- موضوعات متنوعة
- /
- ٠4موضوعات متفرقة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
العبادات معللة بمصالح الخلق :
أيها الأخوة الكرام، نحن في شهر الصيام، وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( المنافق إذا صام كالناقة عقلها أهلها، لا تدري لا لمَ عقلت؟ ولا لمَ أطلقت؟ ))
ولكن المؤمن يعرف أن الصيام عبادة، والعبادات كما قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى معللة بمصالح الخلق .
هناك كلمة قالها بعض العلماء: الشريعة عدل كلها، مصلحة كلها، رحمة كلها، حكمة كلها، فأية قضية خرجت من المصلحة إلى المفسدة، ومن العدل إلى الجور، ومن الحكمة إلى خلافها، ومن الرحمة إلى القسوة، فليست من الشريعة، ولو أدخلت عليها بألف تأويل وتأويل.
بادئ ذي بدء، ينبغي أن نعلم علم اليقين أن هذا التشريع من عند الله، وفضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه، والله عز وجل يقول:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
فالعبادات هي الصلاة، والصيام، والحج، والزكاة، معللة بمصالح الخلق، الله عز وجل يقول عن الصلاة:
﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾
المصلي ضبطه الشرع.
(( الإيمان قيد الفتك، ولا يفتك مؤمن ))
﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾
أما الصيام فمن أجل التقوى، قال تعالى:
﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾
ومن هذه الآية معانٍ كثيرة:
﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ ﴾
فيوحده.
﴿ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾
من شك أهل الشرك، ومن خوف أهل الشرك، ومن ضياع أهل الشرك، ومن تفلت أهل الشرك.
﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ ﴾
في اختيار زوجته.
﴿ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾
من الشقاء الزوجي، ومن تطليق الزوجة، وتشريد الأولاد.
﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ ﴾
في تربية أولاده.
﴿ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾
من عقوقهم، وضياعهم، وشقائهم، وشقاء الأب والأم يكون بشقاء أولادهم.
﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ ﴾
في كسب ماله.
﴿ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾
من ضياع المال أو إتلافه.
(( ما تلف مال في بر ولا بحر إلا بحبس الزكاة ))
إذاً الصيام من أجل أن تتقي الله.
﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾
حقيقة الصيام :
أنت حينما تتقي الله في رمضان، وبعد رمضان، وإلى نهاية العام فلك مخرج من كل مشكلة يعاني منها الناس، وما من مشكلة على وجه الأرض من دون استثناء إلا بسبب خروج عن منهج الله، وما من خروج عن منهج الله إلا بسبب الجهلِ، والجهلُ أعدى أعداء الإنسان، والجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به، فإلهنا، وربنا، ومنزل هذا القرآن الذي كتب علينا الصيام يقول لنا:
﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
لأن المسلم في رمضان يمتنع عن المباحات، فلأن يمتنع عما حرم الله من باب أولى.
(( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه))
(( كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش ))
ليس الصيام ترك الطعام والشراب، لكن الصيام في حقيقته هو في أدنى مستوياته ترك كل معصية لله، ليس الصيام ترك الطعام والشراب، هذا مظهره، ولكن حقيقة الصيام هي ترك أي معصية لله عز وجل، إذاً الصلاة من أجل أن:
﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾
والصيام من أجل التقوى.
الزكاة تطهر الغني والفقير والمال :
والزكاة قال تعالى:
﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾
﴿ تُطَهِّرُهُمْ ﴾
تطهر من؟ قال العلماء: الزكاة تطهر دافع الزكاة من الشح.
(( برئ من الشح من أدى زكاة ماله ))
(( من حمل سلعته فقد برئ من الكبر ))
(( من أكثر ذكر الله فقد برئ من النفاق ))
﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ ﴾
أي تطهر دافع الزكاة من الشّح، والشّح مرض خبيث، كيف أن الورم الخبيث في الجسم مرض عضال، الشح للنفس مرض عضال، بدليل قوله تعالى:
﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾
فالزكاة تطهر الغني من الشح، كذلك تطهر الفقير من الحقد، الفقير يحقد يرى نفسه محروماً، حوله أغنياء يأكلون، ويشربون، ويتمتعون، وهو محروم، فإذا جاء الغني وأدى زكاة ماله، وأطعم الفقير، وكفاه عند بعض المذاهب طوال حياته، أي هيأ له أداة عمل، محلاًّ، آلة، وعند بعض المذاهب أن يغنيه سنة، أما أن تعطي الفقير مبلغاً لا يسمن ولا يغني من جوع، وتجعله كل يوم يمد يده إليك فليست هذه حكمة الزكاة، يجب أن تغني الفقير.
أيها الأخوة الكرام، الزكاة تطهر الغني من الشح، والفقير من الحقد، وتطهر المال من تعلق حق الغير به، فالحجر المغصوب في دار رهن بدمارها، والمال إذا أُديت زكاته ذهب عنه شره، فإن لم تؤدَ زكاته أصبح معرضاً للتلف.
(( ما تلف مال في بر ولا بحر إلا بحبس الزكاة ))
روى لي أخ من بيروت أنه في الحرب الأهلية التي أحرقت الأخضر واليابس، ولم يبقَ بناء في مركز المدينة إلا احترق أو هُدم، روى لي هذه القصة:
ثمة محل يبيع المواد الغذائية في ساحة الشهداء، وبعد الجولة الأولى من هذه الحرب الأهلية تفقد الناس بضاعتهم ومحلاتهم، فإذا بالمحلات من دون استثناء مهدمة أو محروقة إلا محلاً واحداً في ساحة الشهداء، الذي قبله قد هُدم واحترق، والذي بعده، والذي فوقه، هذا المحل الغلق مغلق، جاء صاحبه فتح المحل كما تركه قبل ثلاثة أشهر، فتح الصندوق الحديدي، المبلغ الذي كان فيه أخذه بالتمام والكمال، هذا الإنسان أدى زكاة ماله، وكل من حوله اتهمه بالجنون، لمَ تؤدي زكاة مالك نحن على وشك حرب؟ فهذه الزكاة حفظت له بضاعته، وماله، ومحله.
(( ما تلف مال في بر ولا بحر إلا بحبس الزكاة ))
والحجر المغصوب في دار رهن بخرابها.
﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ ﴾
تطهر الغني من الشح، والفقير من الحقد، والمال من تعلق حق الغير به، لأن الله عز وجل يقول:
﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴾
تماماً كما لو أن مواطناً عليه ضريبة، فإذا أداها نجا من العقوبة، ونجا من المصادرة، ونجا من دفع الغرامة، أما إذا بنى مستشفى طوعاً واختياراً فيقام له حفل تكريمي، أما إذا دفع الضريبة فلا يشكر، لأنها أحد واجباته الأساسية.
لذلك أنت إذا أديت زكاة مالك نجوت من تلف المال، وما أكثر وسائل إتلاف المال الآن، هزة أرضية 5 رختر لا تبقي ولا تذر، أبنية، محلات، معامل، كله يتلف، هذا التلف مصادرات أحياناً، اجتياح.
(( ما تلف مال في بر ولا بحر إلا بحبس الزكاة ))
ونحن في رمضان ورمضان شهر الإنفاق.
(( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الخلق، وأجود ما يكون في رمضان، وكان في رمضان كالريح المرسلة لا يمسك فيه شيئاً ))
الآن:
﴿ تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ ﴾
ما هي الزكاة؟ النمو، الإنسان أحياناً ينكمش، وأحياناً ينمو، العمل السيئ يدعوه إلى أن ينكمش، العمل السيئ مخجل، العمل السيئ يدعوك إلى أن تستر، أنت تتطامن، أن تستحي، أن تبتعد عن الناس، لكن العمل الطيب تنمو نفسك به، أنت حينما تخرج من ذاتك، وتساعد غيرك تشعر أنك إنسان، تشعر أنك مؤهل لإعمار الأرض، تشعر أنك خليفة الله في الأرض، أنت حينما تعطي، أنت حينما تسعد الناس، أنت أسعدهم.
حجم الإنسان عند الله بحجم عمله الصالح :
أيها الأخوة، الإنسان يتألق ويرقى عند الله بالعمل الصالح، والآية تقول:
﴿وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾
والله مرة أنشئ مسجد في يعفور، ودعانا الذي أنشأ المسجد إلى افتتاحه، دعا كل علماء دمشق، وأقام لهم وليمة فاخرة، وقف إلى جانب مدخل المسجد، وبدأ يستقبل الضيوف واحداً وَاحداً، والله ما وقعت عيني على وجه منوّر كوجهه، شعر بعمله الصالح.
هناك مصيف في شمال سوريا، ذكر لي خادم المسجد أن الذي أسس هذا المسجد رجل من اللاذقية، فكان يحضر بنفسه إعماره، وأنزل العمال في بيته الشخصي، وزوجته تطبخ لهم، إلى سنة أو سنتين حتى انتهى المسجد، يروي لي خادم المسجد أن الذي بنى هذا المسجد في أول خطبة ألقيت فيه بكى بكاءً لفت النظر، بكى بكاء الفرح أن الله سبحانه وتعالى مكنه أن يعمل عملاً طيباً.
أخواننا الكرام، بلا مجاملات، حجمك عند الله بحجم عملك الصالح، اسأل نفسك: ماذا قدمت للمسلمين؟ الويل، ثم الويل لمن كان همه نفسه، همه بيته فقط، أولاده، دخله، استمتاعه، طعامه، شرابه، لذلك كلمة مرةً قرأتها لا أنساها حتى الموت: إذا أردت أن تسعد فأسعد الآخرين.
لمجرد أن تخرج من ذاتك إلى خدمة الخلق فأنت عند الله كبير، وأنت عند الله مقدس، هل يعقل أن يقسم خالق السموات والأرض بعمر إنسان؟ لقد أقسم بعمر النبي فقال الله تعالى:
﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾
وقد ورد أن سيدنا جبريل أبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله يقول له: قل لصاحبك أبي بكر إن الله راضٍ عنه، فهل هو راضٍ عن الله؟ أول شطر ثابت، البقية غير ثابتة، هذه الدوخة ليس لها أصل، هذه من البدع، أما أول شطر فثبت أن جبريل يقول للنبي الكريم: قل لصاحبك أبي بكر إن الله راضٍ عنه فهل هو راضٍ عن الله؟ هل هناك من مرتبة تفوق أن يحبك الله وأن يحبك رسول الله؟
مرةً سمعت كلمة لبعض العلماء في عقد قران يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول عن سيدنا سعد بن أبي وقاص:
(( يا سعد والله إني لأحبك ))
من الذين يحبونك؟ أهل الحق؟ أهل الله؟ هل تشعر أنك في رحمة الله وعنايته؟ هل تشعر أن الله راضٍ عنك؟ لذلك الإنسان ينمو بالعمل الصالحة، ينمو، يشعر بقيمته، هذه الدنيا لا تقدم ولا تؤخر.
فليتك تحلو والحياة مريــــــــــــــــــرة وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني و بينك عامـــــر وبيني وبين العالميـن خـراب
إذا صحّ منك الوصل فالكل هين وكل الذي فوق التراب تـراب
***
مكانة الإنسان باستقامته و عمله الصالح :
أخواننا الكرام، نحن جميعاً ذقنا طعم الطعام والشراب، وطعم البيت، وطعم النوم، وطعم النزهة، ينبغي في رمضان أن نذوق طعم القرب من الله، أن نشعر أن هذا الشهر شهر إقبال على الله، شهر إحكام الصلة بالله، شهر العبادة، شهر تلاوة القرآن، شهر التوبة.
أيها الأخوة الكرام:
﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ ﴾
الزكاة هي النمو، نفس الغني تنمو.
مرة كنت عند قاضي تحقيق كان صديقي، زرته في قصر العدل، كان يحقق بجريمة قتل، والمتهم القاتل أمامه، والله على وجهه غبرة، ترهقه قترة، مطرق الرأس، خافض الطرف، ذليل، فجأة فتح الباب، ودخل شاب متألق، مبتسم، سلم على القاضي، قال له: الساعة جاهزة، يبدو أنه كلفه بإصلاح ساعة، وازنت بين الوجهين، يوم القيامة:
﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾
﴿وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ﴾
﴿تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ ﴾
مكانتك استقامتك، مكانتك بعملك الصالح، مكانتك إذا كنت أباً محسناً، مكانتكِ إذا كنتِ أماً ترعى زوجها وأولادها، تستر مفاتنها عن الناس، الإنسان يكبر عند الله، أو يكبر عند الخلق، فابتغوا العزة عند الله، البطولة أن تكون لك عند الله عزة.
دخل رجل فقير جداً إلى مجلس النبي صلى الله عليه فهشّ له وبشّ، وقال: أهلاً بمن خبرني جبريل بقدومه، قال: أو مثلي؟ قال: نعم يا أخي، أنت خامل في الأرض عَلَم في السماء.
قيمة الإنسان عند الله بمعرفته لله :
أيها الأخوة، لن نرقى إلا إذا وضعنا تحت أقدامنا مقاييس البشر، ولن نرقى إلا إذا اعتمدنا مقاييس خالق البشر، ما مقاييس خالق البشر؟ قال تعالى:
﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾
فمقامك عند الله بمدى معرفتك بالله.
﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
الله عز وجل أعطى المال لمن لا يحب، ولمن يحب، حتى أكون دقيقًا، أعطاه لقارون، وهو لا يحبه.
﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ﴾
لا تكن ضاحكاً في البداية، كن ضاحكاً في النهاية، أهل الدنيا يضحكون أولاً قليلاً، ويبكون آخراً كثيراً.
﴿يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ﴾
﴿يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ ﴾
العبرة أن تضحك آخراً، الذي يضحك أولاً يضحك قليلاً، والذي يضحك آخراً يضحك كثيراً.
العلم و العمل مقاييس خالق الأكوان :
أيها الأخوة، لذلك قيمة الإنسان عند الله بمعرفته لله.
﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
مرة كنت في زيارة معمل رأيت صاحب المعمل مهموماً حزيناً قلقاً، قلت له: خير إن شاء الله، ما القصة؟ قال: تعال انظر، أخذني إلى منتصف المعمل، وأشار إلى سقفه عند أحد جسوره، إلى خط يكاد لا يرى بالعين، خط خفيف، سألته: ما هذا؟ قال: هناك تصدع في أساسات المعمل، وأتينا بمهندس خبير، فقال: إصلاح هذا التصدع يحتاج إلى نصف مليون ليرة، هذا في عام ألف و تسعمئة و سبعين، كان الدولار بثلاث ليرات وثمانين قرشًا، قلت له مداعباً: لو جاء لك دهان، وقال له: أنا أمعجن لك هذا الشق، فرق كبير بين أن تملأ هذا الشق بالمعجون، وبين أن تصلح أساسات المعمل.
هذا الفرق بين العلم والجهل، لذلك أيها الأخوة إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فطلب العلم يرفعك عند الله.
﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾
الشيء الثاني العمل:
﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾
فأنت ممكن أن تتفوق عند خالق الكون بالعلم والعمل فقط، ببعض البلاد العربية والإسلامية ممكن أن تدفع مليونًا من الدراهم، أي خمسة عشر مليون ليرة من أجل أن يكون رقم مركبتك دون الخمسين ـ 43 ـ هذه ثمنها مليون درهم، خمسة عشر مليون ليرة، ما هذه القيمة؟ شيء مضحك، كلما نزل الرقم يكون الشخص مهمًّا وعظيمًا، فيشترون هذه الأرقام بملايين الليرات، هذه قيمة أرضية.
العبرة أن تقيس نفسك بمقاييس خالق الأكوان، الله عز وجل مقياسه العلم، مقياسه العمل الصالح، أما الناس فمقياسهم الوسامة، الغنى، الذكاء، موقع المنزل، مساحة المنزل، نوع المركبة، المنصب، يا ترى مدير عام أم معاون مدير؟ معاونه! يقول: حسبتك مديراً عاماً، هبط مستواه، نحن حينما نعتمد مقاييس أهل الأرض لا ننجح بحياتنا.
((رب أشعث أغبر ذي طمرين، تنبو عنه أعين الناس، لو أقسم على الله لأبره))
العمل الصالح لا يقبل عند الله إلا إذا كان صواباً و خالصاً :
إذاً النمو أن تكون عند الله مقبولاً، النمو أن تكون عند الله محسناً، لذلك العمل لا يقبل إلا إذا كان خالصاً وصواباً، قال العلماء: خالصاً ما ابتغي به وجه الله، وصواباً ما وافق السنة، أن تبتغي به وجه الله، وأن يكون موافقاً للسنة، شرطان أساسيان، كل منهما شرط لازم غير كافٍ.
ما معنى شرط لازم غير كافٍ؟ عندك رأس غاز، وفيه أسطوانة، لا الأسطوانة وحدها تنفعك، ولا الرأس وحده ينفعك، صحيح؟! الرأس وحده لا ينفع، تريد أن تطهو طعاماً، أنت بحاجة إلى رأس غاز، وإلى أسطوانة، وكل منهما شرط لازم غير كاف.
لذلك العمل الصالح لا يقبل عند الله إلا إذا كان صواباً، أحيانا نقرأ إعلانات عن إحياء ليلة غنائية ساهرة يرصد ريعها للأيتام، هذا العمل نهايته عمل خير، لكن شكله على غير مقاييس الدين، أو يانصيب خيري، أو أن هذا الذي نراه كل يوم، هذه المسرحية إكراماً لشهر رمضان المبارك، وتقرباً إلى الله، العمل لا يقبل إلا إذا كان خالصاً وصواباً، خالصاً ما ابتغي به وجه الله، وصواباً ما وافق السنة، وهذا معنى قوله تعالى:
﴿وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ ﴾
العبرة أن يرضى الله عن هذا العمل، إذاً ما لم نعتمد مقاييس الله عز وجل فلن نرتقي.
﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ ﴾
الغني تنمو نفسه، والفقير تنمو نفسه، يعظم هذا الدين الذي أمر الأغنياء أن يعطوا الفقراء، يشعر أنه مهم في المجتمع، بدليل أن بقية أفراد المجتمع تفقدوا أحواله، أعطوه ما ينبغي.
الآن المال يزكو، والمال ينمو، ينمو بطريق قانوني، بقانون اقتصادي، الفقير إذا أعطيته مالاً أصبح بيده قوة شرائية بها يشتري، يعود النفع على من باع، وعلى التاجر الذي أدى زكاة ماله، وقد ينمو المال بطريقة العناية الإلهية، وهذه طريقة خفية لا يعلمها إلا الله، لكن تأكدوا أنه:
(( ما تلف مال في بر ولا بحر إلا بحبس الزكاة ))
زكاة الفطر مفروضة على كل مسلم يملك قوت يومه :
لكن أيها الأخوة، لحكمة بالغةٍ بالغة فرض الله على الصائم أداء زكاة فطره، وزكاة الفطر مفروضة على كل مسلم عنده قوت يومه، وجبة طعام واحدة، الذي يملك وجبة طعام واحدة عليه زكاة الفطر، لماذا؟ هذا فقير، بل فقير جداً، لأن الله أراد لهذا المسلم أن يذيقه طعم الإنفاق في العام مرة، إذاً:
﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ﴾
الزكاة:
﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾
الصلاة:
﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾
والصيام من أجل التقوى:
﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾
والزكاة من أجل تطهير النفس ونموها.
والحج قال تعالى:
﴿لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ﴾
من يعلم أن الله يعلم لا يمكن أن يعصيه :
أنت حينما تعلم أن الله يعلم تستقيم على أمره، كيف؟ أنت لا يمكن أن تعصي إنساناً لا تحبه، بل تبغضه، لكنه مطلع على عملك، ومعه سلطة في معاقبتك، مستحيل أن تعصيه، أحببته أم كرهته موضوع آخر، مادمت موقناً أنه يعلم إذا خالفت أمره، ويعلم إذا تجاوزت حده، مادام علمه يطولك، ويملك سلطة يستطيع أن يوقع الأذى فيك فلا يمكن أن تعصيه ولو كرهته، فكيف إذا أيقن المؤمن أن في علم الله كل حركاته وسكناته وأنه لا تخفى على خافية لا في السماء ولا في الأرض؟ في الدنيا وفي الآخرة:
﴿يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ﴾
أما في الدنيا:
﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ﴾
﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾
أيها الأخوة، أنت حينما تعلم أن الله يعلم، وأن علمه يطولك، وأن قدرته تطولك، لا يمكن أن تعصيه، هذه العبادات، صلاة، وصوم، وحج، وزكاة، مؤداها أن تعرف الله، وأن تطيعه وأن تسعد بقربه في الدنيا والآخرة، هذا كل شيء.
أسأل الله لي ولكم النجاح والسداد، وأن يعيننا الله على صوم رمضان، وغض البصر، وحفظ اللسان، وأن نكون عتقاء من النار.