وضع داكن
20-04-2024
Logo
الخطبة : 0472 - رمضان3 ، الإنفاق من خلال القرآن الكريم - الفرق بين الزكاة والصّدقة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:
 الحمد لله ، ثمّ الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا ، وما كنّا لِنَهْتَدِيَ لولا أن هدانا الله ، وما توفيقي ، ولا اعتصامي ، ولا توكّلي إلا على الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقرارًا لرُبوبيَّته ، وإرغامًا لمن جحد به وكفر ، وأشهد أنّ سيّدنا محمّدًا صلى الله عليه وسلّم رسول الله سيّد الخلق والبشر ، ما اتَّصَلَت عين بنظر ، وما سمعت أذنٌ بِخَبر ، اللَّهمّ صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد ، وعلى آله وأصحابه وعلى ذريّته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدّين ، اللَّهمّ ارْحمنا فإنّك بنا راحِم ، ولا تعذّبنا فإنّك علينا قادر ، والْطُف بنا فيما جرَتْ به المقادير ، إنَّك على كلّ شيءٍ قدير ، اللّهمّ علّمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علّمتنا ، وزدْنا علمًا ، وأرنا الحقّ حقًّا وارزقنا اتّباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممَّن يستمعون القول فيتّبعون أحْسنه ، وأدْخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

العمل الصالح من لوازم الإيمان :

 أيها الأخوة المؤمنون ؛ من لوازم الإيمان العمل الصالح ، وقد قُرِنَ الإيمان والعمل الصالح في آيات كثيرة تصل إلى المئتين ؛ لأنّه في اللحظة التي يستقرّ فيها الإيمان في النفس يُعَبِّرُ عن ذاته بِذاته بِعَمل صالح ، وليس هناك إيمانٌ كامن ، الإيمان كالزهرة الفوّاحة ، إنّ كان فيها أريج فلا بدّ أن يفوح ، فإنْ لم يفُح الأريج فليس فيها أريج .
 أيها الأخوة المؤمنون ؛ من لوازم الإيمان العمل الصالح ، قال تعالى في أوّل سورة البقرة :

﴿الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾

[ سورة البقرة : 1-3]

 يكاد الإنفاق أن يكون سِمَةً أساسيّة في حياة المؤمن ، المؤمن ينفق ، وغير المؤمن يأخذ ، فالنبي عليه الصلاة والسلام جاء فأعطى ، ولم يأخذ ، والمؤمنون يعطون مطلق العطاء ؛ يعطون من أوقاتهم ، يعطون من خبراتهم ، يعطون من علمهم ، يعطون من أموالهم ، يعطون من عضلاتهم ، قال تعالى :

﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾

 فالأساس الأساسي في حياة المؤمن هو الإنفاق .
 أيها الأخوة الكرام ؛ لا أدري كيف فهِمَ الناس الإسلام بشَكلٍ مختصر ؛ إنَّه العبادات الشعائريّة ، أداء الصلوات ، والصيام ، والحجّ ، والزكاة ، وغفل الناس على أنّ كلّ أمرٍ في القرآن الكريم يقرِّرُ علماء الأصول أنَّه أمرُ وُجوب ينبغي أن نأتمر به ، وأن نبادر إلى تطبيقه ، دقِّقوا في هذه الآية الكريمة ، قال تعالى :

﴿ قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً﴾

[ سورة إبراهيم : 31]

 أمرٌ إلهي يقتضي الوُجوب ، والمؤمن الحقّ كلّما قرأ قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا ، أو قلْ لعبادي الذين آمنوا يشعر أنّ هذا الخطاب مُوَجَّهٌ إليه ، ولا يتوانى لحظة في تنفيذه، وتطبيقه ، والمبادرة إليه .

 

الإنفاق في السراء والضّراء أهم صفة من صفات المتقين :

 أيها الأخوة الكرام ؛ يقول الله عز وجل :

﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾

[ سورة آل عمران: 133 ]

 هؤلاء المتّقون لهم صفات كثيرة ، تزيد عن ألف صفة ، إنَّ الله جلّ جلاله اختار من بين كلّ هذه الصّفات عدّة صفات ، أوّل هذه الصّفات هي الإنفاق في السراء والضّراء ، قال الله عز وجل :

﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾

[ سورة آل عمران: 133 ]

 لأنّ الله تعالى ركّب في طبْع الإنسان حُبّ المال ، ولا يرقى الإنسان عند الله إلا إذا خالف طبْعهُ ، المال مُحَبَّب لذلك يرقى الإنسان بإنفاق المال ، فإذا أردت أن تعرف فيما إذا كنت من أهل الدنيا ، أم من أهل الآخرة ، فانظُر ما الذي يُسْعِدُك أخْذ المال أم إعطاءُ المال ؟ فهؤُلاء الذين يسارعون إلى جنّة ربّهم ينفقون في السرّاء والضّراء ، قال الله عز وجل :

﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾

[ سورة آل عمران: 133 -134]

 يتبدّى من هذه الصّفات أنّها كلّها فيها معاكسة لطبْع الإنسان ، فالإنسان من طبعه أن ينفجر غاضبًا ، لكنّ المؤمن يكظم غيظهُ ، الإنسان من طبعه أن يأخذ المال ، لكنّ المؤمن ينفق المال .
 أيها الأخوة الكرام ؛ وقد يغيب عن نظر الناس أنّ الذي لا ينفق ربّما يلقي بيَدَيْه إلى التّهلُكة ، كيف ؟ الإنسان إذا عاش حياته الدنيا عاش لِمَصالِحِهِ ، ولِشَهواته ، ولِمَكاسبِهِ الدنيوية ، وجاءهُ ملك الموت فإذا هو صفْر اليدين ، الحياة الأبديّة تحتاج إلى عمل صالح ، إذًا هو أهلك نفسه إذْ لم ينفق ، من معاني هذه الآية قال تعالى :

﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾

[ سورة البقرة : 195]

 إذًا هناك أمرٌ في القرآن الكريم يقتضي الوجوب ، قال تعالى :

﴿ قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً﴾

[ سورة إبراهيم : 31]

 وهناك وصْف للمتّقين بأنَّهم ممّا رزقناهم ينفقون ، وهناك وصْفٌ آخر للمتّقين بل هو الوصْف الأوّل ؛ ينفقون في السراء والضَّراء ، بل إنّ الذي لا ينفق يلقي بيَدَيْه إلى التّهلكة .

 

المال عارِيَةٌ مُسْتردَّة و يدنا عليه يد أمانة :

 أيها الأخوة الكرام ؛ كما قلت قبل قليل : ليس هناك إيمان كامن لا يُعَبِّر عن نفسه بِعَمل صالح ، في اللحظة التي يستقرّ فيها الإيمان في نفس المؤمن يُعَبِّرُ عن ذاته بذاته من خلال عملٍ صالحٍ ، يقعُ في أبرز خصائص هذا العمل الصالح الإنفاق في سبيل الله ، وكما قلتُ قبل قليل : الإنفاق تكليف ، والتكليف ذو كُلفة ، ولأنّ طبْع الإنسان مركَّب على محبّة المال، فصار إنفاق المال يرقى بِصاحِبِه إلى الله جلّ جلاله ، لكن أيها الأخوة يجب أن نعلم علْم يقين أنّ هذا المال الذي بأيدينا ليس لنا ، إنَّما نحن أُمناءٌ عليه ، هذا المعنى يؤكِّدُهُ قوله تعالى:

﴿آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾

[ سورة الحديد : 7]

 لأنّ هذا المال لن يبقى بين يديك إلى ما شاء الله ، عارِيَةٌ مُسْتردَّة ، هو الآن بيَدِك ، وعند الموت لا تستطيعُ أن تأخذ منه شيئًا ، هو لغيرك عند الموت ، إذًا وأنت حيّ هو بيَدِكَ اسْتِخْلافًا لا تملُّكًا ، يدك عليه يد الأمانة ، فالذي يمنع مال الله عباد الله فقد خان الأمانة ، يجب أن ننطلق أيها الأخوة من هذه الحقيقة التي أقرّها القرآن الكريم ، وهي أنّ يدنا على المال يد أمانة ، وليسَتْ يد تملُّك ، وأنّ هذا المال في أيدينا ما دُمنا أحياء ، فإذا تحوَّلنا إلى الدار الآخرة انتقل إلى غيرنا .
 يا أيها الأخوة الكرام ؛ سُئِلَ أعرابيّ يقود قطيعًا من الإبل ، لِمَن هذه الإبل ؟ فقال علماء البلاغة أجاب أوْجَزَ إجابةٍ مع وفاءٍ للمعنى ، قال : لله في يدي ! وحينما تشعر أنّ هذا المال الذي بين يديك هو مال الله ، عندئذٍ تُبادر إلى تنفيذ وصِيَّة الله ، تنفيذ أمر الله في هذا المال .

 

إنفاق المال في سبيل الله يضاعفه الله أضعافاً كثيرة :

 أيها الأخوة الكرام ؛ ربّنا سبحانه وتعالى يشجّع المؤمنين ويعدهم وعدًا حسنًا إذا هم أنفقوا أموالهم في سبيل الله ، خالصةً نفوسهم بهذا الإنفاق ، يقول الله سبحانه وتعالى :

﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾

[ سورة البقرة : 261]

 المال الذي تنفقه يضاعفهُ الله لك أضعافًا كثيرة ، أما حينما يأكل الإنسان الربا فيمْحق الله مالهُ ، فشتّان بين من يربي ، وبين من يزكِّي ، بين من يزكِّي الله للإنسان ماله بالإنفاق وبين من يمحق الله للإنسان ماله بأكل المال الحرام .
 أيها الأخوة الكرام ؛ الإنسان حينما يعتقد اعتقادًا جازمًا مستنبطًا من آيات الله الكريمة ، أنّ كلّ شيءٍ ينفقهُ في سبيل الله هو له عند الله ، يدَّخِرُهُ للدار الآخرة ، لذلك ربّنا سبحانه وتعالى حينما أكَّد لنا هذه الحقيقة كأنَّه يريد مِنَّا أن ننطلق إلى إنفاق المال معتقدين أنَّ هذا المال الذي ننفقُهُ هو في النِّهاية لنا ، وسيُضاعفُهُ الله لنا أضعافًا كثيرة ، قال تعالى :

﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾

[ سورة البقرة : 272]

 وقال تعالى :

﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾

 لكن لا يوفّى بالقدْر نفسه ، بل بأضعاف كثيرة ، أضعافًا مضاعفة .

 

كلّ نفقةٍ مهما بدَت صغيرةً يعلمها الله :

 أيها الأخوة الكرام ؛ الإنسان أحيانًا يشعر إذا أعطى شيئًا يتمنّى أن يُعْلَمَ هذا عند المُعْطى ، لكن الله سبحانه وتعالى أكّد هذا المعنى كثيرًا في آيات كثيرة ، قال تعالى :

﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ﴾

[ سورة البقرة : 197]

 أيْ يعلم وسيُعَوِّض فما الذي يمنع المؤمن من أن ينفق ؟ كلّ نفقةٍ مهما بدَت صغيرةً يعلمها الله ، وكلّ نفقةٍ سيُعَوِّضها الله عز وجل أضعافًا كثيرة ، فإذا انطلق الإنسان من هاتين الحقيقتين ، حقيقة أنّ الله يعلم ، وحقيقة أنّ الله يخلف ، والقرآن كما تعلمون هو القول الثابت ، والذي يثبّت المؤمنين في الحياة الدنيا وفي الآخرة هو القول الثابت .

 

شروط الإنفاق :

 أيها الأخوة الكرام ؛ لكنّ هذه النّفقة لن تُقْبَلَ عند الله إلا إذا كانت ممَّا تحبّ من الشيء الذي تشْتهيه ، ومن الشيء الذي تؤثرهُ ، ومن الشيء الذي ترغب فيه ، قال تعالى :

﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾

[ سورة آل عمران : 92]

 هذا الذي ينفق شيئًا يكرهه ، أو لا يأخذه لو أُعطيَه ، هذه النَّفَقَة ما أريد بها وجه الله سبحانه وتعالى ، لأنّ الصَّدَقة هي في حقيقتها هديّة إلى الله سبحانه وتعالى ، والإنسان في الأعراف والتقاليد ينبغي أن يُجَمّل الهديّة ، وينتقيها من أنْفس الأشياء حتى تكون مقبولة عند الله سبحانه وتعالى . آية أخرى تؤكِّد هذا المعنى ، قال تعالى :

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ﴾

[ سورة البقرة : 267]

 وآية تنهى عن الضّدّ قال تعالى :

﴿وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾

[ سورة البقرة : 267]

 بقي هناك شرطٌ آخر للإنفاق ، فضلاً على أنَّه ينبغي لك أن تنفق الشيء المحبوب ، الشيء النفيس ، والشيء الذي تؤثرهُ وتحِبُّه ، ينبغي أن تنفق هذا الإنفاق بإخلاص لله عز وجل ، والحقيقة الإخلاص ليْسَت كلمةً نلفظها ، ولا هو شيءٌ نسْتعيرهُ ، ولكنّ الإخلاص محصّلة طبيعيّة للتوحيد ، فما لمْ توحِّد لن تكون مخْلصًا ، فكلّما ارْتقيْتَ في سُلَّم التوحيد ارْتَقَيْتَ في سُلّم الإخلاص ، الإنسان إذا لمْ ير مع الله أحدًا كيف يعمل لغير الله ؟ إن أيْقن ورأى رؤيا قلبيّة أنَّ الله هو النافع الضارّ ، هو الخافض الرافع ، هو المعطي المانع ، المعزّ المُذِلّ ، وكلّ ما سوى الله لا يستطيعون أن يفعلوا شيئًا ، كلّما ارتقى في سلّم التوحيد ارتقى في سلّم الإخلاص، وكأنَّ مؤشّر التوحيد يتوافق مع مؤشّر الإخلاص ، فكلّما ازْدَدْت توحيدًا ازْددْت إخلاصًا ، وأنت لا تدري .

 

ثواب العمل الصالح سكينة تعود على القلب :

 أيها الأخوة الكرام ؛ يقول الله سبحانه وتعالى :

﴿وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾

[ سورة البقرة : 272]

 وفي آية أخرى :

﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً﴾

[ سورة الإنسان : 9]

 لأنّ الإنسان حينما يخلص في عمله يقبض الثّمن ، وهذا الثَّمَن فسَّرَهُ بعض العلماء بأنَّه الثَّواب ، والثّواب من فِعْل ثاب أيْ رجع ، فإذا رُفِعَ العمل إلى الله وكان خالصًا جاءتْكَ السكينة على قلبك ، لذلك تجدُ المخلصين أسْعَدَ الناس ، ما سرُّ سعادتهم ؟ لأنّ أعمالهم عادت إليهم سكينة من الله تعالى ، عادَتْ عليهم سعادةً تملأُ قلوبهم ، أما حينما يعمل الإنسان لِزَيْد أو عُبَيْد ، فزيد أو عبيد فقير ، خاوي الوفاض لا يستطيع أن يعطِيَك سعادةً ، لذلك حينما يُكثر الإنسان من العمل الصالح من دون أن يسعد قلبهُ بعمله الصالح فهذه إشارةٌ خطيرة إلى أنّ إخلاصه ضعيف ، كلّما ازداد الإخلاص امتلأَ القلب سعادةً ، لأنّ ثواب العمل هو تلك السكينة التي تعود على القلب من جرّاء هذا العمل الصالح ، فالإخلاص الإخلاص أيها الأخوة ، قليل من العمل مع الإخلاص خير من كثيره من دون إخلاص .

 

العمل الصالح يرفع الإنسان عند الله و يقربه منه :

 أيها الأخوة الكرام ؛ العمل الصالح ، ولا سيما الإنفاق ، وأقول الإنفاق وأعني به مطلق الإنفاق ، إنفاق الوقت ، والمال ، والخبرة ، والجهد ، والعلم ، والجاه ، والقوّة ، الإنفاق في سبيل الله قربة إلى الله تعالى ، فالمؤمن يا ترى ألا يتمنَّى أن يكون قريبًا من الله ؟ الإنسان أحيانًا يتقرّب إلى زيد أو عُبيْد بِهَدِيَّة أو بِخِدْمة ، الإنفاق في سبيل الله قربة إلى الله عز وجل كما ورد في القرآن الكريم ، قال تعالى :

﴿وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾

[ سورة التوبة : 99]

 الإنسان إذا أنكر قلبه ، أو إذا أنكر صلاته ، أو إذا شعر أنّه بعيدٌ بعض الشيء عن ربّه ، إذا قرأ القرآن لا يشعر بشيء ، وإذا قام لِيُصلّي لا يشعر بهذه الصلاة التي ينبغي أن تكون ، إذا عمل عملاً صالحًا لا يمتلئ قلبهُ سعادةً ، هو بعيدٌ بعض الشيء ، ما الذي يقرّبهُ ؟ الإنفاق في سبيل الله ، لأنّ العمل الصالح هو الذي يرفع الإنسان عند الله ، فيا أيها الأخوة المؤمنون ؛ كلّما أنكرتم قلوبكم ، وكلّما لم تعجبكم صلواتكم ، وإذا تلوْتُم القرآن وشعرتم بجفاف في القراءة فعليكم بالأعمال الصالحة ، لأنّها تقرّبكم من الله عز وجل .

 

الإنفاق علامة الإيمان :

 الشيء الذي ينبغي أن يُشار إليه هو أنّ الأغنياء أولى بالإنفاق من الفقراء ، مع أنّ الفقير إذا أنفقَ فإنفاقهُ بِحَسب نسبة المال المنفق إلى مجموع ماله ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام :

(( سبق درهم مئة ألف درهم ))

[السيوطي عن أبي هريرة ]

 والقول المأثور : العدل حسن ، ولكن في الأمراء أحسن ، والورع حسن ، ولكن في العلماء أحسن ، والسّخاء حسن ، ولكن في الأغنياء أحسن ، والتوبة حسن ، ولكن في الشباب أحسن ، والحياء حسن ، ولكن في النساء أحسن ، والصبر حسن ، ولكن في الفقراء أحسن ، وقد ورد في الأثر أيضًا أنّ الله سبحانه وتعالى يقول في بعض الأحاديث القدسيّة : " أحبّ ثلاثة وحبّي لثلاث أشدّ ، أحبّ الطائعين ، وحبي للشاب الطائع أشدّ، وأحبّ الكرماء ، وحبي للفقير الكريم أشدّ ، وأحبّ المتواضعين ، وحبّي للغني المطواع أشدّ ، أبغض العصاة ، وبغضي للشيخ العاصي أشدّ ، وأبغض المتكبّرين ، وبغضي للفقير المتكبّر أشدّ ، وأبغض البخلاء ، وبغضي للغني البخيل أشدّ ".
 أيها الأخوة الكرام ؛ علامة إيمانك أنّه إذا لمْ يُتَح لك أن تنفق تتألَّم أشدّ الألَم ، وهذه من علامات الإيمان ، المؤمن يتمنّى أن ينفق ، ويتمنى أن يكون له مال الدنيا ، وأن ينفقه في سبيل الله ، لذلك وصف الله المؤمنين الذين لم يتمكّنوا من إنفاق ما عندهم ، قال تعالى :

﴿وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ﴾

[ سورة التوبة : 92]

 فإن آلمك ما تنفق ، ولم تجد ما تنفق ، فتألَّمْت أشدّ الألم فهذه علامة إيمانك ، ولكنّ المنافقين على العكس من ذلك ، إذا أنفقوا ينفقون وهم كارهون ، فإذا كرهت الإنفاق ، فهذه علامة خطيرة ، وإذا آلمك ألا تنفق فهذه علامة طيّبة ، والإنسان قد ينفق ، ولكن قد يبطل صدقته بالمنّ والأذى ، قال تعالى :

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾

[ سورة البقرة : 264]

إنفاق المؤمن دون منّ أو أذى :

 أيها الأخوة الكرام ؛ الإنسان إذا عمل عملاً صالحًا ينبغي أن ينسى هذا العمل إلى الأبد ، وإذا أسديَ له معروف ينبغي ألا ينسى هذا المعروف إلى الأبد ، وهذه هي صفات المؤمن ، إذا عمل صالحًا ينسى ، وإذا أسدِي له عمل صالح لا ينسى ، وطِّنْ نفسك أيها الأخ الكريم على أن تنسى أعمالك الصالحة ، إن نسيتها فهي عند الله محفوظة ، وسوف تراها أضعافًا مضاعفة ، أما إذا ذكرتها ، وأسأت إلى الناس بالمنّ والأذى ، فقد أبطلتها ، وأبطلتَ قيمتها عند الله عز وجل ، لذلك ربّنا عز وجل في معرض هؤلاء الذين يبطلون صدقاتهم بالمنّ والأذى :

﴿لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾

[ سورة البقرة : 264]

 أيْ هذا العمل لا يستطيعون من خلاله أن يقبلوا على الله عز وجل ، لا يعينهم هذا العمل على الرقيّ عند الله عز وجل .
 أيها الأخوة الكرام ؛ أما الكفار هؤلاء الذين ينفقون أموالهم ليصدّوا عن سبيل الله ، فقد قال تعالى :

﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾

[ سورة الأنفال : 36]

 المؤمن يتمنى أن ينفق ، وإذا أنفق لا يمنّ ولا يؤذي ، والمنافق يكره أن ينفق ، والعاصي يُبْطل صدقته بالمنّ والأذى ، والكافر ينفق ماله لِيَصُدّ عن سبيل الله .

 

ذمّ الله عز وجل من لا ينفق أو ينهى عن الإنفاق :

 أيها الأخوة الكرام ؛ الإنسان أحيانًا ينطلق من فكرة لا ترضي الله عز وجل ، لو قال الإنسان : لا يكفي العباد إلا الله ، ومالي وللناس ، عليّ بِنَفسي كلّما عرِضَ له عملٌ صالح قال : الله هو الذي يرزق العباد ، هذه الفكرة ذكرها الله سبحانه وتعالى في سورة يس ، وهي فكرة بعيدة عن الموقف الصحيح ، قال تعالى :

﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾

[ سورة يس : 47]

 هذا الذي يقول : أخي فلان له الله ، ولا يكفي العباد إلا الله ، ودعْكَ منه ولا تلتَفِت إليه ، هذا يلتقي مع هؤلاء الذين ذمَّهم الله سبحانه وتعالى ، لأنّهم لا ينفقون ، وينْهَوْن عن الإنفاق .

 

فرص الإنفاق محدودة :

 الحقيقة أيها الأخوة أنّ فرص الإنفاق ليْسَت ممْتدَّة إلى ما شاء الله ، فرَص الإنفاق محدودة ، لا بدّ من المبادرة ، والمسارعة ، لأنّ الإنسان إذا انتهى أجلهُ انتَهَتْ فرْصَة الإنفاق ، وأعتقد أنّ الذي يأتيه الموت ، وكان قد بخل في حياته يتمنَّى أن يُمَدَّ في أجله ساعة واحدة لِيُنفق ماله كلّه في سبيل الله ، ولكن لا يُتاح له ذلك ، قال تعالى :

﴿وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾

[ سورة المنافقون : 10-11]

 هؤلاء الذي يعلِّقون الآمال على ورثتهم أن ينفقوا في سبيل الله من مالهم ، أنا أعرف عشرات بل مئات الحالات أنّ أهل الميِّت رفضوا أن ينفِّذوا وصِيَّة والدهم ، لذلك لا تكن تحت رحمة أولادك من بعدك ، أنْفِقْ وأنت صحيح شحيح ، ما من فترة قصيرة إلا وأعلم أنّ فلانًا الفلاني أوصى أن ينفق من ماله على كذا وكذا ، وعلى الفقراء والمساكين والمساجد ، وإلى آخره، فيأتي الورثة ولا ينفّذون وصيَّة والدهم معتذرين بِسَبب أو بآخر ، إذًا لا تجعل هذه الفرصة التي أتاحها الله لك بِيَد غيرك ، وغيرك ربما لا ينفّذها ، فدرْهم تنفقهُ في حياتك خير من مئة ألف درهم ينفق بعد مماتك ، تصدَّق وأنت صحيح شحيح ، تأمُل الغنى ، وتخشى الفقْر ، هذا الدِّرْهم الذي تنفقهُ في حياتك هو عند الله أفضل من مئة ألف درهم ينفق بعد مماتك.
 أيها الأخوة الكرام ؛ بقينا في هذه الخطبة في القرآن الكريم ، وللسنّة المطهّرة أحاديث كثيرة في الإنفاق ، ولكنّ الوقت لا يتّسع للقرآن والسنّة ، فأرجو الله سبحانه وتعالى أن يُتاح لي في خطبة قادمة أو أخرى أن نتحدَّث عمَّا جاء في السنّة الصحيحة في الحثّ على الإنفاق في سبيل الله ، هذه الموضوعات مقتبَسَة من آيات الله سبحانه وتعالى ، وأنتم إذا قرأتم القرآن ووقفْتم عند آيات الإنفاق تجدون المعاني الدقيقة ، والإشارات اللطيفة ، والبواعث الحثيثة التي تدفع المؤمن إلى الإنفاق .
 أيها الأخوة الكرام ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أنّ ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطّى غيرنا إلينا ، فلنتَّخِذ حذرنا ، الكيّس من دان نفسه ، وعمل إلى ما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله الأمانيّ ، والحمد لله رب العالمين .

* * *

الخطبة الثانية :
 أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

الفرق بين الزكاة و الصدقة :

 أيها الأخوة الكرام ؛ في آية من سورة البقرة تبيّن أنَّ في المال حقًّا سِوَى الزكاة ، هذا الذي يؤدِّي زكاة ماله بارك الله به ، ولا يستطيع أحدٌ أن يقول عنه بخيل ، لأنّ النبي عليه الصلاة والسلام فيما روي عنه يقول :

((برئ من الشحّ من أدّى زكاة ماله))

[الطبراني عن جابر بن عبد الله ]

 كما أنّ المال الذي تُدفع منه زكاته لا يُسمّى كنزًا كما ورد في سورة التوبة ، فالكنز هو المال الذي لا تؤدَّى زكاته ، مهما بدا ضئيلاً إذا كان ضمن النِّصاب ، عشرة آلاف على نصاب الفضّة لا تؤدَّى زكاتها ، فهي كنزٌ كما ورد في سورة التوبة :

﴿يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ﴾

[ سورة التوبة : 35]

 والأموال الطائلة إذا أُدِّيَت زكاتها فليْسَت بِكَنز :

((برئ من الشحّ من أدَّى زكاة ماله ، وبرئ من الكِبْر من حملَ حاجتهُ بيَدِهِ ، وبرئ من النّفاق من أكثر من ذكر الله))

[الطبراني عن جابر بن عبد الله ]

 إلا أنّ النبي عليه الصلاة والسلام يقول :

((في المال حقّ سوى الزكاة))

[ابن ماجه عن فاطمة بنت قيس]

 بعض الآيات تقول :

﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾

[ سورة المعارج : 24-25]

 وقد استنبط بعض العلماء أنّ الفرق بين الزكاة والصّدقة هي كلمة معلوم ، فللزكاة نِصاب وشروط ، ولكنّ الصّدقة ليْس لها شروط ، ولكنّ الآية التي في القرآن الكريم في سورة البقرة تُشير بِوُضوحٍ جليّ إلى أنّ هناك فرْقًا بين أداء الزكاة ، وبين أداء الصّدقة على حبّ الله عز وجل ، قال تعالى :

﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ﴾

[ سورة البقرة : 177]

 أي لا يدفعهُ إلى إنفاق المال إلا حبّ الله عز وجل ، لا يدفعُه إلى إنفاق المال إلا أن يرضى الله عنه ، لا يدْفعُه إلى إنفاق المال إلا رجاء أن يقترب من الله عز وجل ، قال تعالى :

﴿وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ﴾

[ سورة البقرة : 177]

 إذًا هناك فرْقٌ بين إيتاء المال على حبّ الله سبحانه وتعالى ؛ قال تعالى :

﴿وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾

[ سورة البقرة : 177]

 لذلك أيها الأخوة الكرام بِدَفْع الزكاة تحصِّنُ مالك ، وتنْجو من إتْلاف المال ، لأنّه ما تلِف مالٌ في برّ أو بحر إلا بِحَبس الزكاة ، ولكن بالإنفاق زيادةً على نصاب الزكاة ربّما تقرَّبْت إلى الله عز وجل تقرُّبًا شديدًا ، إيتاء المال على حبّ الله شيء ، وإنفاق المال أداء لفريضة الله شيءٌ آخر ، والنبي عليه الصلاة والسلام يؤكِّدُ هذا المعنى بقوله :

((في المال حقّ سوى الزكاة))

[ابن ماجه عن فاطمة بنت قيس]

 معنى ذلك أنّ الإنسان لو أدَّى زكاة ماله على النحْو التام ، ثمّ وجد أخًا له في أمسّ الحاجة إلى مساعدة ، ليس له أن يقول : أنا أدَّيْتُ زكاة مالي ‍! أنت خلِقْتَ في هذه الدنيا من أجل العمل الصالح ، ولا إسراف في الخير ، لا خيرَ في الإسراف ولكنّه ولا إسراف في الخير ، وكلّ شيءٍ محمود فيه التُّؤَدَة والرِّفْق إلا العمل الصالح فينبغي أن تبادر إليه ، وتغتنمَ الفرص من أجله .

 

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شرّ ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك ونتوب إليك ، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك . اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين . اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، ودنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين . اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك . اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين . اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين . اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الفقر إلا إليك ، ومن الذل إلا لك ، نعوذ بك من عضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السلب بعد العطاء . اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب ، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب . اللهم صن وجوهنا باليسار ، ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شرّ خلقك ، ونبتلى بحمد من أعطى ، وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء . اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين . اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور