وضع داكن
19-04-2024
Logo
أمثال القرآن الكريم - الدرس : 31 - الحديث الشريف - ما الدنيا في الآخرة إِلا مِثْلُ ما يجْعَلُ أَحدُكم إِصبَعه
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

المثل طريقة فعالة في التعبير :

أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في دروس الأمثال في الكتاب والسنة، ولا يغيب على أذهانكم أن المثل طريقة فعالة في التعبير، مثلاً: إن تفق الأنام- يا محمد- فأنت منهم، أنت منهم وأنت متفوق عليهم، كيف؟

فإن تفُقِ الأنام فأنت منهم فإنّ المِسْك بعض دَمِ الغزال
***

المسك من دم الغزال.

مَنْ يَهُنْ يَسْهُل الْهَـوَانُ عَليْه مَــــا لِجُرْحٍ بِمَيّتٍ إيلامُ
***
وإذا أراد الله نشر فضيلـــة طويت أتاح لها لسان حسـود
لولا اشتعال النار فيما جاورت ما كان يعرف عرف طيب العود
***

أنت حينما تأتي بحقيقة مجردة فكرية وتوضحها بمثل حسي ملموس، الأمر واضح، مرة أردت أن أبين ما الفرق بين الكبيرة والصغيرة، عندنا كبائر؛ الزنا كبيرة، القتل كبيرة، شرب الخمر كبيرة، أحياناً ابتسامة في غير مكانة صغيرة، ما الفرق بين الكبائر والصغائر؟ ضربت مثلاً قلت: طريق عرضه ستين متراً من أرقى الطرق، وعن يمين هذا الطريق واد سحيق، و عن يساره وادٍ سحيق، وأنت تقود مركبة على هذا الطريق، الصغيرة حرفت المقود سنتمتراً واحداً والكبيرة حرفت المقود تسعين درجة، واضح، الآن انحراف درجة لو ثبت لكنت في الوادي، بعد اثنين كيلو متر في الوادي، والانحراف-انحراف الكبيرة- بإمكانه بكل بساطة أن تعيده إلى ما كان، ولما قال النبي عليه الصلاة والسلام:

(( لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع استغفار ))

[ أخرجه الحارث عن أبي هريرة وعبد الله بن عباس ]

الكبيرة حينما تستغفر الله منها وتتوب انتهت، الصغيرة إذا ثبت عليها ولم تتب منها انقلبت إلى كبيرة، والمصير في الوادي:

(( لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع استغفار ))

[ أخرجه الحارث عن أبي هريرة وعبد الله بن عباس ]

الدنيا صفر إذا قورنت بالآخرة :

أحياناً يأتي المثل واضح جداً، يبين حقيقة مجردة، من أبلغ الأسانيد في التعبير الأمثلة، لكن طبعاً لها في البلاغة مصطلحات خاصة، هناك تشبيه، التشبيه التام، والتشبيه المؤكد، والتشبيه المفصل، والتشبيه البليغ، وهناك الاستعارة المكنية، والاستعارة التصريحية، وهناك الكناية، هذه مصطلحات بلاغية، أما المثل فهو في الأساس حالة مجردة عقلية، فكرة توضح بمثل مادي، الآن تقول: الدنيا زائلة فعلاً زائلة، الدنيا جيفة طلابها كلابها

الدنيا دار من لا دار له ولها يسعى من لا عقل له، لكن كيف نوازن بين الدنيا والآخرة؟ إنسان عاش مئة وثلاثين سنة، هناك أعمار في شمال بعض البلاد الباردة يعيش الإنسان لمئة وثلاثين سنة، و بحسب معلوماتي شيخ الأزهر حسين مخلوف عاش مئة وثلاثين سنة ، وهناك أشخاص معمرون، لكن الحياة الدنيا إذا أردنا أن نوازنها مع الآخرة لا شيء، طبعاً في الرياضيات أكبر رقم إذا نسب إلى اللانهاية فهو صفر، واحد في الأرض وأصفار للشمس، واحد على الطاولة وكل ميليمتر صفراً، ثلاثة ميليمتر ألف، ثلاثة ثانية مليون، ثلاثة ثالثة ألف مليون، ثلاثة رابعة مليون مليون، من هنا لآخر الجامع كل ميليمتر صفر، من هنا إلى حلب كل ميليمتر صفر، من هنا إلى موسكو كل ميليمتر صفر، من هنا إلى القطب كل ميليمتر صفر، لو طفنا حول الأرض أربعين ألف كيلو متر وكل ميليمتر صفر، لو اتجهنا نحو الشمس مئة وستة وخمسين مليون كيلو متر، وكل ميليمتر صفر، كم هذا الرقم؟ هذا الرقم إذا نسب إلى اللانهاية صفر، إنسان عاش مئة وثلاثين سنة معه ألف مليار، لم يصب بأي مرض، عنده أجمل بيت، أجمل زوجة، أجمل أثاث، مراكب لا تعد ولا تحصى، طائرات خاصة، بعد مئة وثلاثين سنة ينتهي كل شيء، الدنيا صفر.

الذكي و العاقل هو الذي يختار ما عند الله :

النبي عليه الصلاة والسلام قال:

((ما الدنيا في الآخرة إلا كما يدخل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بما ترجع))

[أحمد والترمذي عن المستورد بن شداد]

أوضح مثل سافرت إلى الساحل، ركبت قارباً إلى أرواد، غمست أصبعك بماء البحر ورفعته، هذه الأصبع كم حمل من البحر؟ يمكن قطرة واحدة، القطرة هي الدنيا، والبحر هو الآخرة، البحر المتوسط، المحيط الهندي، المحيط الهادي، المتجمد الشمالي، الجنوبي، الأطلسي:

((ما الدنيا في الآخرة إلا كما يدخل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بما ترجع))

بربكم الذي لا يعمل إلا للدنيا فقط، وينسى الآخرة، الذي لا يدخل الآخرة في حساباته إطلاقاً أليس غبياً؟ أليس أحمقاً؟ أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً، مرة كنت بمدينة فيها متحف من أندر المتاحف، اطلعت على أكبر ألماسة في العالم، قيل: ثمنها مئة وخمسون مليون دولار، حجمها تقريباً بحجم الجوزة، لو وضعوا لك على الطاولة الألماسة نفسها، وضعوا لك إلى جانب الألماسة كأس كريستال ثمنه ألف ليرة، وإلى جانب الكأس الكريستال وضعوا لك قطرميز بلور أزرق، ثمنه عشرون ليرة، الآن تختار، فأنت أخذت أكبر شيء، منتهى الحمق، منتهى الغباء، منتهى الجهل، والله هذا المثل الصارخ بين ألماسة ثمنها يقدر بمئة وخمسين مليون دولار، بحجم الجوزة، وبين كأس كريستال ثمنها ألف ليرة، وبين وعاء بلوري أزرق ثمنه عشرون ليرة، أنت اخترت أكبر حجم، لذلك من هو الذكي؟ من هو العاقل؟ من هو الموفق؟ الذي يختار ما عند الله.

 

الدنيا دار من لا دار له ولها يسعى من لا عقل له :

الله عز وجل طمأنك قال تعالى:

﴿ وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى ﴾

[سورة الضحى: 4]

والأولى لا يوجد فيها حرمان، لك أن تأكل، لك أن تشرب، لكن الخمر ممنوع ومحرم، والخنزير محرم، المرأة لك أن تتزوج أما الزنا فمحرم، المال لك أن تكسبه حلالاً، السرقة محرمة، لا يوجد شيء فيه حرمان.
مرة دعاني عالم كبير أنا أظن أن عمره يزيد عن مئة عام، من علماء القرآن الكريم، قال لي: عندي ثمانية وثلاثون حفيداً، أنا خطر في بالي بعد أن خرجت من عنده أن إنساناً وإنسانة تزوجا، أنجبا أولاداً، والأولاد جلبوا له الكنائن، والبنات جلبوا له الأصهار، الصف الثاني: الأولاد والبنات والأصهار والكنائن، أنجبوا ثمانية وثلاثين حفيداً، صار هناك هرم، على رأس الهرم الجد والجدة، الأولاد والزوجات، البنات والأزواج، الصف الثالث الأحفاد، هذا الهرم المقدس الرائع، بيولوجياً ما سببه؟ علاقة جنسية، أليس كذلك؟ وفي أي بيت دعارة هناك علاقة جنسية، الشهوة حيادية، سلم نرقى بها، أو دركات نهوي بها إلى أسفل سافلين.
الدنيا أمام الآخرة لا شيء، الدنيا دار من لا دار له، ولها يسعى من لا عقل له، أفقر إنسان، وأقوى إنسان، وأذكى إنسان، وأغنى إنسان يتزوج، والزواج واحد، النساء سواء، أقوى إنسان، وأغنى إنسان، وأفقر إنسان، يأكل، هناك أكلات مبذولة لعامة الناس، مرة سألت إنساناً يعمل في قصر ملكي في بلد عربي، ماذا يأكل الملك صباحاً؟ قال لي: فول وأحياناً بيض مقلي، ماذا يأكل الملك؟ يأكل مثل أي إنسان، فالنساء سواء والطعام سواء، هناك وهم كبير في الحياة أن الغني غير الفقير.

 

السعادة الحقيقة أن تعرف الله و تتصل بالله وتشعر أنه يحبك :

إن الله يعطي الصحة، والذكاء، والمال، والجمال، للكثيرين من خلقه، ولكنه يعطي السكينة بقدرٍ لأصفيائه المؤمنين، قد تمنح المال، وقد تمنح الصحة، وقد تمنح القوة، وقد تمنح الوسامة، وقد تشقى بها جميعاً، وقد تحرم من الصحة، أو من المال، أو من الوسامة، وتكون أسعد الخلق، لذلك أيها الأخوة الكرام، يجب أن نضع يدنا على حقيقة، السعادة الحقيقة أن تعرف الله، السعادة الحقيقية أن تتصل بالله، السعادة الحقيقية أن تشعر أن الله يحبك

أنت تمشي صح، مالك حلال، علاقتك بالنساء زوجة فقط، والمحارم أكثر، لا يوجد انحراف، و لا معصية، فالمستقيم على أمر الله عنده إحساس بالرضا، وعنده شعور يفوق حدّ الخيال.
يروى أن رجلاً يطوف حول الكعبة، ويقول: ربي اغفر لي ذنبي ولا أظنك تفعل؟ وراءه رجل، قال له: يا هذا ما أشد يأسك من رحمة الله؟ قال له: ذنبي كبير، قال له: ما ذنبك؟ قال له: كنت جندياً في قمع فتنة، فلما قُمعت أُبيحت لنا المدينة، فدخلت أحد البيوت فرأيت فيه رجلاً، وامرأة، وطفلين، قتلت الرجل، وقلت لامرأته أعطيني كل ما عندك، أعطتني كل ما عندها، ومع ذلك قتلت ولدها الأول، ولما رأتني جاداً في قتل الثاني، أعطتني درعاً من الذهب الخالص أعجبني، نظرت إليه، فإذا عليه بيتان من الشعر قرأتهما فوقعت مغشياً عليّ، ما البيتان:

إذا جار الأمير وحــاجباه وقاضي الأرض أسرف في القضاء
فـــويل ثم ويل ثم ويل لقاضي الأرض من قاضي السماء
* * *

الذكي و العاقل هو الذي يدخل الله في حساباته :

الله عز وجل قال:

﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ﴾

[سورة البروج: 12]

وما أكثر العبر وما أقل المعتبرين، إنسان فجأة يكون في قمة الهرم في بلد يصبح ملاحقاً ولا تقبله دولة، ساعات:

 

﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ﴾

[سورة البروج: 12]

إذا جار الأمير وحــاجباه وقاضي الأرض أسرف في القضاء
فـــويل ثم ويل ثم ويل لقاضي الأرض من قاضي السماء
* * *

من هو الذكي؟ من هو العاقل؟ من هو الموفق؟ الذي يدخل الله في حساباته. 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور