- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى :
الحمد لله ثمّ الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لِنَهْتَدِيَ لولا أن هدانا الله ، وما توفيقي ، ولا اعتصامي ، ولا توكّلي إلا على الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقرارًا برُبوبيَّته ، وإرغامًا لمن جحد به وكفر ، وأشهد أنّ سيّدنا محمّدًا صلى الله عليه وسلّم رسول الله سيّد الخلق والبشر ما اتَّصَلَت عين بنظر ، وما سمعت أذنٌ بِخَبر .
اللَّهمّ صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد ، وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريّته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدّين ، اللَّهمّ ارْحمنا فإنّك بنا راحِم ولا تعذّبنا فإنّك علينا قادر ، والْطُف بنا فيما جرَتْ به المقادير ، إنَّك على كلّ شيءٍ قدير .
أحاديث شريفة تبدأ بكلمة خير ...
أيها الإخوة الأكارم ، النبي عليه الصلاة والسلام في أحاديث له شريفة تزيد عن المئة بدأها كلّها بقوله عليه الصلاة والسلام خيركم ؛ في مجالات الحياة خيْر الأزواج ، خير الرّجال ، خير الأبناء ، خير الأعمال ، فالنبي عليه الصلاة والسلام في هذه الأحاديث يبيّن الوضع الأمثل والأكمل والأقرب إلى الله عز وجل .
ليس الهدف أيّها الإخوة المؤمنون ؛ أنّ النبي عليه الصلاة والسلام يقرّر حقيقة بِقَدْر ما هو الهدف أن يدفعنا إلى هذا المستوى ، إلى بُلوغ هذا المثَل الأعلى ، لذلك إنّ الأحاديث الشريفة الكثيرة التي تبدأ بكلمة خير ، وخيرٌ كما تعلمون اسم تفضيل أصلها أخْيَر .
الخلق الحسن .
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( خير الناس أحسنهم خلقا ))
صاحب الخُلُق الحسَن يقَعُ في القمّة ، صاحب الخُلُق الحسَن أقرب إلى الله عز وجل ، صاحب الخُلُق الحسَن أكثرهم سعادةً ، صاحب الخُلُق الحسَن مصيره الجنَّة .
(( خير الناس أحسنهم خلقا ))
وفي حديث آخر يقول عليه الصلاة والسلام - ولازلنا في موضوع الخلق الحسن -عن أسامة بن شريك مرداس الأسلمي قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عنده كأنما على رؤوسهم الطير فسلمت وقعدت فجاء أعراب يسألونه عن أشياء فقالوا يا رسول الله ما خير ما أعطي الناس قال :
((خلق حسن))
الخُلق الحسَن خيرُ عطاء يمنحُه الإنسان في حياته الدنيا ، لأنَّه زاده إلى الآخرة ، لأنَّه زادُه إلى حياةٍ لا تنقضي .
أما المسلمون ، الحديث الأوَّل عن الناس قاطبةً ، يعني إذا أردنا أن نقيس الناس جميعًا بِمُختلف أجناسهم وأصنافهم ومِلَلِهم و نِحَلهم لكان صاحب الخلق الحسن في قِمَّة البشر ، أما المسلمون قال عليه الصلاة والسلام :
(( خيركم إسلاما أحاسنكم أخلاقا ، إذا فقهوا ))
هنا شرْطٌ آخر ، وهو لا بدّ مع الخلق الحسن من إيمانٍ بالله عز وجل ، حتى يكون الخلق الحسن ثمرة الإيمان ، لا ثمرة الذكاء الاجتماعي ؛ لأنّ من كان ذكيًّا اجتماعيًّا وكان ذا سيرة حسنة يبتغي بها مكاسب الدنيا ، جاء يوم القيامة وهو صفر اليدين ، لا تخلو الحياة من إنسان ذكيّ ، يسلك الطريق الصحيح لا حبًّا في الله ورسوله ، ولا ابتغاء مرضاة الله بل ابتغاء توسيع مكاسبه في الدنيا ، فالنبي عليه الصلاة والسلام أشار إلى هذا فقال :
(( خيركم إسلاما أحاسنكم أخلاقا ، إذا فقهوا ))
العمل الصالح .
ويقول عليه الصلاة والسلام :
(( خير الناس من طال عمره وحسن عمله ، وشر الناس من طال عمره وساء عمله ))
العمر المديد نعمة ونقمة ، نعمة للمؤمن لأنَّه يزداد به سعادة ، ونقمة على الكافر لأنَّه يزداد به شقاءً ، فخير الناس من طال عمره ، وحسن عمله ، وشرّ الناس من طال عمره وساء عمله ، ويقول عليه الصلاة والسلام :
(( خير الناس أنفعهم للناس ))
اطْرَح على نفسك هذا السؤال ، ما الذي يجنيه الناس منك ؟
هناك من يأخذ ولا يعطي ، وهناك من يعطي ولا يأخذ ، هناك من يأخذ و يعطي .
فأنت من أيِّ صنْف ؟
هل لك عملٌ مبنيّ على إيقاع الأذى في الناس ؟
هل لك عملٌ مبنيّ على بثّ الرعب فيهم ؟
أم لك عملٌ مبنيّ على تقديم خدمات لهم ؟
(( خير الناس أنفعهم للناس ))
مقياس النّفْع مقياسٌ آخر ، لارتفاع الإنسان في سلّم الدرجات .
(( خير الناس أنفعهم للناس ))
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( الخلق كلهم عيال الله تعالى ، فأحبهم إلى الله عز وجل انفعهم لعياله ))
الأغنياء أوصيائي والفقراء عيالي فمن منَعَ مالي عيالي أذقته عذابي ولا أُبالي ! خير البيوت ؛ هذه البيوت التي ترونها في جهات المدينة ، خيرها عند الناس أوسعها ، وأكثرها فخامةً ، وأحسنها موقعًا ، وما امتلأت بالزينة ، ولكنّ النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
(( خير بيوتكم بيت فيه يتيم مكرم ))
إذا كان في البيت يتيم مكرَّم فهذا البيت خير البيوت عند الله عز وجل ، هذه مقاييس النبوَّة ، وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى .
التيسير .
ويقول عليه الصلاة والسلام :
(( خير دينكم أيْسره ))
(( أفضل العبادة الفقه ))
قال تعالى :
﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾
ما خيِّر النبي عليه الصلاة والسلام بين شيئين إلا اختار أيسرهما إلا أن يكون معصيَة ، خيرُ دينكم اليُسْر ، يسِّروا ولا تعسِّروا ، بشِّروا ولا تنفِّروا ،سدِّدوا وقاربوا ، بهذا جاء الدِّين إلا أن نقع في معصية ، عندئذٍ خير دينكم أن تكون متجدِّدًا ، إذا أوْصلَكَ اليُسْر إلى المعصية هذا ليس يسْرًا .
وخير العبادة الفقه ؛ أن تصلّي ولا تعلم كيف تصلّي ؟ ولا لمَن تصلّي ؟ ولا حكمة الصلاة ، ولا تعلم سرّ الصلاة ، وأن تصوم ، ولا تعلم لم تصوم ؟ ولا لمن تصوم ؟ ولا كيف ينبغي أن تصوم ؟ ولا ما هي آداب الصوم ؟ وما هو نفع الصوم ؟ وما حكمة الصوم ؟ هذه ليْسَت عبادة ، إن لم يرافق العبادة الفقه فلا كانت هذه العبادة .
الورع .
ويقول عليه الصلاة والسلام :
(( وأفضل الدين الورع ))
ركعتان من ورع خير من ألف ركعة من مخلِّط ، من لم يكن له ورع يصدّه عن معصيَة الله إذا خلا ، لم يعبأ الله بشيءٍ من عمله ، خير دينكم الورع ، الورع أن تدع ما لا بأس به حذرًا ممَّا به بأس ، أن تدع طريقًا ليس محرَّمًا في نصّ الدِّين المشي فيه ، ولكن لأنَّ في هذا الطريق بعض الفتن تركته ورعًا ، تركت صفْقةً لا لأنَّها حرام ، ولكن لأنَّ فيها شبهة ، تركْت امرأة وأبيْتَ الزواج منها لقصَّة بلغتْك عنها ربّما كانت تؤذي دينك ؛ هذا هو الورع ترك ما لا بأس به حذرًا ممَّا به بأس .
ويقول عليه الصلاة والسلام : خيركم أزهدكم في الدنيا وأرغبكم في الآخرة ..." من تعلّقت بالآخرة همومه ، ونقل اهتماماته إلى الآخرة ، وجعل الآخرة نصْب عينيه ، ومن أصبح وأكبر همَّه الآخرة ، من سعى للآخرة ، ومن أراد الآخرة وسعى لها سعْيَها ، من أقلقه مصيره في الآخرة ، ومن أقلقه مقامهُ عند الله في الآخرة فهذا من خير الناس ، ومن أقلقته الدنيا ومكاسبه فيها ، وما أُعطي منها وما حُرم فهذا ينطبق عليه قوله : من أصبح وهمه الدنيا شتت الله عليه أمره وفرق عليه ضيعته وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له ، ومن أصبح وهمه الآخرة جمع الله له همه وحفظ عليه ضيعته ، وجعل غناء في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة .
المسامح العاقل .
وعن أبو هريرة رضي الله عنه ، أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ' وَقَفَ على ناس جُلُوس ، فقال :
((خيركمْ مَنْ يُرجَى خيره ، ويُؤمَن شره))
هل يخاف الناس منك ، هل يبيت الإنسان طوال الليل قلقًا خوفًا من أن توقع به الأذى ، هل أنت من هذا النوع ؟ إذًا هذا الإنسان من شرّ الناس ، خيركم من يرجى خيره ويُؤْمَن شرّه ، علامة المؤمن يطمئنّ الناس إليه ، وإنَّه مصدر سلامٍ لهم ، ومصدر أمْنٍ لهم ، ومصدر طمأنينةٍ لهم ، ومصدر خيرٍ لهم ، يُرجَى خيره ، ولا يخافه الناس على أموالهم ، ,لا يخافونه على أعراضهم ، لا يخافونه على مستقبلهم ؛ إنَّه مصْدر خير لهم .
ويقول عليه الصلاة والسلام في حديث شريف فيه توجيه سديد :
(( خيركم من لم يترك آخرته لدنياه ، ولا دنياه لآخرته ، ولم يكن كلا على الناس ))
هذا الذي ترك الآخرة ، وتبع الدنيا ، وانْغمسَ فيها ، ليس من أولئك العقلاء ، لكن الطَّرَف الثاني في الحديث فيه دقَّة بالغة : ولا دنياه لآخرته ، هذا الذي زهد في الدنيا ، وتركها ، وأبى أن يعمل فيها ، وصار كلاًّ على الناس ، وعبئًا عليهم ، الناس يسْعون وهو يأخذ من سعْيِهِم ، هذا الذي ترك دنياه لآخرته ، أو هذا الذي ترك آخرته لدنياه ليس خير الناس ، لكنَّ الطرَّف الثالث في الحديث يوضح الطَّرَف الثاني : ولم يكن كلاًّ على الناس ، لذا روِيَ عن سيّدنا عمر رضي الله عنه أنَّه إذا بلغه عن الرجل أنَّه ليس له عمل سقطَ من عَيْنِهِ ، ويقول عليه الصلاة والسلام : قيمة المرء ما يحْسِنُهُ ..." فالعمل مقدّس في الإسلام ، ومن بات كالاًّ في طلب الحلال بات مغفورًا له .
(( خيركم من لم يترك آخرته لدنياه ، ولا دنياه لآخرته ، ولم يكن كلا على الناس ))
يجمع بين الدنيا ، بين الكسب الحلال واليد العليا ، والإنفاق على أهله وعِياله ، وبين طلب الآخرة ، وحضور مجالس العلم ، وأداء الصلوات في أوقاتها ، وبين عمله الصالح العميم .
ويقول عليه الصلاة والسلام :
(( خيركم خيركم لنسائه ولبناته ))
هذا الذي يقسو على بناته أو نسائه في النّفقة ليس من أمّة النبي عليه الصلاة والسلام لقول النبي عليه الصلاة والسلام :
(( ليس منا من وسع الله عليه ثم قتَّر على عِياله ))
قال عليه الصلاة والسلام :
(( خير نسائكم الولود ، الودود ، المواسية ، المواتية ، إذا اتقين الله . وشر نسائكم المتبرجات ، المتخيلات ، وهن المنافقات ، لا يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم ))
الولود عزيزة ودودة ذليلة ، عزيزة مع أهلها ، ذليلة مع بعلها ، ستِّيرة لا تكشف عورة زوجها ، أي نقاط الضعف عنده ، مواسيَة تعينه في النَّكبات ، لا تعين الشيطان عليه ، بل تعينه على الدنيا وعلى الشيطان ، ودودة والمودَّة هي الصّفة الأساسيّة في المرأة .
ويقول عليه الصلاة والسلام :
(( خير جلسائكم من ذكركم الله رؤيته ، وزاد في عملكم منطقه ، وذكركم الآخرة عمله ))
إذا نظرت إليه تذكّرت الله عز وجل ، مثل هذا الإنسان صاحبك ، وزاد في عملكم منطقه ، منطقه سديد يقْنِعُك بالعمل الصالح ، يقنعكم بِتَرك المعاصي ، إذا كان منطقه يزيد عملكم صلاحًا وسدادًا واستقامةً فهذا من خير الأصحاب ، وذكّركم الآخرةَ عملُه ، أما عمله لأنَّه يسعى إلى الآخرة يعْديك بهذا السَّعي ، يدفعك لمثل هذا السعي ، ويغريك لمثل هذا السعي ، يكون لك قدوةً حسنة في هذا الطريق .
(( خير جلسائكم من ذكَّركم الله رؤيته ، وزاد في عملكم منطقه ، وذكّركم الآخرة عمله ، وخير أبواب البرّ صدقة ))
لأنّ الكلمة الطيّبة صدقة ولكنّها لا تكلّف شيئًا ، والوجه الضاحك البشوش صدقة ولكنَّه لا يكلّف شيئًا ، وأن تميط عن الطريق الأذى صدقة ولكنَّه لا يكلّف شيئًا ، وأن ترشد الرجل الضّال صدقة ، وأن تلقي دلْوَكَ في دلوه هو لك صدقة ، ولكنّ دفْع المال هو الذي يؤكّدك صدقك ، وإيمانك بهذا الدِّين ، ويؤكِّد محبَّتك لله ، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
((خير أبواب البر الصدقة))
دفْع المال يقطع الشكّ بالنفاق ، هذا الذي يدفع ماله الذي كسبه من حلال ، وكان بإمكانه أن ينفقه على شهواته ولذَّاته ، ولكنَّه آثر إلا أن يعطيَهُ لله عز وجل ، هذا من أوسع أنواع البرّ .
خير النساء من تسرّك إذا أبصرْت ، أبْصرْت إليها ، أو نظرت إلى بيتها وإلى أولادها ، وتطيعك إذا أمرت ، وتحفظ غيبَتك في نفسها ومالك ، هذه خير النساء ، تؤدِّي واجبها كاملاً اتِّجاه زوجها ، واتِّجاه أولادها من حيث إدارة المنزل ، وحُسن ترتيبه ، والعناية به ، والعناية بالأولاد ، والعناية بالزّوج ، والعناية بمنظرها ، كلّ هذه المعاني دخلت في قول النبي عليه الصلاة والسلام : إذا أبْصرْتَ ، ولم يقل أبصرتها لأنَّه إن قال أبصرتها انصرف المعنى إليها بالذات ، ولكن إذا أبصرت فأيّ مكان في البيت تنظر إليه يسرّك ، نظيف ومرتَّب ، إذا أبصرْتَ أولادك وقد تنظَّفوا ، ولبسوا اللباس الحسن ، خير النساء من تسرّك إذا أبصرت ، وتطيعك إذا أمرت ، وتحفظ غيبتك في نفسها ومالك .
أيها الإخوة المؤمنون ، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزِنوا أعمالكم قبل أن توزَنَ عليكم ، واعلموا أنّ ملك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا وسيتخطَّى غيرنا إلينا ، فلْنتَّخِذ حذرنا ، الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنَّى على الله الأماني .
والحمد لله رب العالمين
***
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وليّ الصالحين ، وأشهد أنّ سيّدنا محمدًّا عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم ، اللهمّ صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمَّد وعلى آله وأصحابه الغرّ الميامين .
خير دواء للمسلمين هو القرآن الكريم
أيها الإخوة المؤمنون ؛ تتْميمًا لهذا الموضوع ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
((خَيْرُ الدَّوَاءِ الْقُرْآنُ ))
وقفْت عند هذا الحديث ؛ كيف يكون القرآن دواءً إذا فهمت هذا الحديث فهمًا ساذجًا بمعنى إذا آلمك شيءٌ في جسمك ، ومكانًا فيه ثمَّ قرأْتَ سورةً من القرآن ونفختها على هذا المكان فبرِأَ هذا المكان ، هذا المعنى لم يقصده النبي عليه الصلاة والسلام ، ولكنَّك إذا قرأت القرآن ووقفْت عند القوانين التي سنَّها الله عز وجل ، مثلاً قال الله عز وجل :
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾
إذا أدركْت هذا القانون ، وآمنت به ، وآمنْت بالله وعملْت الصالحات فسوف تحيى حياةً طيّبة ، إذًا كان هذا القرآن دواءً لمُشكلات الحياة التي يسوقها الله عز وجل تضييقًا على التائهين والضّالِّين ، إذا قرأت قوله تعالى:
﴿لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ﴾
هذا أمر إلهي ، لا ينبغي للزَّوج إذا غضب من زوجته أن يخرجها إلى بيت أهلها ، إذا فعل الزوج ذلك انقلَبَت المشكلات الصغيرة إلى مشكلات كبيرة قد تنتهي بالطّلاق ، وإذا أبقاها في بيتها قد تنقلب أكبر مشكلة إلى مشكلة صغيرة ثمّ تتلاشى فإذا صدَّقْت هذه الآية فهي دواءٌ للمشكلات الزوجيّة ، قال تعالى :
﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ﴾
إن طبّقت هذه الآية فهي دواء للشقاق الزوجي مهما ارتدَّ بك العُمر ترى أهلك أجمل الناس بِغَضِّ البصر ، ومهما امتلك الإنسان أجمل زوجة فبإطلاق البصر يشتهي غيرها ، وقد ينحرف ، وقد يقع في الفحشاء ، فدواء العلاقة الزوجيّة هو غضّ البصر ، قال تعالى :
﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ﴾
لو طبَّقت هذه الآية في معاملاتك التِّجاريّة فهو دواءٌ للناحيَة المعاشية في حياتك ، لن تُصاب بإفلاسات ، لن تقع تحت الدَّيْن ، لن تفقد ثرْوَتَكَ دفعةً واحدة لأنَّك حصَّنْت ثرْوَتَكَ بالزكاة ، لم تُدْخِل عليها الربا ، لذلك : عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
((خَيْرُ الدَّوَاءِ الْقُرْآنُ ))
إذا أقرضْت إنسانًا وقلتَ له من باب الجهل بلا وصْل ، أنا واثقٌ منك ، فإذا مات هو ولم يعترف لك أولاده بالمبلغ عندئذٍ تعضّ على إصْبعك ندمًا ، الدواء من هذه الحالة التعيسة أن تكتب الدَّيْن كما أمرك الله به ، كتابة الإيصال ليس لعدم الثّقة بالدائن أو المدين ، ولكن خوفَ موتٍ مفاجىء لا يعترف أولاد هذا ، أو أولاد هذا بالمبلغ ، فقد أطْعمْتهُ حرامًا ، وأكله حرامًا ، وحرمْتَ نفسكَ من المال لأنَّك لم تكتب ، قال تعالى :
﴿وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا﴾
خير الدواء القرآن ، القرآن الكريم في كلّ الآيات التي يقرّر فيها حقيقة ، مثلاً قوله تعالى :
﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾
هذا دواء القلق ، الإنسان قد يحاط بِمُشكلات ، قد يُحاط بِمَخاوِف ، قد يبْدو له شبح مصيبةٍ كبيرة ، الذي يهزّ كيانه ، والذي يصيبه بأزمات قلبيَّة هو الخوف والقلق ، دواء هذه الأزمات أن تقرأ قوله تعالى :
﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾
وقال تعالى :
﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾
وقوله تعالى :
﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾
الإنسان قد يقلق في الحياة الدنيا ، يخاف أن تزول ، أو يزول عنها ، إذا قرأ قوله تعالى
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾
تطمئنَّ نفسه ، لن يغيّر الله ما بك من حالة حسنة إلا إذا غيَّرْت ، لن تُزاح عنك المشكلات إلا إذا غيَّرْت ؛ لها معنى آخر ، فإذا قرأت القرآن ففي كلّ آية دواء للنفس ، مشاعر القلق واليأس والقنوت ، والجبن والخوف والاضطراب والضَّياع والتَّشتت والتملّق والنفاق ؛ هذا كلّه من مظاهر القلق ، تخاف أن يزول هذا منك ، هذه كلّها أمراض ، بل إنَّها أعراض الإعراض ، خير الدواء القرآن ، اقرأ القرآن تتعرَّف إلى قوانين الحياة إذا اتَّبَعتها قطفْت ثمارها ، وإذا قطفت ثمارها سعِدْتَ في دنياك وآخرتك ، فدواء للعلاقات الزوجيّة ، ودواء للعلاقات الاقتصاديّة ، ودواء لحُسن العلاقة مع الآخرين ، قال تعالى :
﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾
لو أنَّك في العدل معك الحق طبِّق الأمر الثاني وهو الإحسان تنشأ علاقة طيّبة بينك وبين أخيك ، بينك وبين جارك ، من هنا قال عليه الصلاة والسلام :
(( رحم الله عبدا سمحا إذا باع ، سمحا إذا اشترى ، سمحا إذا قضى ، سمحا إذا اقتضى ))
أيها الإخوة المؤمنون ، لا زلنا في هذا الموضوع ، وسوف أتابع بعض فقراته في الخطبة القادمة إن شاء الله تعالى .
الدعاء :
اللهمّ اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيْت ، وتولَّنا فيمن تولّيْت ، وبارك اللّهم لنا فيما أعْطيت ، وقنا واصْرف عنَّا شرّ ما قضَيْت فإنَّك تقضي ولا يُقضى عليك ، إنَّه لا يذلّ من واليْت ، ولا يعزّ من عادَيْت ، تباركْت ربّنا وتعاليْت ، ولك الحمد على ما قضيْت نستغفرك اللهمّ ونتوب إليك ، اللهمّ هب لنا عملاً صالحًا يقرّبنا إليك ، اللهمّ أعطنا ولا تحرمنا ، وأكرمنا ولا تهنّا ، وآثرنا ولا تؤثر علينا ، وأرضنا وارضَ عنَّا ، وأصْلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصْلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصْلح لنا آخرتنا التي إليها مردُّنا ، واجْعل الحياة زادًا لنا من كلّ خير ، واجعل الموت راحةً لنا من كلّ شرّ ، مولانا ربّ العالمين ، اللهمّ اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمَّن سواك ، اللهمّ لا تؤمنَّا مكرك ، ولا تهتِك عنَّا سترَك ، ولا تنسنا ذكرك ، يا رب العالمين ، اللهمّ إنَّا نعوذ بك من عُضال الداء ومن شماتة العداء ، ومن السَّلْب بعد العطاء ، يا أكرم الأكرمين ، نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الذلّ إلا لك ، ومن الفقر إلا إليك ، اللهمّ بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحقّ والدِّين وانصر الإسلام وأعزّ المسلمين ، وخُذ بيَدِ وُلاتهم إلى ما تحبّ وترضى إنَّه على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .