وضع داكن
29-03-2024
Logo
موضوعات إسلامية - متفرقة : 045 - مجلس العدل - مقالة مسرحية
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً، و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

الأدب هو التعبير المثير عن حقائق الحياة :

 أيها الأخوة الكرام: لاشك أن الأمة الإسلامية تعاني ظلماً شديداً، وتعاني كيلاً بآلاف المكاييل، وتعاني منطقاً لا يقبله عقل في التاريخ البشري، وقد قال عليه الصلاة والسلام:

((إن من البيان لسحراً وإن من الشعر لحكمة))

[أحمد عن ابن عباسٍ]

 والأدب كما تعلمون هو التعبير المثير عن حقائق الحياة، وحينما يستخدم الأدب والفن الأدبي كقالب للحقائق يغدو أثره كبيراً جداً. أي عودة إلى أربعين عاماً من قبل حينما كلفت أن أؤلف كتاباً للشهادة الثانوية في الأدب، وقد ألّف هذا الكتاب وبقي يدرس عشر سنوات تقريباً، لكن راجعت هذا الكتاب قبل أيام لمقال قصصي، فرأيت انطباقه على واقع الأمة الإسلامية انطباقاً يأخذ بالألباب. ذلك أن المقال القصصي مقالة لكن على شكل قصة، أو على شكل حوار، فهناك قصص شعبية تتداولها الأجيال يأتي بعض الأدباء ويصوغ هذه القصة بشكل أدبي، فالقصة تقوم على قاض وعلى فران والقاضي متفق مع الفران ومتآمر معه، فالقاضي يعطي فكراً ومبادئ مزورة لمصلحته ومصلحة هذا المغتصب الفران.

قضيتنا مع أعدائنا موجودة في المقال القصصي التالي :

 لكن أيها الأخوة: قضيتنا مع أعدائنا، وقضيتنا مع هيئة الأمم المتحدة، وقضيتنا مع مجلس الأمن تجدونها في هذا المقال القصصي. فالفران يأتي إلى صديقه القاضي يقول له القاضي: مالك يا صديقي الفران؟ فقال الفران: أنقذني أيها القاضي، قال: ماذا جرى؟ قال له: الإوزة، قال: أية إوزة؟ قال: الإوزة المشوية التي أرسلت إليك نصفها الأمس، قال له القاضي: كانت لذيذة الطعم، شهية المنظر، بدهنها الوردي ورائحة لحمها الذي يسيل له اللعاب، الفران قال له: صاحبها جاء يطالب بها، قال القاضي: أهذا ما يزعجك؟ الفران: ماذا أقول له؟ قال القاضي: قل له: طارت- جاءت مذبوحة كي تشوى في الفرن ووضعها الفران أمام صاحبها في الفرن- قال له القاضي: قل له: طارت، فقال الفران: طارت! بعد أن أدخلتها الفرن !!! القاضي قال له: وما له؟ قال له الفران: وإن لم يصدق، قال له القاضي: هاته لي، قال له: وهو كذلك.
 بعد ساعة يأتي صاحب الإوزة إلى مجلس القاضي. يقول القاضي: ما هذا الشغب؟ يقول الفران: هذا رجل يقول لي إني لص. من هذا الرجل؟ قال له: رجل يزعم أنني أخذت إوزته. قال له القاضي: تقدم أيها الرجل، صاحب الإوزة: يا سيدي القاضي. قال القاضي: من أنت؟ قال له: أنا صاحب الإوزة. قال له: هل كانت لك إوزة؟ قال له: نعم يا سيدي القاضي وأخذها مني هذا الفران وهي في الصينية وأدخلها في فرنه أمامي وعندما طالبته بها رفض ردها. قال له القاضي: ماذا قال؟ قال له: قال شيئاً لا يدخل في العقل حجة مزعومة للاستيلاء على إوزتي. قال له القاضي: لا تتفلسف قل نص كلامه، قال له: قال إنها طارت أتصدق ذلك يا سيدي القاضي؟ قال له القاضي: أنت لا تصدق. قال له: طبعاً لا أصدق. قال له القاضي: وهل أنت مؤمن بالله؟- دخل القيم الدينية- قال له: مؤمن بالطبع. قال له القاضي: ألا تؤمن بقدرته؟ قال له: أؤمن طبعاً، قال له القاضي: ألا يستطيع الله أن يحيي العظام وهي رميم؟ قال له: يستطيع لكن... قال له القاضي: كفى، إما أنك مؤمن بالله وقدرته وإما أنك كافر زنديق حلت عليك لعنة الله. قال صاحب الإوزة: يا سيدي أنا مؤمن بالله وقدرته. قال له القاضي: اعترف إذاً أنه يستطيع أن يجعل إوزتك تطير في الفرن، يجب أن تؤمن. قال له: يستطيع ولكن... قال له القاضي: اسمع هي كلمة واحدة هل طارت الإوزة أم لم تطر؟ قال له: طارت وانتهينا. طارت، والله أيها الأخوة: والله أستمع إلى منطق الآن، إلى تصريحات، إلى كلام تكاد تخرج من جلدك. قال صاحب الإوزة: لكن يا سيدي القاضي هذه الإوزة أعددتها لطعامي وطعام أولادي من يدفع لي ثمنها؟ هل يرضي الله عز وجل أن تطير إوزتي وأتضور أنا وأهلي جوعاً؟
 قال له القاضي: هذه مشكلتك مع الله وليس مع هذا الفران. قبل أسبوع أخرجوا أناساً كثيرين من بيوتهم في القدس، والشباب الذين خرجوا من بيوتهم ولدوا في هذه البيوت، قال: هذه البيوت لليهود وليست لكم، وهجروا بمنطق العقل لا يصدقه. هذه القصة تنطبق على ما يحدث الآن مع أنني اخترتها قبل أربعين عاماً، أما كأنك تطالع قصتنا مع أعدائنا، ومع من يدعم أعدائنا، ومع من نصّب نفسه ليكون آكلاً لحقوق الأمم. قال له: سبحان الله! وثمن الإوزة من المسؤول عنه أليس هو الفران؟ قال له القاضي: أتطالب الفران بثمن الإوزة. قال له: ومن غيره أمامي لأطالبه؟ قال له القاضي: يا رجل كن منطقياً من الذي أطار إوزتك الله أم الفران؟ قال له: والله يا سيدي... قال له القاضي: لا تلف ولا تداور تكلم بالعقل، هل الفران له القدرة على أن يجعل إوزتك تطير بعد شيها في الفرن؟ قال له: لا. قال له القاضي: ومن يملك هذه القدرة؟ قال له: الله. قال له القاضي: مادام الله هو الذي طير إوزتك فكيف تسأل الفران وتطالبه؟ هذا مجلس الأمن بالضبط، اليهود ينتهكون، لا يطبقون قراراته مئة مرة لا أحد يتكلم، أي أمة إسلامية لا تطبق قراره يقوم عليها النكير، تقوم الدنيا ولا تقعد، أرادوا هدم صنم بأفغانستان الدنيا قامت ولم تقعد، أما هؤلاء الذين يموتون بالآلاف فلا يوجد مشكلة، لا أحد تحرك، العالم كله تحرك من أجل هدم أصنام في شرقي آسيا، تعلمون هذه القصة، أما الآن فهؤلاء الذين يقتلون كل يوم مئات بل ما يقترب من الألوف يمثل بهم، لا أحد يتكلم إطلاقاً. قال له القاضي: اسمع يا رجل المحكمة ستخفف عنك الحكم مراعاةً لظروفك النفسية. قال: أي حكم يا سيدي؟ قال له القاضي: ألم تسب الفران وتقول له: يا لص. قال: إنه يا سيدي القاضي... قال له القاضي: حكمت عليك المحكمة بجنيه غرامة، قال: أنا أم هو؟ قال له القاضي: بل أنت. قال: هو براءة ؟ قال له القاضي: نعم براءة. فقال: يا ناس يا هو إوزتي ملكي يستولي عليها هذا الرجل ويكون هو صاحب الحق. قال الفران: هل تسمع يا حضرة القاضي يقول: إني استوليت على ملكه، قال له القاضي: عار عليك أن تعتدي على أناس أبرياء. قال له الفران: أتسمح لي يا حضرة القاضي أن أناقشه وأثبت حقي. قال له القاضي: تفضل. قال الفران: قل لنا يا هذا منذ متى كانت لك هذه الإوزة؟ قال: كانت لي طوال عمرها. قال الفران: وقبل أن تكون لك أين كانت؟ قال: كانت في البيضة. قال الفران: ولمن كانت البيضة ؟ قال: كانت لي أيضاً. قال الفران: ومن أين جاءتك البيضة؟ قال: من الإوزة التي باضتها. قال الفران: وهذه الإوزة الأم من أين جاءتك؟ قال: كانت عندي مع صغارها وربيتها بنفسي. قال الفران: وقبل أن تربيها بنفسك. قال: كانت بيضةً طبعاً. قال الفران: وأم هذه البيضة؟ قال: إوزة أخرى.
 قال الفران: وأين هي هذه الإوزة ؟ قال: وأية إوزة. قال الفران: الإوزة الجدة. قال: الإوزة الجدة أين هي؟ قال: نعم التي باضت البيضة التي خرجت منها الإوزة التي فقصت وخرجت منها الإوزة موضوع النزاع. قال يا سيدي القاضي: وما دخل هذا كله في موضوع إوزتي اليوم؟ قال له القاضي: هذا مهم جداً- يرجعون لقبل ألف سنة أو ألفي سنة- لإثبات حق هذا الفران. فقال صحاب الإوزة: شيء عجيب حقه في ماذا يا سيدي؟ قال له القاضي: لا تراوغ يا رجل أجب عن سؤاله. قال: ما الموضوع بالضبط؟ قال له القاضي: وبعدها معك يا رجل أنت الآن أمام محكمة تريد الوصول إلى حل عادل. سألوا وزير الخارجية بعد أن زار إسرائيل قال لهم: جنين لا يوجد فيها مشكلة أبداً كله أساطير وكله كذب. المقتولون بجنين بالآلاف، شيء العقل لا يتصوره، لذلك ترتاح حينما تعرض عنهم كلياً.
 قال له القاضي: وبعدها معك يا رجل أنت أمام محكمة تريد الوصول إلى حل عادل اترك الفران يتكلم بحرية. قال: أرأيت يا سيدي القاضي الظلم والاضطهاد؟؟ قال له القاضي: دعك منه تكلم، نحن كلنا نستمع إليك. قال الفران: وتلك الإوزة الجدة التي باضت البيضة التي خرجت منها الإوزة التي باضت هذه البيضة التي أخرجت هذه الإوزة كانت يوماً لي وملكي- هذه الحجة- قال له القاضي: سمعت يا رجل؟ قال الرجل: ما هذا الكلام؟
 قال له القاضي: كلام واضح كالشمس، قال الرجل: الإوزة الجدة شيء مضحك والإوزة الوالدة ما مركزها هي الأخرى؟ قال له القاضي: الوالدة لا تهمنا المهمة الجدة. قال: وما دليلك على أنها لم تكن ملكه؟ قال: وما دليلك أنت على أنها ملكه؟ قال: وما قيمة ذلك إذا كان كل أجيال البيض وما خرج منها كانت دائماً ملكي وتحت يدي، قال له القاضي: أتستطيع أن تقسم بالأيمان المغلظة أن جميع أجيال البيض والإوز كانت ملكك وتحت يديك؟ لاحظ يا رجل أنك إذا أقسمت كذباً طبقنا عليك جريمة شهادة الزور. قال الرجل: ما المقصود من جميع الأجيال؟ قال له القاضي: أي جميع الأجيال الكلام واضح كالشمس. هذا هو المنطق الذي نتعامل معه اليوم، المنطق الحديث أن تضربه حتى لا ينطق نعم. قال الرجل: هل تدخل في ذلك أول إوزة وجدت في الخليقة؟ أو بعبارة أخرى حواء الإوزة. قال له القاضي: أتمزح مع المحكمة؟ قال الفران: انظر يا سيدي القاضي يحلو له المزاح أمام مجلس العدل الموقر، قال له القاضي: اسمع يا رجل سأعد كلامك هذا تهرباً وعجزاً أمام أدلة الفران الناصعة، قال الرجل: اسمحوا لي أن أسأل ماذا تريدون مني؟ قال الفران: ردّ شرفي. قال له القاضي: هاهو وقد أخبرك. قال الرجل: وكيف ذلك؟ قال له القاضي: الاعتراف بشرعية وضعه- هذا الاعتراف والتطبيع- فقال صاحب الإوزة: وضعه! أي وضع هذا؟ قال له القاضي: ألم تقل إنه استولى على إوزتك بغير وجه حق؟ قال الرجل: نعم مازلت أقول ذلك، وقد حكمت عليّ بغرامة فماذا تريد أكثر من ذلك؟ قال الفران: إنه مصر يا سيدي القاضي مصر على موقفه. قال له القاضي: فليصر كما يشاء يكفي أن المحكمة قد برأتك أنت وصادقت على أقوالك ولم تلتفت إلى أقواله وحكمت لك بغرامة لعدوانه عليك، والآن تفضل انصرف أيها الفران الفاضل معززاً مكرماً مشيعاً بعطف المحكمة. قال الفران: شكراً يا سيدي القاضي وليحيا العدل. قال: العدل لا حول ولا قوة إلا بالله. جمهور من الناس قالوا: يا حضرة القاضي لا تدعه ينصرف. قال له القاضي: من هؤلاء؟ قالوا: نحن جماعة اعتدى علينا هذا الفران- له جرائم كثيرة جداً - قال له القاضي: وكيف ذلك؟ جاء رجل معصوب العين قال: أنا أقص عليك يا سيدي القاضي. قال له القاضي: قل ولا تطل؟ قال: كنت أسير في طريقي أمام فرن هذا الفران. قال له القاضي: لماذا اخترت هذا الطريق؟ قال: إنه طريقي المعتاد إلى منزلي. قال له القاضي: استمر. قال: فلما وصلت إلى الفرن وجدت مشاجرةً بين هذا الفران وهذا الرجل صاحب الإوزة. قال له القاضي: لا شأن لك أنت في الإوزة. قال: لا شأن لي طبعاً لكن الذي رأيته هو العراك بين الرجلين والتلاكم بالأيدي فتدخلت أخلص أحدهما من الآخر، وإذا الفران يقول لي: ابتعد يا وغد ثم لطمني على عيني هذه لطمةً عنيفةً أفقدتها البصر. قال له القاضي: لماذا تتطفل وتدخل بينهما؟ قال له: أردت منع الشر. قال له القاضي: ألم تسمع للمثل القائل: ما ينوب المخلص إلا تمزيق ثيابه،قال الرجل: إن الفران مزق عيني وفعلها عمداً ولم تكن هناك حاجة إلى ذلك، قال له القاضي: وهذه العين الذي فقدت البصر فقدته كلياً؟ قال له: كلياً، قال له القاضي: أي غير موجودة الآن. قال الرجل: غير موجودة، قال له القاضي: وما الموجود؟ قال له: عيني الأخرى. قال له القاضي: تقصد عيناً واحدة، قال: نعم، قال له القاضي: إذاً نعد العين المفقودة غير موجودة فهي في حكم العدم وكأنها لم تكن. قال له: طبعاً. قال له القاضي: نتصرف إذاً على أساس أنك تملك عيناً واحدة هي هذه المبصرة الموجودة أمامنا في الجلسة بدون شك العدل يجب أن يأخذ مجراه.
 قال الرجل: بارك الله بك يا سيدي القاضي. قال له القاضي: العدل يقول: العين بالعين أسامع أنت يا مظلوم العين بالعين وتنفيذاً لذلك عليك أن تفقأ للفران عيناً وعلى الفران أن يفقأ لك عيناً. قال الرجل: أي عين؟ قال له القاضي: الموجودة أمامنا. قال الرجل: هذه العين المبصرة. قال له القاضي: المبصرة. قال الرجل: والمفقودة. قال له القاضي: لا تغالط هذه خارج الحساب طبعاً ألم تعترف الآن أمام المحكمة أن المفقودة غير موجودة وأنها في حكم العدم كيف نبني الأحكام على ما هو معدوم؟ أتعترض يا رجل على أحكام القانون؟ قال الرجل: لا أعترض على أحكام القانون ولكن... قال له القاضي: ولكن ماذا؟ من المبادئ المقررة أن العين بالعين والسن بالسن هذه مبادئ العدل، وقد أعطيناك حقك طبقاً لمبادئ العدل، قال الرجل: ولكن ذلك سيجعلني أعمى؟ قال له القاضي: ولكن ستأخذ حقك. قال الرجل: حقي أن أصير أعمى؟ قال له القاضي: في نظير ذلك تأخذ عين غريمك. قال الرجل: لكنه يبصر بالعين الأخرى. قال له القاضي: لأن له عينين. قال الرجل: وأنا كنت أملك عينين. قال له القاضي: لا تغالط. قال الرجل: وإذا رفضت؟ قال له القاضي: رفضت ماذا؟ أن يفقأ كل منا عين الآخر، ترفض الحكم؟ قال الرجل: أرفض الحكم وأنصرف إلى حال سبيلي ولا أطالب بشيء وحسبي الله. قال له القاضي: إذاً أنت رافض حكم المحكمة. قال الرجل: المحكمة الموقرة أرادت أن تنصفني وتعطيني حقي وأنا متنازل عن طيب خاطر عن هذا الحق. قال له القاضي: هذا يعد استخفافاً بأحكام المحاكم، وعليه حكمت عليك المحكمة بجنيه غرامة. قال الرجل: وأخرج بغرامة؟ قال له القاضي: هذا هو العدل. شيخ معمم يقول: يا مولانا القاضي كنت أسير أمام هذا الفرن وأنا لا شأن لي طبعاً بالإوزة. قال له القاضي: الحمد لله. الشيخ: كنت في المسجد أصلي. قال له القاضي: وأنعم بالصلاة. الشيخ: كان شقيقي الوحيد يصلي هو الآخر في المسجد. قال له القاضي: جميل. الشيخ: فما ندري إلا هرج ومرج قد اقترب من المسجد وإذا جماعة من الناس تلاحق هذا الفران أحدهم يقول: الإوزة. قال له القاضي: وبعدها معكم مع الإوزة. الشيخ: و آخر يصيح عيني عيني، وثالث يقول: زوجتي زوجتي، وامرأة تقول: بطني، وفلاح يقول: حماري حماري، وكلهم ومعهم أهل الناحية يجرون خلف الفران، وهو يدفعهم عنه بيديه وقدميه إلى أن دخل المسجد. قال له القاضي: ليصلي ؟ الشيخ: ليعتصم به من مطارديه، فلما رآهم دخلوا خلفه أراد أن يهرب منهم فصعد إلى أعلى المئذنة فصعدوا خلفه فقفز وألقى بنفسه منها، قال له القاضي: ومات؟ الشيخ: شقيقي هو الذي مات. قال له القاضي: وما دخل شقيقك؟ الشيخ: كان يصلي بصحن المسجد المكشوف تحت المئذنة وكان ساجداً وإذا الفران بكل ثقله يقع عليه. قال له القاضي: لماذا اختار أخاك الصلاة في هذا المكان بالذات؟ الشيخ: قسمته. قال له القاضي: إذاً هو ذنبه وسوء تصرفه، ومن يضع نفسه موضع التهلكة فلا يلومن إلا نفسه. الشيخ: وهل هذا موضع تهلكة يا سيدي القاضي معقول هذا!! موضع من المسجد يصلي به أخي كما يصلي به الناس جميعاً من سنين طويلة.
 قال له القاضي: أولم يهلك أخوك فيه؟ كل موضع فيه هلاك موضع تهلكة، ومن وضع نفسه موضع التهلكة فلا يلومن إلا نفسه. الشيخ: وهل كان يخطر ببال أحد أن يصعد المئذنة رجل ويلقي بنفسه منها على رقاب المصلين. قال له القاضي: حدث ماذا تريد؟
 الشيخ: أريد العدل والإنصاف. قال له القاضي: ونحن هنا للعدل والإنصاف، والعدل يقول رقبة برقبة. الشيخ: بارك الله بك يا سيدي القاضي. قال له القاضي: وما دام هذا الفران قد ألقى بنفسه من المئذنة على رقبة أخيك وهو يسجد فدقها فعليه هو الآخر أن يسجد في موضع أخيك وتصعد أنت إلى أعلى المئذنة وتلقي بنفسك منها على رقبته فتدقها. الشيخ: يا سيدي القاضي الله الغني. قال له القاضي: هذا حقك. الشيخ: أنا متنازل عن هذا الحق، قال له القاضي: ما الذي جرى لكم جميعاً؟ جئتم لطلب العدل، وعندما نحكم لكم بالعدل ترفضون، هذا تلاعب بالقضاء، حكمت عليك المحكمة بجنيه غرامة. هذا الثالث، المقصد آخر فقرة، هذا درس لنا جميعاً، ينصرف الشيخ. قال القاضي: غيره هل يوجد أحد؟ لم يتقدم أحد، قال له القاضي: ما لكم أليس هناك إنسان آخر له دعوى على هذا الفران؟ يوجد فلاح جالساً مع حمار له، قال الفران: يا سيدي القاضي يوجد هذا الفلاح وحماره في آخر الجلسة قرب الباب. قال له القاضي: وما شأنه؟ قال: يقول: إنه كان وسط الناس راكباً حماره فلما اشتد جذب الناس لي أردت الخلاص منهم أمسكت بذيل حماره إلى أن انخلع من يدي، وصار أزعر من دون ذنب. قال القاضي للفلاح: تعال يا رجل ما الذي حدث؟ الفلاح: لم يحدث شيء، قال له القاضي: عجيب ألم يمسك هذا الفران بذيل حمارك؟ الفلاح: لم يمسك قط، قال له القاضي: أليس حمارك أزعر؟ الفلاح: خلقة ربه. قال له القاضي: منذ متى؟ الفلاح: من يوم ولادته. قال له القاضي: طوال عمره بلا ذيل؟ الفلاح: طول عمره بلا ذيل، قال له القاضي: وكيف ينش الذباب عن جسمه ؟ الفلاح: أنا أنش له الذباب. قال له القاضي: ولماذا لا تركب بدل الذيل؟ الفلاح: فكرة والله. قال له القاضي: أنت رجل كذاب. الفلاح: أنا يا جناب القاضي؟ قال له القاضي: أيوجد يا رجل حمار يولد أزعر؟ الفلاح: ربنا قادر على كل شيء. قال له القاضي: أسمعت أنه يخلق حماراً من دون ذيل؟ الفلاح: كما سمعت أنه يجعل الإوزة تطير من الفرن. قال له القاضي: معقول أقنعتني لعنة الله عليك، إذاً ليس لك شكوى على هذا الفران؟ الفلاح: لا أبداً لا سمح الله. قال له القاضي: وماذا جئت تفعل إذاً؟ الفلاح: أتفرج. قال له القاضي: تتفرج على ماذا؟ الفلاح: على الجلسة. قال له القاضي: قالوا لك إن العدالة فرجة؟ فرجة بالمجان حكمت عليك المحكمة بجنيه غرامة.

المؤمنون بعضهم لبعض نصحة متوادون :

 هذه القصة أيها الأخوة مع أنها والله كتبت قبل أربعين عاماً ولكن حينما نقرأها نرى هذا المنطق نفسه، أي المعتدي بريء والمعتدى عليه مدان، وقتل أناس بريئين بالآلاف بأساليب لا تعد ولا تحصى ولا أحد يتكلم، وأي عمل آخر مقابل للعدو الدنيا تقوم ولا تقعد، فلذلك أيها الأخوة: الحل الوحيد الذي أنا ذكرته في الخطبة الإذاعية الإنسان عليه أن يعمل، وعليه أن يبني أمته، وعليه أن يختار موقعاً مناسباً له، وعليه أن يسهم في تقوية المسلمين، وتخفيف الأعباء عنهم، ورفع قدراتهم جميعاً، هذا هو الحل الذي يبدو واضحاً. والله أيها الأخوة: ما دام المسلمون في بقاع الأرض متعلقين بجهة أرضية يعلقون عليها آمالهم، والله طريق الخلاص طريق مشدود، ولا سبيل إلى الخلاص إلا أن نكون مثل هذا الفلاح الذي يئس من عدل هؤلاء المعتدين. ليس عندهم عدل، قلت لكم قبل أيام: إن إنساناً مندوب صحيفة تعد ثالث صحيفة في بلد يدعم عدونا يقول: ليس في الأرض لا قيم ولا أخلاق، فيها قوة فقط، وكلما بطشت أكثر ربحت أكثر، نحن حينما استأصلنا الهنود الحمر حسمنا المعركة، والإنكليز حينما استأصلوا سكان أستراليا الأصليين حسموا المعركة، أما البيض في جنوب أفريقيا حينما رحموا السود فخسروا المعركة.
 هذا منطق العالم الغربي، أحياناً جزء من قوة المسلمين أساسها كيف يفكر هؤلاء؟ كيف يفكرون؟ المؤمن منطقي، المؤمن عنده عدل، المؤرخون قالوا: ما عرف التاريخ فاتحاً أرحم من العرب، سيدنا صلاح الدين فتح القدس لا يوجد إنسان ظلم في عهده، الفرنجة خرجوا من القدس آمنين مطمئنين، حتى أنهم باعوا متاعهم بأثمانها، وقالوا قولاً رائعاً: الإيمان قيد الفتك ولا يفتك مؤمن. يجب أن ترى الصورة الواضحة بين المؤمن وبين غير المؤمن، المؤمن عنده عدل، عنده رحمة، والله عز وجل قال:

﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾

[ سورة البقرة: 190]

 أما قتل الأبرياء الذين لا علاقة لهم بالقضية فهذه من سمات العصر أيضاً.
 ذكرت يوم الجمعة أنه جاءتني ورقة يقول صاحبها: لو نصوم يوم الاثنين من أجل أخوتنا في الأراضي المحتلة. أنعم بالصيام والصيام عبادة لكن قلت: قضيتنا أكبر من الصيام، أكبر بكثير، كالذي لم يدرس إطلاقاً ولم يفتح كتاباً طوال العام الدراسي، وجاء الامتحان، قال له أحدهم: قبّل يد أمك تنجح، لا، لن ينجح، قال له الثاني: اقرأ الفاتحة، قال له الثالث: اذهب إلى المقام الفلاني وخذ شمعتين و اشعلهم، قال له الرابع: ادفع صدقة، هذا كله لا يقدم ولا يؤخر، يوجد تقصير شديد، نحن كل إنسان بموقعه أيها الأخوة، إذا أتقن الإنسان عمله وقدم شيئاً للمسلمين وخفف عنهم كنت أقول: الطالب في مدرسته إذا تفوق، والعامل أتقن، والمزارع أخلص، والموظف خدم المواطن، والقاضي عدل، والمحامي صدق، والطبيب رحم، وكل حرفة يوجد آلاف الأساليب الذي يخرب بها، ويوجد أسلوب أو أسلوبان ينفع بها الأمة، فكل إنسان له حرفة إذا أخلص للمسلمين، يقول عليه الصلاة والسلام:

(( إِنَّمَا الدِّينُ النَّصِيحَةُ، قَالُوا: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ))

[ مسلم عن تميم الداري]

 فكلما اشتد الأمر ينبغي أن نعاهد أنفسنا على أن نكون نصحة للمسلمين، وقد قال عليه الصلاة والسلام: " المؤمنون بعضهم لبعض نصحة متوادون ولو ابتعدت منازلهم والمنافقون بعضهم لبعض غششة متحاسدون ولو اقتربت منازلهم"

 

مقال قصصي عن حال البلاد البعيدة :

 أنا مرة جئت من سفر بعيد وتوقعت الأخوة يسألونني عما رأيت في هذه البلاد البعيدة، فأردت أن أحسم الأمر بمقال قصصي كهذا المقال، قلت: أب عنده عشرة أولاد، أحد هؤلاء الأولاد كان ذكياً جداً، وكان خبيثاً جداً، وكان منافقاً جداً، الأب وزّع أمواله على أولاده بالتساوي، هذا الأخ الخبيث طموحاته في الدنيا لا تكفي المال الذي أخذه من أبيه، فأراد أن يعتدي على أموال إخوته بطريقة مقبولة، أقنع أحدهم أن يأخذ ماله ليستثمره فأخذ المال وحجزه عنده وأعطاه النذر اليسير، ملك المال، والآن يوجد ثمانمئة مليار أموال مستثمرة في بلاد الغرب البعيدة وقد ضاعت، وإذا نقضوا عهد الله وعهد رسوله كما قال عليه الصلاة والسلام:

((عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالأوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ، وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ ))

[ ابن ماجة عن عبد الله بن عمر]

 وهذا الحديث من دلائل نبوة النبي عليه الصلاة والسلام.
 الأخ الثاني باعه بضاعة لا يحتاجها، بيع لبعض الدول النفطية خمس طائرات أذكر وقتها أن ثمن هذه الطائرات يعادل إنفاق دولة لمدة خمس وعشرين سنة، وهذه الطائرات قابعة في المطارات، عملية ابتزاز أموال عجيبة. وهذا الأخ الخبيث أقنع أخاه الأول أن يضع أمواله عنده ليستثمرها، حجزها واغتصبها وأعطاه النذر اليسير، الأخ الثاني أقنعه أن يبيعه حاجات لا يحتاجها بأرقام فلكية، حتى أوقعه في عجز لا ينتهي في مئة عام قادم، وهذا ما حصل، والأخ الثالث اشترى منه بضاعة مهمة جداً بثمن بخس، منذ سنة أو أكثر النفط بيع بأقل من تكلفته بأسلوب خبيث جداً، هذا الثالث، أما الرابع فأرسل له من يهدده ثم قال له: أنا أدافع عنك أعطني أجرتي، فكلما دفعت دفعة كبيرة تهدد صاحب القضية، يأتي من يهدده ثانيةً ليبتز أمواله ثالثةً، صاروا أربعة، وأيضاً هذا الابن الخبيث جداً اشترى أرضاً بثمن بخس وضمها إلى أرضه الآن بعد حين من الوقت جمع أموال أخوته جميعاً عنده، وبنى بيتاً، ورفه أولاده رفاهاً العقل لا يصدقه، أي لكل ولد بيت فخم جداً، ولكل ولد مركبة وغرف خاصة للنوم، ومكتبات، ومسابح، وإنفاق شديد، وخدم وحشم، هذا عاش في بحبوحة، صار لطيفاً لطف الغنى وليس لطف الإيمان، أخوته الذين ابتز أموالهم أصبحوا فقراء، بيوتهم صغيرة، حياتهم خشنة، طعامهم خشن، فكلما التقى بهم اشمأز منهم، غير مهذبين، ثيابهم غير مقبولة، ألست أنت الذي أخذت أموالهم واغتصبتها وأفقرتهم؟ أخلاق أولادهم شرسة ينامون خمسة في غرفة واحدة وفقر.
أنت سبب فقرهم، أنت سبب مظهرهم الذي لا يليق، أنت سبب عنفهم، هذا الأخ الفاسق الذكي الخبيث بقلبه رحمة على الكلاب فقط.
 فأنا حينما كنت هناك قضية بديهية هناك من يجري عملية زراعة سن لكلب، عندنا زراعة السن تكلف خمسين ألف ليرة، كل سن في أوربا يكلف مئتين وخمسين ألفاً، فكان يزرع لكلابه أسنانهم الساقطة، وهناك عمليات زراعة مفصل للكلاب، وهناك عمليات تبديل شريان للكلاب، وهناك عيادات نفسية للكلاب، الكلب معه كآبة.
 أنا لا أمزح أنا أقول الواقع، كله رأيته بأم عيني، وهناك أبنية شاهقة، محلات لبيع حاجات الكلاب، دخل إنسان لا يعرف فطار عقله بهذه الطعام الطيب- علب لحم- فعبأ السلة كلها، وعندما وصل إلى مكان الحساب قالت له: عندك كلب؟ قال: لا، قالت: أرجعهم هذه للكلاب، وما يأكله كلاب هذه البلاد من اللحوم لا يأكله الشعب الهندي بأكمله، عنده عطف على الكلاب أما أولاد أخيه فميتون من الجوع، أنتم لاحظتم العطف على هذا الصنم الذي في شرقي آسيا، الدنيا قامت ولم تقعد أما هؤلاء الذين يموتون فشأن داخلي، عدوانهم مبرر.
 النقطة الدقيقة أن أخوة هذا الأخ الخبيث يموتون من الجوع، معهم فقر دم، هشاشة عظام، بيوتهم صغيرة، طعامهم خشن، غذاؤهم قليل، أخلاقهم أصبحت عنيفة من شدة الفقر والقهر، وهذا الذي ينعم بهذا المال الوفير صار ناعماً من شدة الغنى.

التّوازن بين الناس لا يحقق إلا يوم القيامة :

 لذلك لا يمكن أن نتوازن إلا باليوم الآخر، ألم يقل الله عز وجل:

﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾

[ سورة مريم: 71]

 قال العلماء: أسماء الله كلها محققة في الدنيا إلا اسم العدل يحقق في الدنيا جزئياً، لأن الله يعاقب بعض المسيئين ردعاً لبقية المسيئين، يعاقب بعضهم، ويكافئ بعض المحسنين تشجيعاً لبقية المحسنين، أما الحساب الختامي أما رصيد الحساب فقد قال تعالى:

﴿وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾

[ سورة آل عمران: 185]

 الإنسان حتى يتأكد من عدل الله عز وجل يوم القيامة يسمح الله له أن يطلع على أهل النار، قال تعالى:

﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾

[ سورة مريم: 71]

 وقال العلماء ورود النار شيء ودخولها شيء آخر، ورود النار لا يتأثر واردها ولا بوهجها، ولكن يرى عدل الله عز وجل، أولاً تتضاعف سعادته في الجنة لأنه يرى في النار موقعه في النار لو لم يكن مؤمناً، وتتضاعف سعادته في الجنة حينما يرى الأقوياء في الدنيا، الطغاة الذين سفكوا دماء البشر، واستكبروا، واستحلوا ما حرم الله، واستهانوا بكرامة الإنسان، واستهانوا بقيم الحق، يرى مكانهم في النار، قال تعالى:

﴿قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَدِينُونَ * قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ﴾

[ سورة الصافات: 51-55]

 وهذا من فضل الله علينا، يقول الله عز وجل:

﴿وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ﴾

[ سورة يونس: 46]

 التوفي قد يكون قبل أن نرى حكم الله في هؤلاء الطغاة.

القوة أساس انتصارنا على أعدائنا :

 طبعاً أنا اعذروني أردت أن أخفف عنكم، وأردت أن أرفع معنوياتي ومعنوياتكم جميعاً، وأردت أن توقنوا أن الله لن يتخلى عنا، وأن هذا المنطق الذي نراه ونسمعه يجب أن يكون في الحاويات، هذا ليس منطقاً أبداً، لو أنك استمعت إلى تصريحاتهم وأقوالهم تخرج من جلدك، لا يوجد منطق، ولا عدل، ولا رحمة، ولا قيم أخلاقية، ولا قيم إنسانية، لا يوجد إلا القوي، يجب أن يعيش وحده، والاتجاه الآن الخطير هو التوحد وإلغاء الطرف الآخر، إلغاؤه كلياً، إلغاؤه يعني إبادته، يعني هذا الذي نراه إبادة تامة لصاحب الأرض إبادة تامة لصاحب الحق.
 فأنا أقول لكم أيها الأخوة: وهذا ذكرته قبل أيام في منبر إعلاني قلت: حينما نعقد الآمال على البشر فهذا الذي نراه نتيجة عقد الآمال على البشر، كل شيء تسمعه من باب الحقوق كلام مراوغة، وكذب، وكسب للوقت، فلذلك أدِّ الذي عليك، واطلب من الله الذي لك، والله كل واحد منا رواد هذا المسجد على قلتهم وعلى تواضعهم إذا أتقنوا أعمالهم، الأب كان أباً مثالياً، والأم أماً مثالية، والابن تفوق، والعامل أتقن، والمزارع أخلص، والتاجر رحم العباد، والقاضي عدل، وكل إنسان قام بدوره الحقيقي، بعد حين وفق سنة الله عز وجل يجب أن نشعر بالقوة، وهذه القوة أساس انتصارنا على أعدائنا.

إخفاء الصور