وضع داكن
29-03-2024
Logo
موضوعات علمية من الخطب - الموضوع : 254 - التدخين .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وليُّ الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخُلق العظيم، اللهمَّ صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

مضار التدخين :

1 ـ ضيق التنفس وكثرة السُعال :

 أيها الأخوة الأكارم، كَثُرَ النقاش حول مضار التدخين، وكثر النقاش حول حُكم التدخين، أنا لا أتحدث في هذه الخطبة الثانية عن الحُكْم الشرعي، ولكن أضع بين أيديكم حقائق ثابتة متواترة أجمع عليها العُلماء، وبإمكانكم أنتم بعد عرض هذه الحقائق أن تستنبطوا ما إذا كان التدخين حلالاً أو حراماً.
 أول شيءٍ: كريات الدم الحمراء أيها الأخوة مغرمةٌ بأول أكسيد الكربون، الناتج عن التدخين، فإذا أخذت من هذا الغاز السام نصيباً فعلى حساب الأكسجين، لذلك الذين يدخِّنون تشيع في كرياتهم هذه الغازات السامة، وبالتالي تقلُّ لياقَتهم البدنية لضعف الأكسجين في كرياتهم الحَمراء، وتقلُّ قدرتهم على أداء المجهود.
 والشعيبات الهوائية بالرئة هذه تضيق، وتضيق إلى أن تُسَد عند المدخنين، ومع ضيق هذه الشعيبات الهوائية يضيق التنفس، ويكثر السُعال، وفي قصبة الإنسان أشعارٌ هُدْبِيّةٌ، هذه الأشعار تتحرك نحو الأعلى دائماً لتدفع كل شيءٍ غريب إلى الحَنْجَرَة، وهذا ما يسمه الأطباء القشع، هذه الأشعار التي أكرمنا الله بها، والتي هي موجودةٌ في داخل القصبة الهوائية، والتي تتحرَّك دائماً نحو الأعلى لطرد كل شيءٍ غريب، هذه الأشعار الهُدْبِيَّةُ تصاب بالشَلل عند المدخنين، لذلك يكثر سُعاله، ويضيق نَفَسُهُ، ويكثر القَشْعُ في قصبته الهوائية من دون أن يستطيع أن يخرجه خارج هذه القصبة.

2 ـ ضعف القلب ونقص التروية في الدماغ والقلب :

 شيءٌ آخر: مادة النيكوتين في الدخان أيها الأخوة هذه المادة لها تأثيرٌ كبير على غُدَّتَيّ الكّظَر - وقبل شرح هذه النقطة - الكظر أيها الأخوة غدتان فوق الكليتين، الإنسان إذا أدرك خطراً فالعين ترى ملامح الخطر، تراه إحساساً، وهذا الإحساس ينتقل إلى الدماغ إدراكاً، والدماغ هو مَلِكُ الجهاز العصبي يبلّغ مَلكة الجهاز الهرموني - الغدة النخامية - بأن خطراً متوقعاً فتصرفي، الغدة النخامية تعطي أمراً موحَّداً إلى الكظر ليتصرف.
 ماذا يفعل الكظر؟ يفرز مادةً تسهم في تسريع القلب، وتسهم في رفع وتيرة خفقان الرئتين، وهذه المادة تُقَبِّض الأوعية كلها لتوفير الدم للعضلات، وهذه المادة أيضاً تزيد من لزوجة الدم ليُمْنَعَ النزيف، وهذه المادة التي يفرزها الكَظَر من شأنها أن تزيد السُكَّر في الدم، فالخائف يصفر لونه لضيق أوعيته، ويضطرب قلبه، ويزاد وجيب رئتيه - يلهث - وتزداد لزوجة دمه، ويزداد سُكَّرَهُ في الدم.
 إن فعل النيكوتين مشابهٌ تماماً لعمل الغدة الكظرية، فالمدخن دائماً أوعيته منقبضة، ودائماً سكره في الدم أعلى من غيره، ودائماً دمه أكثر لزوجةً، ولزوجة الدم تُعَرِّض الإنسان إلى الجلطات، ودائماً ضربات قلبه تزيد من خمس عشرة إلى عشرين ضربة عن غير المدخن، هذه إحصائياتٍ دقيقة، ضربات القلب تزيد من خمس عشرة ضربة إلى عشرين نبضة أكثر من غير المدخنين، وارتفاع ضغط الدم يزيد خمس عشرةَ في المئة عن غير المدخنين، وانقباض الأوعية تسبب قصوراً في التروية للدماغ والقلب، وازدياد لزوجة الدم تسبب احتمال ورود الجلطة، أي تجمُّد الدم في الشرايين، وازدياد الترسُّبات الدهنية يزيد في تصلُّب الشرايين، وهذا يؤدي بالتبعية إلى ضعف القلب، ونقص التروية في الدماغ والقلب.

3 ـ تلف العصب البصري :

 مادةٌ في الدخان تسبب تلفاً في العَصب البصري، حالاتٌ كثيرة من العمى أساسها التدخين.

4 ـ سرطان الرئة والفم والحنجرة والمريء :

 القطران في الدخان يسبب سرطان الرئة، والفم، والحنجرة، والمريء، إحصاءٌ جرى في بلدٍ غربي عام 1912، كان هناك في هذا البلد ثلاثمئة وأربع عشرة حالة سرطان رئة، في عام خمسة وثمانين كان هناك مئة وخمسة وثمانون ألف حالة سرطان رئة بعد انتشار التدخين، هذا شيءٌ ثابت مقطوعٌ بصحَّته.

5 ـ الغريرين :

 التدخين أيها الأخوة ربما سَدَّ الشريانات الشعريات المُحيطية، فإذا سُدَّت الشعريات المحيطية في الإنسان، أصيب بمرضٍ خطير اسمه ( الغرغرين - الموات ) وقد يضطر الإنسان إلى بتر أحد أعضائه لانسداد الشعيرات في أطراف الإنسان، وهذا أيضاً من التدخين.

6 ـ تقرُّحاتٍ في المعدة وضعفٍ ووهنٍ جِنْسِيّ :

 وهناك شيءٌ آخر: يصاب المدخِّنون أحياناً بتقرُّحاتٍ في المعدة، وبضعفٍ ووهنٍ جِنْسِيّ، والمدخنون من النساء يصبن بكثرة الإجهاضات، والأطفال الذين تلدهن النساء أقل وزناً من الأطفال الذين يولدون من أمهاتٍ غير مدخِّنات.

7 ـ نسبة الوفيات في الولادات أكثر بين المدخنات منها من غير المدخنات :

 وشيءٌ آخر: نسبة الوفيات في الولادات أكثر بين المدخنات منها من غير المدخنات، ونسبة وفاة الطفل بعد ولادته أيضاً أعلى.
 هذه أشياء علميَّة مقطوعٌ بصحتها، أصبحت معروفة، وأصبحت متواترة.

هل التدخين حرام ؟

 الإنسان بعد هذا يتساءل: هل التدخين حرام؟ على كلٍّ أضع بين أيديكم هذه الآيات الكريمة:

﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾

[ سورة النساء: 29 ]

 وقال تعالى:

﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾

[ سورة البقرة: 195]

 وقال تعالى:

﴿ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ﴾

[ سورة الأعراف: 157]

 ويقول عليه الصلاة والسلام:

(( لا ضرر ولا ضرار ))

[ مسلم عن أبي سعيد الخدري]

 ونهى عليه الصلاة والسلام عن كل مُسْكِرٍ ومُفَتِّر. فكل واحدٍ منكم ليستفتي قلبه؛ كل هذه الأضرار التي تصيب الرئتين، والحَلق، والفم، وجهاز الهضم، وجهاز إفراز الفضلات، وجهاز الدوران، والقلب، والدماغ، كل هذه الأضرار ما دام الله عزَّ وجل يقول:

﴿ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ﴾

[ سورة الأعراف: 157]

 فينبغي أن يستعمل الإنسان عقله، على كلٍّ ما من إعلانٍ للدخان في العالم إلا وشركة الإعلان ملزمةٌ أن تكتب: " إن هذا الدخان يضر بصحة المُدخنين "، فليسأل الإنسان نفسه أين عقله؟

 

الصحة نعمةٌ عُظمى يتلفها المدخن بيده :

 فيا أيها الأخوة الأكارم، هذه حقائق موضوعةٌ بين أيديكم، ولا قيمة للمال إذا ذهبت الصحة، كما أنه لا قيمة للصحة إذا ذهب الهُدى، أوّل نِعَم الله عزَّ وجل الهدى، وثانيها الصحة، وثالثها الكفاية، أن تكون مكتفياً، فالصحة نعمةٌ عُظمى، المدخنون يتلفونها بأيديهم، والإنسان العاقل لا يعيش لحظته، ولكن يعيش مستقبله، فلو استمر على هذه العادة السيِّئة مصيره كمصير مئات الألوف من الناس الذين يُعانون من أمراضَ وبيلة، كانوا في استغناءٍ عنها.

تحميل النص

إخفاء الصور