وضع داكن
28-03-2024
Logo
من نور الإيمان - الحلقة : 5 - آيات الله في الآفاق.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع :
 أيها الأخوة والأخوات ؛ السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، برنامج من نور الإيمان يسعده أن يستضيف سماحة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي .
 سماحة الشيخ السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .
الدكتور راتب :
 وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
المذيع :
 فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي أنت أستاذ مادة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ، في كليات الشريعة وأصول الدين ، ماذا وكيف نتحدث عن آيات الله عز وجل في الآفاق ؟
 كنتم قد تحدثتم في حلقات سابقة عن تكوين الإنسان ، كيف نتحدث عن آيات الله سبحانه وتعالى في الآفاق ؟

آيات الله سبحانه وتعالى في الآفاق :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
 أستاذ جمال ، جزاك الله خيراً على هذه الندوة في القرآن الكريم ، آية يقول الله فيها :

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾

[ سورة فاطر : 41]

 الحقيقة أن الأرض تدور حول الشمس في مسار إهليلجي- أي بيضوي- ومعلوم أن المسار الإهليلجي له قطران ، قطر أكبر ، وقطر أصغر ، فالأرض سرعتها - كما تحدثت في حلقة سابقة - ثلاثون كيلو متراً في الثانية ، فعندما تتجه الأرض إلى القطر الأصغر تقل المسافة بينها وبين الشمس ، ومعلوم أن قانون الجاذبية يتعلق بالكتلة وبمربع المسافة بين الكتلتين ، فكلما قلت المسافة بين كتلتين ازداد جذب الكتلة الأكبر إلى الكتلة الأصغر ، إذاً هناك احتمال كبير أن ترتطم الأرض بالشمس ، وأن تتبخر في ثانية واحدة ، لأن الشمس حرارتها على سطحها ستة آلاف درجة ، أما في مركزها فعشرون مليون درجة ، فالأرض يمكن أن تتبخر في ثانية واحدة ، ما الذي يمنع انجذاب الأرض إلى الشمس وانتهاء الحياة من على سطحها ؟ لأن المسافة قلت في أثناء دورانها حول الشمس .
 الله جل جلاله لحكمة بالغة يرفع سرعة الأرض بحيث ينشأ عن هذه السرعة الجديدة قوة نابذة جديدة تكافئ القوة الجاذبة الجديدة فتبقى في مسارها :

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾

[ سورة فاطر : 41]

 تتابع الأرض سيرها ، فإذا وصلت إلى القطر الأكبر ؛ ما معنى وصلت إلى القطر الأكبر؟ أن المسافة بينها وبين الشمس زادت ، ومع ازدياد المسافة تضعف الجاذبية ، فهناك احتمال كبير أن تتفلت الأرض من مسارها حول الشمس ، وتمشي في الفضاء الخارجي ، عندئذ تصبح حرارتها مئتين وسبعين تحت الصفر ، وتنتهي الحياة أيضاً ، فإذا قال الله عز وجل :

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾

[ سورة فاطر : 41]

 الزوال الأول انحرافها عن مسارها ، أما الزوال الثاني فتلاشيها ، إذا وصلت إلى الشمس تبخرت في ثانية ، وإذا ابتعدت عن مسارها حول الشمس تجمدت ، وانتهت الحياة من على سطحها .
 أية قدرة تمسك الأرض بجبالها وبحارها وقاراتها الخمس على مسارها ؟

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾

[ سورة فاطر : 41]

 ماذا تفعل الأرض عندما تصل إلى القطر الأكبر ؟ لابد من أن تخفض سرعنها ، كي ينشأ من تخفيض سرعتها قوة نابذة أقل تكافئ القوة الجاذبة الأقل ، شيء دقيق جداً ، لكن الشيء الذي يلفت النظر أن هذه الأرض لو رفعت سرعتها فجأة لانهدم كل ما عليها ، ولو خفضت سرعتها فجأة لانهدم كل ما عليها ، لذلك قال العلماء : تسارعها بطيء ، و تباطؤها بطيء ، وهذا من معاني اسم "اللطيف" .
 لو أن سائقاً أقلع بسرعة فائقة لهز ركاب السيارة ، لو أنه أوقفها فجأة لارتطموا بالزجاج ، لذلك القائد الماهر للسيارة يرفع سرعتها بالتدريج ، ويخفضها بالتدريج ، وهذا مما يدل على لطف الله عز وجل .
المذيع :

﴿إنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾

[ سورة القمر : 49]

الدكتور راتب :
 أستاذ جمال لو أن الأرض افتراضاً خرجت من مسارها ، وبعدت عن مسارها حول الشمس ، لو أردنا افتراضاً أن نعيدها إلى مسارها حول الشمس ، قال العلماء : لاحتجنا إلى مليون مليون كبل فولاذي .
المذيع :
 الله أكبر .
الدكتور راتب :
 قطر كل حبل خمسة أمتار ، مليون مليون حبل فولاذي ، ومعلوم لديكم أن أمتن عنصر في الكون هو الفولاذ المضفور ، ومنه تصنع أسلاك المصاعد والتلفريك ، فالفولاذ المضفور أمتن عنصر ، من أجل أن نعيد الأرض إلى مسارها حول الشمس نحتاج إلى مليون مليون حبل ، هذا الحبل الفولاذي كيف نتعامل معه ميكانيكياً ؟ أي كم يتحمل من قوى الشد ؟ قال: يتحمل مليوني طن . أي أن الأرض منجذبة إلى الشمس بمليونين ضرب مليون مليون طن، كل هذه القوة المذهلة ؛ مليونان ضرب مليون مليون طن قوة انجذاب الأرض إلى الشمس ، من أجل أن تحرف مسارها حول الشمس بشكل منحن ثلاث مليمترات كل ثانية ، و من أجل أن تبقى على مسارها ، ومن أجل أن يبقى مسارها مغلقاً حول الشمس :

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾

[ سورة فاطر : 41]

قدرة الله في رفع السماوات بغير عمد آية أخرى من آياته العظيمة :

 الآن يوجد آية ثانية ، يقول الله عز وجل :

﴿اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا﴾

[ سورة الرعد : 2]

 قال علماء التفسير : أي بعمد لا ترونها .
 المؤدى واحد . الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها أي بعمد لا ترونها ، إنها قوى التجاذب ، الآن لو أردنا أن نغرس على سطح الأرض المواجه للشمس مليون مليون حبل ، قطر الحبل خمسة أمتار ، وكل حبل عنده تحمل لقوى الشد بمقدار مليوني طن ، ما الذي يحصل؟ يبقى بين كل حبلين مسافة حبل واحد .
المذيع :
 الله أكبر .
الدكتور راتب :
 نحن أمام غابة من الحبال ، تمنع أشعة الشمس ، تمنع البناء ، تمنع الحركة ، تمنع السفن ، تمنع المركبات ، تمنع كل شيء . .
المذيع :
 انعدمت الحياة .
الدكتور راتب :
 لكن لطف الله عز وجل :

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾

[ سورة فاطر : 41]

 إذاً الزوال الأول انحرافها عن مسارها ، و الزوال الثاني تلاشيها ، الله عز وجل يقول:

﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ *وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ﴾

[ سورة الواقعة : 75-76]

 أستاذ جمال ؛ بين الأرض وبين أقرب نجم ملتهب لها أربع سنوات ضوئية ، ماذا تعني عند الأخوة المستمعين أربع سنوات ضوئية ؟ الضوء يقطع في الثانية الواحدة ثلاثمئة ألف كيلو متر ، كم يقطع في الدقيقة ؟ ضرب ستين ، كم يقطع في الساعة ؟ ضرب ستين ، كم يقطع في اليوم ؟ ضرب أربع وعشرين ، كم يقطع في العام ؟ ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين ، هذا أقرب نجم ملتهب على الإطلاق ، يبعد عن الأرض أربع سنوات ضوئية ، هذا الرقم بإمكان طالب في الإعدادي أن يستخرجه ، أي ثلاثمئة ألف ضرب ستين ، ضرب ستين ، ضرب أربع وعشرين ، ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين، ضرب أربع ، هذا الرقم لو قسمناه على مئة ، أي لو أردنا أن نصل لهذا الكوكب ، لهذا النجم الذي يبتعد عن الأرض أربع سنوات ضوئية بسيارة سرعتها مئة كيلومتر بالساعة ، ما الذي يحصل؟
 قسمنا هذا الرقم على مئة كم ساعة ، ثم قسمناها على أربع وعشرين ، ثم قسمناه على ثلاثمئة وخمسة وستين ، كم سنة ، من أجل أن نصل إلى أقرب نجم ملتهب إلى الأرض بمركبة أرضية نحتاج إلى خمسين مليون عاماً ، متى نصل إلى نجم القطب الذي يبعد عنا أربعة آلاف سنة ضوئية ؟
المذيع :
 الله . .

﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾

[ سورة المؤمنون : 14]

الدكتور راتب :
 ومتى نصل إلى مجرة المرأة المسلسلة التي تبعد عنا مليوني سنة ضوئية ؟ ومتى نصل إلى أحدث مجرة اكتشفت حديثاً تبعد عنا عشرين مليار سنة ضوئية ؟ الآن ندقق . .
المذيع :
 نعم .
الدكتور راتب :
 لو أن عالم فلك قرأ هذه الآية لخر ساجداً لله ، من كلمة واحدة ، ما الكلمة ؟

﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ﴾

[ سورة الواقعة : 75]

 من كلمة مواقع - النجوم متحركة - أي هذه المجرة التي تبعد عنا عشرين مليار سنة كانت بهذا المكان قبل عشرين مليار سنة ، وانبعث منها الضوء ، وبقي الضوء يمشي عبر الفضاء عشرين مليار سنة حتى وصل إلينا ، لكن المجرة التي صدر منها هذا الضوء سرعتها حوالي مئتين وأربعين ألف كيلو متر في الثانية . .
المذيع :
 الله .
الدكتور راتب :
 أين هي الآن ؟ لو فرضاً قرأنا هذا النص : فلا أقسم بالمسافات بين النجوم ، ليس قرآناً .
المذيع :
 نعم ، نعم .
الدكتور راتب :
 أن صاحب الموقع ليس بالموقع .
المذيع :
 الله .
الدكتور راتب :

﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ *وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ﴾

[ سورة الواقعة : 75-76]

أنواع العلم :

 لذلك الله عز وجل قال :

﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً﴾

[ سورة النساء : 113]

 ما من نعمة يتمتع بها الإنسان كالعلم ، إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك كله إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً .
 لذلك قالوا هناك علم بالله ، وهناك علم بأمره ، وهناك علم بخلقه ، فالعلم بخلقه من اختصاص الجامعات في شتى بقاع الأرض ؛ علم فيزياء ، وكيمياء ، ورياضيات ، وفلك ، وتاريخ، وجغرافية ، وفيزياء نووية ، وكيمياء عضوية ، وعلم اجتماع ، وعلم نفس ، وطب ، وهندسة ، إلخ . . .هذا علم بخلقه ، أما العلم بأمره فهو من اختصاص كليات الشريعة في العالم الإسلامي ، افعل ولا تفعل ، بينما العلم به فهذا شيء متميز ، العلم به نتائجه باهرة لكن ثمنه باهظ ، قال الإمام الغزالي : جاهد تشاهد ، بإمكانك أن تكون عالماً بالشريعة ، أو عالماً بالخليقة، دون أن تكون مضطراً إلى الالتزام بسلوك ما ، أما إذا كنت عالماً بالله فلابد من أن تكون ملتزماً بمنهج الله ، لأنك عرفت الله .

خاتمة وتوديع :

المذيع :
 إذاً أهم شيء في هذه الدنيا أن نعرف الله عز وجل .
 سماحة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ مادة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين نشكركم الشكر الجزيل على هذا الفيض المعطاء من نبع العلم الثر ، أهلاً وسهلاً بك ، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .
الدكتور راتب :
 وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور