وضع داكن
28-03-2024
Logo
الندوة : 19 - في الإنسان - فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الأستاذ حسام :
 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم المرسلين، وعلى آله و أصحابه أجمعين، مستمعي الكرام أرحب بكم في هذه الحلقة الجديدة من برنامج: "أفلا تبصرون"، وأرحب أيضاً بضيفي داخل الأستوديو الداعية الإسلامي الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي.
الدكتور راتب :
 بكم أستاذ حسام جزاك الله خيراً.
الأستاذ حسام :
 نتابع الحديث عن آيات الله في الإنسان، واليوم سوف نتناول الآية التي وردت في سورة الانفطار:

﴿ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ﴾

[ سورة الانفطار: 8]

 ما المقصود من هذه الآية؟

 

الله عز وجل واجب الوجود وما سواه ممكن الوجود :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.
 أستاذ حسام، الله عز وجل واجب الوجود، لكن ما سواه ممكن الوجود، معنى ممكن أن يوجد أو ألا يوجد، والمعنى الثاني ممكن أن يوجد على ما هو موجود، أو على خلاف ما هو موجود، فالله عز وجل خلق الإنسان بحاجة إلى الطعام، ولولا هذه الحاجة ما رأيت شيئاً على وجه الأرض، لا جامعات، ولا معامل، ولا مؤسسات، ولا طرق، ولا جسور، الإنسان يجوع يحب أن يأكل، يعمل من أجل أن يأتي بثمن الطعام، بل إن الله عز وجل حينما وصف بشرية الأنبياء قال:

﴿ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ ﴾

[ سورة الفرقان: 20]

 هم مفتقرون في وجودهم إلى تناول الطعام، ومفتقرون إلى ثمن الطعام بالمشي في الأسواق:

﴿ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ ﴾

[ سورة الفرقان: 20]

 كان من الممكن ألا تأكل إطلاقاً، من الممكن ألا تتنفس، فكل هذا ممكن، الله عز وجل واجب الوجود وما سواه ممكن الوجود، ممكن أن يوجد أو ألا يوجد، وممكن أن يوجد على ما هو موجود أو على خلاف ما هو موجود، لذلك الله عز وجل أشار إلى هذا الموضوع كثيراً في القرآن الكريم.

 

الشهوة حيادية فهي سلم نرقى بها أو دركات نهوي بها :

 لكن الله عز وجل اختار للإنسان خصائص جسمية؛ يأكل، ويشرب، وهو بحاجة إلى الطرف الآخر، الإنسان عنده ثلاثة دوافع كبيرة، حاجته إلى الطعام والشراب حفاظاً على بقاء الفرد، وحاجته إلى الزواج حفاظاً على بقاء النوع، وحاجته للتفوق حفاظاً على بقاء الذكر، هذه الحاجات الثلاثة تعد أكبر دوافع له في حركته بالحياة، فالإنسان كائن متحرك وليس كائناً سكونياً، هذه الكأس كائن سكوني لو تركته مئة عام على الطاولة لا يتغير، فالإنسان فيه شهوات أودعت فيه الشهوات ليرقى بها إلى رب الأرض والسماوات، أخوة كثر يتوهمون أن الشهوات سبب المعاصي، لا أبداً، ما أودع فينا هذه الشهوات إلا لنرقى بها إلى رب الأرض والسماوات، لولا أنك تشتهي ما ارتقيت إلى الله عز وجل، تشتهي شيئاً إن أخذته من الجانب الشرعي ترقى إلى الله شاكراً، إن تركت أخذه من جانب غير شرعي ترقى إلى الله صابراً، فأنت بهذه الشهوة ترقى مرتين مرة شاكراً ومرة صابراً، لولا هذه الشهوة كيف ترقى إلى الله؟ كيف تعبر عن حبك لله؟ كيف تتقرب إلى الله؟ إذاً ما أودع الله فينا الشهوات إلا لنرقى بها صابرين وشاكرين إلى رب الأرض والسماوات، إذاً الشهوة نفسها يمكن أن تكون دركات نهوي بها، أو سلماً نرقى بها، و الشهوة حيادية، مثلاً شهوة المرأة؛ التقيت مرة بعالم كبير قال لي: عندي ثمانية وثلاثون حفيداً، معظمهم من حفّاظ القرآن الكريم، وأطباء، أنا تصورت أن هذا العالم تزوج امرأة أنجب أولاداً، والأولاد جلبوا له الكنائن، والبنات جلبوا له الأصهار، الصف الثاني أولاده وزوجاتهم، وبناته وأزواجهن، الصف الثاني أنجب ثمانية وثلاثين حفيداً، هذا الهرم المبارك بالتعبير البيولوجي ما سببه؟ علاقة جنسية، في أي مكان فيه انحراف أخلاقي قد تتم علاقة جنسية، لكن هذه العلاقة شكلت هذا الهرم المبارك، وتلك العلاقة شكلت سقوطاً من عين الله، فالشهوة حيادية، سلم نرقى بها، أو دركات نهوي بها، وما أودع الله فينا الشهوات إلا لنرقى بها إلى رب الأرض والسماوات، بل إن الشهوة وحدها سبيلنا إلى التقرب إلى الله عز وجل، قال تعالى:

﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾

[ سورة آل عمران: 14 ]

خلق الإنسان يتماشى مع الفطر السليمة :

 أنا حينما أفهم أن الشهوة التي أودعها الله فيّ طريقي إلى الله، بل إن الله أرادني من هذه الشهوة أن أسمو إليه بها، وأتقرب إليه بها، عندئذ تختلف نظرتي اختلافاً كلياً، فحينما أودع فيّ حبّ الطعام والشراب، وحب الطرف الآخر كي أؤسس أسرة، وحب التفوق في الأرض كي يكون لي بطولة، هذه كلها حاجات حيادية يمكن أن تكون سلماً ترقى بها أو دركات تهوي بها، إذاً قضية الإنسان فيما أودع فيه من شهوات قضية دقيقة جداً، بل إنه ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، ما معنى هذا؟ معنى هذا ليس في حياة الإنسان حرمان بل هناك تنظيم، العلاقة بالمرأة أساسها الزواج، لا يوجد علاقة خارج نطاق الزواج في الإسلام، هذه علاقة محرمة، الزوجة تنجب أولاداً، الأولاد لهم أب ولهم أم، والأسر حينما تعتبر نظام الأسرة في المجتمع، المجتمع يرقى، قوة المجتمع من قوة أسره، فلذلك الأنظمة السماوية، التشريعات السماوية، هذه كلها تدعم الأسرة، والأنظمة الوضعية المتفلتة هذه تلغي وجود الأسرة، بل إن بعض المؤتمرات كمؤتمر السكان يرى أن الأسرة قد تكون بين شخصين، وقد يكونا رجلين، وقد يكونا امرأتين، أو رجل وامرأة، الأنظمة الوضعية تبتعد عن المنهج الإلهي القويم الذي جعله الله نبراساً لهذا الإنسان من أجل سلامته وسعادته، إذاً خلق الإنسان يتماشى مع هذه الفطرة السليمة، إذاً أنا حينما أرى أن الإنسان بحاجة إلى أن يأكل ويشرب، إذاً كل هذا الذي تراه على وجه الأرض من معامل ومؤسسات، من حقول مزروعة، من أبنية شاهقة، من جسور، من طرقات، من جامعات، من مدارس، من معامل، هذه كلها بسبب أن الإنسان بحاجة إلى أن يأكل ويشرب، الآن كم مؤسسة في العالم من أجل الزواج بحاجة إلى امرأة، والمرأة بحاجة إلى رجل، ثم بحاجة إلى التفوق.

 

خاتمة و توديع :

الأستاذ حسام :
 جزاك الله خيراً الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي الداعية الإسلامي، مستمعينا الكرام نلتقي غداً في حلقة جديدة.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور