- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى :
الحمد لله ثم الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، وما توفيقي ولا اعتصامي ولا توكّلي إلا على الله .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته وإرغاماً لمن جحد به وكفر .
وأشهد أنَّ سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلَّم ، رسول الله سيِّد الخلق والبشر ، ما اتصلت عينٌ بنظرٍ أو سمعت أذنٌ بخبر .
اللهمَّ صلِ وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريَّته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين .
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
مرحلة الموت :
أيها الإخوة المؤمنون ؛ عندما يوضع الميِّتُ على خشبة الغُسْل ، يخاطبه مَلَك الموت فيقول :
يا ابن آدم أين سمعك ؟ ما أصمَّك !!
أين صوتك الشجيّ ؟ ما أخرسك !!
أين ريحك الطيِّب ؟ ما غيَّرك !!
أين مالُك ؟ ما أفقرك !!
فإذا لفَّ الميّت بالكفن ، ووضع على النعش ، قال هذا الميِّت وروحه فوق النعش ، وأولاده وأطفاله اليتامى يبكون مِن حوله ، تقول هذه النفس :
يا أهلي ، يا ولدي ، يا أبنائي ... لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي ، يا مَن سكنتم ديارنا ، وأخذتكم أموالنا ، لقد جمعت المال مِن الحلال والحرام ، وتركته لكم تتمتعون به ، وسأُسْأَل عنه وحدي ، فالمال لكم ، والحساب عليّ .
هذا مشهدٌ مِن مشاهد الموت ، والنبي عليه الصلاة والسلام عرَّفنا به قبل فوات الأوان ، وقبل أن يأتي هذا المَشْهَد ..
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾
رجلٌ كان مِن الصالحين ، وكان يتمنّى أن يسمع وصفاً دقيقاً للموت ، توفَّاه الله سبحانه وتعالى ، ورآه ابنه في المنام فقال : يا أبتِ لقد كنت تتمنى أن يصف أحد لك الموت ، وقد ذقته ، فصفه لنا . قال : يا بني رأيت مِن سكرات الموت كأن السماء أطبقت على الأرض ، وكأنني أتنصص من ثقب إبرة ، وكأنني عصفورٌ في مقلاة زيت لا أطير فأستريح ، ولا أموت فأستريح .
أيها الإخوة المؤمنون ؛ الناس نيام إذا ماتوا انتبهوا ، هذه الساعة لابدَّ مِن أن تأتي ، أأعجبنا ذلك أم لم يعجبنا ، أرضينا أم لم نرض ، أسعدنا أم شقينا ، لابد لهذه الساعة مِن أن تأتي ، فليعد أحدكم لهذه الساعة مِن الاستقامة ، والعمل الصالح ، فلعل الله سبحانه وتعالى يرحمنا حينما يحين أجلنا .
من هم الأخسرين ؟
أيها الإخوة المؤمنون ؛ في آخر سورة الكهف آياتٍ بيِّناتٍ ، بليغات ، فيها موعظةٌ كبيرة ، يقول الله سبحانه وتعالى :
﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً ﴾
لم يقل الله سبحانه وتعالى : الخاسرين ، بل : الأخسرين . أي أشد الناس خسارةً ، أشدُّهم ندماً ، أشدهم إخفاقاً ، أشدهم أملاً ..
﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ﴾
أي أنه يسير في طريق وهو يظن نفسه ذكياً ، حكيماً ، مُفْلحاً ، سعيداً ، سابقاً ، والطريق ينتهي به إلى الهلاك .
﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً ﴾
الذي ظنَّ المال هو كل شيء ، تنطبق عليه هذه الآية .
الذي ظن اللذة كل شيء ، تنطبق عليه هذه الآية .
الذي ظن العلو في الأرض هو كل شيء ، تنطبق عليه هذه الآية .
الذي أكل مالاً حراماً ، تنطبق عليه هذه الآية .
الذي استعلى على عباد الله ، تنطبق عليه هذه الآية .
الذي بنى وأشاد وفعل ما فعل وكأنّه مخلدٌ في الدنيا ، تنطبق عليه هذه الآية .
الذي رأى الدنيا كل شيء ولا شيء سواها ، تنطبق عليه هذه الآية :
﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ﴾
هذه الطاقات التي أودعها الله هذا الإنسان ، هذا النشاط ، هذا السَعْيّ ، هذا الشباب ، هذه الصحة ، ذلك المال ، هذا الذكاء ، ذلك التفكير ، هذا الذي زودنا الله به ، استخدمه في طريقٍ يودي به إلى الهلاك ، هذه الطاقات التي أودعها الله فيه ، استغلَّها للدنيا ، هذا الذكاء ، سخَّره لجمع المال ، هذه المكانة ، سخَّرها لكسب المال ..
﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ﴾
وهذه هي المصيبة ؛ أنه يظن أنه مفلح ، سابق ، متفوِّق ، لم يفكر تفكيره أحد ، لم يلحقه أحد ، لم يرقَ إلى مستواه أحد ، إنه ضالٌ مضل .
﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ﴾
يظن أنه على شيء وهو ليس على شيء ، جمع أموالاً كثيرة ، فجاءته المَنِيَّة ، ولا يستطيع أن يأخذ مِن ماله شيئا ، ترك كل شيء .
فالموت مصيبتان :
المصيبة الأولى أنك تترك مالَك كله ، ولا شيء ، ولا ليرة ، ولا ثوب مما في الخزانة ، ولا قطعة ذهبية ، ولا تحفة ، ولا غطاء .
الموت مصيبتان :
الأولى أنك تترك مالَك كله .
والثانية أنك تحاسب عن مالِك كلِّه .
تتركه كله وتحاسب عليه كلِّه .
﴿ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ﴾
يا أخي الكريم ؛ لا تطمئن إلى ما تتوهَّمه ، أجري موازنةً بين واقعك وبين القرآن الكريم فإن تطابق تطمئن .
لأنه قد يتوهم الإنسان نفسه على حق وهو على باطل .
قد يتوهَّم الإنسان نفسه مؤمناً وهو منافق .
قد يتوهَّم الإنسان نفسه فالحاً وهو مُخْفِق .
قد يتوهم الإنسان نفسه سعيداً وهو شقي .
قد يظن نفسه رابحاً وهو خاسر .
قد يظن نفسه مُخَلَّداً وهو فان .
هؤلاء ..
﴿ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ﴾
ما السبب ؟ ربنا سبحانه وتعالى قال :
﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً ﴾
حينما كفر بلقاء الله ، حينما كفر بالآخرة ، حينما كفر بيوم الدين ، حينما كفر بالحساب ، حينما كفر بهذا اليوم الذي توفّى كل نفسٍ ما كسبت ، حينما كفر بهذا اليوم ظن الدنيا كل شيء ، وأن القوي قوي ، والغني غني ، والفقير فقير ، والضعيف ضعيف ، وليس في الأرض دَيَّان ، وليس في السماء إلهٌ يحاسب الخَلْق ، ظن الحياة هي كل شيء ..
﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً ﴾
حَبِطَت أعمالهم ؛ عملٌ عظيم عند الناس ، لا قيمة له عند الله ، عملٌ عظيمٌ في الدنيا حقيرٌ في الآخرة ، مالٌ كثير وفقرٌ شديد ، مظاهر باذخة وحياةٌ مُقْفِرَة .
﴿ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ ﴾
﴿ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ﴾
هذه الآية مهمة جداً :
﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً ﴾
لو ترك مشروعاً زراعياً ضخماً ، حبطت أعماله ، لو ترك مشروعاً تجارياً ناجحاً ، حبطت أعمالهم ، لو ترك ممتلكاتٍ واسعةً ، حبطت أعمالهم ، لو ترك شهرةً كبيرةً ، حبطت أعمالهم ..
﴿ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً * ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً ﴾
السنة المطهرة :
إن الله تعالى يحب ........... :
أيها الإخوة المؤمنون ؛ إلى السُنَّة المطهَّرة ، في السنة المطهرة طائفةٌ مِن الأحاديث الشريفة تبدأ كلها بقوله عليه الصلاة والسلام :
(( إن الله تعالى يحب ........... ))
ماذا يحب ؟!!
امرأةٌ حينما دخل عليها زوجها ، قالت له : إنني امرأةٌ غريبة لا أعرف ما تحب وما تكره ، فقل لي ما تحب حتى آتيَهُ ، وما تكره حتى أجتنبه .
إذا كان أحدكم يخطب ود ربه .
إذا كان أحدكم يرجو لقاء ربه .
إذا كان أحدهم يتمنّى التقرب من الله عزَّ وجل .
فليفعل ما يحبه الله ، وليدع ما يكرهه .
في هذه الخطبة سأحدّثكم بما يحب الله سبحانه وتعالى :
(( إن الله يحب من العامل إذا عمل فليحسن ))
يا أصحاب المصالح ، يا أصحاب الحِرَف ، يا مَن تعملون بأيديكم ، إذا أردت أن يحبك الله فأتقن عملك ، أتقن فإن الإتقان جزءٌ من الدين .
(( إن الله تعالى يحب إغاثة اللهفان ))
(( ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني ، قال : كيف أطعمك وأنت رب العالمين ؟! قال : استطعمك عبدي فلاناً فلم تطعمه ، أما علمت لو أنك أطعمته لوجدت ذلك عندي ؟! استسقيتك فلم تسقيني ............ ))
إلى آخر الحديث .
(( إن الله تعالى يحب إغاثة اللهفان ))
(( والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ))
(( الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله ))
(( إن الله تعالى يحب الرفق في الأمر كله ))
لا تكن عنيفاً ..
(( علِّموا ولا تعنَّفوا فإن المعلم خيرٌ من المعنِّف ))
(( لا يكون الرفق في شيءٍ إلا زانه ، ولا ينزع من شيءٍ إلا شانه ))
بعث النبي الكريم بخادمٍ إلى السوق ، فتأخَّر طويلاً ، فلما عاد غضب النبي عليه الصلاة والسلام ، وكان بيده سواك ، فقال عليه الصلاة والسلام :
(( لولا خشية القصاص لأوجعتك بهذا السواك ))
ماذا يفعل السواك ؟.
(( إن الله يحب الرفق في الأمر كله ))
(( إن الله رفيقٌ يحب كل رفيق ))
(( إن الله يحب السهل الطليق ))
معاملته سهلة ، مجاورته سهلة ، السفر معه سهل ، التعامُل معه مادياً سهل ، بيعه سهل ، شراؤه سهل ، إقراضه سهل ، اقتضاء دينه سهل ..
(( إن الله يحب السهل الطليق ))
طليق الوجه ، بشوش ، يبتسم ، يرحب ، يدعو ، يتفاءل ، هكذا يحب الله عزَّ وجل .
(( إن الله يحب السهل الطليق ))
(( إن الله يحب الشاب التائب ))
شابٌ في رَيْعان الشباب ، في فورة الشباب يغض بصره عن محارم الله ، ينفق مِن ماله ابتغاء مرضاة الله .
(( إن الله يحب الشاب الذي يفني شبابه في طاعة الله ))
يقول لك الشاب : مضى عليَّ ثلاثون عاماً وأنا أحضر مجالس العلم ، وأنا في خدمة أهل الحق ، وأنا مستقيمٌ على أمر الله ، ما طرفت عيني على حرام .
(( إن الله يحب الشاب الذي يفني شبابه في طاعة الله ))
(( لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن أربع : عن شبابه فيمَ أبلاه ، وعن عمره فيم أفناه ، وعن علمه ماذا عمل به ، وعن ماله ـ سؤالان ـ من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه ؟ ))
(( إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي ))
لو لم تكن مشهوراً ، لو لم تكن معروفاً ، لو لم يكن لك سيطٌ زائع ، لو لم تكن نجماً متألِّقاً .
(( إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي ))
(( إن الله يحب العبد المؤمن المحترف ))
له صنعة ، يتقن عملاً يعود به بالخير على المسلمين ، يصنع باباً ، يبني بيتاً ، يخيط ثياباً ، له صنعة تعود بالخير على المسلمين ، لا يعيش على شقائهم ، لا يبني غناه على فقرهم ، لا يستغلُّهم ، لا يحتكر أغذيتهم ، لا يبني ثروته على ضيقهم ، لا ..
(( إن الله يحب العبد المؤمن المحترف ))
(( إن الله تعالى يحب الملحين في الدعاء ))
الذي يدعو ، ويدعو ، ويدعو ..
أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ومدمن القرع للأبواب أن يلجَ
* * *
إن الله يحب أن يراه تعباً في طلب الحلال ، لحكمةٍ بالغة جعل الله الحلال متعباً وجعل الحرام سهلاً ، قد تأخذ أموالاً طائلة بكلمة ، أو بتوقيع ، أما الحلال سيحتاج إلى كدٍ وجد ..
(( إن الله تعالى يحب أن يرى عبده تعباً في طلب الحلال ))
(( إن الله تعالى يحب من عباده الغيور ))
(( الديّوث لا يدخل الجنة ، قالوا : يا رسول الله مَن الديوث ؟ قال : الذي لا يغار على عرضه ))
زوجته تسير في الطريق تلفت الأنظار ، ولا يغار .
(( أو يرضى الفاحشة في أهله ))
إن كان الذين تنطبق عليهم الفقرة الثانية في الحديث قلَّة ، لكن الذين تنطبق عليهم الفقرة الأولى كثيرون ؛ لا يغار على عرضه .
(( إن الله يحب سمح البيع ، سمح الشراء ، سمح القضاء ))
(( إن الله يحب المؤمن الفقير المتعفِّف ))
(( إن الله تعالى يحب كل قلبٍ حزين ))
(( إن الله تعالى يحب معالي الأمور وأشرافها ويكره سفاسفها ))
(( إن الله تعالى يحب أن تعدلوا بين أولادكم ))
(( إن الله تعالى يحب أهل البيت الخصيب ))
الكرماء يحبهم ، إذا أردت أن يحبك الله فافعل بعض هذه الصفات.
أيها الإخوة المؤمنون ؛ من السيرة المُطَهَّرة أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب كان له صاحبٌ مِن أهل الشام ذو بأسٍ ومكان ، فتفقَّده عمره فلم يجده .
فقال سيدنا عمر رضي الله عنه : ما فعل فلان بن فلان .
فقالوا : يا أمير المؤمنين تتابع في الشراب .
غرق في الشراب والمعاصي .
فدعا عمر كاتبه فقال اكتب :
مِن عمر بن الخطاب إلى فلان ابن فلان سلامٌ عليك ، فإني أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو غافر الذنب ، وقابل التوب ، شديد العقاب ، ذي الطول ، لا إله إلا هو إليه المصير .
ثم قال لأصحابه : ادعوا الله لأخيكم أن يقبل بقلبه ، ويتوب الله عليه .
فلما بلغ الرجل كتاب عمر جعل يقرأه ، ويردده ، ويقول : غافر الذنب ، وقابل التوب ، شديد العقاب ، قد حذَّرني عقوبته ، ووعدني أن يغفر لي . فلم يزل يرددها على نفسه حتى بكى ، ثم نزع عن المعصية .
فلما بلغ عمر خبره ، قال :
هكذا تصنعوا إذا رأيتم أخاً لكم قد زلَّ زلَّةً ، فسددوه ، ووفقوه ، وادعوا الله له أن يتوب عليه ، ولا تكونوا أعواناً للشيطان على أخيكم .
أي إذا أخوك زلِّت قدمه ؛ بالغ في المودة ، بالغ في الإحسان إليه ، تفقده ، زره ، لا تقل : فلان عصى لن أكلمه . هذا كلام الجهلة ، بالغ في المودة ، فلعل ربنا سبحانه وتعالى يجعل توبته على يديك .
أيها الإخوة الأكارم ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن مَلَك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا وسيتخطَّى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا ، الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز مـن أتبع نفسه هواها ، وتمنَّى على الله الأماني .
والحمد لله رب العالمين
***
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وليُّ الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخُلُق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمدٍ وعلى آله وأصحابه الطيّبين الطاهرين .
القلب :
أيها الإخوة المؤمنون ؛ القلب الذي بين جوانحنا ، مِن عجائب خلق الله سبحانه وتعالى ، قال عنه العلماء : إنه أقوى عضلةٍ ، وأمتن عضلةٍ في النَوْع البشري .
أقوى ، وأمتن ، فهذا القلب سمّاه العلماء مضخةٌ ماصّةٌ كابسة ، تؤمِّن دوران الدم في الأعضاء ، منذ أن ينبض وأنت في الرحم وحتى الموت ، لا يكلُّ ، ولا يملُّ ، ولا يستريح ، ولا يتوقَّف ، منذ أن ينبض أول نبضة وأنت في الرحم ، وحتى نهاية الحياة .
أيها الإخوة المؤمنون ؛ من آيات الله الباهرة ، أن الله جعل لهذا القلب كيساً ، يسميه العلماء :
التامور .
يفرز هذا الكيس مادةً تليِّن حركته ، لئلا يحتك القلب بالكيس ، فالكيس نفسه يفرز مادة شحميةً تليِّن حركته ، هي في الآلات كالزيت تماماً ، وفضلاً عن ذلك ، إن القلب مغلّفٌ بغلافٍ رقيقٍ رقيقٍ ، أملسٍ أملسٍ ، يسمى :
الشغاف .
هذا الغشاء الرقيق ، الأملس الأملس ، مع التامور الذي يفرز المادة المليّنة مِن أجل أن ينعدم الاحتكاك في حركة القلب .
ومن الآيات العجيبة أن في الدم خاصةً ، لولا هذه الخاصة لما بقي أحدنا حياً ، هي :
خاصة التجلُّط .
وهي أن الدم إذا لامس الهواء الخارجي ، يتشكَّل منه ألياف ، تسدُّ منافذ الشرايين إلى الخارج ، لولا هذه الخاصة ؛ خاصة التجلُّط ، لسال دم الإنسان كلّه مِن جرحٍ طَفِيف ، ولكن الدم ، ما إن يلامس الهواء الخارجي حتى يتجلَّط ، ويصبح أليافاً تسدُّ المنفذ الذي فتح ، إن كان جرحاً ، أو شيئاً مِن هذا القبيل .
﴿ ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾
قلبٌ يعمل ، ولا يرتاح ، يمتصُّ الدم الذي أدى دوره في الأعضاء ، ويدفعه إلى الرئة ، ليتصفَّى ، يطرح غاز الفحم ، ويأخذ الأكسجين ، ثم يمصّه للأذين الأيمن إلى القلب ، ثم يدفعه إلى البطين الأيسر ، الذي يدفعه بدوره إلى أعضاء الجسم كلِّه ، في القلب أذينان ، وبطينان ، يمصّان الدم ، ويدفعانه ، بلا كللٍ ، ولا مللٍ .
قدر بعض العلماء أنه يندفع مِن القلب في كلِّ نبضةٍ ، مجموعة سنتيمترات مكعّبة ، تزيد على العشرة ، في الدقيقة الواحدة ثمانين دفعة، يعني في الدقيقة الواحدة اثنين جالون ونصف من الدم يضخه القلب ، قدر بعضهم ما يضخه القلب في عمر سبعين عاماً ، بأربع ملايين جالون ، يعني شيء لا يصدَّق ، هذه العضلة .
لذلك من آيات الله سبحانه وتعالى ، في خلقه هذا القلب ، الذي قال عنه النبي عليه الصلاة والسلام :
(( أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ ))
الدعاء :
اللهمَّ اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولَّنا فيمن توليت ، وبارِك اللهمَّ لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شرَّ ما قضيت ، فإنك تقضي ولا يُقضى عليك .
اللهمَّ أعطنا ولا تحرمنا ، وأكرمنا ولا تهنا ، وآثرنا ولا تؤثر علينا ، وأرضنا وارض عنا .
اللهمَّ اغفر ذنوبنا ، واستر عيوبنا ، واقبل توبتنا ، وفكَّ أسرنا ، واحسن خلاصنا ، وبلغنا مما يرضيك آمالنا ، واختم بالصالحات أعمالنا.
اللهمَّ استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخيا وسائر بلاد المسلمين .
اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين .
اللهم إنا نعوذ بمن الفقر إلا إليك ، ومن الذل إلا لك ، ومن الخوف إلا منك ، نعوذ بك من عُضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السلب بعد العطاء ، مولانا رب العالمين .
اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب ، وما زويت عناً ما نحب ، فاجعله عوناً لنا فيما تحب .
اللهمَّ بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعزَّ المسلمين ، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنه على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .