وضع داكن
29-03-2024
Logo
الخطبة : 0220 - الرفعة عند الله - العضلات.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:
 الحمد لله ثم الحمد لله . . . الحمد لله الذي هدانا لهذا . . . وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، وما توفيقي ولا اعتصامي ولا توكلي إلا على الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته وإرغاماً لمن جحد به وكفر ، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم سيد الخلق والبشر ، ما اتصلت عين بنظر أو سمعت أذن بخبر . اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

الدوافع التي أودعها الله في الإنسان :

 أيها الأخوة المؤمنون ؛ الله سبحانه وتعالى أودع في الإنسان دوافع عدّة منها الدافع إلى الطعام والشراب ، ليبقى الإنسان حياً ، لو كلفه أن يأكل ولم يأكل لقضى على حياته، ولكنه أودع في نفسه ، أودع في بنيته الاتجاه نحو الطعام .
 إن الجوع هو الذي يحرك الإنسان ليأكل ، وليس التكليف – الجوع - فهذا الدافع، الدافع الى الطعام والشراب هو سبب إعمار الأرض ، لولا الدافع إلى الطعام لما عمل الإنسان ، وإن لم يعمل الإنسان لا ترون على هذه الأرض شيئاً ، هذا الدافع لبقاء الفرد ، وأما الدافع الجنسي فالله سبحانه وتعالى أودع في الإنسان هذا الحب لقوله تعالى :

﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء ﴾

[ سورة آل عمران : 14 ]

 هذا الدافع هو دافع بقاء النوع ، الدافع إلى الطعام والشراب دافع إلى بقاء الفرد، والدافع إلى الزواج دافع إلى بقاء النوع ، وهناك دافع ثالث الإنسان يتمنى أن يكون ذا أهمية في المجتمع ، يتمنى أن يكون عالياً في نظر الناس ، يتمنى أن يكون واسع الذكر ، يتمنى أن يكون مشهوراً ، يتمنى أن يكون معروفاً ، هذا الدافع يمكن أن نسميه دافع العلوِ في الأرض ، هو دافع لبقاءِ الذكر ، فدافع لبقاء الفرد ، ودافع لبقاء النوع ، ودافع لبقاء الذكر ، الدافع الثالث هو موضوع خطبةِ اليوم .

 

الدافع إلى بقاء الذكر :

 الإنسان قد يرتقي في نظر الناس وفق مقاييس الناس ، الناس يعظمون أصحاب الأموال ، فإذا اتجه لجمع الثروات فهو يتجه بشكلٍ خفي إلى أن يرتفع في نظر الناس ، ربما يعظم الناس أصحاب الشهادات العليا ، فإذا انكب على دراسة لينال أعلى الشهادات ، فهذا تحقيق لذلك الدافع الذي يدفعه إلى أن يكبر في عين الناس ، ربما عظم الناس أصحاب الحول والطول ، فإذا سعى ليحتل مركزاً مرموقاً في الحياة فإنما هو يفعل استجابة لدافع العلو ، وما دافع العلو إلا دافع بقاء الذكر ، المشكلة هنا إما أن تبحث عن مقياس عند الناس ، وإما أن تبحث عن مقياس عند الله ، فالذي يتمنى أن يكون رفيع الشأن عالي الذكر حسن السمعة إنما يبحث عنها بمقياس الله سبحانه وتعالى . الله سبحانه وتعالى ما مقياسه ؟ يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام الطبراني :

((ليس شيءٌ أكرم على الله من المؤمن ))

 ليس شيءٌ في الكون أكرم على الله من المؤمن ، فإما أن تكون كبيراً في نظر الناس ، وإما أن تكون كبيراً عند الله عزَّ وجل ، إذا أردت الرفعة عند الله فكن مؤمناً ، لأنه لا يوجد شيء أكرم على الله من المؤمن ، لذلك في بعض الأحاديث الشريفة ، يقول عليه الصلاة والسلام :

((ابتغوا الرفعة عند الله))

[ابن عدي في الكامل عن ابن عمر ]

 الناس في أغلبهم وفي معظمهم يبتغون الرفعة عند بعضهم بعضاً ، إذاً يبحثون عن المقاييس الذي يرتفعون بها في نظر الناس ، لكن المؤمن يتمنى أن يكون عند الله مقرباً ، يتمنى أن يكون عند الله كبيراً ، يتمنى أن يكون عند الله أثيراً ، لذلك هذه الأحاديث الشريفة تبين من الذي هو عظيم عند الله ؟ من الذي هو كبير في نظر الله ؟ لأن يسقط الإنسان من السماء إلى الأرض فتنحطم أضلاعه أهون من أن يسقط من عين الله ، يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه الطحاوي :

((لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا إِلَّا وَاحِدٌ مِنْ عَبِيدِي مُؤْمِنٌ لَاسْتَغْنَيْتُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ خَلْقِي وَ لَجَعَلْتُ لَهُ مِنْ إِيمَانِهِ أُنْساً لَا يَسْتَوْحِشُ إِلَى أَحَدٍ ))

 إيمانه يؤنسه ، لو لم يكن في الدنيا إلا واحد مؤمن لاستغنى الله به عن جميع الخلق ، ولجعل الله من إيمانه أُنساً يألفه ويؤنسَ وحشته .

مقياس الرفعة عند الله أن تكون مؤمناً :

 يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ فيما رواه الإمام البخاري ومسلم ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبرّه ))

[ متفق عليه عن أنس بن مالك]

 لذلك عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(( إِنَّ اللَّهَ قَالَ : مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ ))

[البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]

 ألا ينبغي أن نبتغي الرفعة عند الله ؟ لأنك إذا ابتغيت الرفعة عند الناس ، الناس هلكى ، الناس ميتون ، الناس ضعاف ، لو أن الأمة اجتمعت على أن ينفعوك بشيء ، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، ولو أن الأمة اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك . يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام الطحاوي :

((المؤمن وحده جماعة ))

 وبعضهم يرى أن هذا الحديث مأخوذ من قوله تعالى :

﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً ﴾

[ سورة النحل : 6 ]

 أمة بكاملها ، واحد كألف ، وألف كأف ، ويقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه النسائي :

(( والذي نفسي بيده لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا ))

 أريد أيها الأخوة ؛ من خلال هذه الأحاديث الشريفة أن أبين لكم أن مقياس الرفعة عند الله أن تكون مؤمناً لا أن تكون غنياً ، لا أن تكون قوياً ، لا أن تكون مشهوراً ، لا أن تكون نجماً ، هو أن تكون مؤمناً ، والذي يعقل يرى أن الرفعة عند الله تسعده إلى الأبد ، أما الرفعة عند الناس فربما أسعدته إن صح التعبير إلى أمدٍ محدود ينتهي بالموت .
 ويقول عليه الصلاة والسلام ، فيما رواه الإمام الترمذي :

(( كسر عظم المؤمن ميتاً مثل كسره حياً ))

 لعظم شأن المؤمن عند الله عز وجل ، كسر عظم المؤمن ميتاً مثل كسره حياً ، وفي حديثٍ آخر رواه الإمام أحمد :

(( أهل ذكري أهل مودتي ))

 إذا أردتَ مودةَ الله عز وجل وهي ثمينةً جداً ، ربما رأيت مودة إنسانٍ من أهل الحول والطول ثمينة جداً ، مودة إنسان من العظماء ، ربما رأيتها ثمينة جداً ، ولكنك إذا دققت رأيت أن مودة الله أثمن في الوجود .

﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً ﴾

[ سورة مريم : 96]

 أهل ذكري أهل مودتي ، أهل شكري أهل زيادتي ، أهل طاعتي أهل كرامتي . أنت تطلب من الله الكرامة وهو يطلب منك الاستقامة ، أهل طاعتي أهل كرامتي ، أهل معصيتي لا أُقنتهم من رحمتي ، إن تابوا فأنا حبيبهم وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم .

 

للمؤمن عند الله مكانة عظيمة :

 أيها الأخوة المؤمنون ؛ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(( وَمَا أَنْكَرْتَ مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ أَحَدٌ أَفْضَلَ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَمَّرُ فِي الإِسْلَامِ ))

[ابن ماجة عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ]

 والله سبحانه وتعالى يتوعد أولئك الذين يؤذون المؤمنين ، يقول الله عز وجل في حديث قدسي : "من أخاف لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة ، ومن حاربته فقد قصمته " من آذى لي ولياً ، من أراد أن يشوه سمعة مؤمن زوراً وبهتاناً ، من أراد أن يفتري على مؤمن ، من أراد أن يحقر مؤمناً ، من أراد أن يصغره ، من أراد أن يقلقه ، من أراد أن يبث في قلبه الخوف ، من فعل هذا فقد بارز الله بالمحاربة ، ومن حاربته فقد قصمته ، الله سبحانه وتعالى قد يرسل أمراضاً وبيلة لا يحتملها إنسان :" من أخاف لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة ومن حاربته فقد قصمته" . و عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(( سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ ))

[ النسائي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ]

 من سبه فقد فسق ، ومن قاتله فقد كفر .
 من خلال هذه الأحاديث الشريفة الصحيحة يتبين أن للمؤمن عند الله مكانة عظيمة ، وأن هذه المكانة يحصلها بأشياء متاحة لكل إنسان ، الاستقامة متاحة ، أداء العبادات متاح ، العمل الصالح متاح ، أن تكون صادقاً ، أن تكون أميناً ، أن تكون مخلصاً ، أن تكون وفياً ، أن تكون حليماً ، أن تكون منصفاً ، أن تكون عادلاً ، أن تفعل الخيرات إلى من تعرف وإلى من لا تعرف ، تحصيل هذه المرتبة متاح لكل إنسان فإذا حصلتها حصلت هذه المودة وهذه المكانة .

 

المؤمن من يرجى خيره و يؤمن شره :

 يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ طائفة أخرى من أحاديث رسول الله تتعلق بصفات المؤمن ، حتى لا يظن كل واحد أنه مؤمن ، يقول رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(( أَلا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِكُمْ مِنْ شَرِّكُمْ ؟ قَالَ : فَسَكَتُوا ، فَقَالَ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ، فَقَالَ رَجُلٌ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَخْبِرْنَا بِخَيْرِنَا مِنْ شَرِّنَا ؟ قَالَ : خَيْرُكُمْ مَنْ يُرْجَى خَيْرُهُ وَيُؤْمَنُ شَرُّهُ ، وَشَرُّكُمْ مَنْ لا يُرْجَى خَيْرُهُ وَلا يُؤْمَنُ شَرُّهُ ))

[الترمذي عن أبي هريرة ]

 فأنت كمؤمن يجب أن يأمن الناس منك ، يجب أن يأمنك الناس ، أن يطمئن إليك الناس ، لا أن يكونوا قلقين من جهتك ، خيركم من يرجى خيره و يؤمن شره ، بل إن المؤمن يرجى خيره ، ليس فقط يؤمن شره بل يرجى خيره ، فهذا الذي يخيف الناس ليس مؤمناً ، هذا الذي يبث في قلبهم الخوف ليس مؤمناً .

 

علامة المؤمن أنه راضٍ عن الله في السراء والضراء :

 شيءٌ آخر ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(( عَجِبْتُ لِلْمُؤْمِنِ إِذَا أَصَابَهُ خَيْرٌ حَمِدَ اللَّهَ وَشَكَرَ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ حَمِدَ اللَّهَ وَصَبَرَ))

[أحمد عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ]

 فهذا الذي في الرخاء يحمد الله فإذا جاءت الشدة تكلم كلاماً لا يليق بحضرة الله عز وجل هذا ليس مؤمناً ، علامة المؤمن أنه راضٍ عن الله في السراء والضراء ، في البحبوحةِ والضيق ، في إقبال الدنيا وإدبارها ، في الصحة وفي المرض ، قبل الزواج وبعد الزواج ، في كل الأحوال ، عجبت للمؤمن إذا أصابه خير حمد الله وشكر ، وإذا أصابته مصيبة حمد الله وصبر ، في كلا الحالتين يحمد الله سبحانه وتعالى هكذا الإيمان .

المؤمن كريم سموح يألف و يؤلف :

 شيء آخر : يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه أبو داود :

(( المؤمن غِرٌ كريم والفاجر خَبٌّ لئيم ))

[أبو داود عن أبي هريرة]

 المؤمن كريم سموح حليم متواضع عفو لطيف غرٌّ كريم ، عنده براءة الأطفال، عنده صفاء الأطفال ، عنده ذكاء الشيوخ ، إن المؤمن غرٌّ كريم ، لكن الكافر خبّ لئيم ، له وجهان : له موقف معلن وله موقف حقيقي ، يبتسم ابتسامة الثعلب ، يؤنسك وهو يخدعك ، يؤنسك وهو يدبر لك المكيدة ، هذه صفات المنافقين ، هذه صفات الفجار . لا يكون المؤمن خباً لئيماً أبداً ، المؤمن سريرته كعلانيته ، طويته كظاهره ، موقفه المعلن كموقفه الحقيقي ، المؤمن غرٌّ كريم والفاجر خبٌّ لئيم .
 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

((الْمُؤْمِنُ مُؤْلَفٌ وَلا خَيْرَ فِيمَنْ لا يَأْلَفُ وَلا يُؤْلَفُ ))

[ أحمد عن أبي هريرة]

 من علامة المؤمن أنه يألف ويؤلف .

 

المؤمن كيس فطنٌ حذر :

 والمؤمن كيس فطنٌ حذر ، وقاف عند كتاب الله ، ما رأي الشرع في هذا الموضوع ؟ ما رأي الشرع في هذه القضية ؟ أيجوز أن أفعل هذا أم لا يجوز ؟ وقاف عند كتاب الله ، المؤمن كيس فطن حذر وقاف ، السبت سمع قصة يقول له : أأنت سمعتها بأذنيك ؟

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾

[ سورة الحجرات : 6]

 السبت يتحقق من كل قصة ، من كل رواية ، لا يصدر أحكاماً سريعة أبداً إلى أن يتحقق ، قال : سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين ؟ لا يعجل ، عالم ، ما اتخذ الله ولياً جاهلاً لو اتخذه لعلمه ، ركعتان من ورع خير من ألف ركعة من مخلط ، و المنافق هُمزة أي عيّاب كلما نظر إلى شيء عاب ، لماذا هذا البيت صغير ؟ كيف اشتريته ؟ عيّاب ، من خاط لك هذا الثوب ؟ إذا أطعمته ما هذا الطعام ؟ عيّاب .
 كان النبي عليه الصلاة والسلام ما عاب طعاماً قط في حياته ، المنافق عيّاب أي هُمزة لمزة ، مغتاب ، عيّاب في الوجه ومغتاب ، عيّاب مغتاب ، الحديث همزة لمزة حطمة ، أي قلبه قاسٍ كالصخر ، قليل الرحمة ، لا يقف عند شبهة ، ليس ورعاً ، يأخذ المال من أي مصدر كان ، صحيح أو غير صحيح ، مشروع أو غير مشروع ، بحق أو بالباطل ، لا يقف عند شبهة، ولا عند محرم ، حتى لو كان هذا حراماً ، باجتماع أقوال الفقهاء لا يبالي كحاطب الليل لا يبالي من أين اكتسب ولا فيم أنفق ؟ المؤمن كما قال عليه الصلاة والسلام يسير المؤن ، أي يكفيه من الدنيا القليل . دخلوا على سيدنا عبد الله أبو عبيدة بن الجراح فرأوا في غرفته قدر ماء مغطى برغيف خبز ، جالس على جلد - جلد غزال - و السيف معلق على الحائط ، هذا كل ما في بيته ، قالوا : ما هذا يا أبا عبيدة ؟ قال : هو للدنيا وعلى الدنيا كثير ، ألا يبلغنا المقيل ؟ فالمؤمن يسير المؤن ، وإن الله يحب المؤمن المتبذل ، صاحب مصلحة ، صاحب صنعة ، قد يرتدي ثياباً لا ترضي الناس ، من أجل أن يعمل عمله بحرية - أي يتعرى - المؤمن المتبذل ، يحمل حاجته بيده ، يكنس بيته ، يخصف نعله ، إن الله يحب المؤمن المتبذل الذي لا يبالي ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

((الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ))

[ أحمد عن أبي هريرة]

 والمهاجر من هجر السوء واجتنبه .

 

المؤمن تسره حسنته و تسوءه سيئته :

 علامة أخرى من علامات المؤمن :

(( وَمَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ ))

[ الترمذي و ابن ماجة عن عمر بن الخطاب ]

 هذه علامة مهمة جداً إذا فعل المؤمن معصية لا ينام الليل ، زلت قدمه ، تكلم بكلمة ، أما ذنب المؤمن فكجبل جاثم على صدره ، أما ذنب المنافق فكذبابة أطارها ، لذلك من سرته حسنته وساءته سيئته ، فذلكم المؤمن ، والمؤمن يتعظ من غيره أو يتعظ من نفسه مرة واحدة ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهم عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :

(( لا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ ))

[ مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

 من جرب المجرب كان عقله مخرباً ، لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين ، والمؤمن له فراسة صادقة ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

((اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ ))

[ الترمذي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ]

المؤمن مبتلى :

 أحد علامات الإيمان أن المؤمن يشدد عليه ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(( إِنَّ الصَّالِحِينَ يُشَدَّدُ عَلَيْهِمْ ))

[ متفق عليه عن عائشة ]

 فإذا زلت القدم ، جاء العقاب ، تكلم كلمة جاء التنبيه ، إذا أحبه الله عبده ابتلاه .
 ما من عثرة ولا اختلاج عرقٍ ولا خدش عودٍ ، إلا بما قدمت أيديكم وما يعفو الله أكثر .

 

الإيمان ثمن الرفعة عند الله :

 موضوع الخطبة اليوم تتلخص في قول النبي عليه الصلاة والسلام :

((ابتغوا الرفعة عند الله))

[ابن عدي في الكامل عن ابن عمر ]

 الناس يبتغون الرفعة عند بعضهم بعضاً ، بمقاييس تعرفونها جميعاً ، ولكن الرفعة عند الله ثمنها أن تكون مؤمناً ، وهذه صفات الإيمان .
 أيها الأخوة المؤمنون ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملكوت الموت قد تخطانا لغيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حِذرنا، الكَيّسُ من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله الأماني والحمد لله رب العالمين .
اللهم يا موفق عبادك الطائعين يا رب وفقنا لما تحبه وترضاه يا كريم .

* * *

الخطبة الثانية :
 أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

العضلات :

