وضع داكن
20-04-2024
Logo
الخطبة : 0346 - آيات من سورة النحل ( الوعد الإلهي ) - لا يخافن العبد إلا ذنبه.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الاولى:
 الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وما توفيقي ولا اعتصامي ولا توكلي إلا على الله، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً لربوبيته وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر أو سمعت أذن بخبر.
 اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه، وعلى ذريته ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
 اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الأخوة الأكارم،في سورة النحل وهي من السور المفعمة والطافحة بالآيات الدالة على عظمة الله عز وجل.

وعد الله محقق كأنه وقع :

 يا أيها الأخوة الأكارم، حينما ترد الآيات الكونية تباعاً آية إثر آية، وآية تأخذ بيد آية، إلى أن نصل إلى نتيجة دقيقة جداً، الله سبحانه وتعالى يقول في سورة النحل:

﴿ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾

[ سورة النحل : 1 ]

 وقفة قليلة ( أتى أمر الله ) فعل أتى فعل ماض، ( فلا تستعجلوه ) يعني لم يأت بعد، فكيف أتى وكيف لا تستعجلوه، يا أيها الأخوة الأكارم،وعد الله محقق كأنه وقع، فإذا أراد الله عز وجل أن يحدثنا عن شيء سيقع يستخدم الفعل الماضي لتحقق الوقوع، ( أتى أمر الله ) يعني ما هي إلا ساعة أو تزيد حتى نجد أنفسنا وجهاً لوجه في حساب دقيق، فماذا فعلنا؟
 أمر الله كأنه أتى، في حكم أنه أتى بل قد أتى، ( فلا تستعجلوه) كل متوقع آت وكل آت قريب، من هو الذي وعد؟ خالق الكون الذي بيده كل شيء، وعده حق، بل إن وعده في حكم الوقوع.

﴿ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ* يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ ﴾

[ سورة النحل : 1 -2]

الدين كله توحيد الله عز وجل :

 هذا الدين كله لا إله إلا أنا فاتقون، لا معطي ولا مانع ولا نافع ولا ضار ولا رافع ولا خافض ولا معز ولا مذل أبداً إلا أنا فاتقون، يجب أن تعرف حقيقة التوحيد ويجب أن تتقي غضب الإله، يجب أن تتقي عقابه في الدنيا والآخرة، يجب أن تتقي ناره، يجب أن تتقي سخطه، الآن دققوا أيها الأخوة:

﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾

[ سورة النحل : 3 –7 ]

إلزام الله نفسه أن يهدينا إليه :

 آيات إثر آيات، ويخلق مالا تعلمون إذا ركبت الطائرة أو ركبت السيارة هذه بعلم الله عز وجل وفي هذه الآية إشارة لها.

﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة النحل :8 ]

 على الله أن يهدينا إلى سواء السبيل، السبيل الموصل إليه تبيانها توضيحها بيانها على الله عز وجل، الله ألزم نفسه أن يهدينا إليه، ألزم نفسه أن يدلنا عليه، ألزم نفسه أن يبين، أن يحذر، أن ينذر.
 أريد من كل هذه الآيات حقيقة جاءت في آخرها، إنها مفتاح السورة كلها:

﴿ وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ * هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾

[ سورة النحل : 9 –11 ]

 آيات الكون تترى، تتتابع.

﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾

[ سورة النحل :12 ]

كيف نعرف الله عز وجل ؟

 مرة يتفكرون مرة يعقلون، الإنسان أيها الأخوة، يحس بحواسه ويدرك بعقله وفكره ويؤمن بقلبه.

﴿ وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ * وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾

[ سورة النحل : 12 –14 ]

﴿ وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ﴾

[ سورة النحل : 15 –16 ]

 أنا لست في معرض شرح هذه الآيات، أذكرها لكم هكذا من أجل أن أصل إلى حقيقة: يا ترى كيف نعرف الله عز وجل؟ كيف نعرف عظمته؟ كيف نعرف أنه هو الخالق؟ كيف نعرف ربوبيته؟ كيف نعرف ألوهيته؟ كيف نعرف رحمته؟ كيف نعرف علمه؟ كيف نعرف حكمته؟ كيف نعرف كرمه؟ كيف نعرف جلاله؟ كيف نعرف كماله؟ أورد الله سبحانه وتعالى هذه الآيات: خلق السماوات والأرض بالحق، خلق الإنسان من نطفة، والأنعام خلقها لكم، والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة، هو الذي أنزل من السماء ماء ينبت لكم به الزرع والزيتون، سخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر، وما ذرأ لكم في الأرض ( أي شيء يقع بصرك عليه من صنع الله وتصميمه ومن إبداعه وفيه حكمته وفيه علمه وفيه قدرته وفيه تقديره )، وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحماً طرياً، وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهاراً وسبلاً لعلكم تهتدون، وعلامات وبالنجم هم يهتدون، مفتاح السورة.

 

الإنسان إذا اتجه إلى غير الله وقع في الشرك :

 التعليق على هذه الآيات الكونية، الجواب لكل هذه الأسئلة.

﴿ أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾

[ سورة النحل :17 ]

 أتتجه إلى إنسان أيها الإنسان، أتعلق عليه آمال، أتخشاه ولا تخشى الله، أترجوه ولا ترجو الله، أتسعى لإرضائه ولا تسعى لإرضاء الله، أتعقد عليه الآمال ولا تعقد الآمال على الله، أتبتغي عنده الرفعة ولا تبتغي عند الله الرفعة، الإنسان أيها الأخوة، إذا اتجه إلى وجهة غير الله.. إلى قريب إلى أخ إلى صديق إلى عظيم إلى قوي إلى منيع إلى مكين.. إذا اتجه إلى مخلوق دون الخالق فقد وقع في ذنب لا يغفر إنه الشرك، قال تعالى:

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ ﴾

[ سورة النساء:48]

 الذي خلق السماوات والأرض، الذي خلق الإنسان، الذي خلق الأنعام، الذي خلق البحار، الذي خلق الجبال، الذي أنزل من السماء ماء، الذي أنبت بهذا الماء النبات، الذي جعل من هذه الآيات كلها آيات دالة على عظمته، أفمن يخلق كمن لا يخلق، أتتجه إلى مخلوق وتنسى الخالق، أتحرص على إرضاء مخلوق ولا تحرص على إرضاء الخالق، أيوازى مخلوق بخالق، أيوازى حادث بقديم، أيوازى فان بباق، أيوازى مفتقر إلى غني، أيوازى ضعيف بقدير، أيوازى من أنت معه إلى أبد الآبدين مع من يتركك شئت أم أبيت ن هكذا شأن المخلوق، إما أن تتركه وإما أن يتركك، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب ما شئت فإنك مفارق، واعمل ما شئت فإنك مجزي به.

كل نعمة تنعم بها إنما هي من الله :

 يا أيها الأخوة الأكارم، مفتاح السورة هذه الآية، الخالق العظيم أيوازى بمخلوق، أيزهد بطاعته، أتطمع في إرضاء فلان، أتتجه إلى زيد أو عبيد، أتؤثر مخلوق على خالق، أتؤثر ضعيفاً على قوي، أتؤثر فقيراً على غني.

﴿ أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾

[ سورة النحل :17 ]

 أين تفكيرك أيها الإنسان، أين عقلك، أين إدراكك، إلى أين أنت تسير؟ مع من تسير؟ ما الهدف؟ ما المصير؟

﴿ أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾

[ سورة النحل :17 ]

 شيء آخر: هل تعلم أن كل نعمة تنعم بها إنما هي من الله؟ نعمة الوجود من منحك نعمة الوجود؟

﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ﴾

[ سورة الإنسان : 1]

 نعمة الإمداد، من أمدك بالماء؟ من أمدك بالطعام؟ من أمدك بهذه الزوجة؟ من أمدك بهؤلاء الأولاد؟ من جعل لك هذا المأوى؟ من سخر لك هذه الأجهزة؟ جهاز الدوران وجهاز الأعصاب وجهاز طرح الفضلات وجهاز العضلات، يقول الله تعالى:

﴿ أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾

[ سورة النحل :17 -18]

عجز الإنسان عن إحصاء خيرات نعمة واحدة :

 النعمة جاءت مفردة، فكيف نعد نعمة الله؟ لعل المنطق يقول وإن تعدوا نعم الله، وإن تعدوا نعمة لأن النعمة الواحدة إذا أمضيت العمر كله في تعداد خيراتها لا تنقضي خيراتها، أي أنتم عاجزون عن إحصاء خيرات نعمة واحدة، فلأن تكون عاجزين عن إحصاء النعم كلها من باب أولى.

﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾

[ سورة النحل :18]

 هذا الإله العظيم فضلاً عن أنه عظيم هو محسن إليك متفضل عليك، أنت غارق في نعمه، غارق في فضله.

﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

[ سورة النحل :18]

 وهذا الإله العظيم يعلم خائنة الأعين، يعلم ما تخفي الصدور، هو معكم أينما كنتم، لا يغيب عنه شيء في الأرض ولا في السماء، نفسك مكشوفة أمامه، خواطرك طموحاتك نواياك صراعاتك آمالك آلامك كلها في علمه، قال: ألك حاجة؟ قال: منك؟ قال: لا، علمه بحالي يغني عن سؤالي، هذا الخالق العظيم هو الخالق وهو المنعم وهو العليم، الآية الأولى:

﴿ أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ *وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ * وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ﴾

[ سورة النحل :17-19]

من يتجه إلى مخلوق فهو ميت :

 أيها الأخوة، استمعوا.. تأملوا:

﴿ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾

[ سورة النحل :20]

 صنماً أو زيداً أو فلاناً أو علاناً من دونه، أي جهة دونه، جهة جماعة فئة فرد شخص قوي.

﴿ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ ﴾

[ سورة النحل :20]

 ضعاف مفتقرون، كتب الله عليهم الفناء، لا يملكون ضراً ولا نفعاً.

﴿ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ* أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾

[ سورة النحل :20-21]

من يتجه إلى الخالق فهو حي :

 في حكم الأموات، أو أن الذي يتجه إلى مخلوق هو ميت، والدليل:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾

[ سورة الأنفال: 24]

 الإيمان يهبك حياة الروح والبعد عن الله عز وجل يجعلك في عداد الأموات، أموات غير أحياء:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾

[ سورة الأنفال: 24]

 حياة القلب أن تعرف الله، حياة القلب أن تستقيم على أمره، حياة القلب أن تتقرب إليه، حياة القلب أن تتقلب في رحمته، أن تقبل عليه.

 

من صفات المعرضين الاستهزاء بكلام الله :

 يا أيها الأخوة المؤمنون، الآن صنفان من البشر لا ثالث لهما الصنف الأول صفاته كيت وكيت، والصنف الثاني صفاته كيت وكيت، وإذا قيل لهم هؤلاء الذين أشركوا.. هؤلاء الذين عبدوا من دون الله.. هؤلاء الذين اتجهوا إلى الدنيا..

﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴾

[ سورة النحل: 24]

 إذا قال لك إنسان هذا القرآن لا يصلح لهذا الزمان يعني أساطير الأولين، إن قال القرآن لا يطرح القضايا المعاصرة يعني أساطير الأولين، إن قال لك القرآن لا يتناسب مع روح العصر، في آيات لا يؤكدها العلم كما يدعون قالوا أساطير الأولين، أول صفة من صفات المعرضين الاستهزاء بكلام الله رب العالمين، عدم الالتفات إليه، عدم تقديره:

﴿ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ* لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً ﴾

[ سورة النحل: 24-25]

 أن تقول عن كلام الله أساطير الأولين.. أن تتهم كلام الله بأنه كلام قديم لا يصلح لهذه الحياة هذا ظلم شديد حرمت نفسك الخير العميم، حرمت نفسك الهدى، حرمت نفسك السعادة، حرمت نفسك الإقبال على الله، حرمت نفسك ما أعد لك إلى أبد الآبدين.

﴿ لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ﴾

[ سورة النحل: 25]

 يجب أن تعرف كلام الله، يجب أن تقف على حقيقته، يجب أن تتطلع عليه، يجب أن تفهم تفسيره، يجب أن تلم به، هو منهجك، هو كتابك المقرر، هو تعليمات الصانع يهدي للتي هي أقوم، لا يأتيه الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه، أن تتهم كلام الله، أن تعرض عنه، أن تقول هذا كلام لا يصلح لهذا الزمان، قال:

﴿ لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ﴾

[ سورة النحل: 25]

تأديب الله المعرض عنه من حيث لا يحتسب :

 ثم يقول الله عز وجل:

﴿ قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ ﴾

[ سورة النحل: 26]

 يعني إذا حركت دعامة البناء يقع السقف عليك، يعني دائماً قدرة الله عز وجل غير محدودة مهما أخذ الإنسان الأسباب، مهما أخذ الاحتياطات، مهما تمنع بقوته، مهما اعتز بسلطانه، مهما اعتنى بصحته، مهما أخذ بالأسباب، إذا شاء الله عز وجل أن يؤدبه أتاه من حيث لا يحتسب.

﴿ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ ﴾

[ سورة النحل: 26]

 تصوير رائع، يعني قد تأتي المصيبة من حيث لا تتوقع، قد يؤتى الحذر من مأمنه، قد لا ينفع ذا الجد منه الجد.

﴿ ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ ﴾

[ سورة النحل: 27]

 أين هؤلاء زعمتم أن زيداً بيده كل شيء، وزعمتم بأن عبيداً بإمكانه أن يرفعكم، وأن فلاناً بإمكانه أن يأخذ منكم، وعبدتم هؤلاء من دون الله عز وجل.

﴿ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾

[ سورة النحل: 27]

 لا حظوا هذه الآية:

﴿ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ ﴾

[ سورة النحل: 28]

 يا الله، حينما يوضع الميت في نعشه ويسير إلى قبره وقد أمضى الحياة الدنيا في القيل والقال، أمضى الحياة الدنيا في اللهو واللعب، أمضى الحياة الدنيا غارقاً في شهواته، أمضى الحياة الدنيا في تكذيب الحق، أمضى الحياة الدنيا في الكيد للمؤمنين، إن روح الميت ترفرف فوق النعش تقول يا أهلي يا ولدي لا تلعبن بكم الدنيا كم لعبت بي، جمعت المال مما حلّ وحرم فأنفقته في حله وفي غير حله، فالهناء لكم والتبعة عليّ.

﴿ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ﴾

[ سورة النحل: 28]

المجرم يوم القيامة يستسلم استسلام الذليل :

 أين العناد؟ أين الكبر؟ أين القسوة؟ أين الجمع؟ إذا ألقي القبض على المجرم وعرف أنه لا محالة ميت تراه مستسلماً استسلام اليائس، استسلام الذليل، استسلام الضعيف، استسلام النادم.

﴿ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾

[ سورة النحل: 28]

 فعلت كذا وكذا وهذه صورتك.

﴿ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون ﴾

[ سورة يس: 65]

﴿ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ﴾

[ سورة النحل: 28-29]

 هذا نموذج، إذا سمع القرآن قال أساطير الأولين، ضال مضل، فاسد مفسد، يمكر بالمؤمنين، يهلكه الله في الدنيا ويوم القيامة يخزيه ويسأله عن شركائه أين هم، وبعد ذلك في جهنم إلى أبد الآبدين.

 

القرآن الكريم كله خير :

 لئلا نقع في اليأس استمعوا أيها الأخوة، إلى الصورة الأخرى نرجو الله أن نكون من القسم الثاني:

﴿ وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا ﴾

[ سورة النحل: 30]

 كل الخير في القرآن، كل الحقيقة في القرآن، كل الهدى في القرآن، كل السعادة في القرآن، خيراً يهدي للتي هي أقوم، لا يأتيه الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه، لا ريب فيه كلام خالق الكون، منهج دقيق، تعليمات الصانع، قالوا خيراً، ولك أن تشرح هذه الكلمة في ساعات.
 وقيل للذين اتقوا في الدنيا، أنت اتقيت الله طبقت أمر الله خشيت غضب الله، ما رأيك في هذا الكتاب كله خير، هو سرّ سعادتي، سرّ توفيقي، سرّ الهدى، سرّ الأنس بالله، الأولين ماذا قالوا أساطير الأولين، أما هؤلاء قالوا خيراً.

﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ﴾

[ سورة النحل: 30]

 الأولون فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم، يعني يسعى ويكدح إلى أن يقترب من قطف ثماره يأتيه ملك الموت تعالى، كلما اقدم على عمل أخفق في مسعاه، كلما اتجه إلى جهة أفشله الله عز وجل.

 

المؤمن له في الدنيا خير وفي الآخرة خيرات :

 أما هؤلاء المؤمنون فال:

﴿ وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ﴾

[ سورة النحل: 30]

 وعد من خالق الكون إذا استقمت على أمر الله في الدنيا فلك في الدنيا حسنة، لك في الدنيا رضا، لك في الدنيا سعادة، لك في الدنيا طمأنينة، لك في الدنيا صلاح بال، لك في الدنيا زوجة صالحة، لك في الدنيا أولاد أبرار، لك في الدنيا مكانة اجتماعية، لك في الدنيا خير.

﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ ﴾

[ سورة النحل: 30]

 لكن ما أخذت الدنيا من الآخرة إلا كما يأخذ المخيط إذا غمس في مياه البحر، مهما كنت منعماً في الدنيا، يروى أن رجلاً من علماء المسلمين الأجلاء آتاه الله هيئة مشرقة وقامة مديدة ونوراً في وجوه، وأتاه الله بحبوحة في المال كان يركب فرسه وحوله إخوانه وكأنه ملك بين اتباعه، رآه رجل من غير المسلمين قميء الهيئة معذب مضطهد فاستوقفه وقال يا سيدي: يقول نبيكم الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، فأي سجن أنت فيه وأي جنة أنا فيها؟ فقال يا هذا: لو قست حالي إلى حالي أهل الجنة فأنا في سجن، ولو قست نفسك على حالتك هذه المتعبة إلى ما يعانيه أهل النار فأنت في جنة، فربنا عز وجل يقول:

﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ ﴾

[ سورة النحل: 30]

مهما كانت الدنيا عظيمة فلا تعدل عند الله جناح بعوضة :

 ولكن:

﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾

[ سورة القصص: 60]

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾

[ سورة التوبة: 38]

 ربنا عز وجل يطمئننا أنه مهما أوتيت من الدنيا، لو أن صحتك في أعلى مستوى ودخلك في أعلى رقم ولك أولاد نجباء ولك زوجة صالحة ولك، ولك كل هذه الدنيا لا تعدل عند الله جناح بعوضة.

﴿ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ ﴾

[ سورة النحل: 30-31]

المؤمنون تتوفاهم الملائكة طيبين :

 من هم المتقون؟ قال:

﴿ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ ﴾

[ سورة النحل: 32]

 هؤلاء تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم، هؤلاء تتوفاهم الملائكة طيبين.

﴿ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ﴾

[ سورة النحل: 32]

 أهلاً وسهلاً، هؤلاء الملائكة الأطهار يستقبلون المؤمنين، يرحبون بهم، يلقون عليهم السلام، تروي بعض الأحاديث أن المؤمن حينما يرى مقامه في الجنة يقول: لم أر شراً قط، يعني لو أن حياته كلها مشحونة بالمصائب والمتاعب والهموم والأحزان والابتلاءات يقول لم أر شر قط، وحينما يطلع أهل النار على مكانهم في النار يقولون: لم نر خير قط، نسوا كل الذي تنعموا به في الدنيا، لذلك يقول الإمام علي كرم الله وجهه: ما خير بعده النار بخير، وما شر بعده الجنة بشر، وكل نعيم دون الجنة محقور، وكل بلاء دون النار عافية.

﴿ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ ﴾

[ سورة النحل: 32]

 استقاموا على أمره، أحسنوا عملهم، طهروا أنفسهم، أقبلوا على ربهم.

﴿ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾

[ سورة النحل: 32]

البشر يوم القيامة صنفان لا ثالث لهما :

 صنفان من البشر: الأولون القرآن عندهم أساطير الأولين، الآخرون القرآن عندهم خير، هؤلاء لهم في الدنيا حسنة، هؤلاء فأتى الله بنيانهم من القواعد، هؤلاء تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم، هؤلاء تتوفاهم الملائكة طيبين، هؤلاء ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون سلام عليكم، هؤلاء في جهنم إلى أبد الآبدين.
 يا أيها الأخوة الأكارم، الدنيا تمضي سريعاً، أيعقل أن يستمتع الإنسان سنوات عديدة ثم يمضي إلى هذا المصير الأسود، روح الميت تقول يا أهلي يا ولدي لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي، جمعت المال من حله وحرامه فأنفقته في حله وفي غير حله فالهناء لكم والتبعة عليّ.
 ملخص الخطبة أيها الأخوة، ربنا عز وجل يقرع أسماعنا بأنه قد أتى أمر الله فلا تستعجلوه، رجل أعرفه جيداً سئل عن صحته فقال: والله صحتي جيدة جداً وأنا لن أموت قريباً، لأنني لا أدخن ولا أحمل الأمور فوق ما تستحق، أنا في حالة نفسية مرحة، والله ما مضى على هذه الكلمة إلا أسبوع إلا وهو من أهل القبور.

العاقل يمضي وقته في معرفة الله :

 فلما ربنا قال أتى أمر الله فالقضية انتهت، فعل ماضي وهي قضية زمن، فالعاقل يمضي هذا الزمن في معرفة الله، في التفقه بدينه، في معرفة كتابه، وربنا عز وجل في هذه السورة بين لكم بجلاء عجيب أن طريق معرفة الله هذا الكون، خلق السماوات والأرض، خلق الإنسان، خلق الأنعام، خلق الجبال، الليل والنهار، الشمس والقمر، البحار والأسماك، آيات في صفحتين، ثم جعل مفتاح السورة:

﴿ أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾

[ سورة النحل: 17]

 أتتجه إلى مخلوق وتعصي الخالق، أتؤثر زوجتك على طاعة الله، أتؤثر رضاها على رضاه، كلكم يعلم أن هذا التابعي الجليل الحسن البصري كان عند بعض ولاة بني أمية في البصرة وقد جاء توجيه من يزيد الخليفة، هذا التوجيه فيه شيء لا يرضي الله عز وجل، وقع هذا الوالي في حيرة فقال يا إمام انصحني ماذا أفعل؟ هذا الإمام قال له كلمة تكتب بماء الذهب، قال يا فلان: إن الله يمنعك من يزيد، ولكن يزيد لا يمنعك من الله، إذا كنت مع الله يحميك من كل الخلق.

 

أطع أمرنا نرفع لأجلك حجبنا  فإن قد منحنا بالرضا من أحبنا
ولذ بحمــانا واحتم بجنابنا  لنحميك مما فيه أشرار خلقنـا

 

 لو جاء المرض العضال ماذا يفعل أقرب الناس إليك، لو جاء المصاب الأليم ماذا يفعل أولادنا، ماذا يفعل إخوتنا؟ لا شيء، لذلك علاقتك مع الله اعرفه في الرخاء أيها الأخ الكريم وأنت صحيح معافى، وأنت في أوج صحتك وغناك، اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وغناك قبل فقرك وحياتك قبل موتك.

كن مع الخالق ولا تكن مع المخلوق :

 أيها الأخوة، هذه السورة ارجعوا إليها، أنا ما فسرتها لأن نصف ساعة لا تكفي لتفسير خمس صفحات، لكن عرضتها أمامكم عرضاً سريعاً، كيف جاءت كل هذه الآيات موضوعات للتفكر، هل فكرت في هذه الأنعام، هل فكرت في هذه البحار، هل فكرت في هذه الجبال، وهذه الأنهار، في خلق السماوات والأرض، هل فكرت في خلقك، هذه آيات يجب أن تستنبط منها:

﴿ أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾

[ سورة النحل: 17]

 كن مع الخالق ولا تكن مع المخلوق، اتجه إلى الخالق ولا تتجه إلى المخلوق، آثر جانب الخالق على جانب المخلوق، إياك أن تكون عبداً لعبد لئيم، كن عبداً لله فعبد الله حر.
 أيها الأخوة، هذا الكتاب كلام الله ولا شيء يعلو على كلام الله، ولا كتاب أجدى في حياتنا من كتاب الله، إنه منهجنا، إنه دستورنا، إنه بيان إنه تعليمات، إنه تحذير، إنه بشارة، إنه قواعد، إنه قوانين، إنه أخبار صادقة، فاقرؤوا هذا الكتاب بتأمل وتدبر لقول الله عز وجل:

﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾

[ سورة محمد : 24]

 اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما عمتنا وزدنا علماً، والحمد لله رب العالمين.
 الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم، اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

* * *

 

الخطبة الثانية :
 الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وليُّ الصالحين، و أشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ و سلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله و صحبه أجمعين.

لا يخافن العبد إلا ذنبه ولا يرجون إلا ربه :

 أيها الأخوة الأكارم، وصف النبي عليه الصلاة والسلام نفسه فقال: أوتيت جوامع الكلم، فأحاديثه فيها إيجاز عجيب، ومع الإيجاز غنى، ومع الغنى حقائق مذهلة، قال عليه الصلاة والسلام في أوجز أحاديثه: لا يخافن العبد إلا ذنبه، ولا يرجون إلا ربه.

الذنب هو الذي يسبب المتاعب :

 يعني الأخطار كلها تأتي من الذنوب، لا يخافن العبد إلا ذنبه، الله رحيم.

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً ﴾

[سورة النساء: 147]

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾

[ سورة فصلت: 30]

 آيات كثيرة تطمئن، لكن الذي يسبب المتاعب.. يسبب العلاجات.. يسبب المصائب.. يسبب الضيق هي الذنوب، لذلك اللهم لا تقطعنا بقواطع الذنوب، لا يخافن العبد إلا ذنبه، وإذا وقع في مشكلة لا يرجون إلا ربه، هذا هو التوحيد أنت بين خوف ورجاء، خف من ذنبك لأنه أس كل مشكلة، وأرجو ربك لأنه مصدر كل خير، لا يخافن العبد إلا ذنبه ولا يرجون إلا ربه.

 

تحميل النص

إخفاء الصور