى النوم وارتاح، كذلك النفس لها حاجة، الإيمان حاجتها، معرفة الله حاجتها، طاعة الله طمأنينتها، فإذا اجتمعت في بيت من بيوت الله، وتلت كتاب الله، وعرفت موقعها من الحياة، وعرفت غاية وجودها، وعرفت الطريق الموصل إلى الله سكنت. السكينة شيء مريح جداً، قال تعالى:

﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾

[ سورة الرعد: 28]

 ترتاح النفس تسكن، في الإنسان فراغ لا يملؤه العلم المادي، ولا تملؤه الثروة، ولا يملؤه المكان ولا الأولاد، لو حصلت كل حظوظ الدنيا مئة في المئة ولم تؤمن فهناك فراغ في النفس، هذا الفراغ يدعو إلى الاضطراب، وإلى القلق، وإلى اختلال التوازن، هذا الفراغ لا يملؤه إلا الإيمان، لذلك نزلت عليهم السكينة.. هذا من عطاء الله عز وجل الطمأنينة، في قلب المؤمن من الطمأنينة ما لو وُزع على أهل بلد لكفاهم.

((..إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ .. ))

[ مسلم عن أبي هريرة]

 الرحمة مطلق عطاء الله، يبدأ من الصحة، وينتهي بالنور الذي يُقذف في قلب الإنسان، يبدأ من تأمين حاجاته المادية، وينتهي بأعلى درجات القرب من الله عز وجل، رحمة الله مطلق عطائه في الدنيا والآخرة، لذلك كان عليه الصلاة والسلام إذا دخل المسجد يدعو الله ويقول:" اللهم اغفر لي وافتح لي أبواب رحمتك " أحياناً الأنوار التي يتجلى الله بها على عباده المؤمنين هذه من الرحمة، والسكينة، والطمأنينة، والرضا، والراحة النفسية، هذا كله من رحمة الله، ثم توفير حاجاتك الدنيوية، لأن الدعاء الكريم الشريف: " اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر" .

((..وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فيمن عِنْدَهُ.. ))

[ مسلم عن أبي هريرة]

 الملائكة يحفون هؤلاء المؤمنين، يحفظونهم، يؤنسونهم، يكرمونهم، يستغفرون لهم، يصلون عليهم، هذا معنى حفتهم الملائكة.. ثم شيء أخير :

((..وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فيمن عِنْدَهُ.. ))

[ مسلم عن أبي هريرة]

 الإنسان أحياناً عنده حاجات أدبية معنوية، قد يأكل ويشرب وينام ويسكن ويتزوج، هذه كلها حاجات مادية، ولكن في الإنسان حاجات أدبية سماها علماء النفس تأكيد الذات، والشعور بالأهمية، وهذه الحاجة النفيسة الأدبية محققة عند الله عز وجل، فإذا جلست في بيت من بيوت الله وقرأت القرآن وتدارسته، ونزلت عليك السكينة، وغشيتك الرحمة، وحفتك الملائكة، الآن هناك شيء آخر أن الله سبحانه وتعالى يذكرك في الملأ الأعلى، لك شأن عند الله.. دخل على النبي أحد أصحابه الفقراء فرحب به النبي ترحيباً عجيباً قال:" أهلاً بمن خبرني جبريل بقدومه، قال: أو مثلي؟ قال: نعم يا أخي خامل في الأرض علم في السماء ".

((..وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فيمن عِنْدَهُ.. ))

[ مسلم عن أبي هريرة]

 لذلك حتى الميول الأدبية، تأكيد الذات، الشعور بالأهمية، هذه محققة في عالم الدين، ألم يقل الله عز وجل:

﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ * فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ﴾

[ سورة الشرح: 1-8]

 ورفعنا لك ذكرك، ما ذكر الله إلا وذكر معه اسم النبي عليه الصلاة والسلام، ولكل مؤمن من هذه الآية نصيب، الله عز وجل يُعلي قدر المؤمن، ويرفع ذكره.

 

العبرة أن تكون كالمؤمنين في استقامتهم و بذلهم و عطائهم :

 أيها الأخوة الكرام: بقي شيء يقول عليه الصلاة والسلام:

((.. وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ ))

[ أحمد عن أبي هريرة]

 قد يتوهم أحدكم أنه النسب الأسري، لا.. أنت مع المؤمنين، أنت معهم في مجالسهم، تأنس بهم، وتسعد بقربهم، ولكن ليس لك عمل كعملهم، تسعد بإيجابيات المسجد، بالاحتفالات، بالولائم، ولكن ليس لك عمل، ولا مجاهدة كأعمالهم، لذلك ولو كنت منتسباً إلى أعلى جماعة إسلامية في الأرض، لو كنت منتسباً إلى أصحاب رسول الله، ولم تعمل عملهم، تقصر عنهم، أي الانتساب إلى المؤمنين لا يكفي، أن تقول: أنا منهم، أنا معهم، أنا في كل لقاءاتهم، لابد من أن يكون لك عمل كعملهم، ولا تنسوا أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:

((إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا بِقَوْلِهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ فَلَا يَأْخُذْهَا ))

[متفق عليه عن أم سلمة]

  أي أنت إذا انتزعت من فم النبي عليه الصلاة والسلام - فرضاً - حكماً لصالحك لا تنجو من عذاب الله.. فالعبرة أن يكون لك عمل كعمل هؤلاء المؤمنين في استقامتهم، وفي مجاهدتهم، وفي بذلهم، وعطائهم، وخدمتهم للخلق.

 

على الإنسان أن يبني حياته على التعاون و العطاء و طلب العلم :

 أيها الأخوة الكرام: هذه الفقرة الأخيرة من الحديث :

((.. وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ ))

[ أحمد عن أبي هريرة]

 والحديث الذي تعرفونه جميعاً:

(( يا فاطمة بنت محمد، يا عباس عم رسول الله، أنقذا نفسيكما من النار، أنا لا أغني عنكما من الله شيئاً، لا يأتوني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم، من يبطئ به عمله لم يسرع به نسبه ))

[ مسلم عن أبي هريرة ]

 هذا الحديث أيها الأخوة من أصول الأحاديث الجامعة في العلاقات الاجتماعية، لو أن المسلمين طبقوه..

((... مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ، وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ ))

[ مسلم عن أبي هريرة]

 هذا الحديث أيها الأخوة لو طبقه المسلمون لكانوا في حال غير هذا الحال.. يجب أن تبني حياتك على التعاون، وعلى العطاء، وعلى البذل، وعلى طاعة الله عز وجل، وعلى طلب العلم، هذه محاور هذا الحديث..
 أيها الأخوة الكرام: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وتخطى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، والحمد لله رب العالمين.

* * *

الخطبة الثانية :
 أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ليلة النصف من شعبان :

 أيها الأخوة الكرام: بعد أسبوعين تأتي ليلة النصف من شعبان، ليلة النصف من شعبان لم يأت فيها حديث وصل إلى درجة الصحة، هناك أحاديث حسنها بعض العلماء وبعضهم ردوها، إلا أن الذي يلفت النظر أن بعض المقصرين، وبعض المتفلتين، يميلون إلى أحاديث المناسبات ميلاً شديداً، فيسألون عنها بإلحاح، ولعلهم بهذا يعوضون كثيراً من تقصيرهم أو اختلال توازنهم..
 الإنسان المؤمن الكامل هو مع الله في كل الأيام، في كل الأوقات، في كل الشهور، في كل المناسبات، استقامته، وطاعته، وعبادته هي هي لا تتغير، ولا تتبدل، ولا تزيد، ولا تنقص، ولكن الإنسان أحياناً يحب أن يعوض، فقد يرتكب الكبائر ويحرص على أداء التحسينات الطفيفة في الدين، لعله بهذا يوهم نفسه أنه من أهل الإيمان، على كلّ لم يرد في ليلة النصف من شعبان أحاديث وصلت إلى درجة الصحة، هناك أحاديث حسنها بعض العلماء وبعضهم ردوها، لست في هذا المعرض، لكنني في معرض أن هناك دعاءً يقرؤه بعض الناس ومن قبل يقرؤه معظم الناس، في ليلة النصف من شعبان هذا الدعاء لا أصل له إطلاقاً، وهو خطأ ولا يُوافق المعقول ولا المنقول:" اللهم إن كنت قد كتبتني عندك في أم الكتاب شقياً محروماً مطروداً، مُقتراً عليَّ في الرزق، فامح اللهم بفضلك شقاوتي، وحرماني، وطردي، وإقتار رزقي، وثبتني عندك في أم الكتاب سعيداً مرزوقاً، موفقاً للخيرات كلها، فإنك قلت وقولك الحق في كتابك المنزل على لسان نبيك المرسل

﴿يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب﴾

".
 هذا الدعاء لا أصل له، فيه خطأ كبير، ويخالف المعقول والمنقول معاً، فلذلك نحن بحاجة إلى أن نزيل عن الدين ما علق به.
 أم الكتاب أولاً لا محو فيها ولا إثبات، فالدعاء يتناقض مع أصول الدين،
 الشيء الثاني علمنا النبي عليه الصلاة والسلام أن من أدب الدعاء ؛ " إذا سألتم الله فأجزموا المسألة، ولا يقل أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، ارحمني إن شئت " وهو تأليف ركيك ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن الأصل في العبادات الحظر، وأن الأصل في الأشياء الإباحة، في العبادات الأصل هو الحظر، لا تؤدى العبادة إلا وفق أمر إلهي في كتاب أو سنة أما الأشياء فالأصل فيها الإباحة ولا يُحظر شيء منها إلى بنص.
 أيها الأخوة الكرام: يمكن في هذه الليلة أن ندعو، وأن نستغفر، وأن نسأل الله الحفظ والسلامة في الدنيا والآخرة.. الدعاء مقبول والاستغفار مقبول، فإذا حسنت هذه الأحاديث فيها الدعاء وفيها الاستغفار. ا

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك. اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، ودنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين. اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك. اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك . استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، وآمنا في أوطاننا، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً، وسائر بلاد المسلمين. اللهم إنا نعوذ بك من عضال الداء، ومن السلب بعد العطاء، ومن شماتة الأعداء، نعوذ بك من أن نذل لغيرك، وأن نخاف إلا منك، وأن نفتقر إلا إليك يا رب العالمين.
 اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين.
 اللهم صن وجوهنا باليسار، ولا تبذلها بالإقتار، فنسأل شر خلقك ونبتلى بحمد من أعطى، وذم من منع، وأنت من فوقهم ولي العطاء، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء.
 اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى، إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير.

 

تحميل النص

إخفاء الصور