وضع داكن
24-04-2024
Logo
الخطبة : 0089 - وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون - الصاحب..
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى :

الحمد لله ثمّ الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لِنَهْتَدِيَ لولا أن هدانا الله ، وما توفيقي ، ولا اعتصامي ، ولا توكّلي إلا على الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقرارًا برُبوبيَّته ، وإرغامًا لمن جحد به وكفر ، وأشهد أنّ سيّدنا محمّدًا صلى الله عليه وسلّم رسول الله سيّد الخلق والبشر ما اتَّصَلَت عين بنظر ، وما سمعت أذنٌ بِخَبر .
اللَّهمّ صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد ، وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريّته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدّين ، اللَّهمّ ارْحمنا فإنّك بنا راحِم ولا تعذّبنا فإنّك علينا قادر ، والْطُف بنا فيما جرَتْ به المقادير ، إنَّك على كلّ شيءٍ قدير .

الغاية من وجود الإنسان


أيها الإخوة المؤمنون ؛ كلمة العبادة تدور على جميع الألسنة ، وللناس في فهمها مذاهب شتَّى ، بعضهم يفهم العبادة الطاعة ، وبعضهم يفهمها التقوى ، وبعضهم يفهمها أشياء وأشياء ، ولكنَّ الذي نريد أن نعرف ؛ ماذا أراد الله بها ؟ لماذا ؟ لأنَّ آيةً قرآنيّة واحدة تجعل العبادة هي الهدف الأكبر من خلق الله تعالى ، ماذا خلق الله ؟ ولماذا خلق الله ؟ قال تعالى :

﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾

[ سورة الذاريات الآية:56]

وفي سورة أخرى يقول الله عز وجل :

﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى﴾

[ سورة الليل الآيات:1-4]

مختلف ، هذا يسْعى لِجَمع المال ، وذاك يسْعى للقوَّة ، وهذا يسْعى للاستمتاع بمباهج الدنيا ، وهذا يسْعى لإنشاء البساتين ، وهذا يسعى لإشادة الأبنيَة ، وهذا يسعى لِمَجْد علمي ، وهذا يسعى لِنَسبِهِ ، قال تعالى : إنَّ سعيكم لشتَّى .." أيّ سعْيٍ يريده الله عز وجل ؟ أيّ سعْيٍ يُباركه الله عز وجل ؟ أيّ سعْيٍ خلقنا الله لأجله ؟ أيّ سعْيٍ يُسْعِدنا في الدنيا والآخرة ؟ أيّ سعْيٍ صحيح ؟ وأيّ سعيٍ حقّ ؟ أيّ سعيٍ هذا ؟ إنَّ سعيكم لشتّى ؛ سعْيُكم مختلف ، متباعد ، متنوّع ، متناقض ، قد ينتهي سعْيُكم إلى طريق مسدود ، وقد ينتهي سعيكم إلى الموت ، قد يكون الموت حاسمًا لِسَعيِكُم ، قد تضيِّعون الموت ما جمعتموه في الدنيا بأكْملها ، قد تكون مكتسباتكم كلّها لا شيء عند الموت ، قال تعالى :

﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً﴾

[ سورة الفرقان الآية:23]

قد يكون السعي الحثيث لِجَمع الدرهم والدينار أو لِبُلوغ السلطان ، قد يكون هذا السعي سبب شقاء الإنسان في الآخرة ، قال تعالى :

﴿مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ﴾

[ سورة الحاقة الآيات:28-31]

قال تعالى :

﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً﴾

[ سورة الكهف الآيات:103-104]

شيءٌ خطير أن يسعى الإنسان في طريق مسدود ، أو في طريق ينتهي بالشقاء ، أو في طريق ينتهي بالخسارة المبينة ، قال تعالى :

﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً﴾

[ سورة الكهف الآيات:103-104]

قال تعالى :

﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾

[ سورة الحشر الآية:19]

إنَّ سعيكم لشتَّى ، أيُّ سعْي صحيح ؟ أيّ سعْيٍ مجْد ؟ أيّ سعْيٍ يُسْعد ؟ أيّ سعْيٍ يُغني ؟ الله سبحانه وتعالى :

﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾

[ سورة الذاريات الآية:56]

عبادة الله وحده هي السعي المجدي ، هي السعي المُسْعِد ، هي السَّعي ذو الطريق الممدود ، هي السعي الذي يُسْعدك إلى أبد الآبدين ، ما هي العبادة ؟ في صورة أخرى ، قال تعالى :

﴿إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾

[ سورة هود الآية:119]

في الآية الأولى :

﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾

[ سورة الذاريات الآية:56]

وفي الآية الثانية :

﴿إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾

[ سورة هود الآية:119]

إذًا كأنَّ العبادة تطابق الرحمة ، فهو تعالى خلقَنَا لِيَرْحمنا ، خلقنا لِنَسْعد به ، وننْعُمَ بِقُربِهِ ، خلقَنا لِجَنَّة عرضها السماوات والأرض خلقنا لِجَنَّة فيها ما لا عينٌ رأَت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، خلقنا لِحَياة أبديّة لا تنقضي ، لا قلق فيها ، ولا حزن فيها ، ولا مرض فيها ، ولا كبَرَ فيها ، ولا جوع فيها ، ولا عطش فيها ، ولا حرَّ فيها ، ولا قرّ فيها ، ولا شيئًا ممَّا في الدنيا من متاعب ، خلقنا لِنَعبدَهُ .

العبادة تبدأ بالمعرفة وتمر بالطاعة وتنتهي بالرحمة .

فما هي العبادة ؟
العبادة ، تبدأ بِمَعرفة الله عز وجل ، وتمرّ بِطاعَتِهِ ، وتنتهي بِرَحمته ، تبدأ بِمَعرفته ، وتمرّ بطاعته ، وتنتهي بِرَحمته ، يعني تعرفهُ فتُطيعُهُ فتَسْعَدَ بِقُربِهِ ، جاء رجلٌ إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال : يا رسول الله جئتكَ لتُعَلِّمني من غرائب العلم ، قال : فماذا صنعْت في رأس العلم ؟ قال : وما رأس العلم ؟ قال : هل عرفْتَ الربّ ؟ حتى إنَّ بعض المفسّرين قال : وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليعبدون أيْ لِيَعْرفونني ، إن عرفْته عبدْتهُ ، إن عرفته أطعتهُ وأقبلْت عليه ، إن عرفْتهُ سعِدْت بقُربهِ وتقلَّبْت في رحمته ، قال تعالى :

﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ * وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾

[ سورة الشعراء الآيات:213-220]

لماذا نعبد الله عز وجل ؟.

سؤال دقيق ، لماذا نعبد الله عز وجل ؟ ما هي المسوِّغات ؟ ما هي الأسباب ؟ وما هي الدوافع ؟ ما هي الأهداف ؟ خلقنا لِنَعبدهُ ، نعرفه فَنُطيعهُ فَنُقْبِلُ عليه ، نعرفه فَنُطيعهُ فَنَسْعدَ بقربِهِ ، الله سبحانه وتعالى في تِسْع آيات من كتاب الله أجاب عن هذا السؤال ؛ لماذا نعبدهُ ؟

1- لأنه خالق .

قال تعالى :

﴿ أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾

[ سورة البقرة الآية :21]

ألا يستحقّ الخالق أن تعبده ؟ الذي خلقك من نطفة ، ولم تكن من قبل شيئًا ! قال تعالى

﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً﴾

[ سورة الإنسان الآية:1]

خلقك من عدم ، كنتَ لا شيء فأصبحت به شيئًا ، الخالق ألا يستحقّ العبادة ؟ هل يستحقّ مع الخالق أحد العبادة ؟ قال تعالى :

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾

[ سورة البقرة الآية:21]

خلق العالمين جميعًا ، خلق الخلْق جميعًا ، خلق السماوات والأرض وما بينهما ، وما فيهنّ ، وما تحت الأرض ، وما فوق الأرض ، وما في السماء ، وما بين السماء والأرض ، هذا أكبر سبب ، وأكبر مُسوِّغٍ ، وأكبر حقيقة وراء العبادة ، قال تعالى :

﴿أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾

[ سورة النحل الآية:17]

قال تعالى :

﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾

[ سورة الطور الآية:35]

قال تعالى :

﴿أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ﴾

[ سورة الطور الآية:36]

هذا مُسوِّغ .

 

2- لأنه مربي .

جوابٌ آخر ، قال تعالى :

﴿اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ﴾

[ سورة المائدة الآية:72]

خلقَ ، ولكنَّه الآن يُربِّي ، يعني يُمِدُّك بالغذاء والهواء ، ويُمِدُّك بالماء العذب الفرات ، يمدُّك بألوان الفواكه والخضار ، وبألوان المحاصيل ، يمدُّك بِبَنين ومال ، جعل لك جبالاً ، وأنهارًا ، وسماءً ، وأرضًا ، وبحارًا ، وأطيارًا ، وأسماكًا كلّه من أجلك ، ومن أجل أن تسْعد به ، وهذا مسوِّغٌ آخر ، قال تعالى :

﴿اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ﴾

[ سورة المائدة الآية:72]

ألا يستحقّ الرب العبادة ؟ هذا الذي خلقنا ، خلقنا خالق ، أنْعمَ علينا ، وأمدَّنا بكلّ ما نحتاج ، يربّينا ، ويربّي أجسامنا ، ويربّي نفوسنا ، يربّي أولادنا ، الله سبحانه وتعالى هو الربّ ، والحمد لله ربّ العالمين .

 

3- لأنه مسير .

مسوِّغ ثالث ، ومبرِّرٌ ثالث ، وسبب ثالث ، قال تعالى :

﴿اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ﴾

[ سورة المائدة الآية:72]

هو المسيّر ، بيَدِهِ ملكوت السماوات والأرض ، كلّ شيءٍ يتحرّك بأمره ، وبقدرتِهِ ، وبِتَوفيقه ، وبِمَشيئتِهِ ، وبإرادته ، قال تعالى :

﴿اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ﴾

[ سورة المائدة الآية:72]

ويؤكِّدهُ في قول آخر :

﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ﴾

[ سورة هود الآية:123]

كلُّهُ ؛ أمْرُ صِحَّتك بكُلّ تفاصيلها إليه ، أمر زواجك بِكُلّ جزئيّاته إليه ، أمْر أولادك ، أمْر رزقك ، أمر عملك ، أمر كسْبك ، أمْر دَخلِكَ ، أمْر المتاعب التي تُعانيها ، أمْر المخاوِف التي تخاف منها ، قال تعالى :

﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ﴾

[ سورة هود الآية:123]

إذًا فاعْبُدْهُ وتوكَّل عليه ، فإذا عبَدْتَ غيرهُ فقد أخْطأْتَ خطأً كبيرًا ، قال تعالى :

﴿يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾

[ سورة لقمان الآية:13]

أن تتَّجِه إلى مخلوق وليس بيَدِهِ شيء ، لا يملك لك ، ولا لنفسه نفعًا ولا ضرًّا ، لا يملك لك ولا لنفسه نفعًا ولا ضرًّا ، قال تعالى :

﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ﴾

[ سورة الأعراف الآية:188]

هذا رسول الله فما قولك فيمن دونه ؟ 

4- لأنه بثّ في قلبك الطمأنينة.

مُسوِّغٌ رابع ، قال تعالى :

﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾

[ سورة قريش الآيات:3-4]

ماذا تفعل هذه الأموال التي معك لو لم يخلق الله هذه الفواكه والخضار ؟ ماذا تفعل بهذه البيوت لو أصبح ماؤُنا غورًا ؟ ماذا نفعل بِحَياتنا لو أنَّ هذا الماء لم يُخزِّنْهُ الله لنا سنةً بأكملها ؟ قال تعالى :

﴿وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ﴾

[ سورة الحجر الآية:22]

ماذا نفعل إذا قلَّتْ نِسبة الأكسجين في الهواء فاخْتنَقْنا ؟‍‍! ، قال تعالى :

﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾

[ سورة قريش الآيات:3-4]

من يبثّ في قلبك الطمأنينة ؟ الله عز وجل ، من يُيَسِّر لك رزقك ؟ الله سبحانه وتعالى .

 

5- لأنه المميت.

سبب آخر ، قال تعالى :

﴿وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ﴾

[ سورة يونس الآية:104]

قال تعالى :

﴿إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ﴾

[ سورة الغاشية الآيات :25-26]

رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ولو بقُوا معك ما نفعوك ، ولم يبقَ لك إلا أنا ، وأنا الحي الذي لا يموت ، ليس لك إلا الله ، قال تعالى :

﴿وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ﴾

[ سورة يونس الآية:104]

هذا الذي يستحقّ العبادة ، إذا جاء ملك الموت فأنت في قبضته ، ومعه ، ولا شيء معك إلا هو .

 

6- لأن الحكم له .

قال تعالى :

﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ﴾

[ سورة يوسف الآية:40]

في كلّ قضيّة الحكم لله ، لذلك أمر أن لا تعبدوا إلا إياه ، قال تعالى :

﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ﴾

[ سورة يوسف الآية:40]

ما دام الحُكم بيَدِ الله وحده ، لا بيَدِ جِهةٍ أخرى ، لذلك أمر أن لا تعبدوا إلا إياه ، قال تعالى :

﴿ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً﴾

[ سورة مريم الآية:65]

لأنَّه خالق ، ولأنّه ربّ ، ولأنه إله ، ولأنه يرجع الأمر إليه ، ولأنه أطعمنا من جوع وآمنا من خوف ، لأنّه يتوفانا ، ولأنّ الحكم بيدِهِ وحده ، لأنّه ربّ السماوات والأرض وما بينهما ، هذه هي المسوّغات ، وهذه هي الأسباب وهذه هي القضايا الكبرى التي تدفعنا للعبادة .

الدعوة الكبرى هي العبادة الشاملة

شيءٌ آخر ، هل تعلم يا أخي المؤمن أنّ دَعْوَةَ الأنبياء جميعًا هي عبادة الله عز وجل ، قال تعالى :

﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾

[ سورة الأعراف الآية:65]

وقال تعالى :

﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾

[ سورة الأعراف الآية:73]

قال تعالى :

﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾

[ سورة الأعراف الآية:85]

قال تعالى :

﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾

[ سورة النحل الآية:36]

قال تعالى :

﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾

[ سورة إبراهيم الآية:4]

الأنبياء جميعًا ، دعوة الأنبياء جميعًا ، ودَعوة الرسل جميعًا فَحْواها ؛ ما لكم من إله غيره ، اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ، لا إله إلا أنا فاعبدون ، وليس هذا في الدّين الإسلامي فحَسْب بل في كلّ الأديان ، وفي كلّ الرسالات ، وفي كلّ الدَّعَوات ، الدَّعوة الكبرى أن تعبد الله وحده ، ولكن يا إخوة الإيمان ليس كلّ عبادة عبادةً ، كما أنَّه ليس كُلُّ مُصلٍّ يُصلّي ، وما كلّ من يعبدُ الله يعبده ، ليست كلّ عبادةٍ عبادةً .
الآية الأولى :

﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً﴾

[ سورة النساء الآية:36]

بعض العلماء ميَّز العبادة عن الطاعة بأنّ العبادة شاملة ، إن لم تعبد الله في كلّ ما أمرك به حصْرًا فأنت لا تعبدهُ ، أن تأخذ ما يروق لك ، وتدع ما لا يروق ، أن تطبّق من أمر الله ما تحتملهُ ، وأن تقول هذا يصْعب عليّ ، فأنت لسْتَ عابدًا لله عز وجل ، والدليل

﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً﴾

[ سورة النساء الآية:36]

يجب أن تكون العبادة شاملةً بِكُل أوامرها ، أنا أتزوّج لأنّ هذه سنّة ، والله أمرنا به وهذا يعود عليك بالخير في الدنيا ، وأنا أقْصر في الصلاة ، طبْعًا هذه سنّة ، ولكنّ البطولة أن تطبّق أمْر الله كلّه ، وفي كلّ ما أمرك به .
الشيء الآخر في العبادة ، قال تعالى :

﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ﴾

[ سورة الزمر الآية:2]

يجب أن تكون العبادة خالصةً من الشِّرك ، ومن الرياء ، ومن النفاق ، ومن أن تظهر أمام الناس بِمَظهر العالم ، من أن تُدَغْدِغَ أسماعك ثناء الآخرين ‍! لا ، اعْبُدِ الله مخلصًا له الدّين ، قال تعالى :

﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾

[ سورة الحجر الآية:99]

قال بعضهم الموت ، وقال بعضهم : أطِع الله عز وجل إلى أن ترى الحقائق رؤيا ، الإنسان يسْتيْقِن إذا رأى ، قال تعالى :

﴿قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾

[ سورة البقرة الآية:260]

إلى أن تنقلب من مرتبة مُدافعة التَّدَنِّي ، إلى متابعة التَّرقّي ، ومن التطبيق الأعمى ، إلى أن تكون على بصيرة ، قال تعالى :

﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾

[ سورة يوسف الآية:108]

قال تعالى :

﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾

[ سورة الحجر الآية:99]

اُعْبدهُ ، وأطِعْهُ إلى أن تتَّضِح لك الحقائق ، إلى أن ترى الخير خيرًا ، والشرّ شرًّا ، إلى أن ترى حقيقة الصلاة ، حقيقة الزكاة ، حقيقة الصيام ، حقيقة غضّ البصر ، حقيقة النظام الإسلامي ، قال تعالى :

﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾

[ سورة الحجر الآية:99]

قال تعالى :

﴿ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾

[ سورة الزمر الآية:66]

يجب أن تكون مخلصًا ، ويجب أن تكون العبادة شاملة ، ويجب أن تنتهي بك العبادة إلى الرؤيا ، ويجب أن تكون بعد العبادة شاكرًا ، وفي آية واحدة في كتاب الله ، قال تعالى

﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ﴾

[ سورة العنكبوت الآية:56]

أيْ إن كنتَ في أرْض لا تستطيع أن تعبد الله فيها ، تَحَوَّل عنها ، لا مُبَرِّرَ لك ، ولا شيء يُقْنعُكَ أن تتحوَّل عن عبادة الله ، قال تعالى :

﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ﴾

[ سورة العنكبوت الآية:56]

هكذا يريد الله العبادة ، يريدها شاملة ، يريدها خالصة ، يريدها مع رؤية واضحة ، يريدها مع الشكر ، يريدك أن تؤثر الله على كلّ شيء ، على مصالحك ، أنت في بلد لك مصالح ، ولك علاقات ، ولك ميزان ، ولك مكانة ، إن اسْتحالَت عليك العبادة في بلد ما تحوّل عنها إلى بلد آخر ، لذلك عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه ، عن الرسول صلى الله عليه وسلم :

((أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين" قالوا: يا رسول الله ولم؟ قال "لا تراءى نارهما))

[ أخرجه الترمذي ]

إن تحوَّلْت إلى بلدٍ يُعْصى الله فيه جهارًا ، ولا تستطيع أن تعبد الله ، والفجور والفسوق والعِصْيان على قارعة الطريق ، إن أقمْت في هذا البلد لأنَّ مصالحكَ مؤمَّنة ، ودخْلكَ كبير والحاجات ميسَّرة ، وضربْت عرض الطريق بِعِبادة الله عز وجل فأنت من الخاسرين ، عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه ، عن الرسول صلى الله عليه وسلم :

((أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين" قالوا: يا رسول الله ولم؟ قال "لا تراءى نارهما))

[ أخرجه الترمذي ]

أقِم في بلدٍ تعبد الله فيه ، تصلّي فيه ، وتقيم أمْر الله تعالى ، قال تعالى :

﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ﴾

[ سورة العنكبوت الآية:56]

ماذا يفعل أهل الدنيا ؟ وماذا يعبدون ؟ قال تعالى :

﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيراً﴾

[ سورة الفرقان الآية:55]

وقال تعالى :

﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلَا يَسْتَطِيعُونَ﴾

[ سورة النحل الآية:73]

وقال تعالى : :

﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ﴾

[ سورة الحج الآية:71]

لا قوّة معه ، ولا رزق معه ، ولا نفْع معه ، ولا ضرّ معه ، ومع ذلك تعبدهُ !! إنِّي والإنس والجن في نبإ عظيم أخلق ويعبد غيري ، وأرزق ويُشْكر سواي ، خيري إلى العباد نازل ، وشرّهم إليّ صاعد ، أتحبّب إليهم بِنِعَمي وأنا الغني عنهم ، ويتبغَّضون إليّ بالمعاصي وهم أفْقر شيءٍ إليّ ، ؟ قال تعالى :

﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيراً﴾

[ سورة الفرقان الآية:55]

وقال تعالى :

﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلَا يَسْتَطِيعُونَ﴾

[ سورة النحل الآية:73]

وقال تعالى :

﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ﴾

[ سورة الحج الآية:71]

قال تعالى :

﴿قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ﴾

[ سورة الزمر الآية:64]

قال تعالى :

﴿ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً﴾

[ سورة مريم الآية:42]

لا يسمعك إذا ناديْتهُ ، وإن سمه لا يستجيب لك ، ولا يستطيع أن يستجيب لك ، لمَ تعبد ما لا يسمع ، ولا يبصر ، ولا يغني عنك شيئًا ؟ قال تعالى :

﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ * قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ * قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ * قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ﴾

[ سورة الشعراء الآية:69-79]

قال تعالى :

﴿قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ﴾

[ سورة الصافات الآية:95]

هذه آية تنطبق على عبّاد الأصنام ، وتنطبق على البشر الذين يصنعُ شيئًا من صُنع أيديهم ثمّ يعظِّمونه من دون الله .
أيها الإخوة المؤمنون ؛ ما علاقة الذين يعبدون الله بالذين لا يعبدون الله ؟! في آيتين تتحدَّد العلاقة ، قال تعالى :

﴿وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً﴾

[ سورة الكهف الآية:16]

إن لم يعبدوا الله فاعتزِلوهم ، وإلا انْجرفتم معهم ، وأصابكم ما سيُصيبهم ، وقال تعالى :

﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾

[ سورة الكافرون الآية:1-2]

لا بدّ من أن تكون بينك وبينهم بعْدٌ شاسع .
أيها الإخوة المؤمنون ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزِنوا أعمالكم قبل أن توزَنَ عليكم ، واعلموا أنّ ملك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا وسيتخطَّى غيرنا إلينا ، فلْنتَّخِذ حذرنا ، الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنَّى على الله الأماني .

والحمد لله رب العالمين
***

الخطبة الثانية :

الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وليّ الصالحين ، وأشهد أنّ سيّدنا محمدًا عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم ، اللهمّ صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد وعلى آله وأصحابه الطيّبين الطاهرين .

عبادة الله ونتائجها

أيها الإخوة المؤمنون ؛ لا بدّ من أن تعتزل الذي يعبد غير الله ، لا بدّ من أن تُقِم بينك وبينه هوّة كبيرة ، لا بدّ من حجاب حاجز بينك وبينه ، وإلا انجرفْت معه ، وهذا الذي يقع فيه معظم المسلمين ، إن كان لك صاحب مشرك يعبد غير الله فلا تصْحبهُ فإنَّ به ضررًا كبيرًا ، الله سبحانه وتعالى يصف عبادة مَرَضِيَّة ، قال تعالى :

﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾

[ سورة الحج الآية:11]

تعبد الله ما دامت الأمور على ما يُرام ، فإن كان فيها ما يُقْلقك تركْت العبادة !! هذه حالة مرضِيَّة يقع فيها ضِعاف الناس ، قال تعالى :

﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾

[ سورة الأحزاب الآية:23]

يجب أن تعبد الهأ في الرّخاء ، وأن تعبده في الشدّة ، وأن تعبده في الفقر وفي الغِنى ، وأن تعبدهُ في الصّحة والمرض ، وأن تعبده في إقبال الدنيا وفي إدبارها ، وأن تعبدهُ وأنت شابّ وكذا كهل وكبير في سنّ ، وأن تعبده وأنت غير متزوّج وأنت متزوّج ، وأن تعبده وأنت موظّف صغير وأنت موظّف كبير ، يجب أن تعبده في كلّ حالات ، أما هؤلاء الضِّعاف ، قال تعالى :

﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾

[ سورة الحج الآية::11]

نتائج العبادة ، وهي آخر فقرة في هذه الخطبة ، قال تعالى :

﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً﴾

[ سورة النور الآية:55]

طمأنينة ما بعدها طمأنينة ، وتمكين في الأرض ما بعده من تمكين ، واسْتِخلاف في الأرض ما بعده اسْتِخلاف ، كلّ هذا ثمنه يعْبدونني ، لذا العبادة هي كلّ شيء ، قال تعالى :

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾

[ سورة الحج الآية:77]

الدعاء :

اللهمّ اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيْت ، وتولَّنا فيمن تولّيْت ، وبارك اللّهم لنا فيما أعْطيت ، وقنا واصْرف عنَّا شرّ ما قضَيْت فإنَّك تقضي ولا يُقضى عليك ، إنَّه لا يذلّ من واليْت ، ولا يعزّ من عادَيْت ، تباركْت ربّنا وتعاليْت ، ولك الحمد على ما قضيْت نستغفرك اللهمّ ونتوب إليك ، اللهمّ هب لنا عملاً صالحًا يقرّبنا إليك ، اللهمّ أعطنا ولا تحرمنا ، وأكرمنا ولا تهنّا ، وآثرنا ولا تؤثر علينا ، وأرضنا وارضَ عنَّا ، وأصْلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصْلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصْلح لنا آخرتنا التي إليها مردُّنا ، واجْعل الحياة زادًا لنا من كلّ خير ، واجعل الموت راحةً لنا من كلّ شرّ ، مولانا ربّ العالمين ، اللهمّ اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمَّن سواك ، اللهمّ لا تؤمنَّا مكرك ، ولا تهتِك عنَّا سترَك ، ولا تنسنا ذكرك ، يا رب العالمين ، اللهمّ إنَّا نعوذ بك من عُضال الداء ومن شماتة العداء ، ومن السَّلْب بعد العطاء ، يا أكرم الأكرمين ، نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الذلّ إلا لك ، ومن الفقر إلا إليك ، اللهمّ بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحقّ والدِّين وانصر الإسلام وأعزّ المسلمين ، وخُذ بيَدِ وُلاتهم إلى ما تحبّ وترضى إنَّه على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور