وضع داكن
16-04-2024
Logo
فاسألوا أهل الذكر - الندوة : 30 - الحج.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 المذيع: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.
 أيها الأخوة الكرام السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وأهلاً ومرحباً بكم إلى هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم اسألوا أهل الذكر.
 ليقف الناس جميعاً على صعيد واحد لا فرق بين رئيس ومرؤوس، يجتمعون في هذا المؤتمر الإيماني العظيم، ينشدون من الله المغفرة والتوفيق، في الحج يقدم المسلمون الآن العهد بين يدي الله سبحانه وتعالى أن يسيروا وفق النهج السديد والطريق السوي، الذي يمليه عليه إيمانهم وقرآنهم، يتجهون إلى الله بتضرع وخشوع، وكلٌ منهم يقول: اللهم إني عبدك أقف تحت بابك، ملتزم بأعتابك، متذلل بين يديك، أسألك أن تضع وزري، وترفع ذكري، وتصلح أمري، وتطهر قلبي، وتغفر لي ذنبي، يتجمع ضيوف الرحمن في هذه الأيام من مشارق الأرض ومغاربها، مهما ابتعدت ديارهم، واختلفت ألوانهم وألسنتهم، يعاهدون الله أن يكونوا على مستوً من الخشوع والإيمان والتضرع، ضيوف الرحمن وهم يقفون في وحدة متماسكة، يستشعرون عظمة الله سبحانه وتعالى، ويعلمون أنه سبحانه أراد للمسلمين جميعاً أن يكونوا كتلة واحدة، متماسكين أمام أعداء الإسلام، الذين يكيدون له المكائد، ويتربصون به الدوائر.
 باسمكم جميعاً أيها الأخوة نرحب بفضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي. أستاذ مادة الإعجاز العلمي في كليات الشريعة وأصول الدين، والمحاضر في كلية التربية جامعة دمشق. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أستاذ.
 الأستاذ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أستاذ زهير.
 المذيع: بداية أستاذي الكريم نتحدث عن رحلة العمر هذه، رحلة الحج، الرحلة إلى بيت الله الحرام، ومقاصدها الفقهية والروحية.
 الأستاذ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 أستاذ زهير جزاك الله خيراً، في الإسلام عبادات تنظم علاقة الإنسان بربه، وفي الإسلام معاملات تنظم علاقة الإنسان بأخيه، فإذا صحَّت المعاملات صحَّت العبادات وقبلت، فبادئ ذي بدء من حج مثلاً بمال حرام ووضع رجله في الركاب وقال: لبيك اللهم لبيك، ينادى أن لا لبيك ولا سعديك، وحجك مردود عليك، إذاً العبادات الشعائرية، كالصلاة والصيام والحج لا تصح ولا تقبل إلا إذا صحَّت المعاملات، لذلك على كل حاج يريد أن يتوجه إلى بيت الله الحرام أن يتوب من كل الذنوب، وأن يعقد توبة نصوحة مع الله تعالى قبل أن يزمع السفر إلى بيت الله الحرام، الحج هو أحد أركان الإسلام الخمسة، هو عبادة مالية، وعبادة بدنية، وعبادة شعائرية، وهي تلك الرحلة الفريدة في عالم الأسفار، ينتقل فيها المسلم ببدنه وقلبه إلى البلد الأمين الذي أقسم الله به في القرآن الكريم، ليقف في عرفات، ويتطوف ببيت الله الحرام، الذي جعله الله رمزاً لتوحيد الله ووحدة المسلمين، ففرض على المسلمين أن يستقبلوه في اليوم خمس مرات في صلواتهم، ثم فرض على المسلمين أن يتوجهوا إليه إن كانوا مستطيعين ليتطوفوا به في العمر مرة واحدة.
 أستاذ زهير هنالك نقطة مهمة جداً ينبغي أن أشير إليها، الحج بادئ ذي بدء برهان عملي يقدمه المؤمن لربه ولنفسه، على أن تلبية دعوة الله بدافع محبته وابتغاء رضوانه أفضل عنده من ماله وأهله وولده، وعمله، ودياره، تتميز هذه العبادة أنها تحتاج إلى تفرغ تام، فلا تؤدى إلا في بيت الله الحرام، إذاً لابد من مغادرة الأوطان، وترك الأهل والخلان، وتحمل مشاق السفر والتعرض لأخطاره، ولابد من إنفاق المال في سبيل رضوانه، وإذا صح أن ثمن هذه العبادة باهظ التكاليف فإنه يصح أيضاً أن ثمرة هذه العبادة باهظة النتائج، قال عليه الصلاة والسلام:

((عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهم عَنْه قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ))

(صحيح البخاري)

 وقال عليه الصلاة والسلام:

 

(( عَنِ ابْنِ شِمَاسَةَ الْمَهْرِيِّ قَالَ حَضَرْنَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَهُوَ فِي سِيَاقَةِ الْمَوْتِ فَبَكَى طَوِيلًا...... وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ.... ))

 

(صحيح مسلم)

((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ ))

(صحيح البخاري)

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ الْحُجَّاجُ وَالْعُمَّارُ وَفْدُ اللَّهِ إِنْ دَعَوْهُ أَجَابَهُمْ وَإِنِ اسْتَغْفَرُوهُ غَفَرَ لَهُمْ ))

(سنن ابن ماجه)

((عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلَّا الْجَنَّةُ...... ))

(سنن الترمذي)

((عَنْ أَبِي زُهَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّفَقَةُ فِي الْحَجِّ كَالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِسَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ ))

(مسند الإمام أحمد)

 لو دخلنا كما تفضلتم في حكمة الحج الإيمانية، يذهب المسلم إلى بيت الله الحرام، ويخلِّف في بلدته هموم المعاش والرزق، هموم العمل والكسب، هموم الزوجة والولد، هموم الحاضر والمستقبل، وبعد أن يحرم من الميقات يبتعد عن الدنيا كلياً، ويتجرد إلى الله عز وجل ويقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.
 هذه التلبية كأنها استجابة لنداءٍ ودعوةٍ يقعان في قلبي، أي عبدي خلي نفسك وتعال، تعال لأريحك من هموم كالجبال جاثمة على صدرك، تعال يا عبدي لأنقيك من شهوات تنغص حياتك، إلى متى أنت باللذات مشغول ؟ وأنت عن كل ما قدمت مسؤول! تعال يا عبدي وذق طعم محبتي، تعال يا عبدي وذق حلاوة مناجاتي، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، تعال يا عبدي لأريك من آياتي الباهرات، تعال يا عبدي لأريك ملكوت الأرض والسموات، تعال يا عبدي لأضيء جوانحك بنوري الذي أشرقت به الظلمات، لأعمر قلبك بسكينة عزَّت على أهل الأرض والسموات، لأملأ نفسك غناً ورضاً شقيت بهما نفوس كثيرات، لأخرجك من وحول الشهوات إلى جنات القربات، تعال يا عبدي لأنقذك من وحشة البعد إلى أنس القرب، تعال يا عبدي لأخلصك من رعب الشرك، وذل النفاق، إلى طمأنينة التوحيد وعز الطاعة، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، تعال يا عبدي لأنقلك من دنياك المحدودة وعملك الرتيب وهمومك الطاحنة إلى آفاق معرفتي، وشرف ذكري، وجنة قربي، تعال يا عبدي أحط همومك ومتاعبك ومخاوفك عندي، فأنا أضمن لك زوالها، تعال واذكر حاجاتك، وأنت تدعوني فأنا أضمن لك قضاءها، إن بيوتي في الأرض المساجد وإن زوارها هم عمارها، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني، وحق على المزور أن يكرم الزائر.
 المذيع: أستاذي الكريم نتوقف عند هذا التكريم من الله سبحانه وتعالى لكل من لبى نداءه.
 مستمع: السلام عليكم، عندي سؤالين، الأول بالنسبة للحجر الأسود فكثير من الناس يقولون أن الحجر يضر وينفع !! والأمر الآخر، أن أحدهم ذهب إلى الحج وحج وأدى مناسكه الكاملة فإذا غلط غلطة فبعض الناس من العامة يقولون: ذهبت حجته !! ما تعليقكم جزاكم الله خيراً ؟
 المذيع: نتابع الحديث أستاذي الكريم لكرم الله سبحانه وتعالى لمن لبوا نداءه.
 الأستاذ: ورد في الأثر:

((إن عبداً أصلحت له جسمه ووسعت عليه في المعيشة، فمضت عليه خمسة أعوام لم يتب إلي لمحروم.))

 أنت حينما تقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، كأنك تستمع إلى نداء الله عز وجل، يقول لك: يا عبدي تعال وطف حول الكعبة، طواف المحب حول محبوبه، واسع بين الصفا والمروة، سعي المشتاق لمطلوبه، تعال يا عبدي وقبل الحجر الأسود كما ورد في بعض الروايات: يميني في الأرض. واذرف الدمع على ما فات من عمر ضيعته في غير ما خلقت له، وعاهدني على ترك المعاصي والمخالفات، عاهدني على الإقبال على الطاعات والقربات، وكن لي كما أريد لأكن لك كما تريد، كن لي كما أريد ولا تعلمني بما يصلحك، لأن الله سبحانه وتعالى يعلم ما يصلح الإنسان، إذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد، خلقت لك ما في الكون من أجلك فلا تتعب، وخلقتك من أجلي فلا تلعب، فبحقي عليك لا تتشاغل بما ضمنته لك بما افترضته عليك، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد لك والنعمة لك والملك لا شريك لك، تعال يا عبدي إلى عرفات، يوم عرفة فهو يوم اللقاء الأكبر، تعال لكي تتعرض لنفحة من نفحاتي، تطهر قلبك من كل درن وشهوة، وتصفي نفسك من كل شائبة، هذه النفحات تملأ قلبك سعادة وطمأنينة، وتشيع في نفسك سعادة لو وزعت على أهل الأرض لكفتهم، عندئذٍ لا تندم إلا على ساعة أمضيتها في القيل والقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال، تعال يا عبدي لعرفات، لتعرف أنك المخلوق الأول من كل المخلوقات، ولك وحدك سخرت الأرض والسموات، وأنك حمِّلت الأمانة التي أشفقت منها الأرض والسموات والجبال، وأني جئت بك إلى الدنيا لتعرفني، وأن تعمل صالحاً، يؤهلك لدخول جنتي، تعال إلى عرفات يوم عرفة، لتعرف أن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر، وأنك إن وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء.
 بعد أن يذوق المؤمن في عرفات من خلال دعائه وإقباله واتصاله روعة اللقاء وحلاوة المناجاة، ينغمس في لذة القرب، عندئذٍ تصغر الدنيا في عينيه، وتنتقل من قلبه إلى يديه، ليصبح أكبر همه الآخرة، فيسعى إلى مقعد صدق عند مليك مقتدر، وقد يكشف للحاج في عرفات أن كل شـيء سـاقه الله له مما يكره هو محض عدل، ومحض فضل، ومحض رحمة، وعندئذٍ يتحقق من قوله تعالى:

 

﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ(216)﴾

 

(سورة البقرة)

 المذيع: تعليقاً أستاذي الكريم على ما جاء في كلمة فضيلة الشيخ.
 الأستاذ: والله أنا أرى أن الحج إن صح التعبير مؤتمر إسلامي، ولابد من أن يكون هناك لقاءات بين مفكري العالم، تطرح مشكلات المسلمين، أذكر مرة أنه قدم الحج رجل من علماء أمريكا وقد هداه الله إلى الإسلام، وألقى كلمة في منى جاء فيها: نحن أقوى أمة في الأرض، فإذا أقنعتمونا بإسلامكم كانت قوتنا لكم.
 بعض الأديان أقنعوهم وتعاونوا فملكوا رقابهم، المسلمون مقصرون، أنا أرى أن انتماء المسلم في الأعم الأغلب لنفسه، لذاته، أما العمل الجماعي عند المسلمين ضعيف جداً، هناك تفوق فردي مذهل، أنا كنت في أمريكا، أعلى بناء في شيكاغو من تصميم مسلم، بأعلى المناصب العلمية في بلاد الغرب يقع فيها المسلمون، تفوقهم الفردي كبير جداً، أما الجماعي فضعيف جداً، لذلك نحن نعاني من الفرقة، هذا الحج يتيح لك أن ترى المسلم في كل مكان كما تفضل الأخ الداعية جزاه الله خيراً، لك أن تعرض له مشكلتك، لك أن تتناقش معه، تتحاور، أما أن تؤدى الفريضة أداءً شكلياً بعيداً عن الهدف السامي الذي أراده الله منها فذا ضعف في فهم الحج، وأنا مع الأخ الكريم، طبعاً لقاء سلمي، لقاء مداولة، لقاء عرض مشكلات، لقاء تبادل خبرات، لقاء بحث عن حلول، لقاء بحث عن الثغرات، لقاء تذليل العقبات، لقاء سد الفوارغ، هذه اللقاءات مثمرة جداً، ولا يتاح لأي دين سماوي أن يجتمع أتباعه أو معظمهم، أو عدد كبير من أتباعه في مكان واحد، فأرجو الله عز وجل أن نفهم حقيقة الحج.
 المذيع: تعليقك أستاذنا الكريم.
 الأستاذ: والله ما نعانيه في العالم الإسلامي من ضعف، ومن وضع لا نحسد عليه إطلاقاً إنما هو لكلمتين أقولهما دائماً، هان أمر الله على المسلمين فهانوا على الله، الانتماء إلى الإسلام ليس بالشكل بل بالمضمون، ليس بالدعوة بل بالحقيقة، نحن حينما يهون أمر الله علينا فلا نعبأ لا ببيوتنا، ولا بأعمالنا، ولا بشوارعنا، ولا بإعلامنا، ولا بصحفنا، ولا بمجلاتنا، ولا بزي نسائنا، حينما لا نقيم الإسلام حقيقة، ذلك لأن الطرف الآخر همه من بعثة النبي وحتى يوم القيامة أن نغير منهجنا.

 

﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا(73)﴾

 

(سورة الإسراء)

 هذا هم الطرف الآخر من بعثة النبي إلى يوم القيامة، لتفتري علينا غيره، مقبول أن يكون الإسلام زخارف إسلامية، صور إسلامية، بطاقات إسلامية، مساجد رائعة جداً، مؤتمرات مؤلفات، كتب محاضرات، منتديات، لكن مرفوض أن يكون الإسلام منهجاً تفصيلياً لحياتنا، فبذلك لا يحاربون الشكل، ولا الإطار، يحاربون المضمون.

 

﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا(73)وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا(74)﴾

 فلذلك ما لم تصح منا العبادات التعاملية والالتزام فعباداتنا الشعائرية لا تقبل ولا تصح.
 المذيع: أستاذي الكريم، وردنا سؤال يسأل عن الحجر الأسود ومكانته.
 الأستاذ: سيدنا عمر يقول حينما قبَّل الحجر الأسود: إنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله يقبِّلك ما قبّلتك. الإنسان بالحج متعبد بأشياء كثيرة، يجب أن يخضع للحجر هكذا أراد الله، وأن يمتنع عن إيذاء النبات، والحيوان والإنسان، هو سيد المخلوقات، ولكن أراده الله أن يكون عبداً لله، أما أن يكون الحجر نافعاً أو ضاراً فهذا شرك كبير، هو منسك من مناسك الحج، وشعيرة من شعائر الحج، وإذا أردنا أن نفهم تقبيل الحجر فهماً إن صح التعبير عاطفياً !! هو يمين الله في أرضه فمن فاوض الحجر فكأنما فاوض كف الرحمن، لا ينفع ولا يضر، ولكن إذا انعقدت معه توبة وصلح مع الله عز وجل فكان رمزاً لإعلان التوبة.
 مستمع: السلام عليكم، أريد أن أقول للشيخ أنني أخاف من الجن !! فهل من الممكن أن يقول لي الدعاء يوم عرفات، أي دعاء أدعيه بيوم عرفة من أجل أن يساعدني الله.
 الأستاذ: أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله، أي لا رافعة ولا خافضة، ولا معزة، ولا مذلة، ولا ضارة ولا نافعة، ولا معطي، ولا مانع إلا الله، أفضل دعاء يوم عرفات كلمة التوحيد.
 المذيع: السؤال: إذا أخطأ الحاج في مجتمعنا يقال له ضاعت حجتك، فمباشرة يحكمون عليه.
 الأستاذ: الحقيقة هو قال: عوام. ومادام وصف هؤلاء بالعوام فينبغي أن لا يؤخذ بقولهم، هناك فرائض، وهناك واجبات، وهناك سنن، وهناك مستحبات، فمن ترك الفريضة فقد بطل حجه، ومن ترك واجباً فعليه هديه، ومن ترك سنة فلا شيء عليه، هذا هو المنهج الفقهي.
 المذيع: مستمعة بعد السلام والتحية لفلسطين وشهداء فلسطين بعد العملية الاستشهادية يوم أمس سألت عن قوله تعالى:

 

 

﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾

 

(سورة البقرة)

 فتسأل عن الياء الأولى أنها من أصل الكلمة، أما الثانية ؟!.
 الأستاذ: أصلها استحيا، والألف في النهاية ألف لينة، إذا جاء المضارع تنقلب إلى أصلها، استحيا يستحيي، الياءين من أصل الكلمة، لكن الياء الأولى بالماضي جاءت لينة.
 المذيع: مسلم لديه مال جامد، أي قطعة أرض، هل يجب عليه أداء فريضة الحج ؟
 الأستاذ: هذا المال ليس سائلاً، بمعنى آخر ليس في متناوله، فكيف يحج ؟
 المذيع: هل يجب على المعتمر أن يضحي ؟
 الأستاذ: الذبح إما أن يكون هدي شكر، أو هدي ذكر أو تقرباً إلى الله عز وجل، فالذي جمع بين الحج والعمرة والقارن عليه دم شكر، والذي تمتع أي أقام العمرة ثم فك الإحرام واستمتع حتى الثامن من ذي الحجة هذا متمتع وعليه هدي جبر، والذي لم يخطئ إطلاقاً وقدم هذا الهدي إلى الله عز وجل فهو من باب التطوع.
 المذيع: أيضاً طلبت أخت مستمعة الدعاء للمقاومة في فلسطين والعراق في نهاية الحلقة إن شاء الله نستمع إلى دعاء.
الآن أستاذي الكريم قبل أن نختم: بعد أن وقف الناس في عرفة يستشعرون عدة معاني، هذه المعاني تستجلي أشياء كثيرة في القلب وفي الروح، أرجو أن نستمع إلى هذه المعاني الروحية بعد عرفات.
 الأستاذ: وبعد أن يفيض الحاج من عرفات وقد حصلت له المعرفة، واستنار قلبه، وصحت رؤيته، يرى أن السعادة كل السعادة والتفوق كل التفوق، والعقل كل العقل، والنجاح كل النجاح، والفلاح كل الفلاح، في طاعة الله، وأن الشقاء كل الشقاء في معصيته، عندئذٍ تنكشف له عداوة الشيطان، وكيف أنه يعد أولياءه بالفقر إذا أنفقوا، ويخوفهم مما سوى الله فيما إذا أنابوا وتابوا، ويعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً:

 

﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(22)﴾

 

(سورة إبراهيم)

 عندئذٍ يعبر الحاج عن عداوته للشيطان تعبيراً رمزياً برمي الجمار، ليكون الرمي تعبيراً مادياً، وعهداً موثقاً في عداوة الشيطان، ورفضاً لوساوسه وخطراته، لكن هناك ملمح دقيق جداً أشار إليه الإمام الغزالي رحمه الله تعالى قال: اعلم أنك في الظاهر ترمي الحصى في العقبة وفي الحقيقة ترمي بها وجه الشيطان، وتقصم ظهره، ولا يحصل إرغام أنفه إلا بامتثال أمر الله سبحانه وتعالى.
 فالإنسان حينما يعود من الحج ويعصي ربه يكون الشيطان هو الذي رجمه، ولا يصح رمي الجمار إلا إذا كانت عداوة أبدية مع الشيطان.

 

﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا﴾

 

(سورة فاطر)

 ولو وقفت في رمي الجمار ورميت الشيطان، هذا الرمي الرمزي لو أن الإنسان عصا الله بعد الحج أولاً بطل هذا الرمي لأنه لم يحقق هدفه، وثانياً كأن الشيطان هو الذي رجمه، الحقيقة إن لم تعد من الحج إنساناً آخر فالحج لم يحقق هدفه، هذه العبادات أستاذ زهير معللة بمصالح الخلق، في الأديان التي من صنع البشر فيها طقوس، حركات وسكنات وإيماءات، وتمتمات لا معنى لها إطلاقاً، لكن العبادات في الإسلام عبادات معللة بمصالح الخلق، فالله عز وجل يقول:

 

﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾

 

(سورة العنكبوت)

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(183)﴾

(سورة البقرة)

﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(103)﴾

(سورة التوبة)

 في الحج وردت آية دقيقة جداً:

 

﴿ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ﴾

 

(سورة المائدة)

﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا﴾

(سورة الطلاق)

 فعلة خلقنا في الدنيا كي نعلم أن الله على كل شيء قدير، وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً، أسماء الله الحسنى كثيرة جداً، اختار الله من أسمائه اسمين فقط، اسم العليم والقدير، ذلك أنك متى تستقيم على أمره يوجد حالة دقيقة جداً حينما توقن أن علمه يطولك، وأن قدرته تطولك، إذاً تستقيم على أمره، ولأوضح هذا بمثل: لو أنك تقف على إشارة حمراء، وأنت مواطن عادي، والشرطي واقف، وشرطي آخر على دراجة واقف، ونقيب بالشرطة في سيارة واقف، وأنت مواطن عادي، ليس لك أي ميزة، لا يمكن أن تتجاوز الشارة الحمراء، لأنك توقن أن واضع قانون السير علمه يطولك من خلال الشرطة، وقدرته تطولك بحجز المركبة وسحب الإجازة، أنت حينما تتعامل مع بني البشر، مع من هم من جلدتك، أنت حينما تتعامل مع إنسان وتوقن أن علمه يطولك، وقدرته تطولك، لا يمكن أن تعصيه، فهذا الحج من أجل أن تعلم أن الله يعلم، فإذا علم الإنسان أن الله يعلم هو معك، ويعلم كل حركاتك وسكناتك، وسوف يحاسبك وسوف يعاقب الإنسان المخطئ لن يعصي الله إطلاقاً، فالذي أريد أن أقوله أن الحاج حينما يقبل الحجر الأسود (أو الأسعد)، أو حينما يشير إليه يقول بسم الله، الله أكبر، اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، واتباعاً لسنة نبيك، وعهداً على طاعتك.
 فإذا عاد إلى بيته بعد هذا الحج هو عاهد الله أن يطيعه، فإذا لم يطعه فقد نقض العهد، وكأنه ألقى بحجته في عالم النسيان.
 المذيع: يوجد مداخلة لأخ مستمع، تساءل في نهايتها عن الرد الذي نسمعه بين حين وآخر عن الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام.
 الأستاذ: قال تعالى:

 

﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا(39)﴾

 

(سورة الأحزاب)

 فإن كان الغني عبادته الأولى إنفاق المال، وإذا كان القوي عبادته الأولى إحقاق الحق وإبطال الباطل، فالعالم عبادته الأولى الرد على الشبهات، وتفنيد الانتقادات، وترسيخ معالم الدين، والدعوة إلى الله، هذه مهمة العلماء، وقد أخذ الله عليهم العهد أن يبينوا للناس الذي هو في علمهم.
 المذيع: بارك الله بكم أستاذنا، نختم بدعاء للمقاومين في فلسطين والعراق.
 الأستاذ: اللهم انصر أخوتنا في الأراضي المحتلة، انصرهم نصراً عزيزاً مؤزراً، اللهم انصر أخوتنا في العراق، انصرهم على أعدائك وأعدائهم يا رب العالمين، اللهم انصر المؤمنين في كل مكان، اللهم انصرنا على أنفسنا، حتى ننتصر لك، حتى نستحق أن تنصرنا على أعدائنا، هذا الدعاء دقيق جداً أستاذ زهير، اللهم انصرنا على أنفسنا، المهزوم أمام نفسه لا يستطيع أن يواجه نملة، فلابد من أن ننتصر على أنفسنا، فإذا انتصرنا على أنفسنا يمكن أن ننتصر لله، وإذا انتصرنا له يمكن أن ننتصر على أعدائنا أما أن يكون الدعاء ساذجاً لا يدعمه سلوك ولا تضحية، ولا إيثار !! هذا الدعاء يعد ذنباً من ذنوب الإنسان.
 قال سيدنا عمر لما رأى رجلاً معه جملاً أجرب: يا أخ العرب ما تصنع بهذا الجمل الأجرب ؟ قال له: والله أدعو الله أن يشفيه. قال له: هلا جعلت مع الدعاء قطراناً ؟.
 فالدعاء إن لم يوافق بسعي هو استهزاء بالله عز وجل.
 المذيع: في نهاية هذه الحلقة نشكر الأستاذ محمد راتب النابلسي.

 

تحميل النص

إخفاء الصور