وضع داكن
19-04-2024
Logo
موضوعات علمية من الخطب - الموضوع : 264 - التمر.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 أيها الأخوة الأكارم حضورا ومستمعين:
 من الآيات الدالة على عظمة الله عز وجل والتي بثها في الآفاق التجاذب الحركي فيما بين الكواكب والنجوم هذا التجاذب ينتظم الكون كله بدأ من الذرة وانتهاء بالمجرة، فالشمس مثلا تجذب الأرض إليها بقوة هائلة بحيث تجري الأرض في مسار مغلق حول الشمس ولو انعدم جذب الشمس للأرض لخرجت الأرض عن مسارها حول الشمس ولاندفعت في متاهات الفضاء الكوني حيث الظلمة والتجمد، وبزوالها عن مسارها أي بانحرافها عنه تزول وتنعدم الحياة فيها إذ تصل حرارتها إلى درجة الصفر المطلق. قال تعالى:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً (41)﴾

[سورة فاطر]

 ولو أردنا من باب الافتراض، لو أردنا أن نستعيض عن قوة جذب الشمس للأرض بأعمدة من فولاذ نربط بها الأرض بالشمس لاحتجنا إلى مليون مليون حبل أو عمود فولاذي طول كل حبل مائة وستة وخمسون مليون كم وقطره خمسة أمتار، وكل حبل من هذه الحبال يتحمل من قوى الشد ما يزيد عن مليوني طن. أعرفتم أيها الأخوة كم هي قوة جذب الشمس للأرض. ثم إذا زرعنا هذه الحبال على سطح الأرض المقابل للشمس لفوجئنا أننا أمام غابة من الأعمدة الفولاذية بحيث تقل المسافة بين العمودين عن قطر عمود ثالث، هذه الغابة من الأعمدة تحجب عنا أشعة الشمس وتمنعنا من كل حركة ونشاط. كل هذه القوة قوة جذب الشمس للأرض والتي تزيد عن مليوني طن مضروبة بمليون مليون من أجل أن تنحرف الأرض عن مسارها المستقيم ثلاث ملم في كل ثانية من أجل أن تشكل مسارا مغلقا حول الشمس، الآن أيها الأخوة دققوا في قوله تعالى:

 

﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2)﴾

 

[سورة الرعد]

 أي بعمد لا ترونها، إنها قوى التجاذب، كلمة ترونها صفة لعمد وهي قيد لها وهي تفيد فيما تفيد أن الله رفع السماوات بعمد لا نراها إنها قوى التجاذب الحركي التي تنتظم الكون كله قال تعالى:

 

﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53)﴾

 

﴿ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾

[سورة فاطر 10]

هذه آية من آيات الآفاق، فماذا عن بعض آيات النفس.
أيها الأخوة في دنيا العروبة والإسلام:
 لو أن رجلاً كان يتنزه في بستان ولمح فجأة حشرة مؤذية قاتلة فما الذي يحدث في جسمه ينطبع خيال هذه الحشرة على شبكية العين إحساسا، وينتقل هذا الإحساس الضوئي إلى المخ إدراكاً وعندها يأمر المخ الغدة النخامية ملكة الجهاز الهرموني، يأمرها أن تواجه هذا الخطر بحكمتها، تصدر هذه الملكة الغدة النخامية التي لا يزيد وزنها عن نصف غرام أمراً هرمونيا لغدة الكظر فوق الكليتين كي تعطي الجسم الجاهزية القصوى لمواجهة الخطر، والكظر بدوره يعطي أمرا هرمونيا إلى القلب ليسرع نبضاته، فالخائف تزداد نبضات قلبه ويعطي الكظر أمرا هرمونيا ثانيا إلى الرئتين ليتوافق وجيبهما مع ازدياد نبضات القلب، الخائف يزداد وجيب رئتيه " أي يلهث "، ويعطي الكظر أمرا ثالثا هرمونيا إلى الأوعية الدموية المحيطية فتضيق لمعتها ليتجول الدم في العضلات بدل الجلد، الخائف يصفر وجهه، ويعطي الكظر أمرا هرمونيا رابعا للكبد ليطرح في الدم كمية إضافية من السكر لأنه وقود العضلات، ويعطي الكظر أمرا هرمونيا خامسا فترتفع نسبة هرمون التجلط لئلا ينزف الدم سريعا، كل هذا يتم في لمح البصر والإنسان لا يعلم ماذا يجري في جسمه، هذا خلق الله، فأروني ماذا خلق الذين من دونه، وفي أنفسكم أفلا تبصرون.
* * * * *
أيها الأخوة الأكارم:
 من الذكر أن تذكر العباد بربهم أن تدعو إليه معرفا إياهم بوجوده وكماله ووحدانيته معرفا إياهم بكتابه الذي يهدي للتي هي أقوم معرفا إياهم برسوله صاحب الخلق العظيم وبسنة رسوله وبسيرته مخاطبا عقولهم تارة وقلوبهم تارة أخرى أن تذكرهم وأن تكون قدوة لهم، قال تعالى:

﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151)﴾

[سورة البقرة ]

 كما اهتديت إلى الله اسع في هداية الخلق كن هاديا مهتديا كن نافعا منتفعا وهذا أيها الأخوة من أعظم أنواع الذكر إنه عمل الأنبياء والمرسلين إنه عمل الصديقين والموحدين إنه عمل العلماء العاملين المخلصين إنهم السابقون المقربون في جنات النعيم، وقد وسع الإمام النووي رحمه الله تعالى مفهوم الذكر فقال: اعلموا أن فضيلة الذكر غير منحصرة في التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير ونحوها، بل كل عامل لله تعالى بطاعته هو ذاكر له أية طاعة تطيع الله بها فأنت ذاكر له

 

تحميل النص

إخفاء الصور