 أيها الأخوة المؤمنون ؛ الإنسان حينما يتحرك من مكان إلى مكان ، حينما يرفع ثقلاً ، حينما يؤدي عملاً ، ما سرّ هذه الحركة أو ما سرّ هذا العمل ؟ إنه كامن في العضلات، حينما تقف عند القصاب وتشتري هذا اللحم ، فهذا اللحم الذي تشتريه ويقطعه لك هو العضلات، والله سبحانه وتعالى بحكمةٍ بالغة جعل هذه العضلة مؤلفةً من ملايين الألياف ، لو سلقت اللحمة لوجدت اللحم مؤلفاً من خيوط ، كل خيط ليف ، كل ليف ينتهي بعصب ، فإذا جاء الأمر من المخ أو من الجهاز العصبي إلى هذا الليف ، فإنه ينقبض ، ومعنى ينقبض أي يتقلص إلى ستين في المئة من طوله ، أي يبقى أربعين ، إذا كان طول الليف عشرة سنتمتر يصبح أربعة سنتمتر .
 تقلص العضلة والعضلة مربوطة بالعظم ، العظم يتحرك ، فلولا هذه الخاصة التي أودعها الله في العضلات ، لكان الإنسان كقطعة الخشب الملقاة على الأرض لا حركة ولا سكنة، أما التحرك ؛ حركة الأمعاء ، حركة القلب ، حركة الرئتين ، حركة العضلات الملساء ، حركة العضلات الإرادية ، حركة الأطراف ، أن تدير رأسك ، أن تحرك يديك ، فهذه الحركة أساسها الجهاز العظمي ، كل عظم مرتبط به عضلة تحركه نحو اليمين مثلاً ، وعضلة تحركه نحو اليسار ، عضلة قابضة ، وعضلة باسطة ، ما هذا السر ؟ حتى هذه الأيام كيف يتحول الغذاء الموجود في الخلايا العضلية إلى عمل أو إلى حركة هذا سرّ لم يكشف عنه بعد ، عضلة تنتهي بعصب ، فإذا جاء الأمر العصبي بالتحرك فإنها تنقبض ، فإذا انقبضت تحرك معها العظم وتحرك الإنسان ، قد تكون جالساً فترى أن ابنك يقترب من المدفأة فتقوم إليه ، رأيته يقترب ، أدركت الخطر جاء أمر من المخ إلى العضلات تحركت العضلات فسرت إليه ، ثم حملته بيدك وأبعدته عن المدفأة ، هذا الشيء الذي نفعله ولا نفكر فيه عملية معقدة جداً ، عضلات .
 العلماء قالوا : في كل عضلة متوسطة عشرة ملايين ليف ، للإنسان ستمئة عضلة ، خمسمئة منها إرادية ، أي تعمل بإرادتك ومئة منها لا إرادية ، إذا كنت في غرفة مظلمة ثم أُشعل المصباح ونظرت إلى عينك بالمرآة ، ترى حدقة العين تضيق وتضيق ، هل بإمكانك أن تبقيها واسعة ؟ هل بإمكانك أن تمنع تضيقها ؟ لا ، فقزحية العين عضلة ولكن ليست بإرادتك حركتها .
 والأمعاء تتحرك ، والأجهزة تتحرك ، و الرئتان تتحرك ، وأنت لا تدري ، هذا الخلق المتقن صنع الله ، الذي أتقن كل شيء ، ألا يستحق العبادة ؟ ألا يستحق الطاعة ؟ الإنسان يمشي ، الإنسان إذا صعد من طابق إلى طابق ، أي رفع جسمه البالغ سبعين كيلو غراماً إلى ثلاثة أمتار ، هذا يساوي في القوة المحركة حصاناً ونصف تقريباً ، أي بذل جهداً مقياسه هذا الرقم ، فالإنسان حينما يتحرك ، حينما يأكل ، حينما يستلقي ، حينما يمشي ، حينما يحمل ، يجب أن يفكر :

﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ ﴾

[ سورة الطارق : 5-7]

﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ﴾

[ سورة التين : 4-5]

 أيها الأخوة المؤمنون ؛ موضوع العضلات وحده ، يكفي أن تؤمن بالله عزَّ وجل ، لولا العضلة لما كان لصاحب حرفةٍ حرفة ، لولا العضلة لما أُنشئ هذا البناء ، لما وجدت على وجه الأرض شيئاً من صنع البشر ، الله سبحانه وتعالى جعل الحركة والعمل منوطة بهذا الجهاز العضلي الذي يتقلص بتأثيرٍ عصبي ، أما كيف يتحول الغذاء إلى عمل فهذا ما لم يعرف حتى الآن .

 

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولَنا فيمن تولَيت ، وبارك اللهم لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي ولا يقضى عليك ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك ، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، ولا تهلكنا بالسنين ، ولا تعاملنا بفعل المسيئين يا رب العالمين ، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين ، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .

 

تحميل النص

إخفاء الصور